كشف الصحافي البريطاني ديفيد هيرست، رئيس تحرير موقع “ميدل ايست اي”، في مقالة له في الموقع، أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قد حاول إقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ببدء نزاع مع حركة حماس في غزة كجزء من خطة لصرف الانتباه عن مقتل الصحافي جمال خاشقجي وجعل الرئيس الأميركي دونالد ترامب يعي أهمية الدور الذي تلعبه السعودية في تعزيز المصالح الاستراتيجية الإسرائيلية، وذلك نقلاً عن مصادر داخل السعودية. وفي ما يلي ترجمة كاملة للمقالة:
حاول ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ببدء نزاع مع حركة حماس في غزة كجزء من خطة لصرف الانتباه عن مقتل الصحافي جمال خاشقجي، حسبما صرحت مصادر داخل السعودية لموقع ميدل إيست آي.
كانت الحرب في غزة من بين مجموعة من التدابير والسيناريوهات التي اقترحها فريق عمل طارئ تم تشكيله لمواجهة التسريبات المضرة بشكل متزايد حول مقتل خاشقجي من السلطات التركية، بحسب مصادر على دراية بأنشطة المجموعة.
ويتولى هذا الفريق، المكوّن من مسؤولين من البلاط الملكي، ووزارتي الخارجية والدفاع، وجهاز الاستخبارات السعودية، إحاطة ولي العهد كل ست ساعات بالمستجدات، بحسب ما قيل لموقع ميدل إيست آي.
ونصح الفريق بن سلمان بأن الحرب في غزة من شأنها أن تشتت انتباه الرئيس الأميركي دونالد ترامب وتعيد تركيز اهتمام واشنطن على الدور الذي تلعبه السعودية في تعزيز المصالح الاستراتيجية الإسرائيلية.
كما نصح الفريق محمد بن سلمان “بتحييد تركيا بكل الوسائل” – بما في ذلك محاولات رشوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعروض لشراء أسلحة تركية وإصدار بيانات من ولي العهد يحاول فيها دعم العلاقات بين الرياض وأنقرة.
وفي تصريحات أدلى بها في “مبادرة المستقبل للاستثمار” في الرياض الشهر الماضي، ادعى بن سلمان أن مقتل خاشقجي كان يستخدم لدق إسفين بين السعودية وتركيا. وقال إن ذلك لن يحدث “ما دام هناك ملك يدعى الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهد يدعى محمد بن سلمان في السعودية”.
وقد قُتل خاشقجي بوحشية في القنصلية السعودية في اسطنبول في الثاني من تشرين الأول – أكتوبر، في عملية تعتقد السلطات التركية أنها نفذتها فرقة اغتيال اشتملت عناصرها المشتبه بها على العديد من أعضاء الحرس الشخصي لولي العهد السعودي محمد بن سلمان. وأنكر المسؤولون السعوديون أن ولي العهد “لديه أي علم” بمقتل خاشقجي.
وتم تسريب بعض توصيات فريق العمل الأخرى إلى أحد المقربين من محمد بن سلمان، وهو تركي الدخيل، المدير العام لقناة العربية الإخبارية. وكشف “أكثر من 30 تدبيراً محتملاً” يمكن للرياض اتخاذها إذا فرضت واشنطن عقوبات.
وقال إن المملكة قادرة على مضاعفة سعر النفط ضعفين أو ثلاثة أضعاف، وأن تقدم لروسيا قاعدة عسكرية في شمال البلاد، وتتحول إلى كل من روسيا والصين كمزوّدين رئيسيين لها للأسلحة.
ونفى الدخيل في وقت لاحق هذه التهديدات معتبراً أنها “أفكاره فقط”، لكن مقالته الأصلية على موقع “العربية” تنسب هذه التهديدات إلى “دوائر صنع القرار داخل المملكة”. ويكشف موقع “ميدل إيست آي”، أن هذه التوصيات هي ما أعده فريق العمل لتقديم المشورة إلى بن سلمان.
العلاقات السرية
وقال موقع “ميدل إيست آي” إن لدى السعودية وإسرائيل علاقات سرية وثيقة بشكل متزايد، بدافع من عدائهما المشترك لإيران، وأن محمد بن سلمان كان لاعباً رئيسياً في الجهود المبذولة لتسويق خطة سلام ترامب، “صفقة القرن”، بين إسرائيل وفلسطين إلى القادة الإقليميين.
وفي حديث لهيئة الإذاعة البريطانية (BBC) في وقت سابق من هذا العام، قال نتنياهو إن إسرائيل وبعض الدول العربية تمر بعملية تطبيع “تحت الطاولة”.
وفي حين أن قتل خاشقجي قد تمت إدانته من قبل زعماء العالم على نطاق واسع، فقد قال نتنياهو في وقت سابق من هذا الشهر: “من المهم للغاية بالنسبة لاستقرار المنطقة والعالم أن تظل المملكة العربية السعودية مستقرة”.
بعد أسبوعين من جريم القتل هذه، أشارت مصادر في الحكومة السعودية إلى تغيّر مفاجئ في اللهجة في تصريحات نتنياهو عن حركة حماس خلال المفاوضات مع قطر بهدف تخفيف الحصار عن قطاع غزة. وقال نتنياهو حكومته خلال اجتماع في 14 تشرين الأول / أكتوبر: “نحن قريبون جداً من نوع مختلف من النشاط، نشاط سيتضمن ضربات قوية جداً. إذا كان لذلك معنى، ستوقف حماس إطلاق النار وتوقف هذه الاضطرابات العنيفة، الآن”.
