بقلم: د.مصباح الشيباني |
يعتبر النّشاط المدني عموما والجمعياتي على وجه الخصوص، من أهم آليات مشاركة الأفراد والمجموعات في النّهوض بواقع مجتمعاتهم والمساهمة الطوعية في حل مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، سواء في البلدان المتقدمة أو النامية. وقد اكتسبت أنشطة الجمعيات أهمية متزايدة في تحقيق التنمية خلال العقود الماضية أمام فشل حكومات العديد من الدول في تلبية احتياجات شعوبها والحدّ من مشاكلها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. وساهمت مؤسّسات المجتمع المدني في تنشئة الأفراد على الثقافة المدنية والقيم المواطنية والحدّ من هيمنة السّلطة الحاكمة في الدولة.
تخضع أنشطة هذه الجمعيات، في أي مجتمع، إلى ضوابط قانونية تحدّد شروط تأسيسها وأهدافها ومجالات أنشطتها. لذلك، يعتبر الإطار القانوني للأنشطة المدنية عامل مهم في تطور الأنشطة الجمعياتية، ولكنه في ذات الوقت يمكن أن يكون معيقا لها؛ أي بقدر ما يكون القانون محفزا على زيادة انتشارها عدديّاً واتساع أنشطتها نوعيّاً، ومؤشّرا على مدى نضج الوعي المواطني في المجتمع، فإنّه قد يكون في بعض الحالات أحد أسباب عطالتها المؤسّساتية وضبابيتها التنظيمية وعدم فاعليتها الميدانية في تعزيز قيم المواطنة وبناء الديمقراطية وتحقيق التنمية. وتُعدّ هذه الإشكالية من أهم القضايا الملحة في مجتمعاتنا العربية، وفي تونس خصوصا.
مثلت الحركة الجمعياتية في تاريخ تونس المعاصر مصدرا للحراك الاجتماعي والفكري والسّياسي ضد الاحتلال الفرنسي منذ أواخر القرن التّاسع عشر، وشاركت عديد الجمعيات والمنظمات العمالية والشبابية والنسويّة، مثل غيرها من قوى الحركة الوطنية التونسية، في توعية المواطنين وتأطيرهم في معركة التّحرير والاستقلال. وكانت هذه المنظّمات تنشط في مختلف المجالات، ممّا جعل بعضها مؤثّرًا وفاعلاً في بناء مؤسّسات الدّولة بعد الاستقلال نذكر مثلا “الاتحاد العام التونسي للشغل”. فلم يعد ينظر إلى الجمعيات على أنّها فضاءات مدنيّة لحماية مصالح أعضائها والدّفاع عنها فقط، وإنّما أيضا تمدهم بالوسائل الملموسة التي تخول لهم ممارسة حقوقهم وحريّاتهم وسبل الدّفاع عنها.
1ــ قانون الجمعيات في تونس بعد 14جانفي 2011
يعتبر المرسوم عدد 88 لسنة 2011 المنظم للجمعيات في تونس، في نظر البعض، ثورة في المجال التشريعي بعد الثورة. فبعد نصف قرن من الديكتاتورية، وضمن السياق السياسي والاجتماعي الذي تعيشه تونس اليوم، جاء هذا القانون لكي يؤسس لمرحلة جديدة في حرية تأسيس الجمعيات وتمكين منظّمات المجتمع المدني عموما، من المشاركة في بناء مؤسسات الدولة وتنمية المجتمع بكل فاعلية واقتدار.
يتكوّن هذا القانون من تسعة وأربعون فصلا (49) تتوزع على تسعة أبواب (9). وجاءت أغلب فصوله واضحة وغير قابلة للتأويل. إذ يؤكد في الفصل الأول(1) على أن “يضمن هذا المرسوم حرية تأسيس الجمعيات والانضمام إليها والنشاط في إطارها وإلى تدعيم دور منظمات المجتمع المدني وتطويرها والحفاظ على استقلاليتها. وكذلك يؤكد الفصل الثالث(3) على أن تحترم الجمعيات في نظامها الأساسي وفي نشاطها وتمويلها مبادئ دولة القانون والدّيمقراطية والتعددية والشفافية والمساواة وحقوق الإنسان كما ضبطت بالاتفاقيات الدولية المصادق عليها من طرف الجمهورية التونسية.
