لطالما اعتبرت مصر السودان حليفًا لا غنى عنه في نزاعها الطويل الأمد مع إثيوبيا حول سد النهضة المثير للجدل. وصفت مصر المشروع الكهرومائي العملاق على النيل الأزرق في شمال إثيوبيا بأنه تهديد وجودي بسبب قدرته على التحكم في تدفق النهر الذي يعد حيويا للحياة في البلاد. اتسمت الفترة الماضية بسياسة مصرية مربكة حول طبيعة التدخل في الصراع. وكانت مصر قد وقعت اتفاقية دفاع مشترك مع القوات السودانية المسلحة بهدف التعاون الأمني.
أحد الأسباب الرئيسية لتفضيل مصر التعامل مع اللواء البرهان هو اتباع نهج مشترك تجاه قضية سد النهضة. تستعد إثيوبيا الآن لمرحلة رابعة من ملء الخزان خلف السد، على الرغم من عدم وجود اتفاق ثلاثي حول كيفية تنظيم وإدارة تدفق النيل لمصر والسودان. سيقوض الصراع بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع جهود مصر لإنشاء جبهة موحدة مع السودان بشأن هذه القضية، والتي تعتبر بالنسبة لمصر قضية ملحة، وغالبا ما تصفها الحكومة بأنها وجودية. إلى ذلك، مصر ليست جزءًا من مجموعة الدول المكونة من أربعة أعضاء والتي تشرف على العملية التي وافقت عليها الأمم المتحدة للتسوية السياسية في السودان، والتي تشمل المملكة المتحدة والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. فلجأت إلى دعم تحركات البرهان لجلب الجهات الفاعلة المدنية إلى الإدارة السودانية، بما في ذلك الجماعات المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين.
في الواقع، تجد مصر نفسها وسط معضلة على الرغم من أنها قد تتحمل أكثر من غيرها فاتورة صراع قد يطول. فمصر مقرّبة من البرهان، في حين يلقى قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) تأييد الإمارات التي تعد أحد أكبر الداعمين لمصر ماليًا، بل هي الأمل المتبقي الحالي للاستثمارات الاقتصادية التي يمكن أن توقف انهيار الاقتصاد المصري، وبالتالي من الصعب أن نشاهد الرئيس السيسي وهو يدعم الجانب المعاكس من الصراع. إلا أنّ ثمة مستجدات بعد فشل محادثات جدة، أضاءت الخط الأحمر لثلاثي مصر وتشاد وجنوب السودان، أعداء حميدتي الألداء، إذ يقف هؤلاء بانتظار الجهة التي سترجح إليها كفة الصراع، لتعمل على التدخل الذي يقلب الكفة، سواء من خلال دور مباشر أو عسكري.
لم تكن نتائج المفاوضات الفاشلة بين حميدتي والبرهان عبر ممثليهما مفاجئة. خاصة أن كل طرف يعتقد أنه قادر على حسم المعركة لطرفه. ليس معلومًا على ماذا كانت السعودية تعوّل في هذه الدعوة، خاصة أن اتفاقات وقف إطلاق النار، نادرًا ما تنجح إلا في حالات ثلاث: الأولى أن تصل الأطراف المتحاربة إلى حالة من الإرهاق والخسائر لم يعد بالإمكان تحملها، والثانية أن تكون الأطراف الخارجية الداعمة للصراعات متفقة فيما بينها وقادرة على ممارسة الضغوط للتوصل إلى نتيجة. والثالث أن يكون أحد الأطراف قادرًا على حسم الحرب لصالحه. وهي أمور غير متحققة بين الطرفين.
اللافت أنه بعد فشل المفاوضات المذكورة مباشرة، حضر المستشار الأمني لرئيس جنوب السودان لتسليم رسالة من سلفا كير بشأن تطورات الوضع في السودان. مباشرة بعد تلك الزيارة، طار وزير الخارجية المصري سامح شكري معه إلى تشاد وبعدها إلى جنوب السودان لنقل رسالتين من الرئيس المصري الفتاح السيسي إلى كل من الرئيس محمد إدريس ديبي رئيس جمهورية تشاد، والرئيس سلفا كير رئيس جمهورية جنوب السودان. علق الخبير في الشؤون والصراعات الإفريقية كاميرون هادسون على الزيارة في تغريدة على تويتر: “”مصر وتشاد تنسقان استجابة للأزمة في السودان. من بين جميع جيران السودان، هذان هما اللذان لديهما خطوط حمراء واضحة حول انتصار قوات الدعم السريع ويمكنني أن أرى جيدًا التدخل بطريقة تقليدية (مقابل سرية) في حالة تعثر تلك الخطوط الحمراء”. أما ما يقصده هادسون بالطريقة التقليدية، فهو التدخل العسكري كما هو سائع، خاصة بعدما فشلت الطرق الدبلوماسية.
على خطٍ موازٍ، عرض أردوغان الذي يفترض أن يكون مشغولًا جدًّا بالانتخابات الأقسى منذ توليه السلطة قبل 20 عامًا، عرض في مكالمة هاتفية مع البرهان بعد فشل مفاوضات جدة، أنّ تركيا “مستعدة لاستضافة محادثات من أجل السودان إذا اتخذت الأطراف المتحاربة قرارًا ببدء مفاوضات شاملة”. على الرغم من عدم تغيّر أي شيء في معطيات الصراع، فما الذي لدى أردوغان لم تملكه السعودية؟ هل هم الجماعات الإسلامية؟ بالطبع كانت تركيا تسعى لنفوذً أكبر في السودان في عهد البشير، الذي يشترك معها في الخلفية الايديولوجية، وكان ثمة تعاون عسكري بين البلدين، استقبل عبره بورتسودان أربع سفن حربية تركية ما زالت ترسو هناك.