يبدو أن الفأس وقعت في الرأس , ولا زالت أزمة الطاقة الحالية في أوروبا تلقي بظلالها المخيفة على دول الإتحاد الأوروبي , وسط التوقعات بإزدياد حجم وعدد المشاكل التي تواجه أوروبا والأوروبيين الذين باتوا يخشون البرد والصقيع والتجمد في الشتاء الأوروبي الذي يكاد يحل مسرعاً ومكلفاً للغاية هذا العام , بالتوازي مع التغيرات المناخية وتسجيل نسب الجفاف المرعبة , الأمر الذي يبشر بغموض حالي ومستقبلي , طالما تستمر الرؤوس الحامية في حربها على موسكو بدون رؤى وبلا اّفق , مع استمرار تدفق أموالهم وأسلحتهم نحو أوكرانيا.
تأخر الأوروبيون في إعلان الغضب والتمرد على حكوماتهم التي أقحمت نفسها في حل لغز “الغزو والإرهاب الروسي” بهمسٍ أمريكي صريح , فأهملت شعوبها ومصالحهم , وزجت بهم في أتون الأزمات المالية والإقتصادية , والغذائية والصحية والمعاناة.
لم يعد بإمكان الإتحاد الأوروبي والحكومات الأوروبية تجاهل السخط والإستياء الشعبي , الذي ترصده وسائل الإعلام بشكلٍ يومي , وقد وصفه الإعلام الألماني على أنه “رعبٌ حقيقي” , بعدما أثبتت خطط المستشار شولتز فشلها , وبحسب الإستطلاع الذي أجراه معهد “إنسا” في 19/اّب , تبين أن حوالي 60٪ من المواطنين الألمان , أبدوا استياؤهم من سياسة شولتز والإئتلاف الحاكم , وكذلك رغبتهم واستعدادهم لتغيير الحكومة , بما يؤكد تراجع شعبية شولتز بسبب سياسته تجاه أوكرانيا ، وعدم إلتزامه بالمصالح الألمانية الوطنية , في قضايا الغاز والعلاقات مع روسيا , كما يعتبرون أن سياساته أدت إلى خراب ألمانيا , وسط تعرضه إلى عشرات الإنتقادات , وبشكل مباشر أثناء خطابه في براندنبورغ ، وإلى صيحات الإستهجان وللهتافات المخزية “خائن الشعب” ، “كاذب” , “هيا اخرج”.
في هذا السياق ، أشارت بعض وسائل الإعلام الألمانية إلى أن شولتز قد يواجه الإستقالة , رغم تمسكه بالسلطة , بدليل تأكيده للصحفيين في 22/ اّب , بأنه “لا يرى حاجة لتغيير إلزامي للمستشار في ألمانيا ولا يوجد سبب لتقييد فترة عمله” ، ما يؤكد قلقه الواضح للحفاظ على وضعه الحالي.
في الوقت الذي يواصل فيه القادة الأوروبيين في ظل تفاقم أزمة الطاقة , تنفيذ تعليمات ورغبات واشنطن بإستمرار سياسة العداء لروسيا , والضغط وتقييد دخول الغاز الروسي إلى الأسواق الأوروبية ، في حين يحاولون عبثاً إيجاد البدائل من غير دول , الأمر الذي فرض منافساتٍ غير مسبوقة في أسواق الغاز العالمية , وإرتفاعاً في اسعار الطاقة , أثر على جميع الدول حول العالم , وحرم الدول النامية والفقيرة من الحصول على احتياجاتها من الطاقة.
إن التحركات والزيارات التي قام بها القادة الأوروبيين نحو عدد من الدول المنتجة للطاقة والغاز , بهدف تأمين المصادر البديلة للغاز الروسي , لم تأت بنتائج مهمة حتى الاّن , فيما أطلق بعضهم العنان لأفكارٍ خيالية , أو بغير ذات جدوى وفائدة , فإتجهت الأفكار نحو حث بعض الدول كالنروج على بيع الغاز بأقل من أسعار السوق , فيما فشلت محاولات زيادة الإنتاج في عدد من الدول المنتجة , كذلك أعاد بعض الأوروبيين طرح الأفكار حول إستثناف بناء خط أنابيب “ميديكا” الذي يربط أوروبا الوسطى بشبه الجزيرة الإيبيرية , وسط تشكيك فرنسي في إمكانية نجاح هذه الفكرة.
