بات واضحاً اليوم لكل ذي بصيرة ان توقيع منظمة التحرير الفلسطينية على اتفاق آوسلو قبل خمسة وعشرين عاماً كان بمثابة كارثة كبرى ربما كانت نتائجها اخطر على الشعب الفلسطيني من نكبة فلسطين في الخامس عشر من ايار عام 1948 التي مرت ذكراها الـ72 قبل عدة ايام.
ففي ظلال هذه الإتفاقية ومفاوضاتها العبثية التهم الإستيطان معظم الارض التي احتلتها إسرائيل في عدوان الخامس من حزيران عام 1967وشمل التهويد معظم المناطق التي يعتبرها الصهاينة قلب الشعب اليهودي واعترفت امريكا بالقدس عاصمة لاسرائيل ونقلت السفارة الامريكية إليها وطرح ترامب صفقة القرن وطبعت دول عربية جديدة علاقاتها مع إسرائيل. وقريباً سيكون من (بركاتها) ضم الحرم الابراهيمي وبيت أيل والمستوطنات والاغوار إلى ألسيادة الإسرائيلية .
فآوسلو لم يكن لا إتفاق سلام ولا تسوية تاريخية بقدر ما كان شركاً نصبته إسرائيل لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية للحصول منها إعتراف بأن ما تم في 15ايار عام 1948 لم يكن إحتلالاً او إغتصاباً لارض تعود ملكيتها لشعب آخر هو الشعب الفلسطيني بقدر ما كان حرباً ظالمة شنتها الجيوش العربية على اسرائيل لمنع اليهود من الحصول على حقهم في تقرير مصيرهم وإقامة دولتهم المستقلة.وكان لها للاسف ما ارادت
ولمن يريد ان يدقق في الاهداف المستقبلية التي ارادت إسرائيل الوصول إليها من خلال اتفاق آوسلو فانها ارادت ان تنتزع من منظمة التحرير الفلسطينية إعترافاً بحق إسرائيل بالوجود الشرعي على 81% من اراضي فلسطين التاريخية ومقابل ذلك لم تعترف هي بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره واقامة دولته على ال 19%الباقية وعلى حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة بل وافقت على إخضاع كل تلك القضايا للتفاوض.
ولهذا السبب فإن من صاغ آوسلو من الجانب الإسرائيلي تعمد الحديث عن حل من مرحلتين للصراع الفلسطيني الإسرائيلي وعن عملية تفاوضية طويلة للوصول الى التسوية ليس لأنه كان بنية الإسرائيليين إعادة حتى لو شبر واحد من الارض الى السيادة الفلسطينية بل لانه كان يريد اصطياد عصفورين بحجر واحد الأول،خلق شرائح طبقية فلسطينية لها مصلحة بتمرير تسوية اقتصادية لصراع الشعب الفلسطيني مع اسرائيل والثاني تكريس وقائع تهويدية وأستيطانية على الارض توصل الى الضم الذي تزمع حكومة نتنياهو جانتس تنفيذه في قادم الايام.
بكلمات اخرى فإن صفقة آوسلو كانت من الفها الى يائها عبارة عن تسوية إقتصادية تنسجم مع مفهوم توراتي يعطي الفلسطينيبن دور الحطابين وسقائي الماء من ناحية ومع مشروع السلام الإقتصادي الذي صاغه الداهية شمعون بيريس والذي يفضي إلى تسوية إقتصادية على قاعدة التعاون مثلث الاطراف بين العقل اليهودي والعمالة والرساميل الفلسطينية والعربية لتفريغ القضية الفلسطينية من مضمونها السياسي التحرري وتحويلها من قضية حق عودة و تقرير مصير ودولة الى قضية حقوق إقتصادية وتطبيع علاقات مع الدول العربية على حساب الشعب الفلسطيني ومن وراء ظهره وهذا ما يحدث اليوم من ناحية أخرى.
ومن هذا المنطلق فإن صفقة القرن التي طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لم تكن نبتًاً شيطانياً بقدر ما كانت ترجمة للحل النهائي الذي ارادت اسرائيل الوصول اليه بعد 25 عاماً من صفقة آوسلو من المدخل الإقتصادي.
ولذلك فآن الاساس في صفقة القرن لم يكن شقها السياسي بل شقها الإقتصادي الذي أعلن عنه في ورشة البحرين الاقتصادية التي عقدت في المنامة العام الماضي برئاسة وتنظيم من صهر الرئيس الامريكي ومستشاره السياسي الصهيوني جاريد كوشنير.
فتلك الورشة طرح فيها على الفلسطينيين بيع وطنهم والتنازل عنه لإسرائيل ليس مقابل( 50)مليار دولار كما قيل واعتقد البعض وإنما مقابل جزء من هذا المبلغ ،لأن معظمه سيذهب إلى دول الاقليم التي ستستضيف الفلسطينيبن في إطار ما يسمى بمشاريع التوطين التي ستقام على اراضيها.
بقي القول أن نتنياهو يدرك بأنه حال إعلانه عن قرارات الضم بصورة رسمية فإنه سوف يطلق رصاصة الرحمة على أوسلو وبالتالي على حل الدولتين و على السلطة الفلسطينية ولكن بما انه لا يريد ان تؤدي خطوته تلك الى إنهيار الدور الوظيفي الأمني للسلطة والى اغتصاب الاردن فإنه قرر منح قرض بمبلغ 800 مليون شيكل للسلطة على ان يتم سدادها من اموال المقاصة الفلسطينية واخر الإعلان عن قرارات الضم حتى إشعار آخر.
وعلني لا أضيف جديداً إن قلت بأن ما تريده إسرائيل في المرحلة المقبلة ليس شطب السلطة الفلسطينية بل شطب اي صلة لها بأهداف النضال الوطني الفلسطيني ومن ضمنها قضية الأسرى والمطالبات حتى لو كانت لفظية بتنفيذ قرارات ما يسمى بالشرعية الدولية والتهديد باللجوء الى المحاكم الدولية لتقتصر صلاحياتها على الدور الامني وبعض صلاحيات الادارة المدنية المكلفة للإحتلال.
وقد لاحظ الكاتب الفلسطيني خالد البطراوي ان الإحتلال حول السلطة الفلسطينية ألى إدارة مدنية تهتم بالأمور التي تشكل عبئا على الإحتلال وتكبده المصاريف مثل التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية بالإضافة إلى “الامن ” فيما واصل هو التحكم والإقتصاد والحدود والأرض والمياه.
ولكن الشيء المؤكد انه طالما بان إجراءات الضم تعني موت اوسلو وحل الدولتين فان اي علاقة مع إسرائيل بعد الاعلان عن الضم رسمياً لا يمكن تبريرها بالمصلحة الوطنية العليا او في إطار التجربة والخطأ بل سيكون مبررها الوحيد هو التماهي مع المصالح الطبقية الضيقة ولذلك فإنها ستكون محرمة وطنياً.