ويتميّز القانون الجديد بتبسيط إجراءات تأسيس هذه الجمعيات طبقا للمعايير والمبادئ الدولية وأهمّها المادة( 21) من “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية” (صدر بقرار الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة بتاريخ 16/12/1966 وصادقت عليه تونس في 18/3/1969. وتنص المادة 21 على ما يلي :”لكلّ فرد الحق في حرية تكوين الجمعيات مع آخرين، بما في ذلك حق إنشاء النقابات والانضمام إليها من أجل حماية مصالحه)؛ فتمّ إلغاء “نظام الترخيص” المسبق وتعويضه بـ”نظام التصريح” أو الإعلام، وإلغاء الاختصاص التقديري لوزير الداخلية، حيث ينص الفصل العاشر (10) من هذا المرسوم على أن “يخضع تأسيس الجمعيات إلى نظام التصريح”.
كما تدعم هذا المرسوم بما ورد في الدستور الجديد لعام 2014 من مبادئ وأحكام خاصة بالجمعيات أهمها ما ورد في “الفصل (34) الذي يؤكّد على أنّ “حرية تكوين الأحزاب والنقابات والجمعيات مضمونة. يضبط القانون الإجراءات لتكوين الأحزاب والنقابات والجمعيات على أن لا ينال من جوهر هذه الحرية.
لكن يبدو أن المشرّع التونسي ، من خلال المرسوم عدد 88 لسنة 2011، لم يراع الظروف السّياسية والاجتماعية والاقتصادية في البلاد التي أصبحت “مُنْفلِتة” وتعيش حالة من “البهتة” والغثيان على جميع الصّعد بعد أحداث 17 ديسمبر 2010؛ فلم يكن هذا القانون استجابة لاستحقاقات متأكدة يتوقف عليها التحوّل الدّيمقراطي، بقدر ما كان تعبيرا عن السياسة الارتجالية التي سلكتها الحكومة “الانتقالية” ذات المرجعية الإسلاموية تحت ضغوط خارجية خاصة من الاتحاد الأوروبي. ونتيجة لغياب الحد الأدنى من قواعد الشّفافية والمساءلة والرّقابة على أنشطة الجمعيات وعلى مصادر تمويلها ــ الداخلية والخارجية ــ تحوّل هذا القانون إلى مصدر من مصادر التشريع للفساد ولانتشار شبكات الارهاب وتبييض الأموال. فقد عبّر السيد “علي عميرة” في حوار أجرته معه جريدة “الشروق” التونسية الصادرة في 17 نوفمبر 2017. ( مدير عام الجمعيات في رئاسة الحكومة التونسية) على وجود حوالي 189 جمعية تتعلق بها تهم إرهاب وتبييض أموال.
2ـ النّشاط الجمعياتي بين الاحتواء والتوظيف السّياسيين
كان من المنتظر أن تقوم الجمعيات بالإحاطة بمختلف الفئات الاجتماعية وخلق حقل خصب لتحرير الطاقات وتحمل المسؤوليات والتدريب على القيادة وتطوير الإمكانيات الإبداعية المغمورة، لكن واقع الممارسة يطرح أسئلة كثيرة حول أنشطة بعض هذه الجمعيات والمنظمات التي يحيط بها الغموض. ولئن لم يقع تأكيد أو نفي حقيقة ما يُروّج له اليوم، حول هذه الخروقات في ظل غياب الدّراسات العلمية والتوثيق الرّسمي حولها، فإنّه في كلّ الأحوال يمكن القول أنّ الفراغ القانوني في التراتيب المنظمة لتأسيس الجمعيات ولآليات مراقبتها يشكل من الأسباب الرئيسية لصعوبة هذه المهمة؛ حتى أن هذه الجمعيات غير ملتزمة بأهدافها المعلنة وبعلاقاتها مع مؤسّسات الدّولة والمجتمع المدني الأخرى.
