الإثنين , 25 نوفمبر 2024
أخبار عاجلة

تدبر في  سورة   الكهف  والرقيم: محاولة في إحصاء التَّهْيئة الفُتُوِّية للرُّشْد البشري

بقلم د. نعمان المغربي (مختص في علوم الأديان المقارنة، تونس) 

  مقدمة منهجية:

 

ما القرآن الكريم:

 

       القرآن الكريم هو كتابٌ عظيم من الله تعالى للبشر. كان مِنَّة من الله تعالى لهم من أجل «إحيائهم» ودَفع «الأغلال» عنهم وبَسط «القسط» و«الفلاح» بينهم. إنه «كتابٌ يصْنع الإنسان، كتاب الإنسان المتحرك»[1]، ليجعل من الإنسان بالقوة «إنسانًا وموجودًا بالفعل»[2]، فيرتقي إلى آخر المَرَاتب التكاملية، الفردية والجماعية. فهو «يصنع معنويات الإنسان ويصنع الحكومات»[3]، وهو مهيمن على ماضي الإنسان وحاضره ومستقبله، لكي يرتقي «من الطبيعة إلى الغيب، ومن المادية إلى المعنوية، في سبيل العدالة، ولإقامة العَدْل»[4].

إنه الكتاب الذي ﴿لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ(فُصّلت، 42)، وهدفه الجوهري هو إحياء الإنسان فردًا وجماعة: ﴿استَجيبوا لِلَّـهِ وَلِلرَّسولِ إِذا دَعاكُم لِما يُحييكُم(الأنفال، 24). إنه ليس «كلمات تتجمَّد في معناها اللغوي، بل هي كلمات تترك في أجواء روحية وعملية (…) وتهدي وتقود إلى الصراط المستقيم (…). فقد كانت آياته تتنزّل في أجواء حركة الدعوة الإسلامية، لتراقب نقاط ضعفها وقوّتها، في خطوات الداعية وفي تحديات الواقع»[5]. وهو الدليل الأساسي للمسلم العامل، وللعمل الإسلامي التغييري، فكرًا وممارسة وقلبًا وتعاملاً.

إن القرآن الكريم «كتاب رسالة ودعوة»[6]. إنه كتابٌ مفرّد، متميّز على بقية الكتب، شكلا ومحتوى، وهو ليس من أجل مجرّد القراءة، بل من أجل القراءة الهادية للعمل، فهو «يُعيّن لنا تكليفنا وواجبنا»[7]. فهو المدرسة الوحيدة التي بإمكانها تمهيد الطريق الأقْوَم لهداية الإنسان نحو استخدام قابلياته، «وتتقدم بالقوى البشرية [في ] الخير والصلاح، وبكل ما يكون تحت تصرف الإنسان في طريق الأمن والكمال»[8]. قال الله تعالى: ﴿إِنَّ هـذَا القُرآنَ يَهدي لِلَّتي هِيَ أَقوَمُ(الإسراء، 9).

ضرورة «التدبر» في القرآن الكريم:

 

« التدبر» هو «النظر في إدبار الأمور وتأملها»[9]، وإدبارُ الأمور هو ما تؤول إليه من نتائج وإمكانيات وأحوال وأطوار. فالتدبر هو «تصرّف القلب بالنظر في العواقب»[10].

فالأمر القرآني: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا؟!(محمد، 24)، إنما هو دعوة لمعرفة إمكانيات آياته، فالتدبر هو وُقوف على التعدد والكثرة والبَدَاء والتطبيقات، وعلى حاضر النزول وماضيه وعواقبه وإدباره مستقبلاً. وهو كذلك الوقوف على كل آية، مِنْ أوّل آية إلى آخرها، من أوّل السورة إلى آخرها، من أوّل القرآن الكريم إلى آخره، أي اعتبار الكتاب الكريم وَحْدَةً، واعتبار السُّورَة وَحْدَة مُسَوَّرَة، إذ أن القرآن الكريم «ينطق بعضه ببعض ويشهد بعضه على بعض»، كما جاء في الحديث الشريف[11]، وجاء في حديث النبي صلى الله عليه وآله: «إن كتاب الله مَوْصُولٌ ببعضه»[12].

كلنا مطَالَبُون بالتدبر حتى لا نَهلك، يقول النبي صلى الله عليه وآله: «إذا التبست عليكم الفِتن كقِطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن، فإنه شافع مشفّع، وماحِلٌ مصدَّق، ومَنْ جَعَلَهُ أمامه قاده إلى الجنة، ومَن جعله خلفه قاده إلى النار(…)»[13]. فعلينا أن نطالع القرآن الكريم حتى «مطالعة سَطحية، وليس من الضروري مطالعة دقيقة»[14]، وسَوْف ترتقي قراءتنا إذا اعتمدنا على الله تعالى واستنجدنا بالراسخين في العلم (الرسول وأهل تيبة والعلماء). إنه ليس كتابا لمجرّد التبرّك والتعبّد بالمعنى العادي، بل إن التبرّك والتعبّد الحقيقيين بالقرآن الكريم هو تدبّره: ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ(ص،29).

والمرحلة الأرقى في قراءة القرآن الكريم والتبرّك به هي «التفكّر» فيه: ﴿وَأَنزَلنا إِلَيكَ الذِّكرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيهِم وَلَعَلَّهُم يَتَفَكَّرونَ(النحل، 44). ويختلف التفكر عن التدبر في أن «التفكّر تصرف القلب في النّظر بالدلائل»[15].

والتّدبّر هو –إذن- يأخذ بعين الاعتبار كلّيّة النصّ، وكذلك اختراقه للماضي والحاضر والمستقبل من تاريخ الإنسان. ذلك لأنّ له ظُهورًا (جمع «ظَهْر») وداخل كل ظهر ظُهورًا، وله بَطْن وله داخل كلّ بَطْنٍ بُطون. وبكلّيّته التعددية، المعقّدة، المتراكبة، المتداخلة، المترابطة، هذه، يهيمن على الشهادة والغيب، على كل التاريخ البشري، ممَّا قَبل آدم (لما كان رسول الله صلى الله عليه وآله، وأهل بيته عليهم السلام، آباءً لآدم عليه السلام).

القرآن الكريم فضاءٌ غير نهائي متعدّد السّطوح:

 

القرآن الكريم ليس «سَطْحًا» (بلغة علم الهندسة)، بل هو فضاء متعدّد «السّطوح» و«الخطوط» و«المستويات» و«الأجسام». وهذه «السّطوح» ليست كلها فوق بعضها بالتوازي، بل تخترق بعضها بشكل عجيب، غير نهائي. أليسَ ذلك الكتاب إحداث الله تعالى، المبدع، ولا مُبدع غيره، بالأصالة، الحكيم ولا حكيم غيره، بالأصالة.

ويمكننا أن نحاول اصْطفاء مسطّح وحيد من القرآن الكريم، قد يخترقه مسطّح آخر يصْطفيه متدبّر أو متفكّر آخر. ويمكننا أن نكتفي باصْطفاء خطّ وحيد، أو خط في علاقة مع خط آخر، أو أن نكتفي باصطفاء مستوى وحيد، أو مستوى متوازٍ مع آخر أو آخَرَيْنِ. ويمكننا اصطفاء جسم وحيد، أو جسميْن، أو ما شئنا من الأجسام القرآنية متوازية أو متخارقة.

كما يُمكننا أن نصطفي، حسب قدرتنا وحسب ذكائنا، وحسب إيماننا، فضاءًا مجتزءًا من هذا الفضاء القرآني الهائل غير النهائي. وقد يكون الفضاء الجزئي مفهومًا قرآنيا («الكَنْزُ»، «الإيلاف»، «الاستكبار»، «الاستضعاف»، «الإيمان»، «العدل»، «القِسط»، «التوحيد»، «النبوة»، «الرسالة»، «الإمامة»…)[16]. وقد يكون الفضاء الجزئي «سُورة»، وهنا نَطمئن نِسبيًّا إلى قدرتنا على اصطفاء فضاء شبه مكتَمل واقعيا، لأنه «سُورة» أي فَضاء مُسَوَّر تَوقيفيّا، وليس قَضاءًا نحن الذين نضع له حدودًا حتى نَفْصِله افتراضيًّا عن فضائه الكلي.

إنّه فضاء عميق، عميق، متداخل، متخارِق يمتص كلَّ بحارنا ولا تمتصّه. ﴿قُل لَو كانَ البَحرُ مِدادًا لِكَلِماتِ رَبّي لَنَفِدَ البَحرُ قَبلَ أَن تَنفَدَ كَلِماتُ رَبّي، وَلَو جِئنا بِمِثلِهِ مَدَدًا(الكهف، 109). يقول الإنسان الأكمل، صلى الله عليه وآله، عن القرآن الكريم: «له ظَهْرٌ وبَطْن، فظاهرهُ حِكْمَةٌ وبَاطِنه علم، ظاهرهُ أنيقٌ وبَاطِنه عَميقٌ، لاَ تُحْصَى عجائبه ولا تبلى غرائبه»، وهنا يواصل الرسول الأكرم، صلى الله عليه وآله لِيَهَبَنَا كيفية التعامل مع هذا الكتاب الأعظم: «فَلْيُجِلْ جَالٌ بَصَرَه، وليَبْلُغْ الصفة نظره، فإن التفكر حياة قلب البصير، كما يَمشي المستنير في الظلمات بالنور، يحسن التخلص ويُقِلّ التربص»[17].

إن النبي الكريم، صلى الله عليه وآله، العالم الأكبَر بهدية الله تعالى للبشرية: «إن للقرآن ظهرا وبطنا، ولبطنه بَطنا إلى سَبْعة أبْطُن أو إلى سبعين بَطنا»[18]. ومَهْمَا مَدَدْتَ يَدَك، أو يَدَيْك، لتُمسك بشيء من هذه الهديّة، الأعظم، فإنك رابح، مُفلح، غانم، فقد سهّل لك الله الكريم المنّانُ الإمساك بأي من تلابيب القرآن الكريم، وبإمكانك أن تطلب وسيُعطيك الكريم أكثر ممّا ترجو، وسيمدّ يَديْك أكثر فأكثر: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ؟!(القمر، 17). ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّـهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا(الطلاق، 4). ﴿فَإِنَّما يَسَّرناهُ بِلِسانِكَ [فلا أيسر من اللغة العربية حسب الله تعالى لتسهيل فهم الإنسان للقرآن الكريم] لِتُبَشِّرَ بِهِ المُتَّقينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَومًا لُدًّا(مريم، 97)؛ ﴿فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (58) فَارْتَقِبْ [أي خطّطْ واجْعَلْ سَوْقًا لحركتك التاريخية] إِنَّهُم مُّرْتَقِبُونَ (59)(الدخان).

إنه كتابٌ مَفْتُوحٌ للجميع، وهو مفتوح لمن سَمَّاهم الرسول صلى الله عليه وآله «المتعمِّقون»[19]. يقول سيدنا روح الله الموسوي، رضي الله عنه وأرضاه: «القرآن الكريم خلاصةٌ مِنْ جميع الخُلُق وجميع الخُلُق التي يجب أن تتمّ في البعثة. [وهو] بساط مفتوح قد بسطه الله عزّ وجلّ بواسطة نبيه، صلى الله عليه وآله، بين البشر، يستفيد منه جميع البشر، كلٌّ بحسب قابليته. إن هذا الكتاب، هذا البِسَاط المفتوح في الشرق والغرب، منذ زمن الوحي وحتى القيامة. إنه كتاب يستفيد منه جميع أفراد البشر: العامّيُّ والعالمُ، والفيلسوف والعارف والفقيه»[20]. لقد نزل هذا الكتاب/الهدية، من فضاء الغيب إلى فضاء الشهود، فأنزل لنا الكريم كتاب السعادة الإنسانية، مُتَنزِّلاً فيه «من ذلك المَقام، ووصل إلى المكان الذي نستطيع مِنه. ففي الوقت الذي توجَد فيه مَسَائل تختص بالعلماء الكبار والفلاسفة والعرفاء العِظام والأنبياء والأولياء، فإن بعض مَسَائله (…) سياسية واجتماعية وانتحالية وعسكرية وغير عسكرية، في هذا الكتاب (…) وهناك العديد من الآيات التي في متناول الجميع، وليحركوا أذهانهم، ويوجِّهوا أفكارهم، لكي يستفيدوا من مَسَائل الحياة، حياة هذا العالَم والعالَم الآخر»[21].

