الوقوف على الحياد ضمن الصراع القائم على الساحة الدولية والاقليمية والتي بمجملها تشهد تصعيدا واستقطابا حادا وغير مشهود منذ انتهاء ما سمي بفترة الحرب الباردة لا يمكن تفسيره الا للاختباء وراء الأصبع لهؤلاء اللذين يقفون ضد محور المقاومة وضد توجه شعوب المنطقة بأكملها من الانعتاق من عبودية الاستعمار الجديد الذي نشهد تجلياته وتواجده سواء بالعقوبات الاقتصادية الجائرة أو بالتدخل العسكري المباشر أو بالتهديدات التي مفادها إما أن الانضواء تحت المظلة الامريكية وإما الفوضى ولا خيار لكم سوى هذين الخيارين. وكل هذه هي أنواع من الحروب فلم تعد الحروب مقتصرة على المدافع والطائرات والدبابات. وفي ظل هذه الحروب المباشرة او الغير مبتشرةلا يستطيع الانسان كفرد أو حزب سياسي أو حركة أو تنظيم أو دولة الوقوف موقف المتفرج لانه إن لم يكن متضررا الان فإن دوره آت غدا.
كثير هم من إدعوا أو ما زالوا يدعون الوقوف على الحياد أو النأي بالنفس عن هذه الصرعات وخاصة في منطقتنا والكثير اصبح يصرح بأن لكل بلد له سيادته لتبرير التطبيع والانفتاح الكامل مع العدو الصهيوني من قبل الدول العربية المهرولة لسياسة التطبيع حتى من أصحاب القضية التي كانت تعتبر القضية المركزية للامة “العربية والاسلامية”. وإذا ما خدشت السطح الذي يحاولون ان يتمظهروا به لرأيت الخيانة والخنوع لقاطن البيت الابيض للحفاظ على العروش أو لانهم ينتظروا الاوراق الخضراء لمواقف الذلة هذه الاوراق المعجونة بالمذلة والتي تفوح منها رائحة البترول الكريهة.
من ادعى ويدعى موقف الحياد والناي بالنفس كان من أوائل الذين انضموا الى الحرب الكونية التي شنت على سوريا وأقام المكاتب في اسطنبول وأنقرة لارسال “البطاطين وحليب النيدو” بالشاحنات الى سوريا للارهابيين بعد ان قبض ما يقرب من 50 مليون دولار لهذا الغرض. ولم يكتفي بذلك بل جعل لبنان ممرا ومكانا آمنا للارهابيين وتهريب السلاح الى سوريا لقتال الجيس السوري والتنكيل بشعب هذا البلد الصامد.
من إدعى ويدعي موقف الحياد والنأي بالنفس لم ينطق بكلمة واحدة ضد ما فعلته وتفعله السعودية والامارات على وجه التحديد في اليمن منذ مارس 2015 وصمت على تدمير بلد بأكمله وتجويع سكانه وحرمانهم من الدواء والغذاء حتى أصبح هذا البلد الفقير بإمكانياته وليس بعزته وشموخه وكرامته أصبح أكثر من ثلاثة ارباع سكانه يعيشون تحت خط الفقر المدقع والذي اعتبرته كل المنظمات الانسانية العاملة على الارض انها أكبر كارثة إنسانية حصلت على وجه الارض في العصر الحديث. كل هذا لم يحرك شعرة من هؤلاء اللذين وقفوا على “الحياد” لانهم فقدوا الحس الانساني والرحمة بالغير. لا بل وذهب البعض منهم متشدقا ليقول أن ما فعلته وتفعله السعودية هو حق وكل ذلك من أجل حفنة من الدولارات. هذا الذي يتعرض الان للخضوع الى المشيئة الامريكية وتصفية القضية الفلسطينية من قبل هؤلاء الدول الي وقف معها وساندها في قتل الشعب اليمني إما بالاسلحة الفتاكة او بالجوع أو بالمرض بعد ان تحولت أجساد الاطفال الى هياكل عظمية لا اكثر.
واليوم يخرج علينا سيادة البطريرك الراعي وغيره من الرموز اللبنانية المعروفة بصلاتها الحميمة بالاستعمار القديم والولايات المتحدة لا بل ونجزم بعلاقة بعضها على الاقل بالكيان الصهيوني بتصريحات أن لا حياة للبنان الا بالحياد. هذا حتى قبل ان تحرر جميع الاراضي المحتلة من قبل الكيان الصهيوني والذي قام البعض منهم بالالتفاف على الموضوع بالقول ان مزارع شبعة على سبيل المثال هي أراضي سورية وليست لبنانية ليرفع عن كاهله الخيانة والتفريط بأرض الوطن. نسي على ما يبدو هؤلاء “الحياديين” ان طائرات الكيان الصهيوني كانت تجوب وتخترق الاجواء والمياه الاقليمية اللبنانية يوميا دون رادع قبل اشتداد عصب المقاومة التي شكلت وتشكل قوة ردع. مفهوم “الحياد” لهذه الطبقة السياسية المارقة يهدف الى شيء واحد ووحيد هو أن تقوم المقاومة اللبنانية المتمثلة بحزب الله بتسليم سلاحها ونقطة على السطر. هذه هي أوامر الامريكي لهم وهنا تكمن مصلحتهم القائمة على النهب والسلب الذي أفقر الشعب اللبناني وأوصل البلاد الى ما هي عليه الان إقتصاديا بعد ان تراكمت الديون بعشرات الامليارنتيجة الفساد المالي والاداري المستشري في أجهزة الدولة وعمليات السلب والنهب والسمسرة من قبل الاخطبوط والطغمة المالية.
في هذا الزمن خاصة لا يوجد مكانا للحياد ومفهوم الحياد أصبح العملة التي تسوق في المنطقة لتغطية الارتباط بالاجندة الامريكية ومن لديه غير هذا الكلام فليتحفنا بما ببنات أفكاره.
* كاتب وباحث فلسطيني