لقد انعكس الاستقطاب السّياسي التونسي بين الأحزاب السياسية على تركيبة الجمعيات وأهدافها، ممّا أدى إلى نوع من التقارب أو التّمازج أحيانا بين العمل الجمعياتي والعمل الحزبي من حيث الأنشطة والتسيير. وترتّب عن هذا الاستقطاب السياسي والتبعية للأنشطة الحزبية عدم اهتمام الجمعيات بتحقيق أهدافها وإهمال القضايا الاجتماعية والاقتصادية التي تأسست من أجلها؛ فلم تعد من أولوياتها على الرّغم أنّها من الأسباب المباشرة لاندلاع الثورة في تونس.
ويطرح هذا الاحتواء والتوظيف السياسي لأنشطة الجمعيات إشكاليات كبرى على مستوى حياد الإدارات والمرافق العمومية، إذ تلجأ بعض الإدارات المحلية والجهويّة أحيانا إلى منع التظاهرات والأنشطة التي تنظمها جمعيات محسوبة على أطراف معارضة للحكومة، وفي المقابل، فإنّها تمنح التسهيلات إلى جمعيات أخرى محسوبة على أحزاب تنتمي إلى الحكومة. ويظهر هذا التوظيف خاصة أثناء الحملات الانتخابية.
فقد برزت في تونس منذ الانتخابات التشريعية الأولى لعام 2011 لأعضاء “المجلس الوطني التأسيسي”، وبعدها عدّة جمعيات خيريّة ذات طابع ديني بلغ عددها 1138 جمعية تكوّن حسب مركز إفادة للإعلام والتكوين والدّراسات والتوثيق حول الجمعيات الملحق برئاسة الحكومة بلغ عدد الجمعيات الخيرية 1138 جمعية بين 2011 و 2012 حسب إحصائيّات فيفري 2013. طبقا للمرسوم 88 لسنة 2011 ، وتنشط هذه الجمعيات والمنظمات في مختلف جهات البلاد وتتولّى تقديم المساعدات المادية للمواطنين في المناسبات والأعياد ويقوم البعض منها باستقدام الخطباء الدينييّن الدّعويين من الخارج لنشر برامج دينية مختلفة وإلقاء المحاضرات. وسجّلت التظاهرات التي تنظمها هذه الجمعيات ومن أهمّها ‘الجبهة التونسية للجمعيات الإسلامية’ مشاركة أهمّ الأحزاب السياسية ذات المرجعية الدينية في تونس ممّا خلق نوعا من الخلط لدى المتلقّين بين الطبيعية الجمعياتية والحزبية لأنشطة هذه الجمعيات وطرح قضيّة استخدام الأحزاب السياسية لهذه الجمعيات الخيرية للتعبئة الشعبية والجماهيريّة.
ومن الملاحظ، في هذا السّياق، أنّ الكتابة العامة للحكومة لم تتّخذ أيّ إجراء في شأن علاقة هذه الجمعيات الخيرية ببعض الأحزاب السياسية ذات المرجعية الدينية وفي مدى احترام هذه الجمعيات الدينية للمبادئ الواردة بالفصلين 3 و 4 من المرسوم عدد 88. فتمت عملية الاحتواء لهذه الجمعيات وتسييرها من قبل هذه الأحزاب بشكل شبه كامل. كما لم تلتزم بعض الجمعيات في أنظمتها الأساسية وفي أنشطتها بأحكام الدستور وبالشفافية المالية ونبذ العنف” (جلسة المجلس الوطني التأسيسي حول مشروع الدستور، 1/6/2013).
