لا أعتقد أن الفلسفة تأخذ صاحبها إلى اللامنطق، فيصل به الحال لاستبلاه قرائه، والعبث بعقولهم، ذلك أن الفلسفة علم يلتمس منه خائضه حقائق الممكنات، ويحقق كنه الموجودات، لتكون لديه آلية يستخلص منها أجوبة تساؤلاته ومدار حيرته، في إطار معرفة الوجود بحقائقه الكلية، لكن الحاصل هنا، أننا وجدنا أنفسنا أمام عنوان قامة فلسفية، شذت عن قواعدها شذوذ، من أصر على اعتبار نفسه، منظرا إسلاميا لا يشق له غبار، في الشأن العام الداخلي، وفي الشأن الخارجي، قد حسم أمره في جميع قضاياهما، فكل ما رآه فيهما بعقله هو عين الصواب، ولست أدري بأي مزاج حاقد مريض خلط آراءه التي أطنب في سوقها عارية، موهما القارئ أنها حكمة فيلسوف، قضى عمره في استجلاء دقائق فكرتها.
لست ممن يعنيه كلام المفتونين، (الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) (1) لكنني مع هذا المتهافت رأيت من واجبي أن أفند مزاعمه، أثبت لمن أستهوته كتاباته أنه خائض مع الخائضين، لم يقدر تمييز ما هو معلوم بالضرورة، من واقع إسلامي أصبح يفرض نفسه بقوة الحجة ما عنيته هنا، هو أبو يعرب المرزوقي فيلسوف النهضة دون شك، وهابي تيمي للنخاع – وهو حر فيما اختاره- ومن كان مصطبغا فكره بهاتين الشخيتين المتطرفتين، فإنه حتما سيحمل عنهما روح الشذوذ عن وسطية الإسلام، وما في مضمونه من إعتدال، وبعد عن التطرف في الدين، هذا الرجل اعتقد نفسه منظر الإسلام في تونس، بل لعل نفسه المتمردة على واقعها شردت به بعيدا عن ذلك لتحلها محلا عربيا أو إسلاميا، لكن هيهات أن يبلغ مقام العظماء ورواد الصلاح، من كان قلبه مبوبوء بالحقد والكراهية، فكانت نزعته إلى نهج التطرف بهما، سمة عرفه بها من تابعه على هرتقاته المريضة، فتبينوه من خلالها صلفا عنيدا متعاليا وحاله تدعو إلى الرثاء، لشخص فقد السيطرة على أعصابه، فزل به عقله زلة من فقد بوصلة طريقه، أوقعته في ورطة ليس بخارج منها، ولو تبين له خطأه، لأستغشى ثيابه وأصر واستكبر استكبارا.
ردي هذا على هذا الشخص المريض رأيته اليوم ضروريا – بعد الردود السابقة- بسبب آرائه الفاسدة عن إيران الإسلام ومحور مقاومتها، أما ما كتبه عن الرئيس قيس سعيد فشأنه معه.
ففيما كتبه على صفحته بالفايسبوك تحت عنوان: (النخب العربية ولعبة الصفوية والصهيونية) بتاريخ: 21.05.11 ذهب أبو يعرب المرزوقي في دعاويه قولا شططا، ولو كنت أولي أهمية لما كتب حامل أسفار علم لم ينفعه محصوله، ليريه وجهة حق واحدة، لكففت عنه عناء الرد على ترهاته، التي لا ينخدع بها سليم عقل ومعافى فكر بدت نواذج التطرف الحاقد فيه، من جاراه عليها فهو موبوء بنفس الحقد وعمى البصيرة مثله، ولا أتصور مطلقا أن نور الحق جهر عقله، فذهب به بعيدا لا يلوي على شيء، في أثر من كبت به بطانته، وخاب به أمله من أدعياء العلم، حتى اذا جاءه طالبه لم يجده شيئا. (كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فماله من نور) (2)