ويتأسف روح الله الموسوي، رضي الله عنه وأرضاه، من أن الاستفادة من القرآن الكريم لدى المسلمين ما زالت ناقصة، ويدعو الجميع، وليس المتخصصين فحسب، إلى التدبر والتّفكّر في الكتاب المقدّس: «آسف لأننا لم نستطع، ولم يستطع البشر، ولا علماء الإسلام، أن يستفيدوا من هذا الكتاب المقدّس كما يجب. فعلى الجميع أن يحرّكوا أذهانهم ويوجّهوا أفكارهم نحو هذا الكتاب العظيم، لكي يستفيد الجميع من هذا الكتاب (…) ولقد جاء القرآن الكريم لتستفيد منه جميع الطبقات، كلٌّ حسب قابليته»[22]. فمِنْ حقّي، أنا الإنسان الضعيف، الجاهل بالدّين وعُلومه، بل من واجبي قرآنيّا وسُنِّيًّا، أن أنظرَ في القرآن الكريم، بما أستطيع، لأنّ الله تعالى وَعَدَني بالتيسير، ولنْ يُخلف وَعْدَه مُطْلَقا؛ وأنا واثقٌ، رغم ضعف إيماني وإسلامي، أنه سيبْسُطُ يدي القاصرة، القصيرة، المُرْتعشة، لتنْهل أكثر ممَّا أرجُو، من كَوْنه / فضائه، المُتّسِع باستمرار[23]. قال لي: «تدبَّرْ! اِدَّكِرْ! تفكَّرْ في القرآن الكريم!». وأنا – أحببْتُ أم كَرَهتُ- عليَّ أن أستجيب: ﴿استَجيبوا لِلَّـهِ وَلِلرَّسولِ إِذا دَعاكُم لِما يُحييكُم(الأنفال، 24). ولكنْ عليَّ، أن أجْتَهِدَ، وُسْعِي، في توفير المنهج المناسب والوسائل المناسبة، من أجل النّجاح أكثر في هذه المهمة اليسيرة / الصعبة. فهي يسيرة، لأنّ الله تعالى، وهو الخبير، قال إنها يسيرة. وهي صَعْبة، لوجود الحجُب الفردية، والجماعية الغالبة على الفرد، مِنْ أهواء، وإسقاطات، ومَقُولات مألوفة منذ زمان بعيد قد تكون خاطئة؛ كما أنّني مضطرّ لأصطفي فضائي القرآني لكي أيسّر على نفسي مهمّتي.

لا بدّ لي مِنْ مَنْهج ومِنْ اختيار وسائل. وسوف لن أخافَ من اصطفائي السُّورَةَ فضاءًا قرآنيا، لأن كل فضاء قرآنيٍّ جزئيٍّ ينطق بكل فضاء قرآني آخر، بل بكل الفضاء القرآني الوسيع، بل لأنَّ الله تعالى جعل السورة فضاءًا قرآنيا مُسَوَّرًا، توقيفيًّا، وذلك لكي يسهّل عملية الالتقاط التدبّري.

يقول سيدي، روح الله الموسوي، قدَّسَ الله سرّه وأعلى مقامه العالي لدى رسوله وأهل بيته، صلى الله عليهم، إن من الحُجُب التي تمنع «الاستفادة من هذه الصحيفة النورانية الاعتقاد بأنَّ لا حقَّ لأحد أن يستفيد من القرآن الكريم غير ما كتبه المفسّرون. وقد اشتبهوا بين التفكر والتدبر في الآيات الشريفة والتفسير بالرّأي، الممنوع. ولقد أفرغوا القرآن الكريم بواسطة هذا الرّأي الفاسد والعقيدة الباطلة من جميع فنون الاستفادة وهجروه كلّيّا، بينما لا ترتبط الاستفادات الأخلاقية والإيمانية والعرفانية مطلقا بالتفسير، لكي تكون تفسيرًا بالرّأي»[24]. ويضيف إن النظر في القرآن الكريم إذا كان متطابقا «مع البرهان العقلي القوي، أو مع الاعتبارات العقلية الواضحة»[25]، ليس تفسيرًا بالرّأي، إذا كان الفهم العُرْفي مخالفا للبُرْهان.

وهو، رضي الله عنه، يحتمل «أن يكون التفسير بالرّأي يرجع إلى آيات الأحكام حيث تقصر الآراء والعقول عنها، [بحيث] يجب أن تؤخذ بالتعبد المَحْض والانقياد من خُزّان الوحي ومَضابط ملائكة الله، عليهم السلام، فحسب»[26].

لقد طالبَ مُحيينَا جَميعًا، في العصر الحديث، سيدنا روح الله الموسوي، رضي الله عنه وأرضاه، مِنَ الجميع، من علماء الدين و«المفكرين»[27] الاشتغال على أيّ «بُعْد من الأبعاد الإلهية لهذا الكتاب المقدس. وليحملوا الأقلام ويحقّقوا رجاء عاشقي القرآن الكريم، وليصرفوا أوقاتهم على الأبعاد السياسية، أو الاجتماعية، أو المعاشية، أو العسكرية، أو الانتحالية، والحرب والسلام، في القرآن الكريم (…) فهذا الكتاب مصدر كل شيء، من العرفان والفلسفة، من الأدب والسياسة (…) أيقظوا الحوزات والجامعات للالتفات إلى شؤون القرآن الكريم وأبعاده المختلفة جدًّا (…) حتى لا تندموا في أخر عمركم عندها يهاجمكم ضعف الشيخوخة على أعمالكم وتتأسفوا على أيام الشباب»[28].

واستجابةً لسيّدي الذي أحْياني، وما كُنتُ لأكون، لولا أن الله تعالى يَسَّرَهُ لنا ولي، فتشبّثتُ، أنا الطفل الصغير جدًّا، القصير جدًّا، بشيء من حِذَائِه الطاهر، كان عليّ أن أختار من فضائي القرآني الوسيع، الجميل كله، الجذاب كله، حتى أيسّر على نفسي لأختار فضاء «الجِسم» الاجتماعي-التاريخي أساسًا.

لقد كان سيدي، محمد باقر الصدر، رضي الله عنه وأرضاهُ، الذي أحياني، كما أحياني سيدي روح الله الموسوي، رضي الله عنه وأرضاهُ، مدشنا للنظر في الفضاء الاجتماعي-التاريخي، وقد سَمَّاهُ «مجال سُنن التاريخ»[29]. وقد أكَّد، أن القرآن الكريم باعتباره «كتاب هِدايةٍ وعمليةِ تغيير»، كان من الضروري أن «يتحدث مع البشر، في ضعفه وقوته، في استقامته وانحرافه، في توفر الشروط الموضوعية له وعدم توفّرها»[30]. فالبحث في الفضاء الاجتماعي-التاريخي للقرآن الكريم «مرتبط ارتباطا عضويّا شديدًا بكتاب الله تعالى، بوصفه كتاب هدًى، بِوَصْفِه كتاب إخراجٍ للناس من الظلمات إلى النّور، لأن الجانب العمليّ من هذه العمليّة، أي الجانب البشري والتطبيقي من هذه العملية، جانب يخضع لسنن التاريخ. فلابد –إذن- أن نستلهم، ولابد –إذن- أن يكون للقرآن الكريم تصوّرات وعطاءات في هذا المجال، لتكوين إطار عام للنظرة القرآنية والإسلامية عن سُنن التاريخ»[31].

لكنَّ، مولانا محمد باقر الصدر، رضي الله عنه، يُنبّه إلى أننا يجب أن لا ننتظر من القرآن الكريم أن يتحوّل إلى «كتاب مدرسيّ في علم التاريخ وسنن التاريخ، بحيث يستوعب كل التفاصيل وكل الجزئيات حتى ما لا يكون له دَخل في مَنطِق عملية التغيير التي مارسها النبي، صلى الله عليه وآله»[32]. فهو كتاب هِدَاية، وإخراج من الظلمات إلى النور، وضمن ذلك «يعطي مقولاته على الساحة التاريخية»[33].

المَنهج والوسَائل:

  • لكي أدخل الفضاء القرآني الوسيع، ينبغي أن أتمثَّل قَدْرَ طاقتي الاستيعاب المحمّديّ (وأقصد استيعاب محمد، صلى الله عليه وآله، وأهل بيته) للقرآن الكريم، لأنّ أهل الذكر بما فيه: ﴿فَاسأَلوا أَهلَ الذِّكرِ إِن كُنتُم لا تَعلَمونَ(الأنبياء، 7).
  • سوف لن أستغني عن اللغة العربية، ذلك اللسان «المُبين»، أي القادر على الإبانة والتدبّر والتفكر، أكثر من بقية اللغات حسب الآية 195 من سورة الشعراء. وإنْ كان للقرآن الكريم مصطلحيته الخاصة، فقد تمثّل القرآن الكريم اللسان العربي، ولكنه أعاد صياغته ووحّده بعد أن كان لهجات غير متعارِفة أحيانا، فجعلها متداخلة، متخَارِقة، أعظم وأكثر إبانة من ذي قَبْل، وصَنَعَ مَفْهَمَاتِه الخاصة، فجدّد العربية وجعلها اللغة العالمية الخالدة، الوحيدة.وبين هذين المستويَيْن، التمثل وإعادة الولادة، ينبغي أن أتحرَّك.
  • سوف لن أستغني عن التفسير التجزيئي، ولا اللغوي-البلاغي، ولا الفِقهي، ولا الآثاري، ولا الفلسفي، ولا العِرْفاني، ولا تفاسير العلوم الإنسانية، ولا التفسير الاعتقادي[34]، ولا التفسير الأدبي… فكلها، مَبْدَئيًّا، سياحة في «مستوى» من مستويات «الفضاء» القرآني، أو «خط» من خطوطه، أو «جِسم» من أجسامه، العظيمة، الجليلة، البَدِيعة، الناهضة بالإنسان.

     وليس دَورِي أن أناقش المفسرين، فلستُ مفسّرا، بل أن أجْمَعهم فأسألهم، وأوظِّفُ كل فُهومِهم لأنشق بينها وأؤلف بينها جميعا. ولن أجادلهم، فهو أرفع مني شأنا، فأنا النملة وهم الجبال الشامخة. وهدفي ليس المناقشة، وإنما الاستفادة، لتقريب الحياة من القرآن الكريم، وتقريبه من الحياة. فلن أناقش إلا للضرورة القصوى.

  • سوف أستنطق السورة الكريمة، بالنبي[35]، صلى الله عليه وآله، وأهل البيت، عليهم السلام، وبما يتيسّر لي من وسائل، لأجعلها تُفصح عن «مَوْصُولها» لأن القرآن الكريم كُله «كلام موصول بعضه ببعض»، كما قال سيدنا الإمام علي، عليه السلام[36]، وما ينطبق على الكل ينطبق على «الجزء». ولن ألتجئ إلى آيات من سُور أخرى، إلا للضرورة، ولن أقرن بين سُورَتين، أو أكثر، إلا إذا اكتشفتُ توقيفيًّا أو عقليا أن السورتين كيان سُوري واحد، كسورتي الفيل وقريش، أو سورتي الضحى والشرح، كما جاء في نصوص النبي وأهل البيت عليهم السلام.
  • سألتزم بمصطلحية القرآن الكريم، التزاما مطلقا، وسأستنطقه لأستخرج مَفْهَمته لهذه المصطلحية الخاصة. فقد كان مُصِرًّا من أوّل آية إلى آخر آية، على رِبْعَتِهِ الاصطلاحية، مغيّرا مضامين المصطلحات كما في اللغة العربية العامة.
  • سأحاول أن أستنطق القرآن الكريم، لا عن الماضي من أجل الماضي، بل لأفهم المستقبل والحاضر، لأخطط لهما فأساعد على التحكم فيهما، ولو بنزر يسير، وإلا فسيكون ما تناوله القرآن الكريم من ماضٍ لا قيمة له.

وسأحاول استنطاقه، قدر طاقتي، عن السيرة النبوية الشريفة، فهي المؤرخ الأمين، الأكثر أمانة، لأعظم إنسان، الذي يجب أن يكون قدوة كل إنسان، ولذلك ينبغي أن يؤرخ له القرآن الكريم بوضوح ودقة. فإذا فهمت نبيّي، وعرفته، عرفتُ إمام زماني حتى لا أموت ميتة جاهلية، أي إذا عرفته عرفتُ حاضري ومستقبلي.

وسأحاول استنطاقه عن المستقبل البشري، فالقرآن الكريم الذي يضع نفسه مهيمنا على مستقبل البشر، من غير المعقول أن لا يتناول المراحل المفْصَلِية من صراع الأطروحة المحمدية الشريفة، بعد وفاته الظاهرية، صلى الله عليه وآله (طَوْر الإمام علي، طَوْر الإمام الحسن، طور الإمام الحسين، طور الإمام السّجّاد، طور الإمام الباقر طور الإمام الصادق طور الإمام المهدي، عليه السلام). ومِنْ غير المعقول أن يكون طور المهدي عليه السلام و«الصالحين»، أتباعه، كما سمّتهم سورة الأنبياء في آيتها الـ105، ولا يتناول القرآن الكريم هذا الطور. ومن غير المعقول أن تكون لحظة كربلاء العظيمة، بتلك الضخامة والأهمية، ولم يتناولها القرآن الكريم.

