بعد تهيئة واعداد كبيرين من النبي صلى الله عليه وآله وسلم سبق أن أشار اليهما حفاظ وعلماء الأمّة، ومع اقتراب موعد رحيله عن دار الدنيا، كان لا بدّ من تنصيبه إماما للأمة وليّا لأمورها من بعده، ولم يكن ذلك من تدبيره، وإنما هو تصريف إلهيّ ليس له فيه سوى البلاغ.
كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتحاشى قدر الإمكان إثارة أنفس يستفزها ذكر علي عليه السلام، فضلا عن حضوره وتقديمه ونجاحه، لما عرف في الناس من ضغائن لهم عليه، منهم من لبسها بسبب قتله أقاربه وذوي أرحامه، عندما حاربهم تحت راية الحمد – راية النبي صلى الله عليه وآله وسلم – التي أعطاه إيّاها وكانت معه دائما في غزواته، ولم تنتكس أبدا بين يديه، ومنهم من لبس البغضة حسدا من مكانته عند الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، كما في هذه الرواية:
عن بريدة الأسلمي قال: غزوت مع علي اليمن، فرأيت منه جفوة، فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذكرت عليا فتنقصته، فرأيت وجه رسول الله يتغير فقال: يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت: بلى يا رسول الله قال من كنت مولاه فعلي مولاه.[1]
وعبر عنها الوحي بتعابير شتى، صبّت كلها في مقام رفيع، يستحيل على غيره تناول معشاره، وعلي الذي قال فيه النبي انه لا يحبه الا مؤمن ولا يبغضه الا منافق، وجد نفسه في مواجهة حزب كبير اسمه حزب المنافقين، هؤلاء الذين خذل منهم النبي في غزوة احد، فرجع منهم حوالي نصف العدد، الذي خرج للقتال من المدينة، فلا يجب أن يغفل الباحث عن الحقيقة في مسألة الحكومة جانبهم ووزنهم، وانهم سيزدادون عددا وعدة بعد رحيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
أمر التنصيص على علي وليّا لأمور المسلمين، خلفا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، تضمّنه حديثه الذي قاله بشأنه، عندما خلّفه على المدينة، وخرج لمقاتلة الروم في تبوك: “يا علي أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي.”
ولا شك لمن قرأ القرآن، واطّلع فيه على سيرة نبي الله موسى وأخيه هارون عليهما السلام، في أنه قد تعرّف على المنزلة التي قصدها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد تضمّنتها ثلاث آيات من كتاب الله هي:
1 – (واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي أشدد به إزري واشركه في أمري كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثير انك منت بنا بصيرا.) سورة طه الآية
وفي الآية منزلة الأخوّة، وهي مثبتة في السيرة النبوية، حيث آخى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين المهاجرين والأنصار في أوّل هجرته الى المدينة، واستبقى عليّا لنفسه قائلا له: (أنت أخي في الدنيا والآخرة)
وفيها الوزارة، وقد ظهر من سيرة الامام علي عليه السلام، ومواقفه التي خلّدها التاريخ، مدى الجهد الذي بذله للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، من أجل نصرة دينه في مواجهاته مع المشركين، أبلى فيه البلاء الحسن، وكان بحق نموذجا فريدا في الاتباع والتضحية والفداء، لم يعرف له نظير.
وفيها أنّ عليا شريك النبي صلى الله عليه وآله وسلم، في تثبيت عرى الدين والذبّ عنه، وما قام الاسلام كما قال الا بسيف علي ومال خديجة.
2 – (وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتمّ ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هارون أخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين.) سورة الاعراف الآية 142
وفي هذه الآية دليل قاطع على استخلاف النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام، بمقتضى حديث المنزلة، ليس في فترة غيابه عن المدينة في غزوة تبوك، وإنما هو استخلاف ماض في الزمن بعده، ولا حجّة لمن قال بانه استخلاف في الأهل، بل إنّ صرف مقصد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في استخلاف علي عليه السلام، من القوم الى الأهل، دليل اصرار مقيت على رفض للإستخلاف من أساسه، إمضاء وتبريرا لانقلاب السقيفة، وبقاء على الاعتقاد به على أساس من الشورى المزعومة، انتصارا لباطل عشش في عقول الكثيرين كأنه وحي مقدس.