وما هذا الرجل وحماس ليوجه خطابه إليها وهي ضمن خط مواجهة واحدة، مع محور إسمه محور المقاومة، الذي ترعاه إيران الإسلامية رغم أنفه وأنوف من يكره إيران، لعل هذا وهؤلاء تناسوا بشارة الوحي والنبوة فنذكرهم بها، لعل الذكرى تنفع المؤمنين، فماذا تراه قائلا لربه غدا عندما يسأله عن كل هذا التحامل عليها وهي البريئة تماما من كل ما رمياه هو وغيره بها؟
إيران التي ما فتئ هذا الرجل يكيل لها التهم ويهاجمها كيفما بدا له، هي موعودة الوحي والنبوة الخاتمة، على صاحبها وعلى آله أفضل صلاة وأزكى تسليم، بشرا بها من خلال آيات نزلت بشأنها، قام النبي صلى الله عليه وآله وسلم ببيان مقصدها، بأنها عنت قوم سلمان الفارسي، دون غيرهم من الأمم، قد خصهم الله بالإيمان، وأعطاهم قدرة من قدرته في إظهار دينه، والإسهام في أعلاء كلمته، ولو لم يكن أبو يعرب هذا ملوث الفكر مهتزّ العقيدة، لاحترس من مواقفه المنحرفة عن إيران انحرافا كبيرا، دلّ على أن قلبه لم يعد فيه مجال، ليغير من عدائه المفرط ولو يسيرا، وانخراطه في هذا المسار كلّي ونهائي فيما بدا جيّا وواضحا من حملته المسعورة، مع أني لا أتمنى له ذلك، وأخشى عليه سوء العاقبة، في الدنيا عندما تنكشف حقيقة إيران الإسلامية، وتتحقق أهدافها القرآنية، وفي مقدمتها تحرير فلسطين كل فلسطين، فماذا سيقول حينها لمن آمن بترهاته، واستمسك بهرتقاته، لقد أخطأت؟ وهل سيسامحه هؤلاء المغررون بأفكاره، عندما تصدمهم الحقيقة؟ ام أنهم سيلعنونه ويلفظونه لفظ النّواة، وسيصبح بعد التباهي والتماهي معرّة ألسن هؤلاء؟ ثم بعد أن يلقى ربه ماذا سيقول له في الآخرة، إذا أسعفه أمر ما فيه لا نعلمه، عن سبب معاداته أولياءه؟
لم يكن الإسلام دينا عربيا مع أن القرآن نزل بلسان عربي مبين، فليس هناك أمقت من دعاوى الجاهلية ومننها التعصب للعرق، وهنا أذكّر صاحبنا بقوله تعالى: (وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم) (3)
كنا جلوسا عند النبي (ص) فأنزلت عليه سورة الجمعة ( وآخرين منهم لما يلحقوا بهم) قال: قلت : من هم يا رسول الله؟ فلم يراجعه حتى سأل ثلاثا، وفينا سلمان الفارسي، وضع رسول الله (ص) يده على سلمان ثم قال: لو كان الايمان عند الثريا لناله رجال من هؤلاء. (4)
وقوله تعالى: (وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم)(5)
فقد تلا رسول الله (ص) يوما هذه الآية. قالوا: ومن يستبدل بنا؟
فضرب رسول الله (ص) على منكب سلمان ثم قال: هذا وقومه هذا وقومه. (6)
ألا يكفي صاحبنا هاذين المصدرين الأساسيين عنده، والروايات الموثقة الصحيحة بهذا الخصوص، قد ترِعَت بها كتب الإسلام الروائية؟ لا أعتقد أن هذا الأمر غائب عنه، وإن كان متجاهلا له متعمّدا، فتلك طامة كبرى، ألا يحتمل على الأقل أن هاتين الروايتين متعلقتين بقوم سلمان المحمّدي، وهم الفُرْسُ في هذا الزمن بما اظهروه من قيم ومبادئ إسلامية، وثبات على ما أعلنه قائد ثورتهم الإمام الخميني رضوان الله عليه، فما مدعاته إلى معاداتهم بهذا الاسلوب السافر، وهم بهذا المقام من الإعتبار عند الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم؟