ومن غير المعقول أن يكون صراع الخير مع الشر، بتلك القسوة الطاغوتية، ولا يجعل القرآن الكريم سَوْقا دقيقا من أجل الانتصار الإنساني النهائي على الظلم والجور والظلمات. فمن حقّي، بل من واجبي، أن أعمّق نظري في هذا الاتجاه.

وكيف يكون القرآن الكريم خيرًا لي إذا لم يُجبْني، بفضائه المُوسَع الذي يمتص كل البحار، عن مشكلات عصري ومستقبل البشرية، الرئيسة، فيمنحني تطبيقاته التي لا تنتهي، لأنها من وسيع الرحمات وعظيم البركات، الذي لا يضِنُّ على الإنسان: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ(غافر، 60)، وحاشاه أن يُخلف وعده، إلا إذا قصّرتُ في الدعاء أو منهجية الدعاء ووسائله، أو أوْغلْتُ في مَعَاصيَّ وركوني إلى دُنيا الشر لا دُنيا الخير.

  • سنحاول هنا استنطاق السورة والآية مستأنسين بآيات من السورة نفسها وأحيانا من سور أخرى وقولنا سيكون مستندا في كثير من الحالات إلى تدبر النبي وآل بيته، أهل الذكر، وإلى القاموس اللغوي وإلى مُتَعَمِّقتين عدة.

     وقولنا ليس «على نحو الجزم وليس أنه هو المراد لا غبر إذ أن مثل ذلك هو من التفسير بالرأي” المنهي عنه فما نقدمه هو «ما يصله نظرنا فَنَقُولُه على نحو الاحتمال»، فقولنا، إنما يراعي شروط اللغة العربية وعلوم القرآن وعلوم الحديث، إلى حد بعيد .

     والمنهج الاحتمالي هو تجسيد عملي «لمقتضيات تعدد البطون القرآنية» إضافة إلى الظواهر القرآنية. وله مبرراته الشرعية، وأثر ايجابي «في الإعانة على فَهْم البطون الأخرى للظواهر القرآنية، إذ أن للجزم في طرح تفسيرٍ ما آثارا سلبيةً في تجميد الذهن عليه وإغلاق أبواب التدبر، وَلَوْ لا شعوريًّا كما أن هذه الميزة تجعل لهذا المنهج تحقيقا علميا بعيدا عن تحميل الآراء على المنطوق القرآني» .وسنحاول هنا أن لا نغفل الجانب العقيدي ولا الأخلاقي ولا الفردي ولا الاجتماعي ولا التاريخي ولا التزامني ولا القيادي ولا المجموعي في رؤيتنا. ولن نَبْلُغ هنا مقدار صاحب المنهج الاحتمالي (روح الله الموسوي)، ولكن لعلنا نكون من الذين «إذا أحبوا قوما كانوا منهم».

وسنتعامل مع أي سورة يقيّض الله لنا إمكانية التدبر فيها على أنها كل يدور حول محور رئيس.

 

        خاتمة:

 

من حقّي أن أخطئ إذا لم أقصد الخطأ، وإذا سعيتُ جُهدي أن لا أخطئ.

فحتى في حياة المعصوم، من حقي أن أجتهد بين يَدَيْه، بل من واجبه التاريخي أن يتركني أجتهد إذا اطمأنّ إلى أني أخذتُ من عِلمه ما يكفي وأنني تبرّأتُ من معصيتي وهواي، ومن واجبه أن يقوّمني.

فهذا هشام بن الحكم، يناظر بالعراق، لأن الإمام المعصوم، الصادق، عليه السلام في غَيْبَتِهِ المكانية بالمدينة المنوّرة، فيسأله عند مَقْدَمِه عن أطوار مناظراته ليقوّمَها أكثر أو ليشكره عليها[37]، بل إنه يطلب منه أن يُناظر الشاميّ بمَحضره، فيتركه مستحسنًا، حتّى يصل إلى علمه غيبًا بإذن الله تعالى فيُحيله على الإمام الصادق، عليه السلام ليواصل المرحلة الأخيرة من المناظرة[38]، وقد ألّف هشام بن الحكم خمسة وعشرين كتابا[39]، اجتهد فيها، ثم قوّمَها سيدنا الإمام الصادق عليه السلام.

فالويل لي اليوم، إن اجتهدتُ طاقتي، ثمّ لم أجد تقويما من إمام زماني، عليه السلام، ولا من ورثة النبي، صلى الله عليه وآله، وأهل بيته، عليهم السلام، ولا من مفكّري الأمة الأحرار، ولا من المتفكّرين المتدبرين التقاة، رضي الله عنهم أجمعين.

فأسألكم بالله تعالى، الرحيم الرحمان، الكريم المنّان، أن تنقذوا هذه الأوراق من الخسارة وأَنَا أَحْسَبُ أنني أحْسِنُ صُنعا، بأن تفعلوا ما فعل سيدنا الإمام الصادق عليه السلام مع هشام بن الحَكَم، ومع المفضّل بن عُمر الجعفي عندما احتار في جواب عن أسئلة عبد الكريم بن أبي العوجاء.

فإن كان عملي جيّدا، فحسّنوه، وإن كان خسارةً، فأسألكم أن تدعوا لي لحظة بالعفو والغفران من الخالق الرحيم الكريم بجاه محمد وآل محمد… إنه سَمِيع مجيب.

الآيات مَحَاوِر التّدبّر:

1.   ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ(الإنسان، 20)، ﴿وَهَيِّئ لَنا مِن أَمرِنا رَشَدًا(الكهف، 10).

2.   ﴿ثُمَّ بَعَثناهُم لِنَعلَمَ أَيُّ الحِزبَينِ أَحصى لِما لَبِثوا أَمَدًا(الكهف، 12)، ﴿وَالباقِياتُ الصّالِحاتُ خَيرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوابًا وَخَيرٌ أَمَلًا(الكهف، 36).

3.   ﴿فَلَمّا بَلَغا مَجمَعَ بَينِهِما نَسِيا حوتَهُما فَاتَّخَذَ سَبيلَهُ فِي البَحرِ سَرَبًا(الكهف، 61)، ﴿قُلنا يا ذَا القَرنَينِ(الكهف، 85).

4.   ﴿أَم حَسِبتَ أَنَّ أَصحابَ الكَهفِ وَالرَّقيمِ كانوا مِن آياتِنا [علاماتنا] عَجَبًا(الكهف، 9).

 

 

 

 

 

 

 

المقولات المركزيّة للسّورة:

1-   المَسْعى: هو مُجْمَل الأفعال الخاضعة إلى سَوْقِ وشَهَادة (= «المشروع» باللغة العربية المعاصرة!!). إنّه العمل الخاضع إلى الرؤية المحيَّنة دائما: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ(الإنسان، 20).

2-   التكهّف.

3-   الرقيمية.

4-   مَجْمَعُ البَحْرَيْنِ: نقطة الإيلاف بين القوى المادية والقوى العقلية والرّوحانيّة = ذو القَرْنَيْنِ / المُلكُ الكبير + النّعيم.

5-   الكَنْزُ: المُدَّخَر المحمّديّ لمَلْءِ الأرضِ عَدْلاً وسعادةً.

6-   المُلكُ مِنْ وراء البحر: طاغوت مِنْ قارة مستقلة عَنْ تجمع القارّات (هي «المغرب»، غرب الأرض).

7-   الغُلاميّة: القيادة الزّمنيّة العظمى للخير والشر. والفتوة هي غلامية الرسالة المهيمنة على المرحلة التّاريخيّة.

8-  الإحصاء للأمد: تفهّم المؤمنين لضرورات المرحلة وتدقيق استحقاقاتها.

 

 

  1. ما هي مكانة سورة الكهف في القرآن الكريم؟

         لكل سورة موضوع محوري تدور حوله، ولكل سورة من سور القرآن الكريم فصل معين ومكانة ما، نستطيع من خلالها معرفة موضوعها المحوري. جاء في فضل سورة الكهف أن «من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال»[40].  فهي إذن تتناول برنامج الحركة الإيمانية العالمية المحمدية حتى انتصارها النهائي على شياطين الإنس والجن، ومنهم الدجال، وحتى الظهور التام للدين المرتضى.

         ومن فضلها أن من قرأها كل ليلة جمعة لم يمت إلا شهيدا ويبعثه مع الشهداء ووقف يوم القيامة مع الشهداء[41]، ذلك أن في مرحلة الصراع النهائية بين الحق والباطل سيكون «أفضل الشهداء شهداء أمتي، شهداء الأعماق وشهداء الدجال»[42]. وفي تلك المرحلة نفسها «إذا كانت ليلة النصف -من رمضان- ليلة جمعة يكون صوت من السماء يصعق له سبعون ألفا»[43]. فأنصار الإمام المهدي، عليه السلام «يجمعهم الله في ليلة جمعة فيوافونه صبيحتها إلى المسجد الحرام ولا يتخلف  منهم رجل واحد»[44]. فتمثل القارئ أنه منهم يجعله يصبر نفسه على أمرهم ويروض نفسه على تهيئتهم ومشروعهم التاريخي.

  1. الموضوع العام لسورة الكهف:

         تتناول هذه السورة مصير «الحديث» الديني، أي الرسالة المحمدية بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله، فلقد كان يجهد نفسه في إقناع المعاندين والمترددين وذوي النفوس المريضة من أهل الكتاب ومن  مشركي الجزيرة العربية ومن بعض أصحابه أنفسم والعالمين واطلع على المشاهد الكبرى المأساوية من مستقبل المسلمين والإسلام حتى أشرف على حالة «بُخُوع النفس» نتيجة شعوره بالأسف العميق ﴿فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفسَكَ عَلى آثارِهِم إِن لَم يُؤمِنوا بِهـذَا الحَديثِ أَسَفًا[45]. فالسورة تطمئنه والمؤمنين، فهو ليس في حاجة إلى إجهاد نفسه من أجلهم إلى حد الإشراف على الهلاك. فللّه سبحانه وتعالى «مَسْعَى» أيْ بنية.

         فاعليات وأسباب ضمن برنامج ناجح يضعه بين أيدي المؤمنين وقادتهم ستحفظ هذا «الحديث» وستبقى «كلماته» قائمة ومتجددة تجدد البحر الأعظم ﴿قُل لَو كانَ البَحرُ مِدادًا لِكَلِماتِ رَبّي لَنَفِدَ البَحرُ قَبلَ أَن تَنفَدَ كَلِماتُ رَبّي وَلَو جِئنا بِمِثلِهِ مَدَدًا[46].

         وتؤكد نهاية السورة أن أشرف الخلق صلى الله عليه وآله ليس له إلا البلاغ وليترك صاحب   «الحديث» سبحانه وتعالى يسير مصير هذا «الحديث» «القيم» فمساره التاريخي لن يكون له «عوج» ولا انتكاسة، ولن سيعرف المسلمون المستأمنون على هذا «الحديث» «عوجا» وانتكاسات: ﴿قُل إِنَّما أَنا بَشَرٌ مِثلُكُم يوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلـهُكُم إِلـهٌ واحِدٌ. فَمَن كانَ يَرجو لِقاءَ رَبِّهِ، فَليَعمَل عَمَلًا صالِحًا، وَلا يُشرِك بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا[47]. فلا قيمة لأيّ عمل دون «صلاحيته» ودون خضوعه إلى السَّوْق التاريخي، أي يكون «مَسْعَى».

فليس على النبي، صلى الله عليه وآله، أن يقوم بأكثر من أدواره التاريخية المرسومة التي ستحدد نجاح مصير «الحديث» الديني  إلى يوم القيامة، وليس له أن يقوم بهذا الدور أو ذاك قبل ضرورته التاريخية، إذ كان مستعجلا لإيمان الناس متلهفا على سعادتهم الأبدية والدنيوية: ﴿وَلا تَقولَنَّ لِشَيءٍ إِنّي فاعِلٌ ذلِكَ غَدًا (23) إِلّا أَن يَشاءَ اللَّـهُ …(23)[48].

  1. الفتوة وريثة النبوة الضمانة الكبرى لاستمرار «الحديث» الديني:

         توصي سورة الكهف «عبد» الله محمدا صلى الله عليه وآله، بضرورة «إصْبَار» نفسه مع «فتيته» وتربيتهم وإعدادهم إعدادا خلاقا ليوم الظهور التام والنهائي على الدين كله: ﴿وَاصبِر نَفسَكَ مَعَ الَّذينَ يَدعونَ رَبَّهُم بِالغَداةِ وَالعَشِيِّ يُريدونَ وَجهَهُ[49].

         فدور النبي التاريخي ليس مقتصرا على نجاح مهمته الظاهرة حتى وفاته، فيكون مجرد ملك ناجح يريد ﴿زينَةَ الحَياةِ الدُّنيا[50]. ولذلك ليس له أن يكون تَذرُّعيًّا لا ينظر إلا إلى معايير النجاح القريب فيضطر لمجاراة «المسلمين» الذرائعيين الذين يسعون لمطابقة الإسلام مع أهوائهم ﴿وَلا تُطِع مَن أَغفَلنا قَلبَهُ عَن ذِكرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ، وَكانَ أَمرُهُ فُرُطًا[51]. فذلك يجعل أمر «الحديث» الديني منفرطًا.

