لقد حاول حكام السعودية والحكومات الغربية ووسائل الاعلام ولفترة طويلة إخفاء حرب الابادة التي يقودها النظام السعودي والاماراتي على وجه التحديد على اليمن باعتبارها “حربا بالوكالة” تشمل إيران, كما لو ان طهران هي من حرضت الشعب اليمني للدفاع عن نفسه امام الهجمات البربرية التي تشنها طائرات العدوان السعودية والاماراتية من مارس 2015 دون توقف ولو ليوم واحد. هذه الحرب المجرمة بكل المقاييس والاعراف الاخلاقية والسياسية والعسكرية التي ادت الى مقتل ما يقرب من 100000 مدني يمني بحسب آخر إحصائيات الامم المتحدة نتيجة القصف الجوي العشوائي اليومي ونقص الادوية والغذاء الذي تسبب بانتشار المجاعة والاوبئة في اليمن مع تشديد الحصار البري والجوي والبحري من قبل قوى البغي والعدوان المدعوم عسكريا ودبلوماسيا امريكيا وبريطانيا بشكل واضح وسافر من اجل تحصيل عقود بيع الاسلحة بما فيها الاسلحة المحرمة دوليا ومنها القنابل الفسفورية الحارقة كما اوردت بالصورة الكثير من المنظمات الانسانية العاملة على الاراضي اليمنية. نعم إن إيران تدعم سياسيا الشعب اليمين في محاربته للعدوان الظالم وربما عسكريا وخاصة في الاونة الاخيرة ولكن هذا اتى نتيجة العدوان وتدمير اليمن. ويحق لنا التسائل هنا لماذا يحق للملكة السعودية والامارات وباقي قوى البغي والعدوان الحق في الحصول على الاسلحة والدعم السياسي في المحافل الدولية بينما ننكر حق اليمنيين من الحصول على اية مساعدة من اية دولة للدفاع عن اراضيهم ودفع الظلم والعدوان على مقدرات بلادهم.
الادعاءات الامريكية والسعودية بأن إيران مسؤولة ووراء الضربة الاخيرة التي تلقتها اكبر مصفاة بترول في السعودية والتي تعتبر اكبر مصفاة بترول في العالم ومنها يصدر ما يقارب 70% من الصادرات النفطية السعودية تأتي لتخدم نفس الاغراض وهو إبعاد الانظار عما يدور في اليمن وتصوير الشعب اليمني وقواته المسلحة وقواه المقاتلة الشعبية على انهم لا يمتلكون القدرة على مجابهة الاحتلال السعودي الاماراتي وأن ايران هي التي تسيرهم كألعوبة وأداة لمصالحها في المنطقة. وبالاضافة والاهم من ذلك هو حرف الانظار عن النقطة الاساسية الا وهي ان للجيش اليمني والقوات الشعبية اليمنية يمتلكان الحق الشرعي الذي تكفله كل القوانين والاعراف الدولية في الرد على العدوان البربري الذي تقوده السعودية والدفاع عن اراضيه.
وهنالك سبب آخر لماذا يحاول الحكام في السعودية والولايات المتحدة القاء اللوم على إيران وتحميلها مسؤولية الهجوم على المنشأت والصناعات النفطية السعودية لانه في حالة أعترافهم بأن الجيش اليمني واللجان الشعبية هي من قامت بالهجوم فأن ذلك سيكون بمثابة الاقرار بسهولة إحداث الاضرار بالاقتصاد السعودي وتعرضه للخطر وخاصة وأن عصب الاقتصاد السعودي مبني على تصدير النفط والمنتجات النفطية هذا الى جانب ضعف السلطة وحكام السعودية في حماية هذه المنشأت النفطية. ومن الاهمية ان نشير هنا الى عزم ولي العهد السعودي على بيع 5% من شركة الارامكو المملوكة للدولة, وهي اكبر الشركات النفطية في العالم والذي تقدر بحوالي 2 ترليون دولار وكان هنالك مخطط لاستخدام ما يقرب من 100 مليار دولار نتيجة بيع 5% من حصة السعودية لاستثمارهم في المشاريع المنوي استحداثها في السعودية ضمن برنامج 2030 الاقتصادي السعودي والذي حاولت السعودية جلب الاستثمارات العالمية له. ولكنها فشلت فشلا ذريعا وذلك بسبب عدم حضور العديد من الشركلت الكبرى والبنوك العالمية التي كان يعول عليها للاستثمار داخل السعودية وذلك على اثر مقتل الصحفي السعودي الخاشقجي في اسطنبول على ايدي سعودية وتقطيع اوصاله بوحشية متناهية بتوجيه من ولي العهد السعودي.
