بقلم صلاح المصري |
(( اللهم صل على محمد و آله، اللهم إني أشهدك و كفى بك شهيدا، و أشهد سماءك و أرضك و من أسكنتهما من ملائكتك و سائر خلقك في يومي هذا و ساعتي هذه و مستقري هذا، أني أشهد أنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت قائم بالقسط، عدل في الحكم، رؤوف بالعباد، مالك الملك، رحيم بالخلق،
و أن محمدا عبدك ورسولك و خيرتك من خلقك، حملته رسالتك فأداها و أمرته بالنصح لأمته فنصح لها .اللهم فصل على محمد و آله أكثر ما صليت على أحد من خلقك )).
هذه فقرة من دعاء الامام السجاد، علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
و الدعاء هنا يأخذ صيغة العمل التربوي و العبادي و المعرفي و العاطفي و العقائدي.
توجد ترنيمة في جميع أدعية الإمام السجاد، وهي صيغة الصلاة على محمد و آل محمد، حيث يثبت ركنا أساسيا في الرؤية القرآنية الإسلامية التي اهتمت كثيرا بقضية اهل البيت عليهم السلام، وقد سئل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عن الكيفية التي يمكن أن تؤدي بها الصلاة عليه فأجابه: اللهم صل على محمد و آل محمد كما صليت على ابراهيم وعلى ال ابراهيم، و اعتبر الصلاة عليه دون ذكر أهل البيت صلاة بتراء، ناقصة، مبتورة، تفقد قيمتها الروحية و التربوية.
و هذا التكرار تثبيت لمكانة أهل البيت العلمية و المعنوية حيث لا يمكن أن نفصلهم عن النبي الاكرم ص،و يجب ذكرهم في كل مناسبة ذكرنا فيها النبي صلى الله عليه واله وسلم.
و ذلك حفظ عبادي لقضية المرجعية الفكرية و الاجتماعية و السياسية في زمن غياب النبي ص.
الترنيمة و الاهتمام الشديد بها من طرف رسول الله ص و من طرف الإمام السجاد، هي كذلك كشف للمكانة التي يأخذها اهل البيت عليهم السلام في نظام الوجود و سلسلة التكامل،حيث يعتبر ذكرهم و شفاعتهم و بركات وجودهم من الأمور الثابتة في القرآن الكريم.
فقد اختار الله توسيع رحمته إلى أقصى الممكنات، وسعت رحمته كل شيء، فجعل أماكن مباركة و أزمان مباركة و أشخاص لهم البركة،
و هنا نذكر المسجد الأقصى المبارك” هو الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله”
و نذكر النبي عيسى عليه السلام:
إني عبد الله أتاني الكتاب و جعلني نبيا و جعلني مباركا أينما كنت،،”
و نذكر ليلة القدر من الازمان : ” إنا أنزلناه في ليلة القدر،،،سلام حتى مطلع الفجر ”
فالترنيمة لها هذه القيمة في بناء الذاكرة الإيمانية ،
و لكن هذه الشخصيات المباركة و ذات القداسة، لها خصوصية تربوية واجتماعية وسياسية كبيرة،
و هنا نستعير مفهوما معاصرا ” التربية الاجتماعية” التي تعطي الأولوية القصوى في عملية التعلم و التربية الى قضية القدوة و النموذج العملي،حيث لا يمكن بناء الإنسان على قاعدة القيم و قاعدة الخلق و قاعدة المواطنة الصالحة دون نماذج كثيرة ذات صلة وثيقة بهذا المتعلم،
ان ترنيمة الدعاء تحقق هذه الإضافة النوعية الكبرى فهو يذكر الإنسان الكامل،و يؤكد أن هذا الإنسان الكامل لم يكن جزيرة معزولة في محيط و انما هو سلسلة ذهبية استمرت في العطاء و في العمل و التضحية و رغم حجم التغيرات في التحديات و الامتحانات فإن النموذج لم يهتز و لم يتأثر و لم ينحرف بل زاد نصوعا و ظهورا و جمالا.
فقد كان النبي الاكرم محمد صلى الله عليه واله وسلم هو الإنسان الكامل و بقي وراءه اهل البيت عليهم السلام يحملون بكل الصدق و العلم و الإخلاص و العطاء رسالته و امانته.
تلك هي بعض دلالات ترنيمة الصلاة على محمد و آل محمد.