         وإذا لم يُسْلم هؤلاء «المسلمون» الذرائعيون تسليما بفتيان محمد صلى الله عليه وآله فليس عليه إلا البلاغ: ﴿وَقُلِ الحَقُّ مِن رَبِّكُم فَمَن شاءَ فَليُؤمِن وَمَن شاءَ فَليَكفُر[52]. وكل من تجاسر منهم لإيذاء «فتيان» النبي أو اغتيالهم فسيكون مصيره سيئا ﴿إِنّا أَعتَدنا لِلظّالِمينَ نارًا[53]. أما المسلمون الحقيقيون الذين سينصرونهم ويعزرونهم فسيكون ثوابهم عظيما: ﴿إِنَّ الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ إِنّا لا نُضيعُ أَجرَ مَن أَحسَنَ عَمَلًا[54]. وتستدرك السورة لتبين أن جناتهم هي «مُرْتَفق» المؤمنين بهم: ﴿وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقًا[55].

         فمَنْ هم ﴿أُولَـٰئِكَ﴾ الذين ﴿لَهُم جَنّاتُ عَدنٍ تَجري مِن تَحتِهِمُ الأَنهارُ يُحَلَّونَ فيها مِن أَساوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلبَسونَ ثِيابًا خُضرًا مِن سُندُسٍ وَإِستَبرَقٍ مُتَّكِئينَ فيها عَلَى الأَرائِكِ[56]؟

         إنهم تماما الذين تناولتهم سورة الإنسان بالكلمات نفسها وبالمكتسبات الإلهية نفسها: ﴿عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ﴾ ﴿مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ[57].

         إنهم باتفاق المفسرين على اختلاف فِرقهم: علي بن أبي طالب وفاطمة بنت النبي محمد والحسن والحسين[58]، ومَنْ جاء بعدهم من ﴿وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا[59]. وهم الوِلْدان التسعة ذرية الحسين عليه السلام  المطهرون الذين هم ﴿جَزَاء﴾[60] ﴿عِبَاد الله﴾[61] ﴿الذِينَ يُوفُونَ بِالنَّذْرِ﴾ ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ (سورة الإنسان الآيتان 7و8). و«النّذر» هو إنجاز السَّوْق الإلهي للإصلاح البشري.

         هؤلاء «الأبرار» (كما سمتهم الآية 5 من سورة الإنسان): ﴿يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (سورة الإنسان الآية 5). وقد كان هذا المزاج ﴿عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّـهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (سورة الإنسان الآية 6). أما مضمون هذا السائل الذي ﴿سَقَاهُمْ رَبُّهُمْ﴾ فقد كان ﴿شَرَابًا طَهُورَا ( سورة الإنسان الآية 21). وهذه الطَّهُورية المطلقة التي لا طهارة إلا طهارتها هي التي جعلتهم – طبعا- مطهرين: ﴿يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ( سورة الأحزاب الآية 33)، كل ذلك بفضل ذلك الشراب الطهور.

         هؤلاء «الولدان المخلدون» الذين يطوفون على فاطمة وعلي والحسن والحسين[62]: «حديثًا» وطاعة لله وكأسا إلهيا وطوافهم ﴿بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا، قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (الإنسان الآيتان 15 و16)، وهي قوارير من طهارة وإطعاما لطعام الناس (مساكين ويتامى وأسرى كما جاء في الآية 8 من سورة الإنسان ).

         وتقديرها تقديرا هو رياضتهم أنفسهم ومعاناتهم في حب الله وفي حب الناس وإطعام طعامهم، أي السعي لتهيئة الظروف الكريمة للمَعَاش (=«الاقتصاد») والكسب (= الشغل) وأرقى «الطعام» الذي يقدمه هؤلاء أصحاب الشراب الطهور المطهرون هو كنوز علومهم ومعارفهم الحقانية النبوية الإلهية التي لا يسعد الإنسان إلا بها، ولا ينموا إلا بواسطتها، ولا يمكن أن يحيا الحياة الطيبة إلا بغذائها.

         وقد جاء في حديث الأئمة ذوي الشراب الطهور عن رسول الله صلى الله عليه وآله: «غذَّانا بالعلم غذاءً»، أي «أشبعنا فيه فلم نحتج فيه إلى سؤال»[63]. هذا الإطعام يريد به أهل الله آل محمد رضا الله فحسب. قال علي بن أبي طالب عليه السلام: «إلهي ما عبدتك خوفا من نارك ولا شوقا إلى جنتك بل وجدتك أهلا لذلك».[64] وذلك تأكيد لما جاء في سورتي الكهف والإنسان بتعبير «وجه الله»: ﴿يُريدونَ وَجهَهُ (الكهف الآية 28) ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّـهِ (الإنسان الآية 9).

         هذا الطعام مبذول «للمساكين»، وهم المقرّون بإمامة «الفتيان». و«لليتامى» وهم «المسلمون» الذين لا يعترفون بأبوة تامة للنبي ولا بأبوة مطلقا لفتاه علي. و«للأسرى» وهم أسارى الملل الأخرى. فهو طعام ﴿عَلَى حُبِّهِ (الإنسان، الآية 8)، على حب الله.

         ولكن هذا الطعام لن يكون نافعا أو تام المنفعة إلا إذا كان في مقابل بذل «المسكين» الحقيقي لطعام رمزي، أي مقابل شعور المسلم بالحاجة العميقة لطعام محمد وآله الإلهي وتمثله لمقولة النبي صلى الله عليه وآله: «يا علي، أنا وأنت أبوا هذه الأمة»[65]، «أنا الفتى ابن الفتى أخو الفتى»[66]. وإنما محور «الفتوة» دائما هذا «الطعام» الإلهي. قال الإمام الصادق عليه السلام: «إنما الفتوة والمروءة طعام موضوع ونائل مبذول»[67]. وبذل «المسكين» «الطعام» لمحمد وآله عليهم السلام يتمثل في المَوَدة والخُمُس: ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى (سورة الشورى، الآية 41). وهذا «الطعام» لا حاجة لآل محمد فيه إنما هو امتحان للمسلمين، وهو عائد إليهم معنويا ومعاشيا. فلم تظهر نعمة فدك المادية على فاطمة وزوجها وبنيها وأبيها، بل ظهرت على عدد هام من الناس دخلوا دولة النبي، كانوا فقراء فأصبحوا مُسْتَغْنِين سواءً باشتغالهم في ضياع فدَك، أو بعائدات رَيع فدَك عليهم.

         ولم يكن الخضِر في حاجة إلى الطعام المادي من أهل القرية، ولم يكن موسى وفتاه يوشع بن نون في حاجة إليه أيضا، فقد كان يريد مواصلة الرحلة ولا شيء يوحي بجوعه المادي. فأهل القرية الإسلامية هم الخاسرون وحدهم من عدم تقديم «المَوَدّة» و«الخُمُس» وفدك والخلافة لآل محمد. قالت فاطمة عليها السلام: «فجعل الله (….) طاعتنا نظاما للملة وإمامتنا أمانا من الفرقة»[68].

         فـ«الكنز» (كما جاء في الآية 82 من سورة الكهف) ستُحْرَم منه القرية الإسلامية التي أبت «تضييف» فتى محمد (علي بن أبي طالب) وفاطمة بنت محمد وابنيها «البارّيْن». فعدم الإستجابة للاستطعام كان يعني احتفاظ «الغلامين» (الآية 82 من سورة الكهف) بالكنز إذ لا يستطيعان تقديمه لمن بخلوا بالقليل. لقد اكتشف موسى قبل قرون سحيقة أن «غلامَيْ» رسول الله (صلى الله عليه وآله) «فَتَيَيْه»، الحسن والحسين، سيكونان «يتيميْن في المدينة» المنورة بعد وفاة جدهما وأمهما واستشهاد أبيهما، «الأب الصالح» ﴿وَكانَ أَبوهُما صالِحًا(الكهف، الآية 82)، وهو ﴿صَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ(التحريم، الآية 4)، أي أكثرهم صلاحا، كما جاء في التفاسير، وأنهما لن يلقيا «التضييف» و«الطعام» اللائقين، وأن الحرمان الإلهي سيلحق «المدينة» (أي الدولة الإسلامية من «كنز» آل محمد. وقد اكتشف موسى، عليه السلام، أن «الطعام» الذي حمله هو وفتاه ونقباؤه مجرد «غداء»: ﴿آتِنا غَداءَنا (سورة الكهف، الآية 62). فهو «طعام يؤكل أول النهار»[69]، أي أول «الحديث» الديني وأول تطور «القربة» الإبراهيمية التوحيدية. أما «طعام» آل محمد فهو يمتد إلى «عشاء» التاريخ البشري، إلى أن يَظْهر «الحديث» الديني على الدين كله، لأنهم أهل «التقدير/التقدير» لقوارير الحكمة التدرّجية الملائمة التي يقدمونها للناس عبر آماد تاريخية مضبوطة أو «التهيئة الرشيدة» كما في اصطلاح سورة الكهف: ﴿وَهَيِّئ لَنا مِن أَمرِنا [السَّوْقي] رَشَدًا (الكهف، الآية 10)، وهي الرؤية العلميّة والرّؤية الأمديّة (=المرحليّة): ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ (سورة الإنسان، الآية 20).

  1. أصناف فتيان النبي محمد وتنوع أدوارهم التاريخية: «آيات العجب»/ علامات الجمال الإنساني:

         تصنف سورة الكهف فتية النبي محمد (صلى الله عليه وآله) إلى صنفين:

  • أهل الكهف.
  • أهل الرقيم.

         أما أهل «الرقيم» فهم، «الفتية»/الأئمة/المعلنون عن إمامتهم للجميع فهم أئمة «الظهور»،       إذ أن «الرقيم» هو اللوح المعلن عنهم دون مواربة، وهو قلمهم المبين وتعجيمهم الحديث الإلهي للخاصة والعامة[70]. و«عين» أهل الرقيم سَمَّاها تعالى، على الأرجح، ﴿سَلْسَبِيلاَ[71]، وهي الصادق عليه السلام فلقد واتته الفرصة التاريخية لكي يتفرغ أكثر منهم للترقيم فكان له «مصباح الشريعة» و«رسالة التوحيد» و«حقائق التفسير» الذي رواه أبو عبد الرحمان السُّلَمي.

         وأما أهل «الكهف» فهم «الفتيان» الأئمة، المتخفون، المتكهِّفون الذين يُسِرُّون إمامتهم ولا يعلنونها إلاَّ للقليل، لضرورات تاريخية. وهم «سَبْعة»: زين العابدين، ومحمد الباقر، وموسى الكاظم، وعلي الرضا، ومحمد الجواد، وعلي الهادي، والحسن العسكري، وقد دام كهفهم ﴿ثَلاثَ مِائَةٍ سِنينَ وَازدادوا تِسعًا(سورة الكهف، الآية 25)، أي على التوالي بتقدير المؤرخ ابن جرير الطبري الإمامي:

 57+57+55+49 وستة أشهر+ 25 و3 أشهر + 36 + 29[72] = 309 من السنوات.

         وأما «أهل الرقيم» فهم: علي بن أبي طالب والحسن (الذي أمسك بالولاية الساسية) والحسين (الذي أعلن الثورة) وجعفر الصادق (ذو الظهور العِلْمِي) والإمام المهدي.

         لقد أَطْلع الله تعالى رسوله الأكرم على مراحل التوحيد الأوليائي المحمدي التاريخي لصراع الحق مع الباطل، إما بالحُلْم: ﴿وَما جَعَلنَا الرُّؤيَا الَّتي أَرَيناكَ إِلّا فِتنَةً لِلنّاسِ وَالشَّجَرَةَ المَلعونَةَ فِي القُرآنِ … (سورة الإسراء، الآية 60)، إذ أراه وهو في مكة في مَنامه مَصْرَع أهل البيت المطهرين على أيدي الشجرة الأموية الملعونة، أو برسالة بواسطة جبريل عليه السلام.

         أو بآيات القرآن الكريم وتدبره فيها. ولعل السورة التي اختصت في هذا الأمر بجَامِعيَّة دون غيرها، هي سورة الكهف. فقد كان من الضروري أن يجيب القرآن الكريم على مأساة رؤيا فتنة الشجرة الملعونة، وقد كان من الضروري أن تكون هذه السورة مكية لتكون آفاق المشروع المحمدي الممتد إلى يوم القيامة «مقدرة» أي مبرمجة واضحة، منذ البداية. وقد كان من الضروري أن تكون موضِّحة لآماده التاريخية حتى تكون الأدوار المحمدية صائبة راهنا ومستقبلا: ﴿مُقَدَّرَة تَقْدِيرًا، «مهيئة للأمر» (كما جاء في الآيتين 10و16 من سورة الكهف). وقد كان لقاء موسى بالخضر لقاءً يؤسس لحقبة ما بعد المشروع الموسوي بأنبيائه وفتيته؛ وربما كان حلما عاشه النبي الخاتم وقد  كان منامه «كفلق الصبح» كما جاء في حديث عائشة؛ أو هما معا.

