بقلم :عمر حلمي الغول
صفقة القرن الأميركية لا تستهدف الشعب العربي الفلسطيني وحده، وإن كانت سهامها الأولى والسامة موجهة للمؤسسة والهوية والشخصية والأهداف الوطنية. ولكن مخططها أعمق وأوسع واشمل من إستهداف الشعب وممثلته الشرعية والوحيدة، منظمة التحرير، لإن البرنامج الإستعماري الأميركي الإسرائيلي ومن لف لفهم من دول الغرب الرأسمالي وعرب وعجم يستهدف إعادة فك وتركيب مركبات وهويات شعوب ودول الأمة العربية، وتغيير منظومة العلاقات الداخلية والإقليمية، وإستباحة كل معلم من معالم القومية والثقافة العربية، وتبديد مظاهر الحضارة العربية الإسلامية، وتسييد دولة الإستعمار الإسرائيلية على الإقليم الشرق أوسطي الكبير.
وإذا دقق اي مفكر أوسياسي أوإقتصادي في خلفيات صفقة القرن، وما حققته حتى الآن من إنزياحات خطيرة في البناء الفوقي العربي الرسمي، كمقدمة لإحداث الإنقلاب الكيفي في البناء التحتي برمته، فإننا نجد الآتي: أولا تغيير سمة العلاقات العربية العربية البينية ، ووضع العرب في مواجهة بعضهم البعض؛ ثانيا تغيير لوحة أولويات السياسة الرسمية العربية، والتحالفات العربية مع دول الإقليم، فباتت إسرائيل الإستعمارية الحليف الأقرب لعدد من أهل النظام العربي؛ ثالثا تثبيت وتعميق التطبيع المجاني مع دولة التطهير العرقي الإسرائيلية على حساب قضايا الأمة العربية؛ رابعا إضعاف وإقصاء القضية الفلسطينية عن مكانتها التاريخية، ومحاولة بعض العرب النافذين حصرها قدر ما يستطيعوا في الزوايا، ولو إستطاع أولئك العرب ان يردموا عليها التراب لما تأخروا؛ خامسا مبادرة السلام العربية لم تعد الناظم لسياسات العرب الرسمية لحل الصراع العربي الصهيوني، رغم تأكيد ذلك في بياناتهم الرسمية، والشواهد الماثلة امام الجميع خير برهان على التحول الدراماتيكي في مرتكزات السياسة العربية الرسمية؛ سادسا قبول وإلتزام بعض العرب الرسمين بدفع الأتاوة والخوة والرشوة للسيد الأميركي، وتحويل اراضيهم لقواعد للولايات المتحدة، والإرتهان لسياساتها وإملاءاتها، وفتح ابواب بلدانهم للمؤتمرات والورش الأميركية الإسرائيلية لتصفية القضية الفلسطينية ..
هذا الواقع الخطير يتطلب من القوى والأحزاب، والمنظمات والإتحادات الشعبية، ومنظمات المجتمع المدني الوطنية والقومية والديمقراطية العربية من مختلف المشارب والإتجاهات الوقفة امام الذات، وأمام المسؤوليات الملقاة على عاتقها تجاه نفسها، وتجاه شعوبها، وتجاه قضايا الأمة كلها، وخاصة قضية العرب المركزية، والعمل على الآتي: اولا وقف حالة الترهل والتآكل في بنية وهياكل تلك القوى؛ ثانيا إعادة النظر في برامجها وأليات عملها، وتعزيز الروابط فيما بينها على اساس التكامل لدرء الأخطار عن دولها وشعوبها؛ ثالثا العمل بقوة على التصدي لسياسات الأنظمة العربية الإستبدادية، والدفع بخيار الديمقراطية، وبناء دولة المواطنة لكل مواطنيها؛ رابعا الدفع بتكريس برامج التنمية المستدامة، وتعزيز مكانة ودور الإقتصاد الوطني، والتكامل القومي؛ خامسا بالتلازم مع ذلك، وفي خط مواز ومباشرة، الإندفاع مع جماهيرها الشعبية إلى الميادين والشوارع لإعلان مواقفها الواضحة والصريحة في رفض صفقة القرن الأميركية، والضغط بكل الوسائل السلمية على أنظمتها (خاصة في الدول المتواطئة مع اميركا وإسرائيل) بالتوقف عن السياسات، التي تنتهجها؛ خامسا مطالبة الأنظمة العربية، التي سمحت بإقامة قواعد عسكرية على اراضيها بطرد تلك القواعد فورا، والتصدي للوجود الأميركي الإسرائيلي؛ سادسا عدم السماح للإسرائيلين الصهاينة من الدخول لإراضي الدول العربية، أو المشاركة في الألعاب الرياضية، أو اية منتديات عربية أو إقليمية أو دولية تقام على الأراضي العربية قبل الإقرار بالحقوق السياسية للشعب العربي الفلسطيني، وإفساح المجال لإستقلال وسيادة دولة فلسطين على اراضيها، وعاصمتها القدس؛ سابعا مقاطعة السفن الأميركية والإسرائيلية في الموانىء العربية، وإستعادة روح القومية العربية؛ ثامنا رفض كل مشاريع التوطين؛ تاسعا إلغاء وإسقاط كل الإتفاقيات التجارية والإقتصادية والأمنية مع دولة الإستعمار الإسرائيلية؛ عاشراعقد مؤتمر قومي عربي واسع وشامل لكل القوى الشعبية العربية لإعلان موقف واضح من صفقة القرن ومتفرعاتها المستهدفة القضية والشعب العربي الفلسطيني، وكل شعب عربي أخر.
المرحلة الراهنة، مرحلة خطيرة، تتطلب من كل قوى التحرر الوطني والقومي العربية إستنهاض الذات، والمشروع القومي النهوضي العربي، والتوقف عن حالة الموات والخشية من اهل النظام السياسي الرسمي، آن الآوان خلع ثوب التردد والخوف ومنطق “وأنا مالي”، والنزول للشارع للدفاع عن الذات الوطنية، والعمل على ترسيخ جذور الديمقراطية، وتعميق عملية التشبيك والتكامل العربي العربي، وحماية الأمن الوطني والقومي من خلال أساليب النضال السلمي والحضاري، الذي يليق بقوى الأمة ورواد مشروعها القومي الديمقراطي.