تبدو لي الاردوغانية مراهقة عندما نقارنها بالخمينية. تبدو طريّة العود وحالمة ومتسرّعة. هذا الكلام يحتاج من متلقّيه بعض الرّصانة وبعض القدرة على التمييز. يحتاج أيضا أقدارا من التعالي لتجاوز العناوين. خسرنا خلال السنوات الماضية كثيرا من الهدوء وبرودة الاعصاب وتركنا الغريزة تنتصر لتهزمنا رؤية وفهما وتخطيطا وتحالفا وانخراطا في معارك. لا لحية الخميني تعني لي ولا شارب أردوغان يجذبني. لست ملتحيا ولا لي شارب. أما عن الدين والمذهب فأراني أقرب إلى البوذية.
انظر في الرجلين والتجربتين بعين سياسة وأفكك نقاط ضعف وقوّة المشروعين والتجربتين. تقديري أنه منذ آخر التسعينيات تبلورت خطط غربية ضخمة للنّفخ في تركيا وفرضها قطبا عملاقا تبدو ايران أمامه قزما فتخضع له أو تخضع به. ما سمّيناه معجزة تركية معجزة وأشياء أخرى. كان في السّابق وقت للاحتفاء بالمعجزة والان وقت للنّظر في الاشياء الاخرى. لأردوغان ولحزبه بركات ولا شكّ وللاسلامية التركية دور أيضا ولكن ضخّت أموال ضخمة في الاقتصاد التركي وكانت هجمة غير مسبوقة للاستثمارات الاجنبية. انتعشت الليرة وصارت تركيا قوة صناعة وتجارة منافسة. الزعامة الاردوغانية مزيج من حروف الإسلام وأرقام المال والثروة.
الذين ضخّوا الأموال يرون أنفسهم أصحاب فضل على تركيا وأردوغان ويشترطون المقابل بعد المقابل ولا تنتهي مطالبهم. الثروة مفيدة وهي لك بقدر ما أنت مالك لها وقادر على تجميعها خطوة خطوة. غير ذلك هي من الأعباء. التضييق على أردوغان اليوم بهذه الثروة التي يتبين أنها أقرب الى النقمة أو هي أقرب الى الهدية المسمومة. أراد أردوغان، وهذه رؤية، أن يتحدى الغربيين بأسلحتهم: يبني اقتصادا متينا ويوفر مالا مترامي الاطراف ويصنع ويتاجر. لهذا رأى أنه يستفيد من شراكة استراتيجية مع الغرب ودفع نحو هذه الشراكة ونحو رؤيته في التغيير الاسلاميين من عرب وغيرهم. زاد وأصبح يتحرّك ميدانا لاسقاط الانظمة والدمقرطة والتبشير بحقبة جديدة. كان يرى نفسه شريكا في كلّ هذا وصاحب رأي. لم يكن يدرك أنه فقط بأعينهم وسيلة تنفيذ ومكلّفا بدور ووظيفة. الان هو يدرك ولكن التقدير أنّ ما يدفعه وندفعه بسبب هذا الإدراك المتأخّر باهض وباهض جدا.
الايرانيون غير هذا تماما. الامور واضحة عندهم وضوح الشمس: أمريكا شيطان أكبر. وعلى هذا القول يبنون سياساتهم منذ 79. وهو قول للخميني الذي حضر الى مخاضات بلده والمنطقة زمن الاستعمار وبعده وزمن حركة مصدّق وبعدها وتبيّن نهج تعامل الغربيين مع غيرهم وجشع شركاتهم. ليس قول درويش كما يظنّ البعض ولا هو قول من المرويات عن أئمة الجعفرية الشيعية. لا. هو قول سياسي جدّا وهو يختزل ويختزن رؤية ضافية تعطينا في التفاصيل منظومات مختلفة في المال والاقتصاد والادارة والثقافة والتعليم والأمن والعسكر. هذه المنظومات المستقلة بذاتها والمختلفة عن النماذج الامريكية المعلّبة والمعمّمة غير قابلة للزعزعة والاختراق الا بمستويات تبقى تحت السيطرة.
منذ قرابة العشر سنوات أي منذ ما كان بعد انتخاب نجاد لعهدة ثانية وانتفاض جماعة موسوي وتشكيكهم في نزاهة ذلك الانتخاب، منذ ذلك التاريخ وحديث المرشد عن الاقتصاد المقاوم والحرب الناعمة. حتى بعد امضاء الاتفاق مع الامريكيين زاد هذا الحديث وتعمّم. قدرة الاقتصاد الايراني رغم أنه دون اقتصاد الاتراك بكثير أكبر على مواجهة العواصف ذلك أنّه يقوم على الحيطة والحذر لا الدّعة والرفاه. الاستهلاكية سلاح فتّاك ويعلم الغرب هذا كلّ العلم ويوظّفه بخبث نادر. ما يثبت رغما عن حبّ من يحبّ وكره من يكره أنّ رؤية الايرانيين وفهمهم وسلوكهم أمتن. هناك ذكاء ايراني مقابل حماسة تركية. عندما بنى الخميني وعيه بين دين وتاريخ وعرفان وسياسة لم يكن أردوغان ولد بعد. كان أربكان الى رؤى الخمينية أقرب ولكن أربكان حينها كان شيخا مجرّبا وكان أردوغان شابا طموحا. الصوف يتباع بالرزانة أمّا صناعة السجّاد فهي عين الرزانة.