الثلاثاء , 19 نوفمبر 2024
Breaking News

لماذا يختلف التطبيع السعودي الإسرائيلي عن تطبيع بقية الدول العربية؟…بقلم ابراهيم أبراش

 

 

حتى الآن يتراوح الحديث عن التطبيع بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل بوساطة واشنطن ما بين النفي الرسمي والاعتراف المبطن والمشروط بمقابل تقدمه واشنطن للمملكة وتقدمه إسرائيل للفلسطينيين كتحريك عملية التسوية السياسية أو تنازلات وتسهيلات تقبل بها القيادة الفلسطينية.

 

المخاض العسير للتطبيع السعودي الاسرائيلي 

 

موضوع التطبيع بين الرياض وتل أبيب يمر الآن بعملية ولادة عسيرة بخلاف التطبيع الإسرائيلي مع الدول العربية الأخرى في عهد ترامب، نظرا لاعتقاد أن موقع السعودية الديني والإقليمي سيجعلها تحسب حسابات كثيرة قبل التطبيع كما أن تطبيعها يعني نهاية المبادرة العربية للسلام، وفي حقيقة الأمر فإن السعودية في عهد ولي العهد محمد بن سلمان ليست ما قبل كما أن الحديث عن تطبيعها يأتي في ظل ظروف ومعطيات لم يعد فيه التطبيع من المحرمات بعد تطبيع رسمي لأربع دول عربية -الامارات والبحرين والمغرب والسودان- وتطبيع غير رسمي وغير مُعلن مع قطر وعُمان، وصمت أقرب التأييد والمباركة من النظام السياسي الفلسطيني الرسمي في الضفة وغزة ومن جامعة الدول العربية، هذا بالإضافة الى التطبيع والعلاقات الرسمية بين إسرائيل ومصر والأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية وتطبيع عديد الدول الإسلامية مع إسرائيل.

 

كانت فكرة الحل السلمي للصراع العربي الإسرائيلي والتطبيع مع إسرائيل حاضرة عند المملكة حتى قبل طرح مبادرة الأمير فهد في بداية الثمانينيات، وهذا ما تبدى في موقفها الملتبس من توقيع مصر لاتفاقية كامب ديفيد 1979، فمع أن المملكة انضمت للدول العربية الرافضة لاتفاقية وقاطعت مصر إلا أنها كانت تتفهم دوافع مصر من توقيع الاتفاقية بل وشجعت على المفاوضات في بدايتها في مراهنة منها أن تؤدي هذه المفاوضات إلى سلام شامل.

 

فقد “كشفت برقية صادرة عن وزارة الخارجية الامريكية مؤرخة بـ10 أغسطس عام 1978، تم بعثها من السفارة الأمريكية في السعودية إلى وزارة الخارجية الأمريكية، عن لقاء عقد يوم 9 أغسطس من العام ذاته في مدينة الطائف جمع السفير الأمريكي، جون سي ويست، مع وزير الخارجية السعودي آنذاك، الأمير سعود الفيصل. وتابعت البرقية أن الأمير سعود “رد بحماسة ملحوظة مفاوضات كامب ديفيد” وقال: “إننا نريد أن ينجح كامب ديفيد، لأن ذلك سيكون نجاحا لأصدقائنا الأقرب في مصر والولايات المتحدة”. وأضاف وزير الخارجية السعودي متعهدا “سنفعل كل ما بوسعنا للمساعدة”.

 

تأكد الاعتدال في موقف المملكة من تطبيع مصر في بيان مجلس الوزراء السعودي في التاسع عشر من يناير 1978 حيث جاء في المادة الثانية من البيان: “أن حكومة المملكة العربية السعودية رغم تحفظاتها المشار إليها آنفا على نتائج مؤتمر كامب ديفيد لا تعطي نفسها الحق في أن تتدخل في الشؤون الخاصة لأي بلد عربي ولا أن تناقش حقه في استرداد أراضيه المحتلة عن طريق الكفاح المسلح أو عن طريق المساعي السلمية بالقدر الذي لا يتعارض مع المصلحة العربية العليا.