هذه الضربة تسببت في خسارة 300 مليون دولار يوميا للسعودية وستبقى هذه الخسارة مستمرة الى ان يعود الانتاج الى المستوى الذي سبق تلقي الضربة. وكان من تأثير هذه الضربة لمنشأت الارامكو إعادة تقييم الشركة بسبب المخاطر المحتملة من المزيد من الضربات اليمنية. الى جانب هذا قد نشهد حالة عزوف العديد من المستثمرين في شراء الاسهم التي قد تعرض في المستقبل القريب. وقد أرجات السعودية قضية بيع حصة من شركة الارامكو الى اجل غير مسمى نتيجة فشل المؤتمر الاقتصادي سابقا ولا شك ان الحدث الاخير سيضع علامات استفهام كبيرة حول مشروع 2030 وطموحات ولي العهد السعودي والامن الاقتصادي للمملكة. ولا شك ان حكام السعودية قلقون للغاية من التقارير الواردة والتي تشير بأن الغارات الجوية الاخيرة قد هزت أسواق الاسهم لشركات النفط والبتروكيماويات السعودية. ولقد اشارات بعض تقارير الخبراء بأنه تم تخفيض تقييم الشركة في اعقاب الضربات اليمنية الاخيرة بما يقارب 300 مليار دولار وهذا يشكل خسارة 15% من تقيمها السابق. ولن يكون مستغربا ان نرى مزيدا من تدهور تقييم الشركة العملاقة نتيجة تعرض منشآتها لمزيد من الضربات اليمنية او لمجرد المخاوف وحالة عدم الاستقرار وتوقع الاسواء. وهذه الحالة ستكون كارثية على الاقتصاد السعودي بكل معنى الكلمة نتيجة فقدان العصب الاساسي الاقتصادي للسعودية والتي يدر عليها ما يقرب من 700 مليار سنويا إن لم يكن اكثر من ذلك. وربما هذا ما حذى النظام السعودي الى استجداء الدول الغربية لمساعدته في هذه المحنة وإثارت القضية قائلا بأن هذه الضربات ليست موجهة للسعودية فقط بل للاقتصاد العالمي.
حالة الانكار المتكرر والمستمر من قبل المسؤولين السعوديين والامريكيين عن إمكانية ان يكون الجيش اليمني واللجان الشعبية وقدراتها على ان تضرب في العمق السعودي وعلى منشأت استراتيجية بارسال الطائرات المسيرة دون ان تتمكن الدفاعات الجوية السعودية الامريكية الصنع والتي من المفترض ان تكون “الافضل” في العالم له ابعاد أخرى. فلا يمكن ان يكون هنالك اخبار أسوأ بالنسبة للمحافظين الجدد وزبانيتهم وللوهابيين والصهاينة من تمكن القوات اليمنية واللجان الشعبية من الحاق هكذا ضرر وبهذا الحجم المهول باستخدام طائرات بدون طيار ولا شك ان الدوائر العسكرية والاستخباراتية في تلك الدول الى جانب الكيان الصهيوني اصبحت تتساءل إذا ما كان اليمن الفقير المعدم ذو الامكانيات المادية الشحيحة يستطيع ان يفعل هذا فما بالنا مما يمكن ان تفعله إيران في حالة نشوب حرب في المنطقة؟
الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة لا يريدون معاناة حالة من الاذلال بعدما كشفت هذه الحادثة وبوضوح نقاط الضعف العسكري والخلل المتواجد في أنظمتهم “المتقدمة تكنولوجيا” وصناعاتها العسكرية. هذه الضربة وجهت ضربة قاسمة ليس فقط للاقتصاد السعودي بقدر ما وجهت ضربة للمجمع الصناعي العسكري الامريكي وهذا ما حدا ربما الرئيس بوتين ان يسخر من منظومة الدفاع الجوي الامريكية التي تمتلكها السعودية بالقول اذا ارادوا حملية منشأتهم النفطية نستطيع ان نساعدهم بمعنى عليهم شراء المنظومة الروسية التي اثبتت قدراتها في سوريا وغيرها وخاصة في قاعدة حميم العسكرية.
