الأربعاء , 18 ديسمبر 2024
أخبار عاجلة

إلى أيّ مدى سيبلغ التواجد العسكري الأمريكي بتونس؟

بقلم: محمد الرصافي المقداد |

ما تزال سياسة الشعب التونسي تمارس على نفس النّحو من التعاطي معها في العهود السابقة بحيث يكون الشعب آخر من يعلم بشأن سياسة حكوماته المتعاقبة، كأنه محكوم عليه بأنه آخر من يعلم، ويشترك في هذه السياسة حتى ممثلوه في البرلمان، بطريقة الاوصياء الذين لا يرجعون اليه في شيء فدوره في اختيارهم ينتهي مع نتائج صندوق الاقتراع.

من بين السياسات التي فاجأتنا العلاقات الخارجية التونسية مع امريكا، والتي وصلت الى المجال العسكري بعد مبرر التعاون الأمني تحت عنوان محاربة الارهاب، التصريحات التي جاءت عن القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) على لسان قائدها (ستيفن تاونسند)، في اتصال هاتفي مع وزير الدفاع التونسي عماد الحزقي، عبّر فيه استعداد بلاده نشر (قوات مساعدة أمنية) هناك، كإجراء أو كضمان لتبديد القلق من الأنشطة العسكرية الروسية في ليبيا، اذا تمّ الاتفاق من الجانبين.

البيان وصف قلق التوجد العسكري الروسي بالشقيقة ليبيا بالكبير، على أساس أن روسيا هي صاحبة تأجيج الصراع على الاراضي الليبية، مع أن روسيا قد نأت بنفسها عن الاحداث التي حصلت بليبيا فيما يسمى بالثورة الليبية وتبين بعد ذلك أنها لم تكن ثورة أبدا وإنما كانت مؤامرة غربية قادها الناتو لتغيير النظام في ليبيا، وانتهى الأمر بالوضع الليبي الى حالة من الارهاب التي تهدد جيرانها، فأين تشترك أمريكا مع تونس في قلق امني بليبيا إن لم تكن العبارات سوى مراوغة وكرا تريد أمريكا مكره في تونس وأي اولوية لأمريكا في أمن المنطقة؟ إنّ الذي يهدد أمن تونس ودول العالم، هي مخططاتها الهدامة للسيطرة عليها، بسياساتها العدوانية المؤسسة على الانقلابات ونشر الفوضى على اراضيها، اذا أحكمت قبضتها الاقتصادية والعسكرية عليها؟  

الطّرح الأمريكي على لسان قائد القوات الامريكية بافريقيا – وأينما وجدت قوات امريكية وجد تهديد جدّ للمنطقة – وما هي السبل الجديدة المقترحة؟ ويبدو أنه واضح في تعاطيه مع وزير الدفاع التونسي وهو الاتفاق على السماح للقوات الامريكية بالتدخل الأمني في تونس  ، بل قد يتيح لتلك القوات بالتدخل في شأن الجارة ليبيا وهذا ما اعتقد أنه تدخّل سافر آخر في الشأن الليبي بعد تهنئة رئيس البرلمان للسرّاج على استيلاء قواته على قاعدة الوطية.

ويبدو أن اجتماعا  جمع قبله وفدا عسكريا بين البلدين وقع الاتفاق فيه على جملة من النقاط المتمورة حول الوضع في ليبيا، ومن عادة أمريكا، أنها لا تتحرك في مجال ما، الا ولها مصالح هامة، تريد من تدخّلها ضمان بقائها فيها.  

اعتبار الجنرال الامريكي أن تسليم روسيا طائرات حربية الى جيش حفتر بمكن ان يساعدها على ضمان معقل استراتيجي في شمال افريقيا، ومن المثير للسخرية هنا أن يحاول الجنرال غريغوري هادفيلد نائب مدير إدارة المخابرات التابعة للقيادة الأميركية في أفريقيا لمجموعة من الصحافيين إن الطائرات الروسية انطلقت من روسيا ومرت عبر إيران وسورية قبل وصولها إلى ليبيا. فهل بلغ الإستغباء الأمريكي  للشعوب التي ترضى هذه الحالة، كان على الصحافيين ان يسألوا هذا الجنرال هل عجزت روسيا ايجاد خطا أقصر واسرع من الخط الذي زعمه ولا يفصل ليبيا عن روسيا سوى بحرين البحر الأسود والبحر الابيض فلماذا كل هذه المسافة الغير منطقية؟

ما عمل على اخفائه الأمريكيون أن الامارات العربية وكيلتهم بالنيابة في ليبيا هي التي تقف وراء الجنرال الليبي حفتر تسليحا وتمويلا واقصر الطرق لشراء الاسلحة هي روسيا، مع فسح المجال في نفس الوقت لاتهامها بالتدخّل في الشأن الليبي، وهي بريئة منه تماما، والدّليل على ذلك أن لها قاعدتين عسكريتين بسوريا ولكنها لم تنشر فيها صواريخها بعيدة المدى لسبب بسيط وهو أن تلك الصواريخ لا تحتاج الى ذلك النشر بالنسبة لأوروبا لاتصال الحدود الروسية مع أوروبا، ولا تحتاج ايضا الى نشرها هناك لتكون تهديدا لأمريكا مع وجود امكانية نشر صواريخ متوسطة المدى فقط لتطال جميع الاراضي الامريكية من كوبا ومن فنزويلا هذا بالإضافة الى بوارجها وغواصاتها التي تجوب البحار على مدار السنة. 