4-1 محاولة في إحصاء آماد فتْيَة الرقيم: الوظيفة التاريخية لإمامة الظهور:

 

         وذلك مشروط بإحصاء ما لبِثَ الفتيةُ من آماد. والإحصاء هو «علمها وفهمها والإحاطة بها وتحملها والمشاركة فيها والاستفادة من تجربتها»[73]. فهو فهم الإمامة/الفتوة المحمدية، وإدراك الوظيفة التاريخية لإمام هذا الأمد أو ذاك، والانخراط  في شروطه للإسهام في نجاحه التأريخي.

         تلخص سورة الكهف المسارات التاريخية المختلفة لفتية النبي محمد صلى الله عليه وآله الرَّقيميين في «مَثَل رَجلين» دائما. ففي مسار كل فَتى رَقيمي مواجهة صريحة لرجل/شيطانٍ رئيسٍ؛ وللفتى ﴿جَنَّة جميلة من مقومات السعادة الأخروية والدنيوية، بينما للرجل/الشيطان ﴿جَنَّة من رأس مال دنيوي لم يوظفه في الخير، بل في الرذائل و«الاستنفار» (=التعبئة) الطالب للطاغوت والهيمنة الإجتماعية، متكبرا على الفتى عليه السلام ﴿أَنا أَكثَرُ مِنكَ مالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا ( الكهف، الآية 34). فبالدُّولة المالية التي أحرز عليه الكثير منن القرشيين بعد وفاة الرسول وبإقصائهم الفتيانَ وأمهم وأباهم، عليهم السلام، عن فدك أصبحوا أكثر مالا، وبتوظيفهم لرَيْعِهم في «الإستنفار» أصبحوا أكثر نفرا وأنصارا فتشجعوا لايذاء «رجل» زمانهم/الفتى ثم اغتياله، ومحاولة إفناء نسل الرسول أو التقليل منه فيرون «رجل» زمانهم ﴿أَقَلَّ مِنكَ مالًا وَوَلَدًا ( الكهف، الآية 39).

         لقد كان التيميون والعدوِيون والأمويون والعباسيون يعتقدون أن «جنتهم» لن ﴿تُبِيد﴾ ﴿أَبَدًا، وأن ولايتهم السياسية والمَعَاشية والدينية أبدية وأن ﴿عُرُوشهمْستبقى مزدهرة، ولم ينصاعوا لمواعظ الفتية. ولكن نهاياتهم كانت مأساوية ومفاجئة وأصبحت ﴿جَنَّة كل طاغوت دائما ﴿خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا السياسية بانهيار حكمهم وسلالاتهم الحاكمة وخسارتهم لممتلكاتهم المعاشية وانتصاراتهم وتخلي أنصارهم عنهم: ﴿وَلَم تَكُن لَهُ فِئَةٌ يَنصُرونَهُ مِن دونِ اللَّـهِ (الكهف، الآية 43)، بل منذ البداية ﴿وَما كانَ مُنتَصِرًا (الكهف، الآية 43). وفي نهاية الصراع التاريخي ستكون ﴿الوَلايَةُ لِلَّـهِ الحَقِّ، هُوَ خَيرٌ ثَوابًا وَخَيرٌ عُقبًا (الكهف، الآية 44) إذ ﴿العَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ بتأسيس دولة «النعيم والمُلك الكبير»: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (الإنسان، الآية 20)، أي مُلْك العَدْلِ التام على كل الأرض. أما في الآخرة فسيكون جزاء ﴿المُجْرِمِينَ (الكهف، الآيات 49 و 52) سيئا جدا نتيجة جرمهم في حق فتية محمد صلى الله عليه وآله وظلمهم لأنصارهم وأنصار الحق.

4-2 محاولة في إحصاء فتية الكهف: الوظيفة التاريخية لإمامة الغَيْبة المطلقة:

         من المستحيل أن تكون قصة أهل الكهف خرافة بسيطة، خاصة وأن الله تعالى حرص على أن يوصي نبيه بأن لا يتحدث في أمرهم للعامة إلا بمعلومات محدودة: ﴿فَلا تُمارِ فيهِم إِلّا مِراءً ظاهِرًا (الكهف، الآية 22). فالأمر خطير يتطلب التقية وعدم التوسع فيه وذكره مجملا، بل استخدام الرمز في تناوله. ومن المستحيل أن يكون أهل الكهف، «الآياتُ العجيبة»، العلاماتُ الباهرة، ناس جبناء، خافوا من المواجهة فهربوا إلى الجبل. فالله تعالى يوصي بالمواجهة والجهاد ومخالطة الناس والصبر على أذاهم وذم نبيه وأهله القاعدين والمنسحبين، وليس ذلك في حاجة إلى قرائن  قرآنية، فهي كثير جدا.

         ومن المستحيل أن يكون الذين ﴿غَلَبوا عَلى أَمرِهِم ( الكهف، الآية 21 )، أي أمسكوا بالولاية السياسية على نهجهم الديني – الإلهي، هم «الروم» المنحرفون عن «التقدير» (= البرمجة) العيسوي القويم.

         إنهم أئمة الغَيْبة المطلقة السّبْعة، الذين بكى رسول الله، على إقامتهم الجبرية وسجنهم وتسميمهم وإهاناتهم وحرمانهم من التواصل مع قواعدهم. فاضطهادهم أنكى – بوجه من الوجوه – من اضطهاد أئمة الرقيم فغيبتهم قد تسمح بقطع النسل الكوثري , دون تدوين تاريخهم، ومن ثمة إنهاء أمر «الحديث» الإلهي إذ ﴿ما يَعلَمُهُم إِلّا قَليلٌ (الكهف، الآية 22) من الأتباع القليلين جدا جدا .كان قلب رسول الله صلى الله عليه وآله عليهم فقال: «أنا السبعة»[74]. فمن أهانهم فقد أهان رسول الله وهو هم في تقديرهم الرسالي .كانوا في صراع مع ﴿الشَّمسَ ( الكهف، الآية 17)، وهي ليست الكوكب المعروف وإنما «معلاق القلادة في العنق»، إذ ضيق عليهم خلفاء الشيطان الخناق وحاصروهم وكانوا «شَمُوسِين» أي نفورين من الدين وحديثه ومن الكوثر مثل النفور من الدواب لا…. لسفيه وحدته و «صعاب الخلق» و«عسيرين في عداوتهم»، وكانوا في «سكرة»، والخمر «تُشْمِسُ بصاحبها: تجمح به». فالشَّمْس أو الشموس هي «إبداء العداوة وعدم القدرة على كتمها»[75]. وهي العدوانية التاريخية الصارمة القاسية المضيقة على حياة الأئمة وحديثهم في آماد معينة، التي تحاول بنارها حرق «الكوثر».

         وفي طور صعود الخلافة الشيطانية وطلوع عدوانيتها، تنحرف عن هؤلاء الأئمة ﴿تَزاوَرُ عَن كَهفِهِم (الكهف، الآية 17) و«الزَّيْرُ من الرجال هو الغضبان المقاطع لصاحبه»، و«الزائر: العَدُوّ»[76]. وفي طور غروبها أو تراجعها أو ضعفها ﴿تَقرِضُهُم ( الكهف، الآية 17)، و«المقارضة تكون في العمل السيء والقول السيء»، وفي «الطعن» وفي «القطع بالاغتياب والنيل» وتشويه السمعة والنظر «بالبغضاء والعداوة»[77]. فلقد كان العباسيون أكثر قسوة من الأمويين مع أئمة الغيبة والتكهف لأنهم كانوا مندسين في كيان الإمامة بحكم القرابة ولذلك يعرفون بعض أسراره وبعض عناوين تقديره التاريخي، ولذلك «شَمِسُوا» أكثر في وجه هذا التقدير الكوثري.

         لقد وفق الله أئمة أهل التكهف إلى التهيئة الرشيدة للأمر (الكهف، الآية …)، وكانت قائمة على «الاعتزال»، و«التكهف»، و«التلطف»، و«التكليب».

  • الاعتزال:

         وهو مفارقة ملة الطاغوت جذريا: ﴿وَإِذِ اعتَزَلتُموهُم وَما يَعبُدونَ إِلَّا اللَّـهَ (الكهف، الآية 16) فقد عبد الطاغوت الأموي – العباسي ﴿إِلَـهَهُ هَوَاهُ ( سورة الجاثية، الآية 23) فالمطلق من قيادة السوق الزحزحي للطاغوت أن تكون طهورا مباينة للنحلة الإخلادية.

  • التكهف:

         وهو عدم إعلان الإمامة أمام الطاغوت وأمام أكثرية الناس، و«تقدير» ﴿فَجوَةٍ (الكهف، الآية 17) داخل هذا الكهف، أي إتقان نظم «متسع» داخل هذا الكهف أي «موضع لا تصيبه الشمس»[78]. فقد كان لهم تنظيم محكم يحفظ الكيان من الاختراق والتدمير. وقد كان استجابة لأمر إلهي: ﴿فَأووا إِلَى الكَهفِ يَنشُر لَكُم رَبُّكُم مِن رَحمَتِهِ وَيُهَيِّئ لَكُم مِن أَمرِكُم مِرفَقًا (الكهف، الآية 16) وهذا «التكهف» اتقاءًا وفجوةً لا يعود إلى خوفهم على أشخاصهم بل هو خوف على مصير «الحديث». فظهور العباسيين الذين يعرفون بَعْضَ تقديرهم المستقبلي والتاريخي يعني ﴿رَجْم هؤلاء الفتية أو إكراههم على الدخول في ملتهم الإخلادية الجاهلية الإنحرافية، وفي هذه الحالة ﴿لَن تُفلِحوا إِذًا أَبَدًا (الكهف، الآية 20)، وسيقطعون نسل محمد عليه السلام فلا يصلون إلى إيجاد مُنْقِذ العالم[79]، فيعاقبهم ربهم تعالى على تقصيرهم وتهاونهم. لقد كان «تكهفهم» قياما: ﴿إِذ قاموا (الآية 14)، والقيام هو «الثورة»، و«المحافظة والإصلاح والعزم والثبات وعدم التقدم وعدم التأخر ونظم الأمر وتقديره»[80].

         إنَّ «الاطّلاع» على الفتية، أي التعالي عليهم واضطهادهم، يعني الوقوع في الرُّهاب الشديد طيلة العُمر والموت به: ﴿لَوِ اطَّلَعتَ عَلَيهِم [وحاشا سيدنا محمد من ذلك!] لَوَلَّيتَ مِنهُم فِرارًا وَلَمُلِئتَ مِنهُم رُعبًا (الكهف، 18). وذلك كان مَصير الكثير من الطّغاة معهم.

  • التلطف مع الناس:

 

           كُلِّف أئمة هذا النوع الدقيق من الفتوة، «بالتلطف» مع الناس عامةً ومحاولة استدراج ذوي القابلية، الذين يمتازون بتضييف آل محمد الأبرار بما هو ﴿أَزْكَى طَعَامًا (الكهف، الآية 19)، أي من هم «أطيب وأفضل علما وانقى من الفضول واللغو كعلم الخلاف والجدل والنحو وأمثالها التي لا تتقوى ولا تكمل بها النفس كقوله (لا يسمن ولا يغني من جوع) إذ العلم غذاء القلب كالطعام للبدن وهو الرزق الحقيقي الإلهي»[81]. فهؤلاء فقط يستحقون «وَرِق» آل محمد أي فضتهم، فقواريرهم ﴿مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (سورة الإنسان الآية 16).

           و«التلطف» يندرج ضمن تقدير الأئمة عموما للقوارير التي يسقون بها ذوي القابلية والسعد، فإمام الغيبة الطلقة ينبغي أن يتلطف «في اختيار الطعام ومن يشتري منه» قرْضَ الله، أي «ليختر المحقق الزكي النفس، الرشيد السمت، الفاضل السيرة، النقي السريرة، الكامل المكمل دون الفضولي الظاهري الخبيث النفس، المتعالم، المتصدر، لإفادة ما ليس عنده، ليستر بصحبته ويظهر كماله بمجالسته ويستبصر بعلمه فيفيدنا، أو ليتلطف  في أمره حتى لا يشعر بحالكم و دينكم جاهل من غير قصد له»[82]. فينبغي عدم إشعار أحد من «أهل الظاهر المحجوبين»[83].