ففي ما كتبه عن لبنان اظهر انه لا يعي من أمره شيئا، وكل ما كتبه كان هراء لا ينطبق على واقع لبنان، ولعلّه نسي أن لبنان كانت تلقب بخمّارة الشرق، ولولا الأنفس المؤمنة فيه التي تحركت لإنقاذه من ان يبقى خمارة من جهة، ومهيعا لقوات الكيان الصهيوني، لتأسيس حركة مقاومة وطنية شريفة، أثبتت أنها ربّانية في أفكارها ومقاصدها، قاطعة مع زمن الاستهانة بالشعب اللبناني، شرف لبنان حزب الله، حتى هذه التسمية كأنّها مدّخرة لهؤلاء الرّجال فاستعاروها من كتاب الله ولولا التزامهم به وتعهّدهم له لما اهتدوا الى ذلك اللقب العقائدي، ولا أعتقد أنه فات أبو يعرب هذه الخاصّية، ولم نعرف منذ تأسيس هذا الحزب هدفا وحيدا اعلنه وطبّقة سوى مقاومة الكيان الغاصب لفلسطين والمحتل للبنان، وهذا يعلمه الجميع وما تصنيف أمريكا والغرب له حركة إرهابية، لدليل على أنه حزب مقاوم صادق في أهدافه، ولو كان كما إدّعاه أبو يعرب، لكان مقرّبا من هؤلاء الأعداء ومحظيّا عندهم، فلم الصدّ عن الحق وهو أبلج من فلقة الصبح؟
حركات المقاومة في لبنان كثيرة، وهي متوافقة ومتعاونة مع حزب الله، وهو أكبرها عددا وعتادا، لكنه مع حجمه بقي مراعيا لأصول التعامل الاسلامي، وقد تجاوز حواجز الانتماءات المذهبية ليركز على المبدأ الاسلامي العام الجامع لشتات الأمّة، في وقت هي بأمسّ الحاجة إلى لم شملها، واستقلالية هذا الحزب في قراراته مما لا شك فيها، لكن ماذا يمكن القول لمن ذهب في هذه التّهيآت المنحرفة عنه بعيدا؟
وإيران تدعم بالمال والسلاح والتقنيات حزب الله اللبناني، وبقية الحركات والفصائل الإسلامية الفلسطينية على حدّ سواء، ومنها حماس التي شكر قادتها مرارا وتكرارا إيران الإسلامية على جهودها الجبّارة، وثمّنوا مساعداتها الهامّة المختلفة العسكرية والتقنية والمادية، والتي كان لها دور أساسي في تقوية تلك الفصائل تسليحيا – في الوقت الذي كان أبو يعرب لا يذكر على الساحة التونسية، فضلا عن الاسلامية- والبلوغ بها مستوى الرّدع في مواجهة العدو الصهيوني، وحروب غزة تكفي للدلالة على تلك القوة، وصواريخها فجر 4 و5 التي منحت تقنياتها إلى شباب المقاومة في غزة يكفي للدلالة على الدّور الهام الذي اضطلعت به ايران الاسلام من أجل القضية الفلسطينية، وهدفها من وراء ذلك تحرير الأرض المغتصبة، وقد قدّمت من أجل بلوغ هذا الهدف العزيز تضحيات جمة، لا يمكن لأحد تقديرها غير أصحابها، الذين وصلت إليهم رغم الحصار المطبق عليهم، فلا لبنان أصبح قاعدة إيرانية ولا هم يحزنون.
خلط ابو يعرب ايران مع فرنسا كأنهما متقاسمان لبنان محميّة وقاعدة، يدعو الى السّخرية من رؤيته السياسية للواقع اللبناني، ولو أنه كان صادقا لذكر الدور المشبوه والخطير، الذي يقوم به النظام السعودي مع سعد الحريري وتيار المستقبل في عرقلة أي تواقف سياسي بلبنان، من أجل سحب البساط من تحت أقدام ممثلي حزب الله في الحكومة اللبنانية، والذهاب بالبلاد إلى حالة من الفشل السياسي، وعدم الإستقرار الأمني، لفتح باب التدخل الأمريكي الغربي الصهيوني في لبنان، والعمل على تفكيك حزب الله وانهاء وجوده تماما على الأرض، وهو الذي تعتبره أمريكا والكيان الصهيوني عقبة كأداء، أمام مشروع الشرق الأوسط الجديد، وهرتقات أبو يعرب هنا، تدعونا إلى الرثاء لحاله أين وصل به حقده الأعمى.