3 – ( وأواحينا الى موسى وأخيه أن تبوّأا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة.) سورة يونس الآية 87
وفي هذه الآية اشارة لطيفة، في دعوة الامة الى اتخاذ بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبيت فاطمة وعلي قبلة، لمن اراد أن يتّبع طريق الهدى، ويأخذ عن هؤلاء الهداة علوم الاسلام وأحكامه.
نعم كان من الضروري تثبيت كل تلك النصوص، التي اختص بها الامام علي عليه السلام، ولم يعد هناك مجال لتأخير القيام بذلك، فنزل أمين الوحي جبريل عليه السلام بقوله تعالى: (يا أيها الرسول بلغ ما انزل اليك من برك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته والله يعصمك من الناس إنّ الله لا يهدي القوم الكافرين.) سورة المائدة الآية 67
نزل هذا الامر الهامّ على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، في منصرفه من حجته المعروفة بحجة الوداع، وفي اليوم الثامن عشر من ذي الحجة سنة 10، في مكان يسمّى غدير خمّ، شمالي مكة الكرّمة على بعد مسيرة خمسة أيام، حيث مفترق الحجاج عائدين الى وجهات بلدانهم شرقا وشمالا وغربا، وهو مكان قاحل لا كلأ فيه ولا ماء، وفي هاجرة من النهار، لا يستطاب فيها الوقوف والبقاء، ولو زمنا يسيرا.
الرواية أخرجها عدد كبير من الحفاظ والمؤرخين، وأصحاب السيرة والحديث والتاريخ:
أخرج أحمد في مسنده والطبراني في معجمه الكبير: فلما قضى مناسكه وانصرف راجعا إلى المدينة، ومعه من كان من الجموع المذكورات، ووصل إلى غدير خم، من الجحفة التي تتشعب فيها طرق المدنيين والمصريين والعراقيين، وذلك يوم الخميس الثامن عشر من ذي الحجة، نزل إليه جبرئيل الأمين عن الله بقوله: “يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك إن لم تفعل فما بلّغت رسالته والله يعصمك من الناس”. وأمره أن يقيم عليا علما للناس، ويبلّغهم ما نزل فيه من الولاية وفرض الطاعة على كل أحد، وكان أوائل القوم قريبا من الجحفة، فأمر رسول الله أن يُردّ من تقدم منهم، ويحبس من تأخر عنهم في ذلك المكان، ونهى عن سمرات خمس متقاربات دوحات عظام، أن لا ينزل تحتهن أحد، حتى إذا أخذ القوم منازلهم، قُمّ ما تحتهن، حتى إذا نودي بالصلاة صلاة الظهر، عمد إليهن فصلى بالناس تحتهن، وكان يوما هاجرا، يضع الرجل بعض رداءه على رأسه، وبعضه تحت قدميه من شدة الرمضاء، وظلل لرسول الله بثوب على شجرة سمرة من الشمس، فلما انصرف صلى الله عليه وآله من صلاته، قام خطيبا وسط القوم على أقتاب الإبل وأسمع الجميع، رافعا عقيرته فقال: أيها الناس إني أوشك أن أدعى فأجيب، وإني مسؤول وأنتم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت ونصحت وجهدت فجزاك الله خيرا. قال: ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن جنته حق وناره حق وأن الموت حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور؟ قالوا: بلى نشهد بذلك، قال: أللهم اشهد، ثم قال: أيها الناس ألا تسمعون؟ قالوا: نعم. قال: فإني فرط على الحوض، وأنتم واردون علي الحوض، وإن عرضه ما بين صنعاء وبصرى فيه أقداح عدد النجوم من فضة فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين فنادى مناد: وما الثقلان يا رسول الله؟ قال: الثقل الأكبر كتاب الله طرف بيد الله عز وجل، وطرف بأيديكم، فتمسكوا به لا تضلوا، والآخر الأصغر عترتي، وإن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يتفرقا حتى يراد علي الحوض، فسألت ذلك لهما ربي، فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ثم أخذ بيد علي فرفعها حتى رؤي بياض آباطهما وعرفه القوم أجمعون، فقال: أيها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فعلي مولاه، يقولها ثلث مرات، وفي لفظ أحمد إمام الحنابلة: أربع مرات ثم قال: أللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار، ألا فليبلغ الشاهد الغائب، ثم لم يتفرقوا حتى نزل أمين وحي الله بقوله: “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا”. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضى الرب برسالتي، والولاية لعلي من بعدي. ثم طفق القوم يهنئون أمير المؤمنين صلوات الله عليه، وممن هنأه في مقدم الصحابة: الشيخان أبو بكر وعمر كل يقول: بخ بخ لك يا بن أبي طالب، أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. وقال ابن عباس: وجبت والله في أعناق القوم. [2]
أحصى متتبعو حديث الغدير 110 من رواته من الصحابة، وأكثر ثمانين تابعيا، فعًدّ بذلك من الأحاديث المتواترة، ولو قدر لذلك الجم الغفير أن تصلنا بعض رواياته، مقارنة بالعدد الغفير الذي شهد الحادثة، لكان نموذجا فريدا من حيث الأحاديث الأكثر شيوعا بين الناس، لكثرة من سمعه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومن الطريف أن نشير هنا، إلى أن أبي المعالي الجويني الملقب بإمام الحرمين، أستاذ أبي حامد الغزالي قال: رأيت مجلدا في بغداد في يد صحّاف، فيه روايات خبر غدير خمّ، مكتوبا عليه المجلدة الثامنة والعشرون، من طرق قوله صلى الله عليه وسلم من كنت مولاه فعلي مولاه، ويتلوه المجلدة التاسعة والعشرون.[3] وهنا يبدو ان انتشار الحديث والحادثة كان على نطاق واسع، الا ان السياسة المعادية لعلي وأهل بيته عليهم السلام، كانت حاكمة في منع انتشاره بالقوّة، مما أثر على محصّل نقله الى هذا الحدّ، وفيه وحده الكفاية مقارنة ببقية الأحاديث الصحيحة.
أما من أفرد له تأليفا منفصلا، فنذكر بعض من طالته أيدينا منهم: الحافظ أبو العباس أحمد بن عقدة أخرجه عن مائة وخمسة طرق.[4] محمد بن جرير الطبري صاحب التاريخ والتفسير، في كتاب الولاية ، وقد روى الحديث بخمس وسبعين طريقا.[5]
ومن أجل ردّ الحديث تعذّر منهم من تعذّر بتعدد معاني لفظ مولى، فقد ورد في القرآن بمعنى الأولى (ما واكم النار هي مولاكم) وبمعنى الناصر (ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم) وبمعنى الوارث (ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون) وبمعنى العُصبة (وإني خفت الموالي من ورائي) وبمعنى الصديق (يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا) والمولى يأتي بمعنى الأولى بالتصرّف كقولنا فلان ولي القاصر، وبمعنى الناصر والمحبوب وذهبوا في تأويلهم الى ان المعنى الذي قصده النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو من كنت ناصره أو صديقه أو حبيبه فعلي كذلك.
