بقلم: د. عادل بن خليفة بالكحلة (باحث إناسي، الجامعة التونسية)
بدأ «الخريف الإخواني» بانقلاب الإخوان المسلمين بالسودان على الحكومة الشرعية المنتخبة للصادق المهدي عام 1989، ثم تعزز التطبيع العملي بتسليم جنوب السودان للإمبريالية الأمريكية، والانخراط في الحرب السعودية-الإماراتية-الأمريكية على اليمن، طمعا في رضا أمريكي يسمح بشطب السودان من قائمة الإرهاب بتعلة أن أسامة بن لادن كان يعمل في السودان كأنه لم يكن يعمل في الولايات المتحدة الأمريكية قبل ذلك فتكون و.م.أ. إرهابية-بن لادنية أيضا.
وقد تزايدت المبادلات الاقتصادية بين النظام التركي والنظام الصهيوني منذ انتصاب حزب العدالة والتنمية. فإخوان تركيا متحالفون مع إسرائيل، وليسوا مجرد مطبعين، ومازالوا اعضاء في حلف شمال الأطلسي العدو الضخم للعالم الإسلامي وللتطلعات التحررية في «العالم الثالث». ورغم ذلك لم يرفع الإخوان العرب مجرد عتاب خفيف لتركيا الإخوان، بل يبررون لها (والتبرير ليس فعلا اخلاقيا ولا عقلانيا) تحالفها مع الصهيونية بأن «تلك العلاقات الدبلوماسية كانت من قبل انتصاب حزب العدالة والتنمية». ولكن الاندماج الإيراني الشاهنشاهي-الصهيوني كان أقوى من التحالف التركي-الإسرائيلي، وفجأة انقطع في فيفري 1979، ليصبح وكر الشيطان سفارة لفلسطين.
إخوان العرب بدون خلفية أخلاقية. فهل الغدر وعدم الاعتراف بالجميل من شيم الكرام؟ لقد كانت علاقتهم بالدولة السورية متينة جدا، دبجتها مدائح القرضاوي للرئيس السوري حتى عام2010، وكان بعض إخوان تونس لاجئين هناك، وكانت حماس تنعم بمقر ودعم لوجستي لم تنل مثله لدى الأنظمة العربية مطلقا وفجأة، أصبحت الدولة السورية إسمها «النظام السوري» ، وأصبحت دولة «كافرة» يعلن عليها الرئيس الإخواني المصري الجهاد من أستاد القاهرة، ويعبئ ضدها إخوان تونس وليبيا الشباب التونسي، وتقطع حماس علاقاتها بدمشق، بل تصبح أدوات حفر الأنفاق التي أخذتها من ذلك المسمى «نظاما» أدوات لحفر أنفاق «الثوار» أي مدمري الدولة. وكل هذا «الخريف» كان بتواطئ مع جيش تركيا الإخوانية الذي يتدرب لدى و.م.أ، والمضيف لحلف شمال الأطلسي، والذي له مناورات سنوية مع الجيش الصهيوني؛ وبتواطئ ومع الأردن «الديمقراطية» التي ببرلمانها إخوان كبرلمان السادات وبرلمان مبارك، ومع قطر «الديمقراطية» والإمارات والسعودية «الديمقراطيتين» غير«الكافرتين»، تلك الدول الودودة مع الكيان الصهيوني… وتغير مقر حماس من دمشق إلى مكان ما بالدوحة لا يبعد كثيرا عن القاعدة الأمريكية هناك، وبذلك استبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير.
فما الجديد في تطبيع إخوان المغرب، وعدم معاتبة إخوان تونس وليبيا لهم على ذلك؟ لا جديد… والشاهد هو اجتماعات منظمة آي-باك قبل انتخابات تونس عام 2011، وكذلك رسالة الرئيس الإخواني المصري إلى «الصديق العظيم»، أي الرئيس الصهيوني كما سماه، التي حملت آيات الصداقة والود للكيان الصهيوني الذي لم يقطع العلاقات الدبلوماسية به، على عكس رسائله تجاه رئيس سوريا «الكافر»، وتجاه إيران في قلب عاصمتها. والدليل كذلك وجود وزراء واضحي التطبيع في الحكومات التي شارك فيها إخوان تونس، ووقوف الأكثرية الإخوانية ضد مشروع دسترة مناهضة التطبيع.
فهل الجديد هو تبرير إخوان تونس لتطبيع رئيس الحكومة الإخواني المغربي بأنه يريد «الصحراء الغربية» وأنه «تحت ضغوط اقتصادية عالمية»؟ رب عذر أقبح من ذنب أخلاقي فضيع!!
إننا لن نطمئن إلى عودة وعي من حماس اذا لم يكن ذلك في مساق يقظة أخلاقية. فلقد غدرت بالدولة السورية وخانتها، رغم أنها لم تسئ إليها فـ«لا يؤمن المؤمن وهو يخون»، والمؤمن لا يخرق العهد. ومن اليقظة الأخلاقية إن كانت مؤمنة فعلا، أن تطلب علنا ورسميا التصالح من الدولة السورية. فالمؤمن يخطئ، ولكنه يتوب؛ ولا توبة تجاه الله إذا تكبر ناوي التوبة عن طلب العفو، إذ أن المتكبر لن يدخل إلى جنة فلسطين فضلا عن جنة الخلد: « والله لن يدخل الجنة من في قلبه ذرة من كبر!!».
ومن المعيب استعمال أحد قادة حماس، وهو غاضب على أخيه المغربي، لآية قرآنية تقول: ﴿وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ ٱلْيَهُودُ وَلَا ٱلنَّصَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ﴾ (البقرة، 120) حاذفا إياها من سياقها، حتى يتوهم المسيحي الصديق أنه عدو الاسلام والمسلمين، بينما هو من أهل المودة للديانة المحمدية. فقد جاء في الآية الموالية : ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوته﴾. وقد جاء في السورة نفسها (الآية 62): ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ وهذا الوعي الديني الضعيف لدى أحد قادة حماس موجود لدى جل قادتها. وهو أمر مؤسف، فهناك الكثير من مواطنيه الفلسطينيين مسيحيون ويهود سامريون (أي من أصل فلسطيني مناهضون للكيان الصهيوني). فماذا سيكون موقفهم عندما يستمعون إليه وهو يزمجر ضد كل اليهود وكل النصارى، كأن كل المسلمين أتقياء وكأننا لا نجد من بينهم متصهينين!!
*****
أرجو من الإخوان المسلمين أن يحلوا تنظيمهم العالمي المشبوه واتحاداته التابعة له، وأن يتخلوا عن تقسيم العالم الاسلامي إلى فرقتين متناحرتين، وأن يتعلموا الإسلام من فينزويلا وكوبا…
والأهم هو أن يعيدوا بناءهم الأخلاقي، فالحكيم محمد(ص) لم يبعث إلا ليتمم مكارم الأخلاق…