أدّى عدم وضوح الإرادة السياسية إلى الخلط على مستوى النقاش العام بين القيمة القانونية والعمليّة للمرسوم وبين مدى تطبيقه في الواقع. وتركّزت أهم الانتقادات الموجّهة إليه باعتباره قانونا غير كاف عمليّا لتنظيم الجمعيات نظرا لتعدّد النقائص فيه. ومن أهمّ هذه النقائص عدم وضع آليات لمراقبة تمويل هذه الجمعيات وفي أنشطتها التي تقوم بها فعليا. كما مثّلت مسألة التدرّج في تطبيق العقوبات والتي تقتضي المرور من التنبيه على الجمعية من قبل “الكاتب العام للحكومة” ثمّ الطلب القضائي بالتعليق للنشط أو بحل الجمعيةّ بحسب ما نص عليه المرسوم بالفصل عدد 45.عائقا جدّيّا لتوقيع العقوبات على المخالفات الصادرة عن بعض الجمعيات والتثبّت من مدى احترامها للقانون.
لقد اعتبرت السّلطات العمومية في عدّة مناسبات، وأمام تعدّد التجاوزات الصادرة عن بعض الجمعيات التي تنتهج العنف في أعمالها، أنّ تفعيل نظام العقوبات لم يعد من اختصاص السلطة التنفيذية وإنّما هو من مشمولات القضاء، وأنّها أصبحت غير قادرة على حلّ الجمعيّات مباشرة ومن تلقاء نفسها. لكن حسب ما ورد في الفصل (45) في هذا القانون يمكن لأيّ طرف تكون له مصلحة في الحفاظ على النّظام العام أن يطلب مباشرة من القضاء حلّ الجمعيّة نهائيّا في صورة عدم تحريك إجراءات الدّعوى من قبل السّلطة التنفيذية، ولعلّ عدم استخدام هذه الآليّة من قبل عموم المواطنين يرجع إلى النقص في التعريف والإعلام بمختلف الإمكانيات التي يتيحها المرسوم للمتقاضين.
3ــ قانون الجمعيات وإشكالية التّمويل
تُعدّ مسألة التمويل من أبرز المسائل والإشكاليات التي أثارت جدلا كبيرا خلال المصادقة على هذا القانون وبعد صدروه. وقد خُصّص البابان السادس والسّابع (6 و7) لضبط مصادر التمّويل المختلفة للجمعيات. ويمكن أن تكون هذه المصادر عمومية أو خاصة، داخلية أو خارجية. كما يمكن أن تكون متأتية من اشتراكات الأعضاء والمساعدات العمومية أو من التبرعات والهبات والوصايا وطنية كانت أو أجنبية، وأيضا من العائدات الناتجة عن ممتلكات الجمعية ونشاطاتها ومشاريعها. ويحجّر على الجمعيات قبول مساعدات مالية صادرة عن دول لا تربطها بتونس علاقات دبلوماسية أو عن منظمات تدافع عن مصالح تلكم الدول. وفي المقابل، يلزم هذا المرسوم الجمعيات على صرف مواردها في النشاطات التي تحقق أهدافها. ويفرض قواعد رقابية داخلية وخارجية، ويضبط قواعد مسك محاسبة طبق النظام المحاسبي للمؤسسات حسب المعايير المحاسبية التي يضبطها قرار وزير المالية. وأخيرا، يُلزم الجمعيات بالإفصاح عن المساعدات المالية الأجنبية بوسائل الإعلام وتعلم بذلك الكاتب العام للحكومة كما يفرض على الجمعيات تعيين مراقب حسابات”.
فهذه الحزمة من المعايير والضوابط الشكلية في مستوى تمويل الجمعيات لم تفعّل على المستوى الواقعي. بل إنّ “الضبابية التنظيمية” تجلّت في المستوى المالي أكثر من المستويات الأخرى نتيجة غياب الكشوفات المالية وعدم وجود الشفافية والمراقبة لمصادر تمويلاتها، خاصة إذا كانت من جهات خارجية.