ومن تاهت به مراكب الغي والضلال الى هذه المعاني، فإنه حصر الحديث فقط في (من كنت مولاه فعلي مولاه)، ولم يلتفت الى ما وصلنا من خطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك اليوم، والتي أخبر الجموع فيها، بأنه يوشك أن يدعى فيجيب ، وأنه مسؤول وأنهم مسؤولون، وما تلا ذلك من سؤال تعلّق بالإسلام عقيدة (أليس تشهدون أن لا اله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن جنته حق، وناره حق، وأن الموت حق، وأن البعث حق بعد الموت، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور؟)
بمعنى أن ما سيقوله النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرتبط أيضا بالعقيدة الاسلامية، ثم قال: (أيها الناس إن الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فهذا مولاه – يعني عليا (رض) – اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه) وقام برفع يد علي بن أبي طالب – وكان بجانبه – حتى يرى حركته، من كان يستمع إليه من عشرات آلاف الحجيج.
قرينة معنى مولى في خطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم الغدير، بالإضافة الى كونها لغة، منصرفة حصرا الى الأولى بالشيء، حيث لا تستجيب بقية المرادفات التي لجأ اليها الفارّون من مقصد الوحي، في تعيين علي وليّا لأمور المسلمين من بعده، لمطالب ما عناه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من خطابه في ذلك اليوم.
اضافة الى العاملين الزمني والمناخيّ، الذين يرفضان بصورة قاطعة ان يشترك معهما معنى من تلك المعاني، فشدة هاجرة الطقس، وصعوبة المكان حيث لا ظل يلجأ اليه هناك، سوى شجيرات صحراء هيأ ما تحتها، ليقف النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندها فيخطب في الناس.
تجمّع كل هذه القرائن في هذه الحادثة، تقصي نهائيا أي انصراف عن المعنى الذي قصده النبي صلى الله عليه وآله وسلم منها، فليس من الحكمة أن يوقف النبي صلى الله عليه وآله وسلم كل تلك الآلاف المؤلّفة من المسلمين، من اجل أن يقول لهم إن عليا صاحبي أو وارثي أو ناصري او مالكي او عبدي أو ابن عمي أو حليفي او ربي او سيدي او معتقي أو متولّي أمرى أو جاري أو منعمي وهي المعاني التي تعذّروا بها في عدم فهم مقصد النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قوله علي مولى، بل إن شدة تعصبهم أنستهم أنه قال: من كنت مولاه. فينطبق المعنى المقصود لعلي كما هي ولاية النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ولفظ المولى مشترك معنوي، بدلالة تبادر معنى الأولوية منه، رغم تعدد كيفيات الأولوية، وبدليل صحة استعمال لفظ الأولى مكان المولى، فيصح القول: النبي صلى الله عليه وآله وسلم أولى بالمؤمنين من أنفسهم بدل قولنا أنه مولى المؤمنين، ويصح القول: (الاب أولى بالولد) بدل (الاب مولى ولده) وهكذا، وهذا يدل على أن لفظ المولى يعني الأولى .
وعلى معنى الأولى، اجتمعت قرائن الدلالة، على أن عليا اولى بالمؤمنين من أنفسهم في تلك الخطبة، والى ذلك المقصد جاءت اشارة الوحي، بالتنصيص عليه وليا لأمور المسلمين من بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يمكن صرف هذا المحصّل عن تراتيب الوحي والرسالة، لما يقتضيه حال استمرار الحكومة بعد مرحلة النبوة.
على أنه ما تزال في الحادثة قرائن أخرى، تثبت معنى الأولى بالشيء، من خلال دعاء النبي له: ( اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار)، ومن دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحاضرين أن يبايعوا عليا وليا لهم من بعده، وجاء فيما جاءنا ما قاله عمر عند ذلك: (بخ بخ لك يابن ابي طالب اصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة)، وما دعوته بأن يبلّغ الشاهد الغائب، إلا لأن معنى الولاية ملزم به كل الأمة، دون استثناء لأحد.
