ليس خافيا أن بند من البنود التي حملها معه وزير الخارجية بلينكن في جولته الثانية الى المنطقة هو طرح ما يمكن تسميته بالسيناريوهات السياسية المقترحة الى ما بعد حماس في غزة باعتبار أن الهدف الرئيس المعلن على الأقل من قبل الكيان الصهيوني هو القضاء على حماس وعدم عودتها للحكم في القطاع وعلى أمل ان يحقق الكيان الصهيوني هدفه المعلن. ويجدر الذكر هنا الى التصريحات الامريكية الى ان الولايات المتحدة ستقف الى جانب “إسرائيل” في هذه الحرب الى ان يتم تحقيق أهدافها في غزة.
وفي سياق شكل الحكم السياسي في غزة “ما بعد حماس” نشطت الولايات المتحدة والكيان الصهيوني ودول الاتحاد الأوروبي وبعض الدول العربية وأطراف فاعلة ذات مستوى في السلطة الفلسطينية. وبالفعل فلقد تسربت بعض الانباء عن اجتماع سري عقد في جنيف ضم هذه الأطراف للتباحث في المستقبل السياسي لقطاع غزة معتبرين ان الحرب ستحقق لجيش الكيان الصهيوني المدعوم على كافة الأصعدة أهدافه المعلنة. نقول المعلنة لان هنالك اهداف استراتيجية لهذا العدوان وحرب الإبادة الا وهو التهجير القصري لسكان القطاع الى صحراء سيناء المصرية وهو الهدف المبيت منذ سبعينات القرن الماضي على أقل تقدير.
ويبدو أن التحرك على هذا الصعيد يأتي على خلفية الانتقادات الامريكية التي وجهت للكيان الغاصب على ان هذا الكيان لا يمتلك رؤية واضحة لما بعد اهذه الحرب فيما يخص المستقبل السياسي وماذا تريد “إسرائيل” فعله بعد ان تسكت المدافع والسيطرة العسكرية على القطاع. ومؤخرا وضع الكيان تصوراته للمستقبل السياسي لقطاع غزة على افتراض تحقيق أهدافه من حرب الإبادة في غزة التي تم عرضها في ورقة سياسات صادرة عن وزارة الاستخبارات الاسرائيلية تحت عنوان: “خيارات التوجه السياسي للسكان المدنيين في قطاع غزة” . والفرضية الأساسية للعمل في أي من الخيارات المطروحة هو القضاء على سلطة حركة حماس. والورقة الصادرة بهذا الشأن تقع في 12 صفحة. والورقة تشير الى الخيارات الثلاثة التي تمت دراستها نوردها كما جاءت في الورقة وهي:
. الخيار الأول: بقاء السكان في قطاع غزة واسناد الحكم الى السلطة الفلسطينية.
. الخيار الثاني: بقاء السكان في قطاع غزة واستحداث سلطة عربية محلية من اوساطهم.
. الخيار الثالث إجلاء السكان المدنيين من قطاع غزة الى سيناء.
وتشير الورقة انه من خلال فحص معمق للخيارات المذكورة الى ان الدراسة خلصت الى استنتاج بأن ” الخيار الثالث هو الخيار الذي سيحقق نتائج استراتيجية وطويلة الأمد بالنسبة الى إسرائيل وهو خيار قابل للتنفيذ. وعلى أن هناك حاجة الى تحلى المستوى السياسي بالصرامة في مواجهة الضغط الدولي، مع التركيز على استقطاب الولايات المتحدة والدول المؤيدة لإسرائيل لدعم هذه الخطوة”.
والذي يبدو من الميدان والتعنت الإسرائيلي ورفضها المطلق “بوقف إطلاق النار” أو حتى “بهدنة إنسانية” ومنع إدخال الوقود والموافقة على إدخال المساعدات الانسانية يالقطارة والاستمرار في حرب الإبادة ضد المدنيين وتحويل الجزء الاكبر من القطاع الى ركام وأرض محروقة والبدء بقصف المستشفيات بعد ان دمرت البنية التحتية للقطاع بالكامل وقطع الكهرباء والماء والانترنت وشبكات الاتصالات أن الكيان ذاهب بالتدريج الى الخيار الثالث بعد ان أخذ الورقة البيضاء من الإدارة الامريكية وبقية الدول الغربية لعمل كل ما يلزم لتحقيق الأهداف المعلنة للكيان والتي تصب في خدمة الخيار الثالث.