  • تكلب جوارح الأمة وإعداد المكالبة للطاغوت:

           إن المؤمن مطالب بتعليم جوارح حواسه الظاهرة والباطنة، وقواه، مكلبا إياها، أي محرضا ومدربا بشتى الرياضات البدنية والروحية[84] وذلك مضمون قوله تعالى ﴿قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّـهُ﴾ (المائدة، الآية 4). ومن وظيفة الفتى/الإمام الاجتماعية أن يساعد المؤمنين والناس على تكليب جوارح حواسهم وقواهم للتمكن من الفضائل محرضين لها، إذ ﴿تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّـهُ﴾ «من علوم الأخلاق والشرائع التي تبين طريق الاحتظاء من الحظوظ على وجه العدالة»[85]، وذلك حتى نصل إلى حصولها، أو «إمساكها» (بلغة سورة المائدة، الآية 4) بتعليمنا «على ما ينبغي بنية وإرادة قلبية وغرض صحيح يؤدي إلى كمال الشخص أو النوع، لا يهجن ويثبن وينزن عليه بميلهن و حرصهن لطلب لذتهن وشهوتهن»[86].

           لقد ﴿أَكَلَ السَّبُعُ﴾ (المائدة، الآية 3)، وهو القوي الغضبية مستوليا من حمية الجاهلية والأنفة وافتكاك الولاية من أهلها، النفس العباسية واستولى عليها بتطاول العقود وخاصة بعد تأسيسها للملك، ولذلك صار اعتداؤها القهري على الفتية خطيرا جدا وجر إلى سيرورة انحطاط نفس الأمة «عن الهمم العلية والدرجة القوية» و«النقصان والميل إلى الجهة السفلية»[87] والبعد عن شرائع الحق. فكان من الضروري أن يقوم الفتية عليهم السلام بعمل تكليبي ذي اتجاهين «ذراعين»: وعظ العائلة العباسية من ناحية، وتهيئة أمرتكليبي لملأ الأمة (الفقهاء، والمتكلمون والفلاسفة والشعراء[88]، وغيرهم، من العامل خارج معايير) ولعامتها من ناحية أخرى، ولكن العائلة العباسية زادت في محاصرتها لشجرة النبي المطهرة فكان من الضروري تهيئة فتية الأمد الكهفي لمكالبه «شجرة الزقوم»[89] العباسية بذراعين مسلحين يحميان وصيد الأمل العالمي في العدالة  والسلام وظهور الحق على الدين كله.

           إن «الكلب» هو من أسماء الأسد والسبع[90]. و«التكليب» هو تعليم الجوارح الصيد[91]، والمكالبة هي الإعداد للعداوة. و«الكَلْب» هو إشارة للإعداد المسلح. والكلب هو «المسمار الذي في قائم السيف، وفيه الذؤابة لتعلقه بها. وقيل كلب السيف: ذؤابته (…) والكلب: الحلقة أو المسمار يكون في قائم السيف، تكون في علاقته (…) والكلبتان: التي تكون مع الحداد يأخذ بها الحديد المحمى»[92]. وفي الحديث: «أما تخاف أن يأكلك كلب الله!) فجاء الأسد ليلا فاقتلع هامته من بين أصحابه»[93]. فكلْبُ أئمة أهل التَّكَهّف هو الجناح العسكري الذي يحاول التخفيف من معاناة الفقراء والعبيد والداعين إلى القسط، وربما إذا استطاعت الأمة تجاوز إخلاديتها أن تستفيد من تلك المكالبة المسلحة لتعلن الثورة التي تطيح بالخلافة الجاهلية. إنه  ﴿كَلْبُ﴾ ﴿هُمْ﴾ وليس كلبا عاديا (الكهف، الآية 18 في أربعة مواضع).

           لقد كان «كلب» أئمة التكهف ذا «تذريع»، أي واسع الطول والمدى، «سريعا»، «بعيد الخطى» و«الفرس المذرع» هو الفرس السابق[94]. فقد كان «باسطا ذراعيه» على باب هؤلاء الفتية (=«وَصِيدهم» المبارك) حتى لا يغتالوا قبل أن يتموا أدوارهم التاريخية الضرورية. وقد كانت المكالبة الزيدية والإسماعيلية للطاغوت الشيطاني العباسي كفيلة بالتخفيف عن أئمة التكهف حتى يستغلوا فجوتهم الإجتماعية أحسن استغلال وأن يقدروا أدوارهم أحسن تقدير، إذ تسببت في ملئ قلوب أهل الطاغوت ﴿رُعْبا﴾ وولوا منهم ﴿فِرَارًا﴾ في عديد المرات (سورة الكهف، الآية 18). فالزيدية والإسماعيلية أصلا، لم تكونا فرقتين بل كانتا جناحا عسكريا لتخفيف الشمس الخانقة لمشروع آل محمد عليهم السلام وكان ذا ذراعين (الكهف، الآية 18): ذراع زيدي وآخر اسماعيلي. ولم تكن غايته التغلب بل مجرد إلقاء الرعب وتخفيف… إنها مكالبة لا تعتمد السبُعية دون تهيئة فتوّية (أي دون ترشيد إنساني) ولذلك كانت بـ﴿ذِرَاعَيهِ﴾، وليست بذراع واحدة (الذراع السبعية): والذراعان هما «القرنان» و«البحران»: ﴿فَسالَت أَودِيَةٌ بِقَدَرِها (الرعد، الآية 17).

           ولقد خفف الله تعالى على أئمة الغيبة المطلقة إذ زادهم إيمانا «وربط على قلوبهم» (مضمون الآية 11 من سورة الكهف) وأعطاهم صبرا وقدرة على تحمل التعذيب والسجن والإقامة الجبرية ﴿وَتَحسَبُهُم أَيقاظًا وَهُم رُقودٌ (الكهف، الآية 18). وقد «ضرب الله على آذانهم» (مضمون الآية 11 من سورة الكهف) فلم يعودوا يتأثرون بالغيبة وتشويه السمعة والإيذاء. والضرب على الآذان «إشارة إلى ما تصنعه النساء عند إنامة الصبي غالبا من الضرب على أذنه بدق الأكف أو الأنامل عليها دقا نعيما (….) فالجملة كناية عن إنامتهم سنين معدودة بشفقة وحنان كما تفعل الأم المرضع بطفلها الرضيع»[95]، فكانت تلك السنوات من العذاب كالمنام كأنها لم تلبث ﴿يَومًا أَو بَعضَ يَومٍ ( الكهف، الآية 19) في وجدانهم الصابر الإيماني. فالربط على قلوبهم كان كناية «عن سلب القلق والاضطراب عنها»[96].

           وسيكون الذين ﴿غَلَبوا عَلى أَمرِهِم (الكهف، الآية 21) أي وارثوا الأرض على نهجهم نتيجة لصبرهم. فتقديرهم لأمدهم كان من أجل تهيئة الرشد البشري، فلما غلب الصالحون وعلى رأسهم إمامهم ذو القرنين المهدي عليه السلام ﴿أَعثَرنا عَلَيهِم ( الكهف، الآية 21) أي أرجعناهم إلى الحياة ليشهدوا نتيجة صبرهم وتهيئتهم وإكراما إلهيا لهم: ﴿لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ الله بوراثة الصالحين وانتصار آل محمد الصادقين ﴿حَقّ (الكهف، الآية 21). وبعد تلك الرجعة التي يشاركون فيها ذا القرنين عليه السلام والصالحين سفرهم الجهادي يموتون مرة أخرى فيقول الإمام ذو القرنين: ﴿لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيهِم مَسجِدًا (الكهف، الآية 21). وفي ذلك إكرام إلهي لهم بعد أن كان قبر بعضهم حجارة مهملة بالمدينة المنورة (زين العابدين والباقر عليهما السلام) وبعد أن كان قبر بعضهم معرضا للتخريب والتدمير والتدنيس (مَقَام الإمامين الهادي والعسكري عليهما السلام  بسامراء).

           ومن المطلوب من المؤمنين الحقيقيين الذين يعيشون أَمَدَهُمْ وخارج أَمَدِهِمْ «إحصاء أَمَدِهِمْ» جيدا، أي فهمه ومعرفة أدواره للمشاركة فيه، أو معرفة كيفية المشاركة في الأمد التالي: ﴿فَأَعينوني بِقُوَّةٍ… آتوني زُبَرَ الحَديدِ (الكهف، الآيتان 95 و96). فمع «المكالبة» لا بد من نَظْمٍ، أي من «سفينة» (وهي سفينة آل محمد) بالاصطلاح القرآني في سورة الكهف. قال الفتى المحمدي الأول: «وفيكما: (…) ونَظْم أمْرِكم»[97].

  1. الدور التاريخي للباقيات الصالحات:

         في أعقاب تعليق سورة الكهف على دَوْر المال والبنين في صراع أهل الباطل مع أهل الحق، أكدت أن مال الطاغوت وبنيه ضعفاء أمام مرتفق الفتية وعضدهم المتين وهو ﴿البَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ مؤكدة أن نتيجة مساعي ﴿البَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ (أي «ثوابهن» بلغة السورة) تاريخيا ستكون هي النجاح الظهوري والناجز والنهائي والتام على عكس مساعي «رجال» جنة الظلم والإجرام الوقتية، الوهمية، السطحية الجَمَال: ﴿زِينَة الحَيَاةِ الدُّنْيَا. فالبقاء ليس لبني الطاغوت ولا لماله، وإنما للصالحات.

         وقد عرفهن القرآن الكريم بقوله: ﴿فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّـهُ﴾ (سورة النساء، الآية 34). فالصالحات مطيعات لله ورسوله وأوامرهن التي تضمن سعادة نوع الإنسان، ويحفظن غياب أزواجهن[98] في الولاية العائلية والمالية والاجتماعية العامة.

         أما ﴿البَاقِيَاتُ منهن، فهن اللواتي «يبقين» أي ينتظرن[99] بأفعالهن التاريخية ظهور «الحديث» المحمدي على الدأيضا. وهن المُسْتَبْقَيَات الاستثنائيات من الصالحات أي الأمهات الزوجات اللواتي اختارهن الله تعالى لفتية محمد صلى الله عليه وآله وأخواتهم اللواتي يطعن الله ورسوله وآله ويحفظن ما يضعونه تحت أيديهن أثناء غيابهم أو تغيبهم وهم من أهل الظهور أو أثناء غيبتهم سواء كانت كبرى أو صغرى .فالذين يطوفون على أصحاب الكساء ليس الولدان المخلدون فحسب بل ﴿البَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ﴾ ﴿أَمْثَالُ اللُّؤْلُؤ المَكْنُونأيضا. فسورة الواقعة تقسم الناس إلى أصحاب «مشأمة» وأصحاب «مَيْمَنَة» وتجعل «السابقين المقربين» على رأس أصحاب المَيْمَنَة، وهم طبعا محمد. وآله قال رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحاب الكساء:«نَحن آل محمد النمط الأوسط، لا يدركنا الغالي ولا يسبقنا التالي»[100].

         أما الذين يطوفون عليهم فهم فتيانهم المطهرون وفتياتهم الصالحات: ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10)  أُولَـئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11)  يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ (17) … وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23)(سورة الطور، الآيات 10-23 ). إنهن «الحُورُ العِين» حقا، فالسيدة فاطمة، رَأْسُهن،  «حَوراء إنسية»[101]، وهن «حُجُور طابت وطَهُرت»، كما قال الإمام الحسين عليه السلام[102].

         فقد حفظت السيدة فاطمة بنت محمد غيب الإمام علي في بيتها بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله فبينت أهم خصائص «الحديث» الإلهي وضرورية الإمامة دينيا وسياسيا فأكدت أن الله جعل «العدل تنسكا للقلوب وطاعتها نظاما وإمامتنا أمنا من الفرقة وحبنا عزا للإسلام»[103]. ودافعت عن موقف الإمام («رجل» زمانها) وضروريته لقيادته «المدينة» (= الدولة) الإسلامية، فإمامته قائمة على «رواسي الرسالة وقواعد النبوة ومهبط الروح الأمين» وهو «الطَّبِنُ[104] بأمور الدنيا والدين»، وما زَحْزَحَتْهُ عن الوِلاية السياسية إلا «الخسران المبين»[105]. وخاصمت «رجل» «الجنة» الدنيوية المعاصِرَ لها خصومة أقوى من حجم جسدها الضعيف فاستشهدت مبكرا.

         أما السيدة زينب بنت علي فقد حفظت غيب إمام زمانها الحسين عليه السلام إذ استشهد فكانت تعرف بمبادئه الإنسانية في كل محطة من محطات الأسر من الكوفة إلى المدينة وحفظت غيب الإمام زين العابدين الذي اتخذ غيبا كهفيا فكانت واسطته بالمحبين والأنصار المؤمنين في فتاويه وأحكامه. وكذلك كانت أم كلثوم بنت الإمام علي عليهما السلام[106]. أما «شهربانو بنت بزدجرد»، فلقد كان بإمكانها وأختِيها، أن تعيشا في أعظم قصور العالَم آنئذ، وفي أوسع إمبراطوريّاته وأغناها وأرْخاها. ولكنهما خيّرتا أعظَم الرسل، وأعظم الرسالات، وأعظم الأئمة (الإمام عليّ، كرّم الله وجهه)، ثم تزوجَتْ السيد شهربانو أحَد أعظم الخَلق (بَعْد أبيه، عليّ). فقَدْ عَرفتْ وأختيها الحقّ بواسطة شبكة الدّعوة التي بَثَّها سيدنا سلمان الفارسي داخل الحِمَى الإيراني، وخاصة داخل البلاط الساساني.

