الإثنين , 23 ديسمبر 2024
أخبار عاجلة

النيوليبرالية والكورونا ..مقدمة للحروب أم للسلام القادم…بقلم المهندس ميشيل كلاغاصي

لم يعد بالإمكان التعامل مع إنتشار فيروس كورونا المستجد على أنه أزمة طبية وحسب، بل لا بد من إعتباره جائحة عالمية، بدأت ملامحها بالبروز كأزمة سياسية وإيديولوجية، دلَّ عليها عمقها وتجذرها وارتباطها بسنوات الإهمال من قبل الحكومات النيوليبرالية التي أنكرت أهمية الصحة العامة والصالح العام، واندفعت وراء تمويل المؤسسات التي تضاعف هيمنتها وقوتها العسكرية بما يعزز نفوذها داخل وخارج حدودها، بحثا ً عن الإستئثار بالسلطة وبثروات الدول والشعوب، على حساب القيم الإنسانية والأخلاقية والحرية والديمقراطية والتعليم وحماية  بيئة الأرض – البيت الكبير للبشر-، عبر مشاهد أليمة لا يمكن فصلها عن العنصرية والتعصب والقومية المتطرفة الممزوجة بالأنانية، وسط غياب شبه تام للتعاون والتعاضد وتشارك المسؤولية، لإنقاذ البشر على مساحة الأرض.

لقد بدا مشهد تسييس الأزمة وتبادل التهم وتحديد المسؤول عن ظهور وإنتاج وإنتشار الفيروس أمرا ً قاسيا َ في وقتٍ يحتاج فيه البشر إلى علاج وحماية ورعاية، لكنه سلط الضوء على الذهنية النابعة من إيدولوجية الأنظمة الكبرى المتحكمة والمؤثرة بالقرار في النظام العالمي بشكل مباشر أم غير مباشر… فلطالما تبنت النيوليبرالية مبدأ القيادة عبر المسؤولية الفردية، وأنتجت قادة ورؤساء تبنوا سياسات من يختبؤون وراء الستار، وبرحيلهم تتغير السياسات وقد تنقلب رأسا ً على عقب،  حتى بما يتعلق بمعالجة المشاكل أو الصعوبات الإجتماعية، في محاولة لإحتواء الرأي العام، عبر خصخصة مشاكله الإجتماعية على غرار خصخصة واحتكار الخدمات والأسواق ومنابع إدرار الثروات، على قاعدة اغسل يديك لإحتواء الوباء ولا تتدخل في صناعة الأدوية واللقاح وأجهزة التنفس، يبدو أنهم يرون في الديمقراطية والتشاركية والتعاون والتضامن خطرا ً يهدد السوق وأرصدتهم المصرفية.

من الواضح إن تركيز النيوليبراليين على “القيم” التجارية وإيديولوجيتها الخبيثة وأنانيتها، قد ضاعف عدد المتضررين وعبث بأمنهم وحياتهم ومصيرهم، ووضعهم وسط دائرة الفوضى والحرب على البشر، والسعى للقضاء على العقد الإجتماعي الذي صاغته الطبيعة البشرية عبر القرون، وإدراجه رقما ً في لغة الأرباح والخصخصة والتبادل التجاري .

لن تتوقف الأزمة الحالية بمجرد حصرها بتقصير أو إهمال واستهتار الرأسمالية النيوليبرالية، التي تقف وراء النقص العالمي الحالي في المستشفيات، والمستلزمات الطبية، والأسرّة، بل أصبحت العلاقات الاجتماعية والإنسانية برمتها خاضعة للإستغلال المالي، وبالدعوة إلى التباعد الإجتماعي كوسيلة طبية لإبطاء انتشار الفيروس، وربما لتعزيز أشكال التعامل مع الموت وطقوسه وتقاليده.

يبدو أن الأزمة الطبية تتجه لتتحول إلى أزمة سياسية طويلة الأمد، قد تدفع – في زمن الكورونا أو بعده – الأدوات النيوليبرالية إلى مهاجمة الإقتصاد والسلطات الحكومية، وقد تتجه بلا أخلاق ومسؤولية نحو محاسبة سياسية من أجل إعادة تشغيل الإقتصاد وتتحول إلى اّلة حربٍ جديدة، تملك من الوحشية ما يستطيع تحويلها سياساتها إلى شكل من أشكال الفاشية، الأمر الذي سيمنحها الفرصة لإضافة ملامح لا أخلاقية جديدة.