ما جرى في سوريا لم يكن ثورة الا عند الحشّاشين فمن له ادنى معرفة بمؤامرات الغرب يستطيع تبيّن حقيقة أنها مؤامرة استهدفت اسقاط نظامها لإحلال نظام بديل عنه يمضي الورقة الأخيرة من اتفاق التسوية مع الكيان الصهيوني، ويغلق ملف القضية الفلسطينية على الرغبة الأمريكية الصهيونية، ولولا تدخل ايران وحزب الله في هذا البلد، لكانت داعش اليوم قد بسطت نفوذها في سوريا والعراق، وقد عرف الشعبان حقيقة داعش واسلامها المزيف وممارساتها الوحشية تجاه كل من خالفها، أو حتى من اشتبهت في أمره، فإذا كان أبو يعرب يرى في داعش مشروعا لحكم اسلامي، فيا خيبة مسعاه فيما رآه؟
وما شأن أبو يعرب واليمن حتى يفتري على رجال صلاحه، عميت عين لا ترى لشعبه حقا في تقرير مصيره، ويصطف مع الجانب الآخر المعادي له، وسكوته على جرائم التحالف، الذي تقوده السعودية ضد إرادة الشعب اليمني، وغضّ طرفه عنها، فلم يشر إليها ولو بنحو من الإجمال، دليل على أنه يكتب لحساب آل سعود ووهابيتهم، تماما كما تجاهل الدّور السعودي المفسد لكل تفاهم في لبنان.
جميع الفصائل الفلسطينية تعرف تكاليفها الجهادية، وهي بكوادرها وقياداتها ومثقفيها، تدرك جيدا من هي إيران، وما قدمته لها من دعم لا محدود، ماديا وعسكريا ومعنويا واعلاميا، ودون مبالغة فإنها قد سخرت طاقات جبارة، من أجل دعم المقاومة الفلسطينية، في مواجهة الكيان الصهيوني الغاصب، وما لاقته إيران الإسلامية إلى اليوم، من عقوبات وحظر ومؤامرات، فبسبب موقفها ومشروعها الإسلامي الكبير، الذي أعلنته للعالم بكل شرف وعزة، من أجل تحرير فلسطين، ولا يرتاب في هذا سوى مغفل أحمق، صدّق الدعاية المغرضة عن إيران، أو متآمر مازال يركض وراء كل شاذ من القول عليها، يبذل قصارى جهده لتشويهها، لعله يكسب في صفه من يصدّق أكاذيبه عليها.
الحركات الاسلامية الفلسطينية تعرف وتدرك جيدا وتميز بين من معها وإلى جانبها، وبين أدعياء نصرة قضيتهم العادلة، وليست بحاجة لمن ينظر عليها ويقدم لها النصائح المسمومة، وأبو يعرب لم يفلح في دعاويه التي أطلقها عن تونس فكيف به عن فلسطين وأهل مكة أدرى بشعابها؟
وللعاقل أن يقول في هذا الخصوص: هل نصدّق مقالة فيلسوف لم تنفعه فلسفته فطفق يصول صولة الأسود وهو اليربوع الصغير الخارج حديثا من جحره الذي كان يأوي إليه في العهد السابق فلا حسّ له فيه ولا خبر؟ أم نرجّح عليه مقالات أهل الذّكر بخصوص القضية الفلسطينية خصوصا والشأن الإسلامي عموما وقد طغت أصواتهم بالاعتراف بفضل النظام الإسلامي على حركات المقاومة في فلسطين ولبنان في الوقت الذي احتاجت فيه من يدعمها، ولا يتركها لقمة سائغة في فم العدو الصهيوني، وشتّان بين مجال الناعقين والصائحين بما لا يفعلون ولا يفيدون، وبين العاملين على ميدان الدّعم والتثبيت للمجاهدين من أجل القضية المركزية للأمة الاسلامية، وإنجاح مسارها الجهادي إلى النصر النهائي.
الأيام كفيلة ببيان حقيقة فيلق القدس، أهو ركيزة أساسية لتحرير القدس؟ أم هو كذبة كما إدّعى عليه أبو يعرب؟ وما دعواه هذه إلا دليل من استفحل به مرض الحقد والبغض لإيران، وكيف بمن في رأسه مثقال ذرّة من عقل، أن ينكر ما أصبح هاجس أمريكا والصهاينة وشغلهم الشاغل، إلى هذا الحدّ سأكتفي بما كتبت في هذا المقال ردّا عليه، لأن ما بقي من رعونته لا يجارى عليه، والعاقل يتعفف عادة عن ردّ ما هو ساقط بالضرورة فيدعه للأيام، فهي وحدها كفيلة بكشف زوره وبهتانه.
المراجع
1 – سورة الكهف الآية 104
2 – سورة النور الآية 40
3 – سورة الجمعة الآية 3
4 – صحيح البخاري كتاب التفسير باب سورة الجمعة ج6ص151ح4897
5 – سورة محمد الآية 38
6 – سنن الترمذي أبواب تفسير القرآن ج5ص303ح3260