يعود تواجد اليهود بالمغرب الأقصى لأكثر من ألفي سنة وكان موطنا لأكبر جالية يهودية في شمال أفريقيا، حيث مثلت إلى حدود أواخر الأربعينيات عشرة بالمئة من إجمالي السكان بحوالي 250 ألف نسمة، غير أن غالبيتهم غادروا المملكة بعد تأسيس “إسرائيل” في 1948، ولم يتبق منهم حاليا سوى حوالي ثلاثة آلاف يهودي، بينما يقيم أزيد من مليون يهودي من أصل مغربي في كيان الاحتلال.
“نفس جديد”
في هذا الجانب، يبرز صاحب كتاب “المغرب، إسرائيل واليهود المغاربة”، جمال أعميار، أن العلاقات بين الإسرائيليين من أصل مغربي ووطنهم الأم، لطالما كانت قوية، وارتكزت أساسا على المقومات الثقافية والدينية المتينة، غير أن إعادة العلاقات الدبلوماسية في 2020 بين المغرب و”إسرائيل” “أعطتها نفسا جديدا”.
ويضيف الكاتب المغربي، أن استئناف العلاقات والإجراءات التي أعقبته، خاصة فتح خطوط جوية مباشرة، ساهم في زيادة التواصل والارتباط الثقافي بين اليهود المغاربة بـ”إسرائيل” وأصولهم.
ويعترف الدستور المغربي بالمقوم العبري كأحد مرتكزات الهوية الوطنية، ويتوفر اليهود في المغرب على محاكمهم الخاصة وقانونهم الخاص للأحوال الأسرية ومدارسهم وأيضا متاحف خاصة مدعومة من الدولة.
كما أطلق الملك محمد السادس قبل سنوات برنامجا لترميم مئات المعابد والمقابر ومواقع التراث اليهودي، وأعادت الدولة الأسماء الأصلية لبعض الأحياء اليهودية والتي تغيرت خلال الحقبة الاستعمارية وبعدها، وعام 2021، أدرجت وزارة التربية الوطنية التراث اليهودي بالبلاد في المقررات الدراسية.
في هذا الجانب، يشير أعميار إلى أن جهود المغرب لصون والحفاظ على التراث اليهودي العبري على مدى عقود، ساعدت في تقوية ارتباط اليهود ذوي الأصول المغربية، باختلاف جنسياتهم، بالمملكة.
ويلفت المتحدث ذاته إلى أن الحضور المغربي الإسرائيلي لا ينحصر فقط في الجوانب الثقافية والدينية، بل هناك أيضا حضور قوي على المستوى السياسي لليهود المغاربة في مناصب القرار، سواء في “إسرائيل” أو في المغرب.
“عودة إلى الجذور”
من جهته، يكشف مردخاي كيدار، باحث إسرائيلي في الثقافة العربية ومحاضر في جامعة بار إيلان، أن جذور العلاقات المغربية الإسرائيلية ممتدة، حيث ما زال عدد من اليهود يعيشون بالمغرب، ويزوره كل سنة آلاف الإسرائيليين، لصلة بلد آبائهم وأجدادهم وأيضا زيارة قبور الحاخامات والأولياء اليهود الذين عاشوا في المغرب منذ مئات السنين.
وعن واقع اندماج اليهود من أصل مغربي في “إسرائيل”، يوضح كيدار في تصريح لموقع “الحرة” أن المجتمع الإسرائيلي “مركب من يهود قادمين من 70 دولة ويمثل اليهود المغاربة أحد أهم عناصره”.
ويكشف الباحث الإسرائيلي، أن اليهود القادمين من المغرب تمسكوا بتقاليدهم وعاداتهم التي تربطهم بالمغرب، ورغم ذلك اندمجوا بقوة في المجتمع الإسرائيلي ونجدهم اليوم في مناصب مهمة بالبرلمان وبالحكومة، وفاعلين بارزين في الاقتصاد والثقافة.
ولطالما ضمت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة وزراء من أصول مغربية، ولم تشكل الحكومة الأخيرة الاستثناء، وضمت كل من يعقوب مارغي، وزير العمل والرفاه والخدمات الاجتماعية، المولود عام 1960 في المغرب، ووزيرة النقل، ميري ريغيف.
وحلت هذه الأخيرة، الأسبوع الماضي بالرباط، وقالت في تغريدة إن الزيارة تمثل لها “عودة إلى الجذور”، كاشفة أنها ستستغل حضورها لـ”إضاءة شمعة على قبر جدها الراحل”.
كما ينحدر رئيس الكنيست الإسرائيلي، أمير أوحانا من أصول مغربية، واستهل المسؤول الإسرائيلي كلمته خلال زيارته إلى الرباط، وفي البرلمان المغربي، بالحديث بالدارجة المغربية.
وبالمقابل، يشغل عدد كبير من اليهود مناصب سياسية رفيعة بالمغرب أيضا؛ فمنذ تعيين ليون بن زاكين وزيرا للصحة في أول حكومة مغربية بعد الاستقلال، تقلد مجموعة من اليهود المغاربة مهام المسؤولية في عدة مؤسسات مغربية؛ ويبقى أبرزهم مستشار الملك محمد السادس، أندري أزولاي، وسيريج بيرديغو السفير المتجول للمملكة والأمين العام لمجلس الطوائف اليهودية بالمغرب، والذي سبق أن تقلد أيضا وزارة السياحة.
“سفراء”
رئيس الطائفة اليهودية لمدينة مراكش، جاكي كادوش، يقول إن اليهود المغاربة في “إسرائيل” وفي جميع دول العالم “تربطهم محبة خالصة وقوية بأرض المغرب”، ويتمسكون بشدة بحديث الملك الراحل الحسن الثاني الذي قال “عندما يغادر يهودي مغربي بلده، نفقد مقيما، ولكننا نربح سفيرا”.
وقبل توقيع اتفاقية استئناف العلاقات بين المغرب و”إسرائيل”، كان عدد زوار المملكة من “إسرائيل” يتراوح بين 50 إلى 70 ألف يهودي المغرب سنويا، في رحلات غير مباشرة، غير أنه مع فتح خط مباشر عام 2021، ارتفاع هذا الرقم ليصل العام الماضي إلى أكثر من 200 ألف، زاروا المغرب للسياحة أو للاحتفال بأعياد دينية أو زيارة ضرائح مراجع دينية محلية، مثل موسم “هيلولة”.
في هذا الجانب، يؤكد رئيس الطائفة اليهودية لمدينة مراكش، أن لهذه الطفرة الكبيرة أهمية كبرى في تعزيز العلاقات بين المغرب ومواطنيه بـ”إسرائيل”، مشيرا إلى أن توقعات البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية بالرباط، تتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى نصف مليون زائر سنويا، في غضون ثلاث سنوات وهذا “أمر لا يمكن إلا أن يسعدنا، حيث نقدم صورة نموذجية للتعايش والسلام”.
موقع الحرة بتصرف