كلما اقتربت جولة جديدة من الإنتخابات الرئاسية الأمريكية، كلما حمي الإعلام الأمريكي، واتجه بمختلف وسائله إلى نقل وقائعها، باعتبارها حدثا عالميا مهما، تختلف عن غيرها من انتخابات الدول الأخرى، ولعل ذلك عائد بالطبع، إلى عقدة النقص التي تعتري عادة الشعوب الضعيفة أمام القوية، خصوصا عندما يغشاها ليل بطشها الطويل، لتنشأ جراء ذلك عقلية إنهزامية طوعية، تقف عاجزة أمام المؤثرات الدعائية، ليس بمقدورها فعل شيء، أمام هالة كبيرة من الاستكبار الدعائي الأمريكي الكاذب.
صخب إعلامي من جانب حملة الرئيس الأمريكي الحالي، مرده خشيته من عدم انتخابه مرة اخرى، ولا يستبعد أن ينجر عن ذلك، دخول الولايات الأمريكي في حالة من الإرباك والفوضى، سيكون لها تأثير كبير، على تماسك إتحادها الفيدرالي، الذي ضم 50 ولاية أمريكية، وبدأت علامات التفكك بادية عليه منذ عشرات السنين، وللتذكير فإن ثلاث ولايات على الأقل، عبرت عن رغبتها في الإنفصال عن الفدرالية، ليس هذا فقط، وإنما يتنامى إصرار كبير لتحقيق ذلك، في ظل سياسة مركزية غير عادلة .
والمتابع لتفاعلات المرشحين ترامب وبايدن، وأنصارهما من الناخبين الأمريكيين، بإمكانه أن يتبين دونما عناء، عمق بوادر التفكك الذي أشرفت عليه أمريكا كمنظومة سياسية، وناقوس خطره قد دق، من خلال تصريحات ترامب الغير مسؤولة خلال إدارته أزمة كورونا، وظاهرة العنصرية المتفشية بين أوساط الشرطة الفيدرالية تجاه السود، فضلا عن سياسته الخارجية، المشوبة بحمق كبير، وعداء فاضح خطير، زاد من قتامة مظهر الإدارة الأمريكية السيء في أنظار العالم.
وفيما يقترب بايدن من الترشح للفترة الرئاسية القادمة، مزيحا عن بيت الإدارة الأمريكية، أحمق رئيس عرفته في تاريخها، لا يرى خبراء السياسة، تغييرا كبيرا في جعبة الرئيس الجديد، ففي أغلب دول العالم، توجد قبضة الدولة العميقة، التي تتحكم في أهم دواليب السياسة الداخلية والخارجية، وتمنعها من تغيير نهجها السياسي، لذلك لا أتردد في القول بأن الإنتخابات الامريكية صورية ومسرحية ديمقراطية، تحركها الدولة العميقة بمختلف وسائلها المؤثرة ماديا ومعنويا.
سقوط دونالد ترامب اصبح من تحصيل حاصل، فما جناه خلال عهدته الرائاسية الحالية يقتضي هزيمته، ودعوته اليائسة إلى وقف فرز الاصوات، أملا في تزوير الانتخابات باستغلال سلطته، آخر عورة يبديها، قبل خروجه من البيت الابيض مهزوما منكسرا.
وبينما يرى النظام الاسلامي الإيراني، أن تغيير الرؤساء على رأس الإدارة الأمريكية، لا يعني لبلادهم شيئا، لذلك فهم لا ينتظرون من أي من المرشحين، أن يغير من سياسة بلاده تجاههم، واعتمادهم في هذا المجال على أنفسهم فقط، لان تجاربهم اثبتت، أن مقاومتهم وثباتهم في وجه من ناصبهم العداء، ثقلهم في تحقيق مطالب شعبهم العادلة، فما بذلوه من جهود وتضحيات، لتتحقق أهدافهم في الإستقلال والعزة، والقدرة على مواجهة أي الأخطار من أي جهة كانت، هو القوة الحقيقية التي تفرض الحق والعدل، لان الحقوق والحريات تنتزع انتزاعا، ولا تهدى الى الشعوب، ومن خمل تحت هذا النظام العالمي المتغطرس والاناني، لن يقدم شيئا لبلاده.
وفيما يخشى محمد بن سلمان- وهو يرى فرص بقاء ترامب بالبيت الابيض تتضاءل – تهديدات بايدن، التي اطلقها متوعدا بمحاكمته، بتهمة القتل العمد للصحفي المعارض خاشقجي، وكانه يستعد لموجة حلب أشد من التي قام بها ترامب، يبدو الموقف الايراني الرسمي في منتهى العقل والاتزان، وتلك صفة اكتسبها من تجاربه الماضية في عالم السياسة وتطبيقاتها العملية الناجحة، فلا شيء أضمن من الصدق في خدمة البلاد، والعمل على تنفيذ التزامات البلاد الداخلية والخارجية، والثبات على المبادئ والقضايا المصيرية التي تنتظر الحل.
فلا يهم النظام الاسلامي في ايران، من هو المترشح في انتخابات أمريكا، أو غيرها من دول العالم، فذلك شأن داخلي، يهم شعوبها وأنظمتها المعنية، ليس من حق أي كان التدخل فيها، كما تفعله امريكا في دول العالم المستضعف، بكل وقاحة وجراة، ومن فقد أثر أمريكا في مجال وسوق تلاعبها بمصائر الشعوب، فليفتح صفحات تاريخها السوداء في تدخلاتها الخارجية في أمريكا اللاتينية وفي كوبا التي أعطت بدرها مثالا سابقا، كما قدمت إيران منذ تاسيس نظامها الإسلامي الثوري، لبقية دول العالم مثالا حديثا، عبر عن ارادة شعوب لا تقهر، لو اجتمعت تحت قيادة وطنية صادقة شجاعة.
من السذاجة أن يعتقد معتقد، أن الرئيس الامريكي الجديد بايدن، سيغير سياسة بلاده تغييرا جذريا، خلافا لما كان عليه سلفه، ذلك ان يقرر السياسة العامة لامريكا جهاز خفي، عرفه خبراء السياسة بنظام الدولة العميقة، التي تتحكم من وراء الديمقراطية المزيفة، في الرؤساء المنتخبين، فلا تغيير في مشروع الشرق الأوسط الجديد، ولا في القدس عاصمة للكيان الصهيوني، ولا في خنق الإقتصاد الإيراني، ولا في حلب البقرات الخليجيات السمان بالنفط والغاز، الإختلاف هنا فقط في الأساليب لا غير.
خلاصة القول هنا، أن ما نشهده من تعر فاضح كشف لنا زيف الديمقراطية الامريكية، وهشاشة نظامها، ومن تأسس على العنصرية، والقتل والاغتصاب والسلب والنهب واستعباد البشر، لا يبشر مستقبله بالخير ابدا، وتهافت الامريكيين على شراء الاسلحة، دليل على عدم اطمئنانهم على انفسهم وممتلكاتهم، والولايات المتحدة ستذهب الى بادئ أمرها من الصراع الدموي، رغم انف الدولة العميقة، التي يختفي فيها الشمعدان السداسي وحلم الهيكل المزعوم.
مؤشرات حرب أهلية، وتفكك كيان ظهرت أعراضه، عند فرز أصوات الناخبين في مختلف الولايات الأمريكية، فهل سيحفر الامريكيون بانفسهم مجد ظلم نظامهم؟ أم أن ذلك موكل إلى طرف آخر؟