 

وبعد جولة لوزير الخارجية الأمريكية الكسندر هيغ لدول في الشرق الأوسط في أبريل 1981 دعا خلالها إلى قيام شرق أوسط جديد وتسوية سياسية للصراع العربي الإسرائيلي طرحت المملكة في نوفمبر من نفس العام (مبادرة الأمير فهد) في القمة العربية في فاس وتم رفضها من غالبية الدول العربية، وكانت المبادرة تتضمن 8 بنود أهمها الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة عام 67 وقيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس وكان الاعتراض على البند السابع الذي يتحدث عن الاعتراف بإسرائيل، و آنذاك كان الزعيم أبو عمار قابلا بالتعاطي مع المبادرة حيث كان يخشى مؤامرة يتم تدبيرها للقضية الفلسطينية، وهذا ما تم بالفعل، فبعد أشهر من سحب المملكة للمبادرة في قمة فاس الأولى قامت إسرائيل بغزو لبنان في حزيران 1982 بهدف تصفية الثورة الفلسطينية في ظل صمت جميع الدول العربية التي عارضت مبادرة فهد، وبعد الغزو اعترفت قمة فاس الثانية في سبتمبر 1982 بالمبادرة !!!!!!!

 

غاب الدور السعودي عن عملية السلام إلى حين طرح (المبادرة العربية للسلام) التي بنيت على (مبادرة فهد) في قمة بيروت 2002 في ظل اجتياح إسرائيل للضفة ومحاصرة الرئيس أبو عمار أيضا في ظل صمت بل وتواطؤ رسمي عربي، ورفضت إسرائيل المبادرة، زكان طرح هذه المبادرة متزامنا مع طرح (الرباعية الدولية) لخطة خارطة الطريق التي سعت للتوصل لتسوية سياسية شاملة، ولكن إسرائيل رفضتها.

 

فوضى الربيع العربي وتراجع دور المملكة

 

فوضى ما يسمى (الربيع العربي) عام 2011 التي تلت تدمير العراق واحتلاله 2003 وأدت لتدمير وانهيار لدول وأنظمة عربية وتزايد النفوذ الأمريكي والغربي والإسرائيلي ودور الجوار في المنطقة، زادت من انهيار النظام الإقليمي العربي وأصبحت دول خليجية كالإمارات وقطر تلعب أدوارا في الساحة العربية والإقليمية كانت تلعبها قبل ذلك العربية السعودية ومصر ودول ما يسمى الممانعة والصمود والتصدي كسوريا والعراق وليبيا، وجاء تولى ترامب للإدارة الأمريكية في يناير 2017 وطرحه صفقة القرن والسلام الابراهيمي) بما تتضمنه الصفقة من اغراءات وتهديدات للدول العربية والخليجية خصوصا لتمنح إسرائيل فرصة ذهبية لتطبيع علاقاتها مع دول عربية تزامنا مع تشديد سياستها الإرهابية والعدوانية ضد الشعب الفلسطيني.

 

فأين كانت الرياض من كل ما جرى خلال العقدين الأخيرين؟

 

كانت الرياض تراقب عن كثب التحول في النظام الدولي وفي العالم العربي والعلاقات العربية الإسرائيلية والخلافات الفلسطينية الداخلية دون أن تتفرد موقف خاص بها مكتفية بما يصدر عن جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي من مواقف وتصريحات، مع تكرارها على الالتزام بمبادرتها (المبادرة العربية للسلام) ولكن دون أي عمل جاد وملموس لتفعيل هذه المبادرة، ودون اتخاذ أي إجراءات رادعة ضد من يغرد خارج السرب ويتقرب من إسرائيل كما هو الأمر مع زيارة اللواء عشقي رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والقانونية في جدة على البحر الأحمر لإسرائيل في يونيو 2016 واللقاءات المتكررة لمسؤولين سعوديين كبار ومنهم أمراء كالأمير بندر بن سلطان وتركي الفيصل مع مسؤولين إسرائيل وصهاينة في الولايات المتحدة وخارجها .

 

يمكن اعتبار يوم تولي محمد بن سلمان لولاية العهد في 2017 نقطة مفصلية في تاريخ المملكة سواء من حيث التحولات الداخلية في المملكة سياسيا واجتماعيا وثقافيا أو من حيث علاقة المملكة بمحيطها العربي والإقليمي والدولي، وهناك علاقة وثيقة بين الانفتاح في السياسة الداخلية ثقافيا واجتماعيا ودينيا وتغيير منظومة القيم السائدة وتغير في سلم الأولويات وفي الطبقة السياسية الحاكمة من جانب والسياسة الخارجية من جانب آخر، حيث تشهد المملكة حالة تشبه الانقلاب على إرث الماضي بما في ذلك ما سماه بعض السعوديين عبء القضية الفلسطينية على السعوديين.