في وقتٍ انفردت فيه الحكومة الألمانية منذ شهر اّذار المنصرم , بتعليق اّمالها وتفاؤلها على إبرامها صفقةٍ طويلة الأمد مع قطر لتوريد الغاز المسال , لكن زيارة وزير الإقتصاد الألماني روبرت هابيك إلى قطر في اّب الحالي بددت أحلامه , بعدما قررت قطر إمداد إيطاليا بالغاز بدلاً من ألمانيا , الأمر الذي دفع شولتز لطرق أبواب كندا , لكن ما أعلنه رئيس وزرائها جاستن ترودو , بأنه : “لا توجد طريقة لمساعدة أوروبا في إمدادات الطاقة” , كان صادماً للمستشار الألماني , على الرغم من إدراكه صعوبة تصدير الغاز المسال من كندا عبر ساحلها الشرقي بسبب وعورته , وعدم إمتلاك كندا بنى تحتية لتصديره , ويتطلب إنشاؤها من 3-4 سنوات , الأمر ذاته ينسحب على الجانب الألماني , ويجعلها بحاجة للإعتماد على بلجيكا وفرنسا وهولندا.
وهذه الصعوبات تطرح السؤال , لماذا ذهب شولتز إلى كندا إذن , وهو الذي ترك خلفه قيوداً حكومية تفرض على المواطنين الألمان التقشف , والتوصيات بتدفئة غرفة واحدة في المنزل , وكل ما من شأنه توفير الطاقة , بما في ذلك الإستغناء عن الإستحمام , والإكتفاء بالمناشف , بحسب اقتراحات صديقه وينفرد كريتشمان رئيس وزراء ولاية بادن فورتمبرغ الألمانية!.
من الواضح أن التعنت والعناد والتبعية لإملاءات الولايات المتحدة الأمريكية , تدفع قادة الإتحاد الأوروبي نحو تكثيف البحث عن الطاقة , وتعزيز الحوار مع بلدان الجوار فيما يتعلق بالأمن الطاقي واصلاح سوق الطاقة والنهوض بالطاقة المستدامة ومصادر الطاقة المتجددة , عبر التخطيط الجيد للتخلي النهائي عن النفط والغاز والفحم الروسي بحلول عام 2027 , وبحسب المفوضية الأوروبية , فإن كميات الغاز التي تحصل عليها أوروبا من روسيا سيتم استبدالها , من خلال انخفاض الكربون والطاقة المتجددة وتوفير الطاقة ، وبأن الإتحاد الأوروبي سيلجأ للإعتماد على خططٍ طارئة لتقليص الصناعات غير الأساسية في أوروبا , ناهيك عن وضع الخطط لتمويل البنى التحتية لإستيراد النفط بعيداً عن المصادر الروسية.
وبحسب وكالتي أسوشييتد برس و رويترز, فقد ملأت فرنسا 90 بالمئة من مخزونها من الغاز لمواجهة الشتاء ، وهي في طريقها نحو تخزينٍ كامل بحلول تشرين الثاني , ما يعني ضمان 25٪ من استهلاكها السنوي , فيما ملئت ألمانيا 81,07 ٪ من مخزونها الإستراتيجي , والبرتغال 100 ٪ وبولندا 99.56 ٪ والسويد 90.8 ٪ والدنمارك 93.76 ٪ , في حين بقيت أكثر من 21 دولة أوروبية عند نسبة ملء لا تتجاوز الـ 50 ٪ حتى اليوم.
إن الإعلان عن نسب التخزين الحالية للدول الأوروبية لا يعني تحقيقها النسب المكافئة لحاجاتها السنوية , وهذا بدوره يؤكد وقوعها في الفخ الأمريكي تحت عنوان معاقبة وقتال وحصار وتدمير الإقتصاد الروسي , ليس من أجل حكومة كييف المتطرفة , وكرمى لعيون زيلنسنكي , بل للإحتفاظ بغرفةٍ أوروبية في بيت الطاعة الأمريكي , بدون استحمام والإكتفاء بمنشفة.
الوسومافول امريكا اوكرانيا تفكك الاتحاد الاوروبي ميشيل كلاغاصي
شاهد أيضاً
“إسرائيل” ترد وتهاجم إيران عسكرياً.. وتُهزم عسكرياً وسياسياً…بقلم م. ميشال كلاغاصي
نتيجة المخاوف الأمريكية من التهديدات الإيرانية بمحاسبة من سيشاركون في الرد الإسرائيلي على إيران, ومن …