الأحد , 29 ديسمبر 2024
أخبار عاجلة

الكتلة التاريخية العربية والوهم الذي تسربت منه الخيانة…بقلم محسن النابتي

بدأ الحديث عن الكتلة التاريخية العربية سياسيا في المؤتمر القومي الاسلامي 1994،ولكن فكريا بدأ الامر مبكرا ويمكن اعتبار المفكر الكبير محمد عابد الجابري من أهم المفكرين العرب في هذا الامر حيث طرح هذا الموضوع منذ سنة 1982في مجلة المستقبل العربي، وحاول محمد عابد الجابري مقارنة أوضاع ايطاليا زمن قرامشي بحال الاقطار العربية فاقترح الفكرة نفسها مع محاولة تكييفها مع الوضع العربي وقرامشي هذا المفكر الإيطالي والمناضل السياسي اليساري (1891-1937) انصب فكره في ايجاد طريق للتغيير الاجتماعي والسياسي والاقتصادي يناسب معطيات المجتمع الإيطالي في زمنه. وكان المشكل الذي يعترض الإصلاح آنذاك في هذا البلد، هو ذلك التفاوت الكبير بين شمال إيطاليا، الذي كان قد بلغ درجة متقدمة على مستوى التصنيع والتحديث، وبين جنوبها الذي كان يحمل سمات المجتمع المتخلف الخاضع لسلطة الكنيسة. ومن أجل الحفاظ على وحدة الأمة الإيطالية والقيام بنهضة شاملة اقترح فكرة الكتلة التاريخية، وهي تضم إلى جانب قوى التغيير والإصلاح في الشمال، من ماركسيين وشيوعيين وليبراليين، القوى المهيمنة في الجنوب بما فيها الكنيسة.

وحاول الدكتور عابد الجابري رسم مشروع هذه الكتلة التاريخية فكتب سنة 1982: “كتلة تجمع فئات عريضة من المجتمع حول أهداف واضحة تتعلق أولا بالتحرر من هيمنة الاستعمار والإمبريالية، السياسية والاقتصادية والفكرية، وتتعلق ثانـيا بإقامة علاقات اجتماعية متوازنة يحكمها، إلى درجة كبيرة، التوزيع العادل للثروة في إطار مجهود متواصل للإنتاج. وبما أن مشكلة التنمية مرتبطة في الوطن العربي بقضية الوحدة، فإن هذه الكتلة التاريخية يجب أن تأخذ بعدا قوميا في جميع تنظيراتها وبرامجها ونضالاتها”.

ونشرت له مجلة الاتحاد الاشتراكي سنة 1993 نص محاضرة القاها في الدار البيضاء تحت عنوان “مستقبل اليسار في المغرب” شبه فيها المرحلة التي نعيشها بمرحلة الاستعمار المباشر حيث قال “واضح أننا هنا أمام وضع جديد أشبه ما يكون بالوضع الذي كان عليه الحال زمن الاستعمار، حيث كان الصراع بين المحتل الأجنبي وعملائه من جهة وبين القوى الوطنية بمختلف فئاتها واتجاهاتها الفكرية والإيديولوجية من جهة أخرى: هذه القوى التي كانت تشكل حلفا وطنيا ضد المستعمر وأذنابه وعملائه. وإذا أضفنا إلى هذا، الطابع الوطني للصراع القائم اليوم مع قوى الرأسمال العالمي أي “الشمال” فإن المهام المطروحة وطنيا ستكون مهام متعددة وجسيمة، مهام التحرر من التبعية وإقرار الديمقراطية وتحقيق تنمية مستقلة. مهام لا يمكن، في ظل الوضعية الراهنة التي نعرفها جميعا، لأي فصيل من فصائل القوى الوطنية القيام بها بمفرده، سواء حمل إيديولوجيا سماها يسارا أو نطقا باسم الدين أو بأي شيء آخر. إذا أدركنا هذا، أدركنا كيف أن الحاجة تدعو اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى تحالف وطني جديد على شكل كتلة تاريخية تضم جميع القوى الفاعلة في المجتمع والتي من مصلحتها التغيير في اتجاه تحقيق الأهداف الوطنية”

كما أن الكتلة التاريخية ليست حزبا ولا جبهة أحزاب قومية واسلامية وماركسية وليبرالية كما فهمها البعض وانما عملية انتظام فكري تتولى القوى اليسارية او ما سماه الجابري بالقوى الوطنية الشعبية مهمة التبشير بأهدافها الوطنية الكبرى التي اسلفنا ذكرها.

هذه الأهداف الوطنية اولها واساسها التحرر من هيمنة الاستعمار والإمبريالية، السياسية والاقتصادية والفكرية وثانيها بإقامة علاقات اجتماعية متوازنة او تذويب الفوارق بين الطبقات وثالثها الوحدة.

السؤال هنا ماهي علاقة التنظيمات الاخوانية القائمة الان ناهيك عن التنظيمات التكفيرية الارهابية الاخرى بهذه الأهداف الان فكرا وسياسة وممارسة، فهل تعتبر حركة النهضة التونسية واخواتها في الوطن العربي أن هناك مهمة الان عربية اسمها التحرر من الهيمنة الاستعمارية والامبريالية ام تحولت هذه التنظيمات الى مخلب متقدم لمشاريع الاستعمار والهيمنة فعليا حيث قدموا على ظهور الدبابات في العراق وليبيا وسوريا واليمن وهل هؤلاء مع تنمية مستقلة وبناء نظام اقتصادي وطني يقطع مع التبعية واقتصاد السوق أما هم مجموعة من الليبراليين المتوحشين الذين تفوقوا على الانظمة الرجعية في تنفيذ املاءات دوائر الهيمنة في المجال الاقتصادي، وهل ان هذه التنظيمات التي تكفر بعضها البعض ناهيك عن تكفيرها لغيرها من يساريين وقوميين وليبراليين ودورها في تفجير النسيج الاجتماعي لاقطار سايكس بيكو أدوات وحدة أو أدوات تقسيم جديد؟؟

اذن كل الوقائع تقول أن الفهم السطحي والميكانيكي لفكرة الكتلة التاريخية عند القوميين العرب تحديدا باعتبارها التقاء تنظيمات وأحزاب قومية مع احزاب وتنظيمات اخوانية تحديدا أوقع التيار القومي العربي في محظور تاريخي كبير زاد في انقسامه وارتباكه وارباكه حيث لأول مرة في تاريخ هذا التيار التحرري تتورط شخصيات وقوى منه في المحظور الأول وهو التقاطع مع قوى الهيمنة حيث تورطت في تحالفها مع الاخوان في دعم العدوان على ليبيا واحتلالها وتدمير سوريا مع القوى الهيمنة والرجعية العربية والمجال هنا لا يتسع لسرد هذه القوى والشخصيات ومواقفها وارتباطاتها الان.

 

شاهد أيضاً

كتب محسن النابتي: قراءة من زاوية أخرى في إغتيال السيد

إغتيال السيد هو خسارة كبيرة من حيث القوة المعنوية للحزب وللمــ ـقاومة عموما، الشهيد كان …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024