 

التطبيع في زمن لم يعد فيه التطبيع من المحرمات

 

انطلاقا مما سبق المملكة لم تعد ترى في التطبيع تابو أو فعلا محرما دينيا أو سياسيا ولكنها تريد تطبيعا يتوافق مع مكانتها ودورها العربي والإقليمي وتريد ضمان ثمن يتناسب مع هذا الموقع والدور، ومن هنا كانت تخطو خطوات متدرجة نحو إسرائيل وتراقب في كل خطوة ردود الفعل الداخلية والعربية والفلسطينية والإسرائيلية على كل خطوة، وقد اكتشفت أن ردود الفعل كانت إيجابية ومشجعة، وحتى مع الفلسطينيين كانت تستعمل سياسة العصا والجزرة، والتقارب ثم التباعد بحسابات مدروسة، ومن هذه الخطوات أو الإجراءات:

 

1- في فبراير 2018 وفي كلمة أمام البرلمان الأوروبي وصف وزير الخارجية السعودي عادل الجبير حماس بالتطرف مطالبا قطر بوقف دعمها لحركة حماس وجماعة الإخوان المسلمين.

 

2- تصريحات ولي العهد محمد بن سلمان، في لقائه رؤساء المنظمات اليهودية في نيويورك (27/3/2018) حبيت طالب فيها “الفلسطينيين بالعودة إلى المفاوضات وقبول ما يعرض عليهم، أو الصمت والتوقّف عن التذمر”.

 

3- طرد المنتمين لحماس من المملكة والتضييق على أنشطتها الاقتصادية والسياسية كما أصدرت المحكمة الجزائية السعودية في شهر أغسطس 2021 أحكامها على شخصياتٍ فلسطينية وأردنية بتهم “الانتماء إلى حماس” و”دعم الإرهاب”.

 

4- حديث سفير السعودية الأسبق لدى الولايات المتحدة بندر بن سلطان لقناة العربية (أكتوبر 2020) حيث اتهم القيادات الفلسطينية بـ”الفشل وتضييع الفرصة تلو الأخرى”.

 

5- في يناير 2020 أشادت إسرائيل برجل الدين السعودي محمد العيسى الذي يرأس “رابطة العالم الإسلامي” بعدما سافر إلى بولندا لحضور احتفالات بمناسبة مرور 75 عاماً على تحرير معسكر أوشفيتز.

 

6- الصمت على تطبيع البحرين والإمارات والمغرب مع إسرائيل بل وتشجيعها لهذه الخطوة مع أن هذا التطبيع يعتبر خرقا للمبادرة العربية التي ترعاها السعودية.

 

7- في يوليو 2022 قررت المملكة فتح مجالها الجوي أمام الطيران الإسرائيلي

 

8- توقيع اتفاق مع إيران برعاية صينية 10/3/2023) وهي خطوة ما كانت لتحدث بدون تفاهم مع واشنطن أنه مقابل ذلك ستتخذ السعودية خطوات إيجابية تجاه التطبيع مع إسرائيل.

 

9- في أبريل 2023 استقبال القيادة السعودية لوفد كبير من حماس.

 

10- في أغسطس الجاري بتعيين سفير غير مقيم في فلسطين وقنصل غير مقيم في القدس، وهذا تمهيدا لخلق توازن في حالة التطبيع مع إسرائيل.

 

سعي المملكة لتطبيع يحفظ لها مكانتها وتميزها في المنطقة

 

في اعتقادنا أنه تم تجاوز السؤال إن كانت السعودية ستطبع أم لا؟ الى السؤال عن الثمن الذي على الأطراف المعنية – المملكة وإسرائيل وواشنطن والفلسطينيون- دفعه، وعن شكل التطبيع إن كان على النموذج المصري الأردني أو النموذج الإماراتي المغربي؟

 

أولا: بالنسبة للثمن

 

فكما تناقلت وكالات الأنباء فإن المملكة طلبت من الإدارة الأمريكية مقابل التطبيع :تسوية صفقات السلاح التي أوقفتها إدارة بايدن، وإجراء تحالف دفاعي معها، بما فيها إقامة برنامج نووي كامل” وتحريك عملية السلام من خلال تقديم شيء ما للفلسطينيين دون التطرق للمبادرة العربية للسلام، في المقابل طلبت الولايات المتحدة شروطا من إسرائيل أهمها “التراجع عن التعديلات القضائية وأن يضع نتنياهو ملف التعديلات القضائية على الرف، وتشكيل حكومة وحدة وطنية إسرائيلية أيضا بدء الحديث مع الجانب الفلسطيني للوصول إلى تسوية سياسية.

