بقلم صلاح الداودي |
قد يكون الإطار المفاهيمي العام الذي نستخدمه عسكريا باستخدام عبارة إنذار وعبارة مظلة وطنية أو مظلة دفاع وطني، ولكننا نقصد تماسك الجبهة الداخلية ومن ثم ردع أي مطامع لأي عدو خارجي، وهذا أيضا حقل أمني وعسكري. هذا لا ينفي اننا مع كل أهمية ذلك على سطوح الأمور. وبعبارات أخرى، وفي مثل هذه الظروف الوطنية والإقليمية والدولية يصبح كل حديث في السياسة حديثا استراتيجيا بهذا المعنى ولا يخلو من اعتبارات خارجية.
هاهنا يتحول الحديث عن تشكيل الحكومة المتعثرة حتى الآن إلى حديث عن موقع الشعب من كل هذا على انه مضمون الحكم كسياسات تنفيذية وضامن تماسك الوطن بما انه الأساس الموضوعي الأسمى الذي يقوم عليه الوطن. أضف إلى ذلك ان كل شعب وفي أي ظرف يحتاج وحدة ذاتية لكل قواه ويحتاج اركانا لحفظ هذه الوحدة تشمل الدولة بكل قواها.
على هذا المستوى، يمكننا أن نستنتج ان نظام الحكم سياسيا وانتخابيا ومهما كان لا يفسر ابدا ولوحده الصعوبات التي تواجهها الديمقراطية الليبرالية من الناحية السياسية والسياسة الليبرالية المتوحشة من ناحية الاقتصاد. وعلى ذلك تصبح عقيدة الدولة الوجودية والسياسية وطبيعة هذه الدولة المجتمعية ومسؤولية ذات الدولة الاجتماعية هي ما يجب اللجوء اليه لإنقاذ الوطن والشعب. مثل هذه الأمور، قد نجد ما يفيد روحها العامة في الدساتير وفي التقاليد والاعراف… الخ. غير اننا لا نجد ما يفيدها ابدا لا على مستوى الحياة السياسية الحزبية ولا على مستوى الوعي العام. ولذلك اساسا عانينا قبل 2011 ونعاني بعده أيضا من انعدام هذه الأمور. هذا علاوة على عدم وجود تجارب مؤكدة لذلك في ظل كل الحكومات التي توالت على عرض نفسها على الشعب وعلى تجريب الحكم حتى الآن.
من الطبيعي أن يكون السؤال وقتها: كيف العمل؟ ان الإجابة التي تبدو لنا بديهية هي باختصار عرض السياسات على الشعب بما هي اجراءات حكم مع آليات تنفيذها والذين سينفذونها قبل تحصيل نتائج والضياع التام عند التصرف فيها. وقبل ذلك عرض نتائج الحكم عرضا علميا مفصلا قبل الانتخابات ونتائجها. هذا ولا نظن انه يمكن لأي طرف أن يدخل عصر هذه التقاليد وهذه الثقافة الحاسمة لحفظ الشعب والوطن والدولة والمجتمع دون هذا.
واذا كان الحوار الوطني ووثيقة قرطاج وغيرهما من تقاليد غير راسخة وعاجزة حتى الآن على تحقيق عقيدة وثقافة وروح وطبيعة ومسؤولية بقاء الأمور بين أيادي التونسيين، فإن ثقبا حضاريا حقيقيا بات يتعمق وعلينا الانكباب فورا عليه. وفي الحد الأدنى انكباب كل مؤسسات الدولة والمقتدرين من أبناء الوطن على إعداد ونشر هذه الفلسفة الوطنية العامة الخاصة بفن الحكم في الجمهورية التونسية مهما يكن الوضع الذي ستؤول اليه الأمور.