لا يمكن لاي عاقل ومتابع للاحداث في المنطقة وتاريخ التدخلات العسكرية الامريكية المباشرة والغير مباشرة في العالم الا ان يعتبر ان العراق ما زال محتلا منذ 2003 عندما غزت الولايات المتحدة وبريطانيا العراق ودمرت كل بناه التحتية ومؤسساته وقطاع الخدمات الرئيسية من شبكات توزيع الكهرباء والماء والاتصالات وغيرها وتعيد البلد الذي كان يعتبر من أحد الدول المتقدمة في العديد من النواحي والمجالات الاقتصادية والعسكرية والعلمية والطبية الى العصر الحجري بمفهوم القرن العشرين.
والوضع الان وإن بدا شكليا مختلفا عن السابق بمعنى ان مظاهر الاحتلال كانت واضحة للأعين في كل زاوية ومدينة ومحافظة, فإن جوهر هذا الاحتلال ما زال مخيما على الحياة السياسية والاقتصادية والعسكرية وجميع مناحي الحياة اليومية. ويتضح هذا من النهب المستمر لمقدرات العراق النفطية على وجه الخصوص من قبل الشركات الامريكية والتعاقدات طويلة الامد التي كبلت وما زالت تكبل هذا البلد الغني بمصادر الطاقة خاصة والتي حرم ويحرم أهله من خيراته بعمليات نهب تفوق الخيال هذا الى جانب شرائح فاسدة ساعدت وما زالت تساعد المحتل حفاظا على مصالحها التي تتضارب مع مصالح الشعب العراقي والسيادة المسلوبة. وما زالت العالبية العظمى من الشعب العراقي تعاني وبعد حوال 17 عاما من الغزو الامريكي من شحة الخدمات العامة من كهرباء وضعف منظومة الاتصالات والقطاع الصحي وغيره من الخدمات الاساسية.
والإعلان الاخير للادارة الامريكية الجديدة بأنها ستقوم بسحب القوات الامريكية “المقاتلة” والابقاء على هؤلاء المختصين بتدريب القوات العراقية ما هو الا هراء وأكذوبة كبرى لا يصدقها الا الابله. وللتذكير فقط ببعض الاحداث والتصرفات الرعناء الامريكية في العراق على سبيل الامثلة.
لقد رفضت الادارة الامريكية والبنتاغون تزويد العراق بالاسلحة والطائرات على زمن رئيس الوزراء العراقي المالكي بالرغم من ان العراق كان قد دفع مسبقا ثمن هذه الاسلحة والذخائر والطائرات ووضعت شرطا في تخلي المالكي عن منصبه وفعلا لم يتسلم العراق هذه الاسلحة الا بعد ان تنحى المالكي عن منصبه.
الولايات المتحدة قامت بإعادة بناء الجيش العراقي بعد ان حلت المؤسسة العسكرية التي كانت قبل الاحتلال الامريكي عام 2003 وقامت بتسريح كل الضباط والجنود. وإعاد الاحتلال الامريكي من قبل المندوب السامي برايمر” بناء هذا الجيش” بتكلفة فاقت 10 مليارات دولار امريكي وهذا الجيش لم يستطع الصمود أمام الدواعش عندما احتلت محافظة الموصل بكاملها من قبل الدواعش.
القوات الامريكية والضباط يأتون ويتركون مستخدمين المطارات العسكرية التي تحت إمرتها دون أخذ الاذن من الحكومة العراقية أو التنسيق مع القوات العراقية. البتاغون قام بأرسال مئات من الجنود الامريكيين وهبطوا على الاراضي العراقية قبل فترة بسيطة دون علم أحد في العراق.
وزراء دفاع امريكيين ورؤساء ياتون الى العراق وتحط طائراتهم في مطار بغداد الدولي ويستقبلهم فقط ضباط امريكيون ويذهبون الى قواعد امريكية لزيارتها دون علم الحكومة العراقية ودون لقاء اي مسؤول عراقي. اليس هذا مظهر من مظاهر الاحتلال وعدم إحترام السيادة المزعومة؟
ارتكبت القوات الامريكية جريمة القتل والاغتيال الجبان والمتعمد للقائدين سليماني والمهندس على الاراضي العراقية فماذا فعلت الحكومة العراقية؟ الا يثبت هذا بشكل واضح من هو الذي يتحكم بالعراق وان العراق فاقد السيادة على اراضيه؟
وحكاية الابفاء على المستشاريين والمدربين أبعد ما يقرب من 17 عاما على أحتلال العراق والعمل على “بناء” الجيش العراقي ما يزال العراق بحاجة الى المدربين. أتحسبون الناس بهذا الغباء لكي تمر عليهم مثل هذه الاكاذيب؟
ما عانى ويعاني منه العراق ما هو الا نتيجة مباشرة للغزو والاحتلال الامريكي عام 2003 ووجود طبقة فاسدة ربطت مصيرها بمصير المحتل الامريكي وبقاؤه للحفاظ على مصالحها التي تتعارض كلية مع مصالح الاغلبية العظمى للشعب العراقي الى جانب التركة السياسية التي خلفها هذا الاحتلال وخاصة فيما يخص الدستور السياسي للبلاد الذي كرس وضعا طائفيا ومذهبيا ومحاصصة مبنية على الوضع كما هو الحال في لبنان نتيجة الاستعمار الفرنسي الذي زرع الولاء للطائفة والمذهبية بدلا من الولاء للوطن.
*كاتب وباحث أكاديمي فلسطيني