وبالمثل، كانت إسرائيل وقطر قد توصلتا لتوّهما إلى اتفاق للسماح بدخول الأموال إلى قطاع غزة المحاصر لدفع رواتب موظفي حكومة حماس، عندما قامت القوات الإسرائيلية الخاصة بغزوة فاشلة ليل الأحد في خان يونس، كانت قد حصلت على إذن سياسي.
بعد ذلك أطلقت حماس مئات الصواريخ على المستوطنات الإسرائيلية جنوب فلسطين المحتلة، وشنت إسرائيل غارات جوية على غزة فاستشهد 15 فلسطينياً على الأقل وقتل إسرائيلي واحد في أخطر تبادل لإطلاق النار منذ عام 2014.
وقال موقع “ميدل إيست آي” إنه لا يمكنه أن يؤكد بشكل مستقل ما إذا كان التوغل الإسرائيلي في قطاع غزة قد تأثر بنداء محمد بن سلمان إلى نتنياهو.
وكان نتنياهو قد تحدث يوم الأحد قبل الاعتداء قائلاً إنه “يفعل كل ما بوسعه لتجنب حرب غير ضرورية” في غزة. وأضاف: “لست خائفاً من الحرب إذا كانت ضرورية، لكني أريد تجنبها إذا لم تكن ضرورية”.
ووفقاً لمصادر “ميدل إيست آي”، فإن الإجراءات الأخرى، التي أوصى بها فريق العمل الإظهار لترامب بأن السعودية لا تعتمد على تحالفها مع واشنطن، قد شملت دعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الرياض.
وزُعم أن بوتين قال إنه سيقوم بالزيارة بغض النظر عن نتيجة قضية خاشقجي.
كما أن المملكة العربية السعودية قد أوفت بوعدها برفع سعر النفط الخام عن طريق خفض الإنتاج.
وقال وزير الطاقة السعودي خالد الفالح بعد اجتماع لمنظمة أوبك في نهاية الأسبوع إن المنظمة تعتقد أن الإنتاج سيحتاج الى الانخفاض بنحو مليون برميل يومياً. وأدى الإعلان وحده إلى رفع سعر النفط الدولي، حيث ارتفع سعر مزيج برنت الخام إلى 70.83 دولار للبرميل، بعد أن انخفض إلى ما دون 60 دولاراً للبرميل في نهاية الأسبوع الماضي.
وكانت هذه الخطوة تحدياً مباشراً لترامب، الذي كان قد غرّد يوم الاثنين على تويتر قائلاً: “نأمل أن المملكة العربية السعودية ومنظمة أوبك لن تقلصا إنتاج النفط. أسعار النفط ينبغي أن تكون أقل بكثير على أساس وفرة العرض!”.
وقال موقع “ميدل إيست آي” إنه في الوقت نفسه، يتزايد الضغط على بن سلمان مع ظهور المزيد من التفاصيل من التحقيق في مقتل خاشقجي. وكشف “ميدل إيست آي” أن تركيا لديها تسجيلات للمحادثات بين المسؤولين السعوديين والتي تعود إلى 28 أيلول – سبتمبر، عندما دخل خاشقجي القنصلية لأول مرة لترتيب شهادة تثبت أنه قد طلق زوجته الثانية. وذلك كان هذا قبل ثلاثة أيام من مقتله. وتكشف هذه الأشرطة أن الملحق العسكري السعودي في اسطنبول، أحمد عبد الله المزيني، قد لعب دوراً حاسماً في قتل خاشقجي.
بعد أن التقى خاشقجي وأخبره أنه تسلّم ملفه شخصياً، طار المزيني في اليوم التالي إلى الرياض حيث التقى اللواء أحمد عسيري نائب رئيس الاستخبارات السعودية وأحد قادة “فرقة النمر” لاغتيال المنشقين في داخل البلاد وخارجها.
ووصفت صحيفة “صباح” التي تسيطر عليها الحكومة التركية المزيني بأنه العقل المدبر وراء المؤامرة، وقالت إنه ناقش عملية اغتيال خاشقجي مع عسيري وعاد إلى اسطنبول. ثم عاد إلى الرياض في الساعة 9 مساءً في اليوم الذي قُتل فيه خاشقجي.
ويكشف موقع “ميدل إيست آي” أيضاً أن قائد فرقة القتل، ماهر عبد العزيز المطرب، قد أطلع القنصل السعودي في اسطنبول، محمد العتيبي، قبل وقوع القتل. غادر العتيبي تركيا في 16 تشرين الأول – أكتوبر، قبل يوم واحد من تفتيش منزله الرسمي من قبل محققين أتراك.
وكشفت صحيفة نيويورك تايمز يوم الاثنين الماضي أن المطرب قد طلب من رئيسه “بإخبار رئيسك في العمل” بأن خاشقجي قد قُتل في واحدة من أربع مكالمات أجراها إلى الرياض في يوم القتل.
وقال موقع “ميدل إيست آي” إن هذا يزيد الضغط على “الكابيتول هيل” (الكونغرس) من أجل الحصول على رد رسمي من إدارة ترامب بشأن قضية خاشقجي.
ومن المقرر أن تقوم وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ومسؤولون استخباراتيون آخرون بإطلاع الكونغرس هذا الأسبوع، ومن المقرر أن يضغط قادة الكونغرس على جينا هاسبل، مديرة وكالة الاستخبارات المركزية، التي استمعت إلى أحد التسجيلات الصوتية لقتل خاشقجي للإدلاء بشهادتها بشأن ما سمعته.
ترجمة: الميادين
المصدر : ميدل إيست آي