لا شك في أن نتائج الانتخابات البلدية في تركيا، ستخضع لزمن طويل إلى أن تقفز إلى السطح بالنسبة للخريطة السياسية، وستظل تحت المجهر لكشف دلالاتها وأبعادها، وما يمكن أن يترتب عليها.. لقد اتفق الجميع من سياسيين ومحللين وإعلاميين على أن هذه النتائج شكلت نكسة لحزب «العدالة والتنمية» وهزيمة شخصية لرئيس النظام التركي رجب أردوغان على اعتبار أنه قاد كل الحملات الانتخابية لحزبه «العدالة والتنمية»، وهي حملات لم تصل إلى النتائج المرجوة منها في أن يظل هذا الحزب هو المسيطر الأكبر على البلديات، ولا سيما في مدن رئيسية وكبيرة مثل اسطنبول وأنقرة وأنطاليا وأزمير. فالأولى هي العاصمة الاقتصادية، والثانية هي العاصمة السياسية، والثالثة هي العاصمة الثقافية والرابعة هي العاصمة التجارية.
ولما كان حزب «العدالة والتنمية» قد فقد السيطرة على هذه البلديات، فإنه يكون في حالة تراجع، وربما هزيمة أكبر من النكسة ولن يتمكن من ترميم أوضاعه، لأن سيطرة قوى المعارضة على هذه البلديات، تعود إلى أسباب لم يستطع أردوغان وحزب «العدالة» بالأساس ترميمها أو معالجتها أو إيجاد حلول لها على المستوى الاقتصادي ولا حتى السياسي وهي بمنزلة دليل على أن الأزمات قد بدأت تنخر في الجسم التركي بأطرافه ورأسه معاً، بسبب الاعتراضات الكثيرة، بل والمحمومة في أحيان كثيرة على السياسات الداخلية والخارجية التي ينتهجها أردوغان وهو ما كان سبباً لازدياد حالات التذمر لدى قطاعات مهمة وكبيرة في تركيا، فهناك ركود اقتصادي، وتدني مستويات المعيشة وتضخم في البطالة وانخفاض لافت لليرة التركية وتدخلات خارجية انعكست مباشرة وولدت نتائج عقابية تمثلت بقلب الطاولة وبهزيمة مرة لأردوغان حين يجد نفسه مع حزبه وقد خسر للمرّة الأولى منذ عام 2002 بلديتي استانبول وأنقرة لما لهما من تأثير مهم وكبير على المعادلات السياسية الداخلية والخارجية وبما سينتج عن ذلك من انهيارات وربما انشقاقات في حزب «العدالة والتنمية» وتحميل أردوغان الذي أراد أن يكون الديكتاتور عبر الانتقال إلى النظام الرئاسي المسؤولية عن هذه النتائج المأساوية التي أفضت إليها صناديق الاقتراع.