نحن لا نقول من هذا العرض ان الكيان يستطيع لن يحقق ما يريد فلقد اثبت شعبنا في غزة وبالرغم من كل المجازر الذي ترتكب بحقه يوميا واعداد الشهداء الذي قارب على 12000 شهيد انه لن يرحل ولن يقبل نكبة أخرى. الى جانب ذلك ما زالت المقاومة تكبد العدو خسائر بشرية في قواته التي تسعى للتقدم الى وسط القطاع الى جانب تدمير العشرات من دباباته والياته العسكرية. وما زالت تضرب عمق الكيان بالصواريخ التي تنطلق من غزة وكذلك من الجنوب اللبناني هذا عدا عن جبهة الضفة الغربية المشتعلة. والمقاومة لا تخوض المعركة لوحدها فهنالك الجبهات المساندة لها والتي دخلت في هذه الحرب سواء اليمن والمقاومة العراقية واللبنانية بمعنى أذرع أخرى لمحور المقاومة التي لن تسمح بانكسار المقاومة في غزة. ويجب ان لا ننسى هذا الكم الهائل غير المسبوق من الدعم العربي الشعبي والعالمي للقضية الفلسطينية وخاصة في الدول الأوروبية والولايات المتحدة التي هرولت نخبها السياسية الى الكيان لتقديم الدعم له وعلى جميع الأصعدة العسكرية، والسياسية، والدبلوماسية، والاعلامية. واشتعلت الشعوب العربية التي انخرطت وتلاحمت مع المقاومة وقامت بأحزابها وقواها الحية الديمقراطية بالإسناد والضغط على حكوماتها ومقاطعة الشركات والبضائع الامريكية والدول الغربية المساندة للكيان. والامل ان يودي ضغط الشعوب العربية الى تحرك فعلي على نطاق الأنظمة العربية التي بدأ البعض يستوعب بأن انكسار المقاومة في قطاع غزة والهمجية والنوايا المبيته للكيان الصهيوني يشكل خطرا على امنها القومي. آن الأوان ان تدرك هذه الأنظمة ان استظلاها بالمظلة الامريكية لن ينفعها ولن يحميها وإننا قد وصلنا الى مرحلة مفصلية لطبيعة الصراع مع العدو الصهيوني تستدعي الوقوف بجدية وحزم ضد مخططاته المدعومة من الولايات المتحدة.
أما بالنسبة للسلطة الفلسطينية فيجب ان تدرك ان كل ما قدمه وزير الخارجية الامريكي بلينكن من الكلام المعسول السعي لحل الصراع على أساس “حل الدولتين” وان السلطة ستلعب دورا هاما في الشكل السياسي لقطاع غزة …الخ ما هو الا كلام أجوف وفارغ لأن الهدف الاستراتيجي الذي تسعى اليه الولايات المتحدة والكيان معا هو الاستيلاء على أراضي القطاع بدون سكانه وبهذا يقتطع مزيدا من الأراضي الفلسطينية والدور آت على سكان الضفة فيما إذا تمكن الجيش الإسرائيلي من تحقيق الأهداف التي وضعها لحرب الإبادة. التعويل على الأمريكي وعلى المجتمع الدولي ومقاومة “الكتكات” السلمية والصراخ “احمونا إحمونا… إحمونا” والاستجداء المذل والخنوع لن يحقق لكم شيئا وسيكون مصيركم كمصير أي متعاون مع الاحتلال والاجنبي انظروا ماذا حل بجيش لحد ورؤساء عرب قدموا كل الخدمات للأجنبي. هل أتت الويات المتحدة لنصرتهم ام تركتهم لمصيرهم في مزبلة التاريخ؟
كاتب وباحث أكاديمي فلسطيني