في ختام الحادثة، قال حسان: إئذن لي يا رسول الله، أن أقول في علي أبياتا تسمعهن. فقال: قل على بركة الله. فقام حسان فقال: يا معشر مشيخة قريش، أتبعها قولي بشهادة من رسول الله في الولاية ماضية. ثم قال:
يــــــــــــــــــــــــــــناديهم يوم الغدير نبيهم بــــــــــــخم واسمع بالنبي مــــــــــــــــــــــــناديا
وقد جـــــــــاء جبريل عن امر ربه بأنك مـــــــــــــــــــــــــــــعصوم فلا تك وانيا
وبــــــــــــــــــــلغهم ما أنــــــــــزل الله ربهم الــــــــــــــــــــيك ولا تخش هناك الأعاديا
فـــــــــــــــــــــقام به اذ ذاك رافع كـــــــــفه بكف علي معلن الصوت عــــــــــاليا
فــــــــــــــــــــــــقال فمن مـــــــــولاكم ووليكم فــــقالوا ولم يــــــــبدوا هــــــــــناك تعاميا
إلـــــــهك مولانا وأنت وليّــــــــــنا ولــــــــن تـــــجد فــينا لك الـــــيوم عـــــــــــــــــــاصيا
فـــــقال له قـــــــم يا عـــــلي فـــــــــإنني رضيتك مـــن بعدي إماما وهاديا
فـــــــــــــــــــــمن كنت مولاه فهذا وليّه فـــــــكونوا له أنصار صدق مـــــواليا
هـــــــــــــــــــناك دعـــــــــا اللهم وال وليّه وكــــــــــــن لــلــــذي عاد عليا معاديا
فيا رب أنصر ناصريه لنصرهم إمام هدى كالبدر يجلو الدياجيا
وللشاعر الكبير ابو تمام حبيب بن أوس بن الحارث الطائي ( 188/231) في ذكرى عيد الغدير رائية رائعة جاء فيها:
ويوم الغدير استوضح الحق أهله بفيحاء ما فيها حــــــــجاب ولا سترُ
أقـــام رســــول الله يــــــــــــــدعوهم بــــها لــــيقرّبهم عـــــرفٌ ويــــــــــنأهم نــــــــــــــكرُ
يـــــــــمدّ بــــــــضبعيه ويــعلـــــــم أنــــــــــــه ولــــيّ ومـــــولاكم فـــهل لـــــــــكم خــــبرُ
يــــروح ويــــغدو بالـــــبيان لـــــمعشر يروح بهم غمرٌ ويغدو بهم غمرُ
فـــــكان له جــــهر بإثبات حـــــــــــقّه وكــــــــان لهم في بزّهم حقه جهرُ
أثمّ جعلتم حظه حدّ مرهف من البيض يوما حـــــظ صاحبه القبرُ
وان أطرف وأبلغ ما سمعته من شعر بخصوص الحادثة، ما جاء من شعر للكميت الأسدي ( 60/126 ( حيث قال:
نَفَى عَن عَينِكَ الأَرَقُ الهُجُوعَا وَهَـــــــــــمٌّ يَمتَرِي مِنها الدُّمُوعَا
دَخِـــيلٌ في الفَؤَادِ يَهِيجُ سُــــــقماً وَحُزناً كان من جَذَلٍ مَنُوعَاً
وَتَوكَافُ الدُّمُوعِ على اكتِئَابٍ أَحَلَّ الدَّهرُ مَوُجِعَهُ الضُّلُوعَا
يُـــرَقرِقُ أسجُمَاً دِرَرَاً وَســــــــكبَاً يُــــــــــــشَبَّهُ سَحُّها غَربَاً هَمُوعَا
لِفُقدَان الخَضَاوِمِ مِن قُرَيشٍ وَخَــــــيرِ الشَّافِعِينَ مَعَاً شَفِيعَا
لَدَى الرَحمَنِ يَصدَعُ بالمَثَاني وكَان له أَبُو حَسَنٍ مُطِيعَاً