كذبة نشر روسيا ل14 طائرة  ميج 29، وسوخوي 24، في قاعدة الجفرة (جنوب وسط ليبيا)، تبدو مفضوحة عارية من الصحّة، وما قيمة هذا العدد الضئيل من الطائرات حتى يشكل خطر ويمثل هاجسا أمريكا تبحث الادارة الامريكية عن ايجاد اتفاق عسكري لاحتوائه؟

لم تكتفي أمريكا بدخول تركيا في الصراع الداخلي الليبي وهي العضو في منظومتها حلف الشمال الأطلسي ( الناتو)، فزادت من وتيرة تدخلاتها المبطّنة، على اساس الحفاظ على الأمن في شمال افريقيا، بهذا الاتفاق الذي لا نعلم عنه شيئا – والشعب تطبّع بأنه لا يعلم ووطّنت شرائحه أنفسها على ذلك- وتبدو الاغراءات المالية الأمريكية، قد أسالت لعاب حكومتنا، وهي التي تعاني من ازمات اقتصادية متعاقبة، وبالتالي فهي لن تتردد فيما يبدو، في قبول القوات الامريكية على الاراضي التونسية، تحت أي مسوّغ أو عنوان كان، دوس جديد على سيادتنا، واستقلال قرارنا، وطعنا لمبدئنا الحيادي في الصراعات الاقليمية، وإغراقا لسياساتنا في مستنقع التبعية للغرب، سبب تخلفنا ومأساة تاريخنا.

“اعتزام الإدارة الأمريكية منح تونس صفة حليف أساسي، غير عضو في حلف شمال الأطلسي، اعترافا بالقيم التي نتقاسمها وبالمكاسب الديمقراطية التي حققتها تونس، وبتنامي التعاون الثنائي في المجال الأمني ومكافحة الإرهاب.”( المصدر صفحة السفارة الامريكية بتونس)، بينما لم تتجاوز الهبات الامريكية، بعنوانها الأمني الى تونس ال 200 مليون دولار منذ 2011 ، اضافة الى تجهيزات عسكرية، ودورات تدريبية بأمريكا دأبت على تقديمها أمريكا منذ الجمهوريتين السابقتين، وهي لا تقاس بشيء، مقارنة بما تقدمه امريكا لحلفاء يعتبرون سندا حقيقيا لها كالكيان الصهيوني. 

امريكا اذا استحكمت سيطرتها على بلد ما، فإن وجودها العسكري لن تتردد في استعماله، حتى ضد مصالح الدولة المضيفة ( العراق على سبيل المثال)، ولا اعتبار لموقفها منه يعني ( أعلى ما في خيلك اركبه)، ويبدو أن الحكومة التونسية مازالت تعيش على أطلال الفُتُوَّةِ الأمريكية، وقطبيّتها التي دخلت مرحلة الأفول والإنتهاء، والصراع القادم على وشك الاندلاع، فلا نجرّ إليها من طرف حمقى السياسة في بلادنا، إلى وضع كارثي، بالتورط في ما لا شأن لنا فيه، متوافق مع أمريكا وأطماعها، فهل تنتبه الحكومة الى الفخ المنصوب لها؟ أم أنها ستقع فيه، وجارتنا الجزائر مستهدفة من هذه القوات؟.. أفلا تعقلون يا حكامنا؟ أم أن حظنا منكم دائما سوء الإدارة والتصرّف، والتفويت في مصالحنا وحقوقنا، لحساب مصالح دول كبرى معروفة بانيتها وعنصريّتها ونزعتها الاستعمارية؟

المصادر الخبرية:

1 – https://arab-turkey.com/2020/05/30/%D8%B7%D8%A8%D9%80-%D9%80%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%80-%D9%80%D9%80-%D9%80%D8%B1%D8%A8-%D8%AA%D9%82%D8%B1%D8%B9-%D8%A3%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%83%D8%A7-%D8%AA%D8%B9%D8%AA%D8%B2%D9%85-%D9%86/

 

2 – https://eldorar.org/node/152191

3 – https://tn.usembassy.gov/ar/our-relationship-ar/policy-history/history-of-the-u-s-tunisia-relationship/fact-sheet-enduring-u-s-tunisian-relations-ar/

 

شاهد أيضاً

الردّ على جرائم الكيان قادم لا محالة…بقلم محمد الرصافي المقداد

لم نعهد على ايران أن تخلف وعدا قطعته على نفسها أيّا كانت قيمته، السياسية أو …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024