النظام السعودي يعيش في حالة قلق وخوف لا مثيل له ربما في تاريخ المملكة منذ إنشاءها. فالى جانب الضربة الموجعة التي تلقاها الاقتصاد السعودي كما ذكرنا فقد تخلى عنه الحلفاء في حربه العدواني على اليمن حيث انسحبت مصر من التحالف الغير مقدس وقامت الامارات بسحب الجزء الاكبر من قواتها المقاتلة على الارض واعادة تموضع ما تبقى منها وهي على خلاف مع السعودية منذ بدء العدوان نظرا لاختلاف اجندتهم في اليمن. الى جانب ذلك فقط ابلغوا وبصوت مرتفع ان الولايات المتحدة لن تحارب بالنيابة عنكم وكل ما نستطيع فعله هو تقديم الاسلحة لكم الى جانب الدعم اللوجيستي والسياسي والذي لم يثمر على سبيل المثال في اليمن حتى بعد ما يقرب من الخمسة سنوات. وهذا الخوف والقلق تتقاسمه الامارات مع النظام السعودي من اية ضربات محتملة على مواقع استراتيجية على اراضيها كما حذرت المصادر اليمنية اذا لم تنسحب الامارات من اليمن وتوقف عدوانيتها ونواياها في تقسيم اليمن والهيمنة على جزء من الاراضي اليمنية.
وربما هذا القلق والمخاوف قد انعكس في زيارة وزير الخارجية الامريكي بومبيو الى كلا البلدين والذي اتى بنية تثوير الاوضاع اكثر ضد إيران والتحشيد الاقليمي والدولي ضدها بسبب الحادث الاخير في السعودية وهذا ما اتضح من تصريحاته قبل الزيارة حيث قال ان الولايات المتحدة ستدرس الرد المناسب مع “حلفائها” في المنطقة وهو المحرض على مهاجمة إيران منذ البداية. فبعد زيارته الى الامارات بالتحديد لاحظ المراقبون ان اللهجة العدائية الفجة قد خفت وتصريحه بانه” قدم الى منطقة الشرق الاوسط للبحث ومتابعة حل سلمي للقضية مع ايران”. هذا التغير الواضح في اللهجة إن دل على شيء فإنما يدل على المخاوف السعودية والاماراتية من ان تصعيد الموقف قد يؤدي الى كارثة حقيقية بالنسبة للدولتين وخاصة مع تخلي الولايات المتحدة عن “الدفاع” عنهم والاكتفاء ببيعهم للسلاح وأنظمة دفاع جوي اثبت خيبتها وعدم قدرتها على حماية المنشأت الاستراتيجية للسعودية وبغض النظر من اين اتت هذه الصواريخ والطائرات المسيرة وانهم سيتركون لمجابهة إيران لوحدهم إن ارادوا الحرب. كما ان كليهما ادرك انه بالرغم من إمكانية اصلاح الضرر الذي تسببته الضربات المؤلمة للاقتصاد السعودي فإنه في حالة استمرار التصعيد لا يوجد اية ضمانة لعدم تكرار هذه الضربة التي ادت الى شلل في عصب إقتصاد السعودية.
ويبقى السؤال المطروح حاليا وبعد هذه الضربة الموجعة للاقتصاد السعودي هل سيتخذ حاكم السعودية الأوحد ولي العهد محمد بن سلمان القرار بسحب قواته من اليمن ويدرك أن لا امريكا ولا الكيان الصهيوني يستطيعان حماية مملكته إذا ما إستمر في بغيه وعدوانه الوحشي والبربري عل اليمن وشعبه أم هل سيرتمي اكثر وأكثر في أحضان أمريكا والكيان الصهيوني ويمنح الخزينة السعودية بأكملها لهم من أجل البقاء على سدة العرش الموعود؟ وهل ستؤثر هذه الضربة على الخريطة السياسية للعائلة الحاكمة في السعودية؟