حَطُوطَاً في مَـــــسَرَّتِهِ وَمَولَىً إلى مَرضَاةِ خَالِقِهِ ســـــَرِيعَا
وأصفَاهُ النَّبِيُّ على اخـــــتِيَارٍ بِمَا أعيَى الرُّفُوضَ له المُذِيعَا
وَيَومَ الدَّوحِ دَوحِ غَدِيرِ خُمٍّ أبَان لهُ الوِلاَيَةَ لــــــــو أُطِيعَا
ولكِنَّ الرِّجالَ تَبــــــــــــــــــَايَعُوهَا فَلَم أرَ مِثلَهَا خَطَرَاً مـــَبِيعَا
فَلَم أبلُغ بِهِم لَعنَاً وَلَــــــــــكِن أســــــــَاءَ بِذَاكَ أوَّلهُم صَنِيعَا
فَصَارَ بِذَاكَ أَقرَبُهُم لِعَدلٍ إلى جَورٍ وأحفَظُهُم مُضِيعَا
أضَاعُوا أمرَ قَائِدِهم فَضَلُّوا وأقوَمِهِم لَدَى الحَدَثَان رِيعَا
فَقُل لِبَنِي أُمَيَّةَ حَيثُ حَلُّوا وان خِفتَ المُهَنَّدَ والقطِيعَا
ألاَ اُفٍ لِدَهرٍ كُنتُ فِـــــــــيهِ هِـــــدَاناً طَائِعاً لَكُمُ مُطِيعَا
أجَـــــــاعَ اللهُ مَن أشبَعتُمُوهُ وأشبَعَ مَن بِجَورِكُمُ أُجِيعَا
وَيــــــــَلعَنُ فَذَّ أُمَّتِهِ جِــــــهَارَاً إِذَا سَاسَ البَرِيَّةَ والخَلِيعَا
بِمَرضِيِّ السِّيَاسَةِ هَاشِمِيٍّ يَــــــكُونُ حَيَاً لأُمَّتِهِ رَبِيعَا
وَليثاً فِي المَشَاهِدِ غَيرَ نِكسٍ لِتَقوِيمِ البَرِيَّةِ مُستَطِيعَا[6]….
المصادر
[1] – مسند أحمد مسند الأنصار حديث بريدة ج38ص32ح22945 [2] – سنن الترمذي ابواب المناقب باب مناقب علي بن ابي طالب ج 6ص79 ح3713 /خصائص النسائي ص39و40و41/ المستدرك على الصحيحين الحاكم النيسابوري ج 3ص109 /الاصابة في تمييز الصحابة ابن حجر العسقلاني : الإصابة – ج 2 – ص 15 – وج 4 – ص 568 / الخطط المقريزي ج 2 ص 92 / مسند أحمد ج 1 ص 331 / الاعتقاد البيهقي ص 204 / الجامع الصغير السيوطي ج 2 ص 642/ تاريخ الخلفاء السيوطي ص169/ الرياض النضرة المحب الطبري ج 2 ص 172/ وفيات الأعيان ابن خلكان ج 4 ص318 و 319 /مسلم ج7ص122 / مسند احمد اول مسند الكوفيين ج32ص75ح19328/ البداية والنهاية ابن كثير ج7/ تاريخ بغداد الخطيب البغدادي ج 7 ص 437 / الإمامة والسياسة ابن قتيبة ج 1 ص 109 / الملل والنحل الشهرستاني ج1ص163/المناقب لابن المغازلي ص29 الى36/ ذخائر العقبى المحب الطبري ص67 [3] – ينابيع المودة للشيخ سليمان القندوزي الحنفي ص 36 و39 [4] – غاية المرام أواخر الباب 16 ص89 [5] – ذكره الذهبي وابن كثير في تاريخيهما وياقوت الحموي في معجم الأدباء ج6ص455 وابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب ج7ص339 [6]- قال الشيخ أبو الفتوح الرازي في تفسيره ج2 ص 193: روي عن الكميت قال: رأيت أمير المؤمنين عليه السلام في المنام فقال: انشدني قصيدتك العينية فانشدته حتى انتهيت إلى قولي فيها: ويوم الدوح دوح غدير خم أبان له الولاية لو أطيعافقال صلوات الله عليه: صدقت، ثم انشد عليه السلام: ولم أر مثل ذاك اليوم يوما ولم أر مثله حقا أضيعا