نريد هنا أن نفهم ماذا أرادت نسبة من التونسيين تفوق ربع المصوتين للفائزين معا أي تفوق أكثر من نصف مليون صوت للمرشحين معا من جملة ثلاثة ملايين صوت تقريبا.
نريد أن نفهم ذلك بعيدا عن معرفتنا بالمرشح الذي ارتقى إلى الدور الثاني السيد قيس سعيد وبعيدا عن تحليل النتيجة والفئات التي شاركت فيها وميولاتهم السياسية وكم مرة صوتوا ولمن صوتوا سابقا ومن يصوت لأول مرة ومن هو… الخ. وكذلك، وليس بصفة ذاتية، المرتقي الثاني إلى الدور الثاني السيد نبيل القروي، وبقطع النظر عن المالات الرسمية لنتيجة الدور الأول وما يمكن أن يحدث وبعيدا أيضا عن حسابات الدور الثاني وبعيدا عن حقيقة إمكانية قيام كل منهما بشيء يذكر اذا كان في كرسي قرطاج.
على حد فهمنا المتواضع كان هذا التصويت مزاجيا صرفا ولم يحسب أي حساب لاي شيء يذكر. ومزاجيا صرفا هنا تعني مزاجيا صرفا ولا تلامس بالمرة مبدئية السياسة التي تحسب على المعارضة وإنما مبدئية المزاج بمعنى الاصرار الشكلي على تصعيد شكل جديد بوجه جديد بعيد حسب المصوتين. وبهذا المعنى نلمس ناي هذه الفئة من الناخبين عن كل مربعات الصراع وافتراض سماء بيضاء على أفق ابيض. وهو من هذه الناحية بمثابة تصويت ملاذ، وعلى هذا النحو، تصويت إلقاء اثقال أو تصويت تخلص لا يلتفت إلى الأثمان التي يمكن أن يفرضها الواقع التونسي على التونسيين جميعا.
هاهنا نخاطب ذوي المهن المتصلة بالانتخابات وسواها، لا يا سادة، لا هو خط اتصالي جديد ولاهو إبداع لأدوات جديدة ولا هي معجزة ولا هم يحزنون وإنما حماسة الناس التي صنعت في عالم هذه الأيام في العالم وليس في تونس فقط؛ حماسة فئة من الناس للاسياسة في مثال السيد قيس سعيد وحماستهم للاكفاءة في مثال السيد نبيل القروي وحماستهم للرقص على حافة الهاوية بشكل عام.
إن اهم ما يعنينا نهاية هو الربط ما بين الرغبتين ترجمة لاختيار سعيد من ناحية واختيار القروي من ناحية ثانية. ومن هذا الباب نرى ان جماعة سعيد يريدون شكلا جديدا للدولة يمكن أن نعبر عنه بالنظام القاعدي، ما اسميناه قبل سنين جمهورية الجماهير، بينما يريد جماعة القروي مضمونها جديدا للدولة أو ما يمكن أن نسميه النظام الخيري، ما يعرف تقليديا بنظام الرعاية أو الحماية أو النظام الاجتماعي.
ان النظام القاعدي الوطني الخيري الذي ننشده وتتعثر فيه القوى والخطابات والاليات لانه يخرج شكليا اجوف ومضمونيا منحرفا، سيتحول بعد استيضاح الرسالة أكثر فأكثر وبعد إتمام دورة فارغة، نتمنى أن لا تتحول إلى أزمة سياسية واهلية غير محمودة، سيتحول عندما نتحول نحن أيضا إلى تيار وطني مقاوم شعبي حقيقة واجتماعي حقيقة. هنا يكون الجانب الروحي حاسما.