قد يتبادر إلى أذهان بعضنا سؤال، عن ماهية المعارضة التي تنشط ضد النظام الإسلامي في إيران؟ حيث يستحيل أن يوجد في هذا العالم نظام من دون معارضة، فقد جاءنا في القرآن من أنباء الأوّلين، إلى حدّ خاتم المرسلين(ص)، ما أفاد أن للأنبياء المعصومين معارضة من المشركين، بسبب أنهم لم يتقبّلوا بعثتهم، رغم أنها كانت في منتهى السّلم والدّعوة بالحسنى، ومن جانب المؤمنين بهم كانت هناك أيضا ما يشبه المعارضة لتأثّرها بالدّعايات وانسياقها وراء طفْرَتها، وذكر لنا التاريخ مختصرا معارضات وثورات فشل أغلبها، زعزع بقيتها أركان أنظمة، وأطاحت ببعضها، قادها رجال رفعوا شعارات إصلاح في أممهم، وآخرون استبطنوا نواياهم، حتى اذا تمكنوا من الحكم انقلبوا على أنصارهم، كما كانت حال المنصور العباسي مع أبي مسلم الخراساني(1).
من هذه المحصّلة نبدأ بالإجابة على هذا السؤال، رفعا لما التبس في أذهان من تأثر بسيل الدعايات الغربية، لنُبيّن له حقيقة قد تكون غابت عليهم، وسط هذه الغابة الموحشة من تزييف الحقائق، فقد اصبحنا نعيش في عالم غلب عليه الكذب والنفاق، لا يكاد المرء يتبيّن الخيط الأبيض من الأسود من صبح الحقيقة، الذي غلب عليه غيم الإعلام الفاسد، فحجب إلى حين ما لا يدوم إخفاؤه مهما تفنّن أهل التزوير وصنّاع البهتان.
البداية لمعرفة الحقيقة، تأخذنا إلى بداية شرارة الثورة الاسلامية (5/6/1963)، التي قادها الإمام روح الله الموسوي الخميني، بتحريك الجماهير في شهر محرّم من خلال خطبه، للتنديد بسياسة الشاه مما أدى واعتقاله، ولما لم يجد طريقا للتخلّص منه جراء غضب الجماهير ونزولها إلى الشوارع، قام بنفيه خارج إيران، ليواصل من العراق قيادة ثورة شعبه، بإرسال خطبه وبيناته عن طريق أنصاره من عشاق النهج الحسيني، عبر الحدود البريّة الواسعة (1458 كلم)(2)(3) ثم من فرنسا مدى الأشهر الثلاثة التي قضاها هناك، بعد اتفاق صدّام والشاه على إخراج الإمام الخميني رضوان الله عليه من العراق، مقابل وقف الشاه دعم الحركة الكردية المسلحة بقيادة مصطفى برزاني.
ازدادت ملامح الثورة الإيرانية وضوحا في انتمائها الإسلامي، بتكاتف الجماهير حوله كقائد مرشد وموجّه لمسيرتهم الثورية، كانت عشرة الفجر التي سبقت انتصار الشعب علامة فارقة برجوعه الى ايران متحدّيا نظام الشاه، غير عابئ بتهديد اسقاط الطائرة التي تقلّه، ثم اعتماد الشعب الإيراني على خيار نظام حكم إسلامي بعد استفتاء صوت له بنسبة 98.2%(4)، وقيام النظام على مبدأ ولاية الفقيه العادل، التي لم يجرؤ على إقامتها رجل اصلاح غيره، من هنا بدأت متاعب النظام الإسلامي، وتشكّل معارضيه من الداخل والخارج، ووصولهم إلى درجة التحالف فيما بينهم، على الكيد للنظام الإسلامي، ومحاولات إسقاطه بشتى السبل، لكنها لم تفلح لحدّ اليوم في تحقيق شيء يصبّ في مصلحتهم.
هذه المعارضة التي تدّعي أن لها شعبية داخل إيران – وهو افتراء صرف – بدليل أنها لم تفلح في استمالة الشعب الإيراني، وبقائه وفيا ملتفّا حول نظامه حاميا له بالدماء والأرواح، مما أغاظ هذه المعارضة، المتكونة من بقايا النظام البهلوي البائد، ولفيف من اليسار الماركسي، وأنصار الليبرالية المعادية لقيام نظام إسلامي في إيران، في مقدّمتهم منظمة منافقي خلق، التي تورّطت في أعمال إرهابية داخل إيران، تمثلت في القيام بتفجيرات واغتيالات عديدة، ذهب ضحيتها المئات من علماء وكوادر الثورة الإسلامية.