إن إنكار واستهار وإضاعة ترامب أكثر من ستة أسابيع للبدء بالتحرك لمواجهة الكورونا، بدا كمن يحاول القول أن “العلاج أسوأ من المرض”، ولا يبدو مقتنعا ً بالتباعد والعزل الإجتماعي على أنه أهم أداة لإحتواء ومحاصرة الفيروس، ويصب إهتمامه على إعادة فتح الأسواق أكثر من إهتمامه وقلقه من إزدياد عدد الإصابات والوفيات، بما يعكس قلقه على إعادة انتخابه، ومن خلال أبشع صور الإنتهازية السياسية، ودوافعها من أجل تحقيق الأرباح واحتضان العقيدة النيوليبرالية القاسية التي يمثلها، ويحافظ على طريقة التعامل مع الجائحة على أنها معركة حزبية داخلية، ودولية خارجية من خلال إصراره على سياسات الحصار الإقتصادي الأحادي الذي تفرضه بلاده على عدد من الدول، على الرغم من تحذيرات خبراء الصحة والإقتصاديين من تحول أزمة الكورونا إلى كارثة وخطر عالمي، بما يكشف المزيد من وحشية  النهج الذي يمثله.

من الواضح أن سياسته المتهورة التي لم تبال بحياة من يموتون، ولاتبرر إستهتاره وكذبه وجهله سوى ما يؤكد ميوله لتحويل السياسات العليا إلى شكل من أشكال القسوة والوحشية، والتي تجلت في احتجاز الشحنات الطبية لغير دول، وبدفع أثمانٍ مضاعفة للظفر بها، وبتجاهل نداءات حكام بعض الولايات الأمريكية للحصول على الإمدادات الطبية مع اشتداد حاجتهم إليها.

لا يبدو ترامب وإدارته، وحدهم من يرقصون على أنغام سياسةٍ تحتفل بالموت، على أمل تحريك الإقتصاد وإنعاشه، فهناك جوقة كبيرة من مؤيديه في العديد من الدول الأوروبية، ومن المسؤولين عن الخلل في أنظمة الرعاية والتأمين الصحي، وفي  نقص الخدمات الطبية والمعدات والأجهزة .

كشفت أزمة الكورونا أن “الوباء” الحقيقي يكمن في الطبيعة المتوحشة للنيوليبرالية

لقد كشفت أزمة الكورونا أن “الوباء” الحقيقي يكمن في الطبيعة المتوحشة للنيوليبرالية، التي هيمنت على الإقتصاد العالمي لعقود، والتي تضع العالم في مواجهة مباشرة مع غير أوبئة، كالحروب النووية، والحروب التجارية، وحروب النفوذ والسيطرة على منابع الطاقات، وحروب التدمير البيئي، وحروب القضاء القيم الإنسانية والحضارية … لفرض ثقافة متوحشة تبيح وتبرر الإستيلاء على الشحنات والقوافل الطبية، الأمر الذي يرفع منسوب الأنانية والتمسك بقوارب النجاة، ويضع قادة كافة دول العالم في قلب الأزمة وأمام مسؤولياتهم وشعوبهم، ويدفعنا للسؤال، هل ستندلع حربا ًما تحت عنوان “أنا أحمي شعبي”؟.

يبدو أن فيروس الكورونا قد فرض نفسه لاعبا ً أساسيا ً في خارطة الصراعات السياسية، وأنه اّن الأوان للإعتراف بأن الرأسمالية والديمقراطية  مساران  مختلفان، فمظاهر “الصحة” في النظام الرأسمالي يقابلها تاّكل لديمقراطيتها المزعومة، وتبقى لحظة إلتقائهما  بمثابة إطلاق صافرة الخطر الذي  ينتظر الشعوب على المدى المنظور والمتوسط  والبعيد .

 

شاهد أيضاً

72 ساعة لولادة الشيطان الجديد.. أمريكا بلا مساحيق التجميل…بقلم م. ميشال كلاغاصي

ساعات قليلة تفصل العالم عن متابعة الحدث الكبير, ألا وهو الإنتخابات الرئاسية الأمريكية, و”العرس الديمقراطي” …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024