 

وحتى الآن المفاوضات والاتصالات حول التطبيع تتم مع واشنطن وسيط أو راعي للعملية، وإن كان الرئيس ترامب متحمسا لإنجاز الصفقة قبيل الانتخابات وكذا الأمر لنتنياهو ليسجل انجازا كبيرا يُخرجه من مأزقه السياسي، إلا أن الرياض غير مستعجلة في الأمر، والفلسطينيون لا يعارضون أي تحرك سياسي يخرج القضية من مأزقها حتى وإن كان الثمن مزيدا من التطبيع العربي مع إسرائيل.

 

ثانيا: بالنسبة لشكل التطبيع ومداه

 

لدينا ثلاثة أشكال أو نماذج من التطبيع:

 

1- تطبيع الضرورات الحربية كما هو الحال مع مصر والأردن وهو تطبيع سياسي رسمي وبارد.

 

2- تطبيع دول (الاتفاقات الإبراهيمية) -الإمارات والبحرين والمغرب والسودان) والذي لم يكن لضرورات قاهرة كما أنه تجاوز التطبيع الرسمي للتطبيع الشامل سياسيا وثقافيا واقتصاديا وامنيا.

 

3- النموذج الثالث هو التطبيع الخفي وغير المعلن رسميا كما. هو الحال مع قطر وعُمان.

 

إلى حين التوصل لتفاهمات ترضي جميع الأطراف ستستمر المملكة في اتخاذ خطوات إيجابية تجاه إسرائيل وقد تجدد محاولاتها في ملف المصالحة الفلسطينية بتنسيق اردني ومصري، لأن المملكة تريد أن تتميز بتطبيعها عن الدول الأخرى المطبعة حتى لا تبدو بأنها تابعة ومقلِدة لسياسات هذه الدول أو خاضعة للإدارة الأمريكية خضوعا مطلقا وهي التي فتحت قنوات تواصل وتعزيزا للعلاقات مع الصين وروسيا، ولذا نعتقد أن المملكة تسعى لتطبيع متزامن مع تحريك عملية التسوية السياسية، وفي حالة فشلها في الجمع ما بين التطبيع و عملية تسوية سياسية فسيكون تطبيعها وسطا ما بين النموذج الأول النموذج الثالث من التطبيع، فلن يكون ببرودة التطبيع المصري لأنها بحاجة لواشنطن استراتيجيا وأمنيا، ولكن لن يصل إلى ما وصل إليه تطبيع الإمارات والمغرب لأنها لا تريد إثارة حفيظة إيران وغضب بعض أفراد الأسرة المالكة والمحافظين في المملكة.

 

خاتمة

 

نعتقد أن المملكة في نهاية الأمر ستطبع علاقاتها مع إسرائيل ولكنها ستعمل على أن يكون تطبيعها مختلفا عن تطبيع الدول العربية الأخرى لأنها تدرك حاجة واشنطن وتل ابيب للتطبيع معها كما أن تطبيعها سيؤثر على مواقف دول عربية وإسلامية من إسرائيل أيضا سيؤثر على مواقف وسياسات منظمات إقليمية كمنظمة المؤتمر الإسلامي. ولكن التحدي الأكبر هو اقدرتها على الحفاظ على المبادرة العربية للسلام حيث لا نعتقد أن إسرائيل في وضعها الراهن مستعدة حتى لمناقشتها. وفي حالة رفض إسرائيل لحل الدولتين فبماذا ستبرر المملكة تطبيعها وما الذي تستقيده القضية الفلسطينية من التطبيع وخصوصا أن كل حالات التطبيع السابقة لم تكن في صالح الفلسطينيين؟

 

 

Check Also

ترامب ما بعد حرب غزة قد لا يكون ما قبلها…بقلم إبراهيم أبراش

قانون عام يحكم كل الأنظمة الديمقراطية وهو دورة النخبة، بمعنى تخير النخب السياسية الحاكمة مع …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024