         لقد اختارت أفضل رجال المسلمين بعد الإمام علي وهو الحسين عليه السلام[107]. وقد أوصى الإمام علي ابنه قائلا: «يا بني احتفظ بها وأحسن إليها، فستلد لك خير أهل الأرض في زمانه بعدك وهي أم الأوصياء الذرية الطيبة»[108]. ويا لها من مهمة عظيمة تكفلت بها السيدة شهر بانو أن تربي زين العبدين بل تؤسسُ بولادتها له بقاءَ العالَم وبقاء الخير، الولدان التسعة المخلدين. وإنها لرحلة مضنية، مرهقة عبر الصحراء، لابنة القصور، التي كانت مِن آل الفِرْعون الذين يَكتُمونَ إيمانهم، إذ شاركت مع أختيها، ومجموعة من الضبّاط الدَّيَالمة المؤمنين، بالبلاط الساساني، وبسَوْقٍ عَلَوِيٍّ- سَلْمانِيٍّ، بإسقاط الدولة الساسانية إسقاطًا ناعمًا، مجبرين المَلاَ الساساني على الهروب الهَلِعِ إلى الهند، في «خِدْعة»، بينما كان بإمكان تلك الامبراطورية ذات الملايين مِن الجنود أن تَهزِم بِضعة آلاف مِن العرب المسلمين. فكانت، مع أختيها المؤمنة، مِن الذين تجاوزا العصبية الجاهلية، وكانتا مِن مَصَاديق كاتِمي الإيمان في الآل الفِرْعَوني، بكل مكان وكل زمان: ﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ…(سورة غافر، الآية 28). وحققت مناها بأن أسلمت وعاشت بالمدينة الإسلامية وعالجت يُتْم الإمام الحسين أحد غلامي المدينة وعالجت ضعف ولد الرسول الكمي، فكانت مصداقَ كوثريةِ سيدةِ نساء العالمين السيدة فاطمة بنت محمد عليها السلام إذ كانت كوثرَ الكوثرِ والرافد الأكبر لنهر «الكوثر» الفاطمي وضحت بجسدها وروحها من أجل «الكوثر»، وهو يستحق ذلك. فلئِنْ كانت ابنة القصور جسدا، ولكنها كانت ابنة الدين روحا وآفاقا، فرفضت أن ترافق أباها وهفت لرفقة فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها ﴿وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقًا( سورة النساء، الآية 69). ويذكرها ابنها بِحُبٍّ في دعائه. إنّه لا يفصلها في دعائه عن أبيه، ذي المكانة الرفيعة جدًّا في نفسه، أنّه رآهُ يُقتَّل أمامه، فهو والدٌ واحد: «ألهمني علم ما يجب لهما إلهامًا»، نظرا لمكانتهما الوجوديّة: «اللهم اجعلني أهابهما هيبة السّلطان العسوف، وأبرهما برّ الأمّ الرّؤوف (…)

 « اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي أَهَابُهُمَا هَيْبَةَ السُّلْطَانِ الْعَسُوفِ، وَأَبَرُّهُمَا بِرَّ الأُمِّ الرَّؤُوفِ (…) حَتَّى أوثِرَ عَلَى هَوَايَ هَوَاهُمَا»[109]. «اللَّهُمَّ اشْكُرْ لَهُمَا تَرْبِيَتِي»، «أين طول شغلهما بتربيتي؟! وأين شدّة تعبهما في حراستي؟! وأين إقتارهما على أنفسهما للتوسعة عليّ؟! هيهات ما يستوفيان مني حقهما، ولا أدرك ما يجب عليّ لهما، ولا أنا بقاضٍ وظيفة خدمتهما!»، فتربيتها له كانت تربية لقمانية – محمدية، لا فرعونية – ساسانية، فمن الصّعب مكافأتها عليّ. ويقول: «فشفعهما فيَّ»[110]، فهي أصبحت مِن أهل الشّفاعة والولاية، فهي ﴿مُؤْمِن مِنْ آلِ فِرْعَوْن، جاءت ﴿مِنْ أَقْصَى المَدِينَة، أي المدائن، ﴿تَسْعَى، عليها صلاة الله وسلامه مِن مجاهدة!

         أما السيدة فاطمة بنت الإمام الحسن عليهما السلام فقد عاشت غربة أبيها ومأساة اغتياله ثم أصبحت في كفالة عمها الحسين الذي زوجها من ابنه السجاد. عاشت مع زوجها وابنها الباقر ملحمة كربلاء وكانت أسيرة ترقب زوجها مكبلا مقهورا.

         وأما السيدة فاطمة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر فهي حفيدة أحد أنصار الإمام علي الذين استشهدوا من أجل مبادئه السامية وبنت أحد فقهاء المدينة فكان من الطبيعي أن تنجب أعظم عالم دين في الإسلام وهو الإمام جعفر الصادق وكانت من العالمات والراويات للحديث.

         وأما حميدة المُصَفّاة الأمازيغية – الأندلسية فقد كانت فقيهة مفتية جعلها الصادق من أوصياء خمسة حتى لا تعرف السلطة الإمام الحقيقي من بينهم.

         وقد كانت السيدة تكتم التركية (أو النوبية) زوجة الإمام الكاظم والسيدة سكن النُّوبية (أو المصرية- القبطية) زوجة الإمام الرضا، والسيدة سمانة الأمازيغية زوجة الإمام الجواد، والسيدة سوسن زوجة الإمام الهادي المعروفة بـ«الجدة» (جدة الإمام المهدي) والسيدة نرجس الأوربية، كثيرات الأسماء، لمزيد التعمية عليهن لكي تستمر شعلة الفتوة المحمدية، غير واضحات الأصول أحيانا للسبب نفسه، غير عربيات، لأن الأصول العربية واضحة فيمكن اغتيال أم المعصوم المفترض وقطع دابر المعصومية الفُتُوِّية، ومن ناحية أخرى لأن الإسلام المحمدي عالمي ومن الضرورة إشراك السود والبيض والصفر (الجنس التركي)، والعرب والعجم في هذه السلالة الطاهرة المطهرة. وقد كن إماء أصلا لإسقاط العصبية العنصرية فيكون أشرف الناس أسود البشرة (الإمام الجواد) وأميل إلى الجنس التركي (الإمام الرضا) فالأمر عمل احتجاجي على النخاسة والنخاسين وتحد لهم. يقول الإمام الصادق: «كيف، ولا يقع في يد النخاسين شيء إلا أفسدوه!».

         لقد رفضت السيدة نرجس عليها السلام، بنت ملك الروم، خطوبة قريبها المؤهل للملك وأحبت الإسلام ورسول الله الذي تعامل معها في المنام ومن أجل ذلك تعلمت اللغة العربية وهي ما زالت في القصر الملكي[111]. وقد أهّلتها أخلاقها العالية السابقة لكثير من المكارم وقد رمت نفسها في الأسر العربي بناء على اتفاقها مع النبي محمد صلى الله عليه وآله في منامها، منام العارفين فوقاها الله شر النخاسين وسهل الله تعالى لها دخول سوق بغداد والوصول إلى الإمام العسكري وقد أنكرت ولادة الإمام المهدي فحبستها السلطة العباسية سنتين أو أكثر، مضطهدةً لها، حتى شغلها الله تعالى بثورة الزنج المباركة. وقد كانت أحد وكلاء الإمام المهدي والإمام العسكري وأوصيائهما. ولذلك أثبت لها الدعاء حِفْظ المعصومين بالغَيْب (= بِغَيْبَتِهِم بكهْفِهِم) بما حفظ الله تعالى: «أشهد أنكِ أحسنتِ الكفالة، وأديتِ الأمانة، واجتهدت في مرضاة الله، وحفظتِ سر الله، وحملتِ ولي الله، وبالغت في حفظ حجة الله، ورغبتِ في وُصْلة أبناء رسول الله[112]، عارفة بحقهم! …».

         أما عمة الإمام المهدي، «حكيمة»، فقد كانت الأم الثانية والحقيقية للسيدة نرجس، فللتعمية ولمزيد إعداد أم المنقذ كانت السيدة ظاهريا جارية العمة. وقد سهرت على حملها وولادتها.

         أما «الجدة»، السيدة سوسن، فقد حفظت كيان «الحديث» في غيْبِبغيب (= في غَيْبة) الإمام المهدي، اتصالا به، وحقوقا شرعية، وتضامنا بين أفراد الطائفة، وإدارة للصراع مع الباطل وفتوى، ورقابة على البحث العِلْمِيِّ – الدّينيّ. فقد سأل أحمد بن إبراهيم السيدة حكيمة بنت الإمام الجواد: «فإلى من تفزع الشيعة؟» قالت: «إلى الجدة، أم أبي محمد»[113]. وقد كانت قيادتها ذات «ثواب» عظيم تاريخيا إذ حفظت برنامج الانتصار الإلهي، وكان يحمل ﴿أَمَلاً ناجزا في الظهور على الدين كله.

  1. أمد ذي القرنين، الفتى المحمدي الذي يُظْهِر الإسلام على الدين كله:

 

         لقد سأل المسلمون رسول الله عن ذي القرنين: ﴿وَيَسأَلونَكَ عَن ذِي القَرنَينِ قُل سَأَتلو عَلَيكُم مِنهُ ذِكرًا(الكهف، الآية 83). وكما فعل الخطاب الإلهي مع ذكر الفتية إذ ذكر أمرهم إجمالا، وأمر الرسول بعدم التفصيل في أمرهم، ﴿فَلا تُمارِ فيهِم إِلّا مِراءً ظاهِرًا (الكهف، الآية 22). وذلك ضمن خطة الحفاظ على «الحديث» والمؤتمنين عليه فلن يكون المقطع القرآني عن ذي القرنين إلا ﴿ذِكْرًا مِنْ أمْر عظيم. و«ذو القرنين» معناه ذو الجيلين، وذو الأمدين، والمسيطر على قرْن المشرق وقَرْن   المغرب[114]، وقَرْن المادة وقَرْن الروح.

         وهو إسم من أسماء الإمام المهدي فهو سيبسط بحكمته وعدله أمره على كل الأرض، ولم نسمع بولي حكم الأرض جميعا و سيظهر دين محمد على الدين كله إلا هو، ولم نسمع عن ولي ستتطور على يديه وبين يديه العلوم و التحكم في الأسباب المادية والتقانات إلا هو. فهو لن يوظف الأسباب فحسب، بل «سيتبعها» أي يجعلها تابعة له ويلحقها ويدركها هيمنة[115] يقول الرسول صلى الله عليه وآله: «زُوِيَتْ لي الأرض حتى رأيت مشارقها ومغاربها (…) وقيل لي إن مُلْكك حيث زُوِي لك»، أي كل الأرض باعتبار زويها أي جمعها وضمها لبعضها البعض وذلك على يدي ذي القرنين/ المهدي، قال الصادق عنه: «تطوى له الأرض (…) ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب»، تأويلا منه لقوله تعالى: ﴿لِيُظهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلِّهِو﴿أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ.

         ويقول الرسول صلى الله عليه وآله: «العلم سبعة وعشرون حرفا، فجميع ما جاءت به الرسل حرفان فلم يعرف الناس حتى اليوم غير الحرفين فإذا قام قائمنا أخرج….. وعشرين حرفا….. في الناس وضم إليها الحرفين حتى…. تسعة وعشرين حرفا»[116] وقول الله تعالى: ﴿وَآتَيناهُ مِن كُلِّ شَيءٍ سَبَبًا، فَأَتبَعَ سَبَبًا(الكهف، الآيتان 84 و85). فكل الأسباب وكل الخيرات المرصودة للإنسان ستكون على يد ذي القرنين المهدي عليه السلام. سيقاوم الإمام المهدي عليه السلام طغاة أهل المغرب، طغاة أهل مغرب الأرض: «ثم يسلط الله على الروم ريحا وطيرا تضرب وجوههم بأجنحتها فتفقأ عيونهم وتتصدع بهم الأرض فيتلجلجوا في مهوى بعد صواعق ورواجف تصيبهم , ويؤيد الله الصابرين ويوجب لهم الأجر كما أوجب لأصحاب محمد»[117]، وفي فلسطين: «وقعتان في الروم تسعى إحداهما القطاف والأخرى الحصاد»[118]. وهذا ما تؤكده بداية سورة الروم، إذ انهزموا أمام الساسانيين ثم سينتصرون عليهم ثم يكون الأمر السياسي والامتحاني كله لله. ﴿حَتّى إِذا بَلَغَ مَغرِبَ الشَّمسِ وَجَدَها تَغرُبُ في عَينٍ حَمِئَةٍ (الكهف، الآية 86).