فقد توصلت بعض الدّراسات على وجود نسبة هامة من هذه الجمعيات التي لا تحترم الشّفافية التّمويلية وأن 37% من الجمعيات تقوم بالنشر السنوي لقائمات المداخيل والمصاريف المالية، كما أن 29% من الجمعيات في تونس لا تملك حسابًا مفتوحًا باسمها، خاصة الجمعيات ذات الصبغة “الخيرية” و”الدينية”؛ وهي المرتبطة في تمويلها بأحزاب سياسية وجهات خارجية؛ وذات مصادر غير مصرح بها وغير خاضعة لأي مراقبة من قبل مؤسّسات الدولة.
وفي هذا السّياق ذكر “كمال الجندوبي” (الوزير لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقات مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني) خلال اجتماع له مع ممثلين عن الهيئات الدستورية والأحزاب السياسية والمجتمع المدني(عقد هذا الاجتماع يوم الإثنين 24 مارس 2014)، بأنّ الجمعيات في تونس تعانى من غياب بنك معلومات ودراسات خاصة بها وعدم فاعلية آليات الرقابة على تمويلها إلى جانب ضعف التمويل العمومي لفائدتها وغياب النظام الجبائي الخاص بها. لذلك، فالنسيج الجمعياتي في تونس الناشئ حديثا والمتعدد في الأهداف والأسماء يتكون أغلبه من جمعيات صغرى تشوبها عديد النقائص التنظيمية أثرت في عدم فاعليتها المجتمعية وفي عدم استمرارية أنشطتها أو مراكمتها.
نتيجة عدم تفعيل آليّات الرقابة على تمويل الجمعيات من قبل “وزارة المالية” و”البنك المركزي التونسي” و”دائرة المحاسبات”، وعدم اتخاذ النصوص التطبيقية المنصوص عليها بالمرسوم، وأمام تنامي ظاهرة الجمعيات الخيرية والدينية التي تمتلك إمكانيات مادية ضخمة مجهولة المصادر، أصبحت مسألة التمويل الخارجي لهذه الجمعيات، مطروحة بشدّة ومن القضايا الملحة التي تستوجب حلولا قانونية وسياسية وإدارية نظرا لانعكاساتها السلبية خاصة في قضايا تمويل العمليات الارهابية. ويذهب عدد من الملاحظين إلى أنّ السّماح أو التّساهل للجمعيات بالحصول على تمويلات أجنبية من شأنه أن يساعد بعض الأحزاب السياسية على الحصول بطرق غير مباشرة وغير مشروعة على تلك التمويلات وأن بعض التمويلات الخارجية قد تكون استخدمت من قبل بعض التنظيمات لشراء الأسلحة وترويجها وللقيام بأعمال عنف.
يدعو قانون الجمعيات بشكل إلى احترام الباب السادس المتعلق بالأحكام المالية وبالخصوص واجب نشر المعلومات المتعلّقة بمصادر التمويل. ونتيجة هذه النّقائص، دعا المستشار لدى “رئاسة الحكومة المكلّف بالتنمية السياسية والإصلاحات الدّيمقراطية والجمعيّات” إلى ضرورة تنقيح المرسوم عدد 88 لسنة 2011 وتعويضه بقانون يدير العمل الجمعياتي ويلغي الثغرات الحالية ليكون أكثر دقة في آليات الرقابة وآليّات التسيير.
يبدو أن هذه التدفّقات في مستوى المدوّنة التشريعية بعد 2011 قد داهمت الشعب التونسي وهو لم يتمثّل بعد قيم الحرية والمسؤولية والمواطنة وأسس المشاركة المدنية التي تعزّز تجربته في بناء مؤسّسات الدّولة الديمقراطية، ولم يتخلص بعدُ من تشوّهات وانتكاسات التّجارب السّياسية الاستبدادية السّابقة. وهذه الحالة شكّلت أحد مظاهر الأزمة التي تعيشها تونس في أبعادها التشريعية ككل ( دستور 2014، قانون الأحزاب، مشروع قانون الحريات الفردية والمساواة وغيرها)، حيث ظهر التناقض بين ميوعة المنظومة التشريعية لتكوين الجمعيات، وبين غموض أنشطتها وأهدافها غير المعلنة في ظل غياب هياكل الرقابة القضائية والإدارية في الدّولة.