في الحقيقة إن «صفقة القرن» التي هندسها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب كجزء من دعايته الانتخابيه لا تستهدف كثيراً سلب أراض عربية فلسطينية جديدة، لأن ثمة أراضي مسلوبة بحكم الأمر الواقع، وإنما تستهدف سلب خيار المقاومة نفسه وتريد أن تحاصر أي نزعة رفض عربي للكيان الصهيوني عبر «شرعنة» نهائية/رسمية لوجوده.. وعندما تشطب المقاومة وتخنق مشاعر الرفض تصير قضية فلسطين في خبر كان، ويمكنك وقتها أن تهيل التراب ببساطة على ملف الصراع العربي- الصهيوني كله!
إن هزيمة قضية فلسطين.. هي حين يتم الإقرار بوجود «إسرائيل»، والتعامل معها كـ«دولة» طبيعية، وليست ككيان استيطاني حليف لقوى النهب الغربية، يجب مقاومته بالسلاح ومصيره إلى زوال.
وما دام الكيان يتعرض للأذى من المقاومة (ولو بأي درجة) ولا يتمتع بعلاقات كاملة مع العرب، سيظل كياناً غير طبيعي مهدد الوجود.
أنت لا تعد إمارة مثل قطر دولة محتلة من الجيش الأمريكي برغم قواعده العسكرية التي تتحكم فيها بالكامل، والسبب أن المقاومة غائبة والرفض غير موجود أو لا يجد نافذة ليعبر عن نفسه، لكنك تعدّ العراق محتلاً، لأن ثمة مقاومة تعبر عن نفسها بطلقات الرصاص وثمة رفض يكشف عن نفسه في مظاهرة أو هتاف أو حذاء يطير إلى وجه جورج بوش.
«صفقة القرن» التي تبشّر بالتخلي كلياً عن حق العودة، ودويلة فلسطينية غير قابلة للحياة (لا جيش، لا سيادة على المجال الجوي، لا قدرة على عقد تحالفات خارجية، لا سلطات كاملة ولا اتصال جغرافي..) في:
1- المناطق «ألف وباء» من الضفة الغربية (يعني 39% من الضفة التي هي كلها 21% من مساحة فلسطين التاريخية البالغة نحو 72 ألف كم٢!!).
2- غزة (1.33% من مساحة فلسطين التاريخية!!).
3- مناطق غير مأهولة في صحراء النقب.
..و«شرعنة» نهائية للمستوطنات الصهيونية في الضفة، ونسيان القدس، ومبالغ مالية للفلسطينيين، ومناطق اقتصادية، وممر/نفق يربط الضفة بغزة.
على كل العار الذي يجب أن نرفضه في تلك «الصفقة» الملعونة، والذي هو نتيجة منطقية للطريق الذي تم السير فيه منذ برنامج النقاط العشر في عام 1974ثم أوسلو عام 1993فإن العار الأكبر يكمن في اشتراط الصفقة «نزع سلاح المقاومة.. وهذا مفتاح فيضان التطبيع».
«الصفقة» تستهدف تكسيحنا كعرب، والمصادرة حتى على فرص المقاومة، وشطب الحلم بالتحرير، ووضع كلمة النهاية للصراع العربي- الصهيوني.. هي تريدنا أن نقر «بشرعية» الاغتصاب، ثم ننتقل لمرحلة قبوله والرضا به!.. هي تريد أن تكافئ المجرم على عدوانه، وتريد من المنهوب الإقرار «بشرعية» عملية النهب.. لو كانت البشرية منذ فجرها استسلمت لمثل تلك الخيارات الانهزامية، لما تطورت خطوة واحدة إلى الأمام، إن تطور البشرية في حد ذاته قائم على الرفض ومن ثمّ المقاومة، نحن رفضنا المرض وتالياً، طوّرنا المشافي وابتكرنا الأمصال، نحن رفضنا الجوع والسكن في العراء، من ثم طوّرنا الزراعة والتجارة وأسسنا المساكن وأبدعنا وسائل رفاهية، نحن رفضنا الجور والظلم، من ثم اخترعنا القوانين وأسسنا المحاكم المحلية وأجهزة الأمن.. إن الذين يروّجون لأفكار الاستسلام هم من يدعون في الحقيقة إلى ثقافة الموت والعدم.
كاتب من مصر