معارضة تدعو الى السخرية من عناصرها واجتماعاتهم في باريس خصوصا، برعاية أمريكية فرنسية غربية فهذه الدول لم تعد تخجل من ايواء هؤلاء المتورطين في اعمال ارهابية ضد شخصيات إسلامية إيرانية، فما يهمها هنا هو إضعاف النظام الإسلامي أو اسقاطه ليتخلّصوا من كابوس ثقيل عليهم قد أرّق عيشهم، وهم اليوم على حافة اليأس من جميع محاولاتهم ومؤامراتهم وعقوباتهم، قد باءوا فيها بالفشل الذريع، لكن فشلهم لم يمنعهم من تصديق فلول النفاق بأنّ أملهم ما يزال قائما، والحمقى من يرون السّراب ماءً.
منظمة المنافقين الإرهابية التي تحتضن عناصرها ومقراتها أوروبا وأمريكا، عبّرت في ما يسمى مؤتمرها السنوي الاستعراضي بعنوان (إيران حرة 2021)عن استيائها من انتخاب السيد إبراهيم رئيسي، رئيسا جديدا للسلطة التنفيذية في ايران، وكعادتها لم تترك تهمة تسيء للنظام الإسلامي، ولشخص السيد رئيسي، إلا وألصقتها بهما، وتهويل مؤتمرها السنوي على أنّ لها منتمين وأنصارا يعدّون بالآلاف، لا قيمة له أمام عدد أنصار ولاية الفقيه، ممن أدلوا بأصواتهم لفائدة مرشحي التيّار المحافظ: السيد ابراهيم رئيسي(17.800.000) محسن رضائي (3.300.000) أمير حسين قاضي زادة هاشمي (1.000.000)،(5) بمعنى أن هؤلاء الأنصار بحدّهم الأدنى(22.100.000)، ممن يحق لهم الإدلاء بأصواتهم، مقابل ما حصل عليه عبد الناصر همتي (2.400.000) إذا أردنا اعتباره معارضا، وهو أمر غير وارد واقعا، فأين آلاف المعارضة الوهمية التي تدّعيها منظمة المنافقين، المكروهة تماما من الشعب الإيراني، المتورطة في قتل خيرة أبنائه، والمتواطئة مع صدّام في عدوانه على إيران، والمنضوية تحت قيادة أمريكا والغرب – المعاديين للإسلام فكرا ونظاما – في خدمة مشاريعه التدميرية الإرهابية، التي تتعرض لها التجربة الإسلامية الرائدة في إيران بغية تحطيمها؟ (6)
إن في وجود شخصيات معروفة بحقدها وعدائها لإيران، في مؤتمر المنافقين الإفتراضي، من أمثال وزير الخارجية الأمريكي (مايك بامبيو)(7)، من بين المهتمين بهذه المنظمة الإرهابية، لدليل على تورّط أمريكا والغرب بشكل مباشر، في جميع الجرائم التي ارتكبتها، وهذا التّوافق الإستراتيجي والألفة بينهم، يعطينا صورة واضحة على مدى استهتار هذه الدول، بقرارات الشعوب ومستقبلها، والصّخب الذي تُحدِثُه لقاءاتهم واحتجاجاتهم، الموجّهة والمبرمجة وفق أجندة أمريكية غربية، لن يغيّر شيئا من واقع استقرار النظام الإسلامي في إيران، وجدارته بقيادة شعبه الوفيّ والمدافع دائما على خياره السياسي، وبقدر النجاح الباهر والصمود الأسطوري الذي حققه، أمام عقوبات وتعنّت الغرب، بقدر الفشل والخيبة والخسران الذي لحق أمريكا وحلفاءها، من دول الغرب وعملاؤهم في المنطقة.
المصادر
1 – أبو مسلم الخراساني https://ar.wikipedia.org/wiki/
2 – الحدود الإيرانية العراقية https://ar.wikipedia.org/wiki/
3 – انطلاقة النهضة http://ar.imam-khomeini.ir/ar/n4375/
4 – الدستور الايراني https://ar.mfa.ir/portal/viewpage/3984
5 – إبراهيم رئيسي متقدّم بقوة في الإنتخابات الرئاسية في ايران حسب نتائج أولية رسمية
6 – لماذا تحيي السعودية نفوذ منظمة “مجاهدي خلق” الإيرانية المعارضة؟
https://www.bbc.com/arabic/middleeast/2016/08/160803_iran_saudi_mujahidi_khalq
7 – آكلي لحوم البشر”.. المعارضة الإيرانية تتظاهر في باريس ضد النظام ورموزه
https://www.alhurra.com/iran/2021/07/10/
منطقة المرفقات