النداء الأخير الى القدس

 بقلم: محمد بن عمر |
إن شئت أن تقول إنها التاريخ الإنساني، بما حواه من أحداث، فهي كذلك، وإن شئت قلت إنها من البقع المقدسة، التي بارك الله ما حول مسجدها، فهي كما جاءت في النص القرآني(( سبحان الذي أسرى بعبده من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا)) (سورة الإسراء الآية 3 )، وإن شئت قلت إنها أولى القبلتين وثالث الحرمين، ومسرى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومعراجه، فأنت على يقين من ذلك، وإن شئت قلت إنها ايقونة الشرق الأوسط، ومفتاح سرّه في هذا الزمان، الذي سيكون خاتمة صراع الحق ضد الباطل، فتأكد أنك على صواب، لا يريبك فيه مرتاب مع ثبوت قرائن الدعوى. وهذا شهر رمضان الذي بدأت عشرته الأوخر تودّعنا الى القابل، ولياليه المباركة قد أهلّت علينا، بتباشير الأمل بقرب تحقق وعد الله، ناصر المستضعفين وقاصم الجبارين، يدعونا الى جمعته الاخيرة، التي خصها الامام الخميني  بعنوان (يوم القدس العالمي)، ودعا فيها جميع المسلمين، مهما كانت انتماءاتهم العقائدية والفكرية الى إحيائه، بمختلف الاساليب جماهيريا، في شكل تظاهرات منددة بالاحتلال الصهيوني، وجرائمه اعتداءاته المتكررة على الفلسطينيين العزل، ومستنكرة الصمت والتآمر الدولي على بلد الاسلام وقبلته الاولى، ونخبويا، بالتفرّغ لإظهار مظلومية الشعب الفلسطيني، وحقانيته في استعادة أرضه بمثلما اغتصبت به، بعدما ثبت عمليا، أنه لا بديل عن نهج المقاومة. ومع مرور السنوات بدأ الوعي الجماهيري ينمو حيال مشروع الامام الخميني رحمة الله عليه، وهذه السنة، يبدو التفاعل الفلسطيني مع ندائه كبيرا، وتزامنا مع انطلاق مسيرات وجمعات العودة، سيكون لهذه الجمعة وزنها، بالاستعدادات الجارية على قدم وساق، من أجل كسب أكبر للقضية الفلسطينية، وكشف كامل الوجه البشع للكيان الصهيوني الخبيث، وإكساب الشعب الفلسطيني روحا متنامية في مقاومته، رغم الحصار وقلة الامكانات. وطبيعي ان يكون الفضل في هذا التطوّر النضالي لله أوّلا، بألطافه على هذه الأمة، وللإمام الخميني الذي دعا الى نصرة القضية الفلسطينية، بكل الوسائل والطاقات ثانيا، وللنظام الاسلامي في ايران، الذي أظهر بالأدلّة الملموسة، أنه الوحيد الذي أخذ على عاتقه مسؤولية تحرير فلسطين، دون بقية الدول العربية والاسلامية، والوحيد الذي بقي الى جانب فصائل المقاومة، يدعمها بالمال والسلاح والخبرات، بعدما اعترفت بذلك الفضل علنا مختلف قياداتها، وفي مناسبات عدّة، خصوصا بعد دحر العدوانين الصهيونيين الآثمين على قطاع غزة. وتتجلى مظاهر وفاء النظام الاسلامي في إيران لأولوياته الاسلامية، التي أعلنها على الملأ من دول العالم، بهذه التضحيات الجسام، التي أظهرها من خلال صموده، أمام العقوبات التي سلطها النظام الشيطاني الامريكي على اقتصاده، لثنيه عن مواصلة طريقه في دعم القضية الفلسطينية، وكل أمنيات الغرب بزعامة أمريكا، أن تتخلى ايران الاسلامية عن محور المقاومة، وعندها تصبح عندهم البلد المدلل والمقرب، والمسموع الكلمة والمجاب الطلب. محاولات امريكا ثني ايران عن مسعاها، بتجميد أرصدتها المالية، المقدرة بمئات مليارات الدولارات، وتشديد العقوبات عليها، ونقض الاتفاق النووي بعدما أبرمته معها، ومحاربتها بكل الوسائل الممكنة، بما فيها احتمال شن عدوان عسكري عليها، بأيد (صهيوأعرابية)، مدعوما من طرفها – وهي المترددة خشية دمار قواعدها المحيطة بإيران، وإغلاق مضيق هرمز، وانقطاع تدفق النفط منه، والأخطر على الامريكان وحلفاءهم، إمكانية زوال الكيان الصهيوني أثناء العدوان. لقد بدأت الحرب بالوكالة على ايران الاسلامية ومحورها المقاوم، بإطلاق دابة الارهاب الوهابي التكفيري على المنطقة، تحت عنوان الربيع العربي وثوراته المفبركة، وكان أملهم معقودا على خلق حاجز فعليّ، يحول بينها وبين حزب الله في لبنان، كمقدمة للانفراد به في مرحلة ثانية، ومن ثم التفرغ لإيران أخيرا، والختم على القضية الفلسطينية بالضياع النهائي، لكنه وبعد مرور 6 سنوات، تبيّن عكس ما أمّلوا، وبجهود ايران ومحورها فشل مشروعهم الارهابي في العراق وسوريا ولبنان، وأصبح اليوم قاب قوسين من نهايته، في مقابل كسب جديد لمحور المقاومة وتمدده، واستقواءه بعناصر جديدة، متمرسة في فنون القتال، سيكون لها وزنها في معادلة الصراع القادمة. وبينما مني المشروع الغربي الصهيوني والامريكي بهزيمة لم تكن متوقعة، ارتفعت في مقابله حظوظ فصائل المقاومة ومحورها، في مؤشر جديد، يحمل طموحات الشعوب الاسلامية، التي يئست من أنظمتها، المنقادة طوعا وكرها للإرادة الغربية والصهيونية، وقريبا عندما يرتفع النداء الاخير الى تحرير فلسطين، سنراها بقدس أقداسها، وبكل ذرة تراب فيها، تعود الى شعبها المقاوم، والى حصن الأمة الاسلامية الذي سيكون حصينا، وله دوره الهام في المستقبل، محررة من دنس كيان، ما كان له أن يجد متنفسا له طول مدّة احتلاله، لولا التخاذل النظام الرسمي العربي وخيانات حكامه. النداء الاخير الى القدس سيكون اسلاميا بحتا، بعد فشل المشاريع الأخرى، التي قامت على أسس عرقية، ولم يجني منها العرب والفلسطينيون سوى الهزائم والخيبات والخذلان، وأخيرا التواطؤ مع اعداء الامة، من أجل بيع قضيتها المركزية، والتفريط في مقدساتها، والقدس تأبى أن تتحرر الا على ايدي الشرفاء، ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز. ثمن التحرير الذي يتهيب منه العملاء والمتخاذلون، وتبّع الغرب فيما يصبو اليه، سيكون غاليا بلا شك، ودماء الشهداء الذين ألمح اليهم سيد المقاومة بانهم بالملايين، في تعبير على أنه يستحق تلك التضحيات، لأنه بهذا التحرير المرتقب، ستفتح الأمة الاسلامية صفحة جديدة من حياتها، تكون فيها كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين اشركوا ونافقوا هي السفلى، في اجتماع من العقول والانفس، ووحدة في المواقف والمصير، وأخوّة في العلاقة والتدبير، والقدس مفتاح كل هذه المطالب، والمتخلّف عن الموعد، سيكون بلا شك الخاسر، الذي سيفوته
شارك على :

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023