#البناء_القرآني_للتفاؤل
يعتبر القرآن الكريم كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل حسب عقيدة المسلمين جميعا،فهو أحد الأسباب التي يمكنها أن تحفظ الوحدة الإسلامية و تساعد على تجاوز إيجابي لكثير من نقاط الإختلاف و مظاهر التشتت،وهو باجماعهم يمثل المصدر الأول للمعرفة الإسلامية و الميزان الذي يمكن اللجوء إليه عند الإختلاف، و المعرفة العميقة بالقرآن تؤكد أنه كتاب لا يتوقف عن العطاء و لا يتوقف عن تقديم الجديد للعقل الإنساني و أن عملية استنطاقه كما عبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ستنفع الناس دائما و تساعدهم على استخراج رؤى جديدة و حلولا جديدة،فليست المعرفة القرآنية مغلقة و متناهية بل مفتوحة و متفاعلة مع مستجدات الزمان فهي لا متناهية.
اولا ، السؤال و مسبقاته :
هذا السؤال الذي طرحته ( كيف ينظر القرآن الكريم إلى مستقبل المسيرة الإنسانية؟ ) يتضمن في ذاته حقائق مهمة:
1- وجود مسيرة إنسانية فعلية و واقعية لها بداية و لها نهاية و غاية و لها مسار مراحل و لها ضوابط و قيم تحكمها و تواجه صعوبات و مشكلات تعيق سيرها و لها قيادة
2- الإقرار بأن الإنسان كائن مستقبلي يحضر المستقبل بكثافة في صناعة الحاضر و تعديله وهو أمر يجمع عليه الناس تقريبا،حيث مفردات التخطيط و الدراسات المستقبلية و المنافسة و الحروب و ظواهر الخيال العلمي و الخيال السياسي و الاهتمام نفسه بالحياة بعد الموت، كلها تجعل الأهتمام العالمي بالمستقبل يبلغ مرتبة البديهية .
3-إن القرآن الكريم ليس كتاب الماضي كما يتم الترويج لذلك عند البعض،ليس كتاب متطفل على الحاضر و المستقبل،على العكس هو كتاب مسكون بمستقبل الإنسانية و كتاب التقدم و التطور العلمي و السياسي و هذا تغيير مهم جدا في نظرتنا إلى القرآن الكريم و تفاعلنا مع المشكلات التي تواجهنا جميعا،
إن التسليم مركزية المستقبل في الرؤية القرآنية سيفتح أمامنا سلوكا هادئا و رصينا و عقلانيا و حكيما مع واقعنا المحلي و الدولي و يخرجنا نهائيا من حالة التوتر و الانفعال المتأزم الذي نلحظه في ردات فعل الكثير من المسلمين تجاه أنفسهم و تجاه الآخر.
— ثانيا – الإعلان التأسيسي للمسيرة الإنسانية بين التفاؤل و التشاؤم :
يعرض القرآن الكريم حوارا مهما بين الله و الملائكة في خصوص المسيرة الإنسانية و مدى التناسب بين هذا المخلوق الجديد و المهمة التاريخية الكبرى المناطة بعهدته، و تبدو الملائكة في الحوار متخوفة و مستغربة من هذا الاختيار،حيث تتوقع أن تكون النتيجة متناقضة مع الهدف،قد رأت في الإنسان قدرة الفساد و الظلم و سفك الدماء و لم يظهر أي عامل يسمح بالوصول إلى الأهداف و لذلك عرضت نفسها بديلا مناسبا للمهمة : ” و إذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الأرض خليفة، قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء و نحن نسبح بحمدك و نقدس لك.
قال اني أعلم ما لا تعلمون.
و علم آدم الأسماء كلها
ثم عرضهم على الملائكة فقال
أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين .
قالوا سبحانك لا علم إلا ما علمتنا.
نحن أمام موقفين
أحدهما متفائل بمستقبل الإنسانية و مؤمن بقدرة الناس على تحقيق الهدف و لذلك فهو يحسن الظن و يختار ان يكون الإنسان هو المخلوق المناسب للمهمة .
و موقف الشك و الريبة و الاعتراض،
و لكن أثناء الحوار يظهر عامل مفاجئ يرجح كفة الإنسان و يتقدم به على الآخرين جميعا،
هذا العامل هو العلم،
لم يشرح القرآن على عادته تفاصيل هذا العلم و ماهي حقيقة الأسماء التي جعلت الملائكة يقبلون بكل طواعية و اقتناع بالأولوية الإنسانية.
و يبدو القرآن حاسما في القضية حيث أكد على الشمولية ” و علم آدم الأسماء كلها ”
فهل يعني القرآن هذه القدرة المطلقة على التعلم و على الاكتشاف و الاختراع مما سينتهي بمسيرة الإنسانية إلى علوم تفوق خيال الجميع،
و هل ان الملائكة قد أدركوا أن قدرة الإنسان في مجال العلم من قدرة الله فهي لامحدودة مما يوجب عليهم بكل سرعة الرضا بامامة هذا المخلوق الجديد؟
هل ان الملائكة تعرفوا على أنه من صلب آدم توجد أسماء نورانية هي أفضل الخلق أجمعين وهم سيد الخلق ( سيدنا محمد )و آله الطاهرين.
أن عبارة “الأسماء كلها” تبقى مفتوحة لتقبل الانطباق على معاني كثيرة متكاملة و غير متناقضة.