         إن أقصى مغرب الكرة الأرضية هو القارة الأمريكية، وطاغوتها المركزي هو الولايات المتحدة الأمريكية التى تصل بالظلم في العالم إلى أعلى درجاته. فإذا كان ذلك، قاد ذو القرنين المهديُّ، القوامين لله بالقسط في العالم، وبدأ بدحر «الروم»/«الغربيين» الذين يقودهم طغاة أهل «المغْرِب» في فلسطين،  ثم يواصل زحفه المبارك باتجاه القارة الأوربية فيحررها بمساعدة روح الله عيسى والمؤمنين من طاغوتها. ثم يندفع باتجاه «المغْرِب»، فيجد شَمْسَه الانتحالية تغرب في وَحَل النفط والطغيان الشيطاني والدرك الأسفل من المكر والكيد، ويكون «قراره» في سكان القارة كما قال: ﴿أَمّا مَن ظَلَمَ [من أوصل الظلم والجور إلى حين الامتلاء]، فَسَوفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذابًا نُكرًا، وَأَمّا مَن آمَنَ وَعَمِلَ صالِحًا فَلَهُ جَزاءً الحُسنى وَسَنَقولُ لَهُ مِن أَمرِنا يُسرًا (الكهف، الآيتان 87 و88). ففي القارة الكثير من القوامين بالقسط، أهل الإيمان والفضيلة الذين قاوموا أهل العين الحمئة الطغاة الأعظم في التاريخ.

         ثم يندفع، مع المؤمنين في اتجاه (مطلع الشمس) أي مشرق الشمس الانتحالية الطغيانية الأخيرة، وهو أغلب الظن اليابان التي أهلها ﴿لَم نَجعَل لَهُم مِن دونِها سِترًا (الكهف، الآية 90)، أي لم يكونوا مستورين ومحميين وذوي مناعة ذاتية أمام الانتحال الجاهلي «المغربي» الانتحال الطغياني الأخير في التاريخ البشري. هذا المهدي العظيم امتداد جده محمد صلى الله عليه وآله يرفض «الخَرْج» (= الخراج) الذي اقترحه عليه المتضررون من «يأجوج ومأجوج» مقابل إقامته سدا لهم، لأن النعم المادية التي سينعم بها البشر آنئذ لم يعرفوها قط . قال ذو القرنين المهدي عليه السلام جوابا على الاقتراح: ﴿ما مَكَّنّي فيهِ رَبّي خَيرٌ (الكهف، الآية 95). ويقول جده عليه السلام عن مدته: «تنعم فيها أمتي نعمة لم ينعموا قبلها قط، ترسل السماء عليهم مدرارا، لا تدخر الأرض شيئا من نباتها والمال عنده يقوم الرجل فيقول: يا مهدي أعطني، فيقول: خذ،  يحثي المال حثيا لا يعده عَدّا»[119].

         يتحدَّد الوجود المأجوجي مِن الداخل، بينما يتحدّد الوجود المأجوجي مِن الخارج.

         فـ«المَجّ» هو لفظ «الماء» والرمي به[120]. و«الماء» هو «ماء» الهداية المحمدية، كما تؤكد عديد الآيات القرآنية ومعَالِم الحكمة المحمدية.

         فالمأجوج هم قوم «مسلمون» جاءهم «الكوثر» فلفظوه ورموا به. وأما «الأجّ» فهو «الملوحة الشديدة» و«توقّد أجيج النّار»[121]. فهم قوْمٌ ذوو تركيبة امتلالية غير متوازنة، غير مناسبة للفطرة، تجعلهم «آباء لهب» و«حَمَّالات حطب» مِنْ أجيج مِزاجهم.

         سيتماهى القوم اليأجوجي المسلم بالقوم المأجوجي، وذلك ما حذّر منه رسول الله (ص): « لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جُحْر ضبّ خرب لدخلتموه»[122]، وسيحبهم ذو القرنين وأمته الصالحة مختلطي المَصَالح والسَّوْق: ﴿وَتَرَكنا بَعضَهُم يَومَئِذٍ يَموجُ في بَعضٍ (الكهف، 99). وهنا تكون المَحكمة الكبرى مِن أجل جعل العالَم الإنساني صافيًا لله تعالى.

*  *  *

يأجوج ومأجوج:

ليس يأجوج ومأجوج قومين بالمعنى العرقي ولا بالانحصار الحموي،  بل هما قومان بالمعنى الملّي. فهم ﴿مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ (الأنبياء 96)، أي من كل غليظ مرتفع[123] من ملل الإنسان. فعندما ﴿اقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ (الأنبياء 97)، أيْ وعد ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (الأنبياء 105) يمول ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا (الأنبياء 97) أي المراكز الإمبريالية في العالم وعملاءهم المترفون كل «غليظ مرتفع» من الملل الضالة، ظنا منهم أنهم بذلك ينقذون أنفسهم من السقوط إذ تنتشر الفتنة ليكون لها ﴿مَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (الأنبياء 111)، فتصبح  تلك مراكز يأجوج ومأجوج تضر بمصالحها في العالم.

تجد المِلَّتَان اليأجوجية والمأجوجية مطلع الشمس حِمى مناسبا، أي أقصى مشرق العالم الإسلامي، اذ هناك كانت قد انتشرت «الأمية» منذ قرون عديدة فأصبحوا لا يفهمون الإسلام: ﴿حَتّى إِذا بَلَغَ بَينَ السَّدَّينِ وَجَدَ مِن دونِهِما قَومًا لا يَكادونَ يَفقَهونَ قَولًا (الكهف 93). فتستغل الملتان ضعف القوم المعاشي والسياسي والانتحالي لكي يجعلوا مواطنهم قواعد لنشر فتنتهم.

 أما يأجوج فهم أصوات حاصلة «من اختلاط الكلام»[124]، فهم خليط امتلالي متناقض لا يجمعه إلا «لهيب»[125] الحقد على العقل والرشد والمحمدية السمحاء و«ملح مر»[126] من الأهواء والأفعال.

وأما مأجوج فهم «مُجَج» أي من «السكارى»[127] الذين لا يستطيعون أن يفكروا لأنهم فقدوا العقل والرشد، وأصبحوا «يَمِيشون الخبر»[128] أي «يخبرون ببعضه ويكتمون بعضه»، وقد قال الله تعالى عن هذا الأصل: ﴿الَّذينَ جَعَلُوا القُرآنَ عِضينَ (الحجر، 91) وبذلك شوهوا العقائد الإسلامية والوجهات المعاشية والأخلاقية والسياسية للإسلام. فأصبح الإسلام بامتثالهم «تمجّه الأسماع» لدى الجاهلين به أي تقذفه وتستكرهه. وبذلك لن يكون خطابهم سوى «سيلان لعاب كِبَرًا وهرما»[129]، إذ يوصلون تفكير المسلمين إلى مستوى الشيخوخة الخَرِفة عوض أن يكون في شباب واجتهاد دائمين. وهم يتميزون بالانمجاج أي بالترشش، وهو «النزول المتفرق»[130]، إذ تحسبهم في نسولهم جميعا وقلوبهم شتى وهي من علامات النفاق، فهم ليسوا مسلمين حقيقيين.

 يندم المسلمون الذين ﴿لا يَكادونَ يَفقَهونَ قَولً (الكهف 93)، على توطينهم القومين فيطلبون من ذي القرنين عليه السلام أن ينقذهم من يأجوج ومأجوج، وذلك بإبعادهم عن حِماهم وعن قلوبهم في الآن نفسه. لم يطلب منهم عليه السلام ﴿خَرجًا وإنما طلب منهم أن يعينوه ﴿بِقُوَّةٍ أي «عمل وطاعة»[131]، ليكون بين الطرفين ﴿رَدمًا (الكهف 95)، أي الحكمة العملية والقانون الشرعي، وذلك بأن يأتوه ﴿زُبَرَ الحَديدِ (الكهف 96)، «أي الصُّوَر العملية وأوضاع الأعمال»[132]. ﴿حَتّى إِذا ساوى بَينَ الصَّدَفَينِ«بالتعديل والتقدير»[133]، قال للقوى الحيوانية: ﴿انْفُخُوافي هذه الصُّوَرِ نفخ المعاني الجزئية والهيئات النفسانية من فضائل الأخلاق[134]. ﴿اجْتِهَادًا جَعَلَهُ نَارًا، أي «عِلْما برأسه من جملة العلوم يحتوي على بيان كيفية الأعمال». ﴿قَالَ: آتُونِي أفْرِغْ عَلَيْهِ قَطَر، أي «النية والقصد الذي يتوسط بين العلم والعمل، فيتحد به روح العلم وجسد العمل»[135]، فيكون السد أي «قاعدة وبنيان من زبر الأعمال ونفخ العلوم والاخلاق وقطر العزائم والنيات»[136].

لقد كان المسلمون بعضهم ﴿يَمُوجُ فِي بَعْضِ (الكهف،99)، بما كسبت أعمالهم وضيق فكرهم، حتى إذا نفخ ذو القرنين/المهديُّ حديدَهم المتفرق بصورة القيامي، انتهى مأجوجهم وكانت وحدة البشرية وجمعها: ﴿وَتَرَكنا بَعضَهُم يَومَئِذٍ يَموجُ في بَعضٍ وَنُفِخَ فِي الصّورِ فَجَمَعناهُم جَمعًا (الكهف، 99)، وتكون جهنم مفتوحة يومئذ للكافرين، لأن هزيمتهم أنئذ نهائية.

*  *  *

         عندما يقول الجد(ص): «يملأ الأرض عدلا» إنما يعني وراثته للأرض جميعا، أي لقرنيها فهو ملك أعظم من ملك سليمان وإن تميز ملك سليمان بالهيمنة على الجن مثلا، لكن حمى سليمان ضيق جدا بالمقارنة مع حمى المهدي ذي القرنين فملك آخر فتيان الكوثر قائم على السيطرة على كل الأسباب المادية: ﴿وَآتَيناهُ مِن كُلِّ شَيءٍ سَبَبًا (الكهف، الآية 84) وليس الاعتماد على الجن.

         يقول رسول الله صلى الله عليه وآله: «لا تذهب الليالي والأيام حتى يملك رجل من أهلي يواطئ اسمه اسمي»، والمُوَاطَأة ليست في التسمية التواضعية فحسب، بل في علامة مشروعه التاريخي العظيم وعناوينه التي ستحطم الشمس الطغيانية التي غطت الأرض طويلا وتأسيس شمس العدل والرحمة: «يخرج رجل من أمتي يعمل بسنتي، ينزل الله له البركة من السماء وتخرج له الأرض بركتها».

         إن مُلْكه السياسي الذي تحدث عنه جده، صلى الله عليه وأله، هو نفسه الذي بشرت به سورة الإنسان متناولة العاقبة الدنيوية للولدان المخلدين عليهم السلام جميعا: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا ( الإنسان،الآية 20)؛ ﴿فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا (النساء، الآية 54). وآل محمد هم أعظم جزء في آل إبراهيم. أما النعيم المادي والروحي فقد أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وآله في تناوله لمدته: «تَنْعم فيها أمتي نعمة لم ينعموا قبلها قط». أليس هو المصداق التاريخي الأخير والعظيم لـ﴿الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ (الفاتحة، الآية 7)، و﴿أُولَـٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّـهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقًا﴾ (النساء، 69) .

         فالمهدي، ذو القرنين، عليه السلام هو صاحب «المُلك الكبير» ورائد «النعيم البشري» بعد طول جَوْر ونكد وابتعاد عن رفقة الذين أنعم الله عليهم وأكد على ضرورة طاعتهم ومرافقتهم، لأن فيها نعيم البشر واستخراج «الكنز المحمدي» الذي حفظه «جَدارُ الغلامين»، الحسن والحسين، ابني «الأب الصالح» ﴿صَالِح المُؤْمِنِينَ[137]، وهو علي بن أبي طالب في التفاسير. فذو القرنين، المهدي عليه السلام هو الوحيد الذي سيصل مَجْمَع البحرين، ليجد هناك صاحبَ المجْمَع وغاية الإيجاد محمدا عليه السلام. يقول بن عربي: «ولما بلغ[138] اليتيمان أشدهما وتوفى الأدوار أمدهما، يَظْهر الكنز وتقوم دولة العز»[139]، أي دولة المهدي عليه السلام. ويقول الشيخ الأكبر أيضا: «فإذا ظهر الأمر في مَجْمَع البحرين، ولاح السر المكتم لذي عينين، كأنه يشير إلى ظهور النكتة الربانية في هذه النشأة الإنسانية فإنه مجمع البحر الآن والكون والعين وقوله في عينين يشير إلى صاحب الصفتين»[140]. و«الكنز» الخفي لا يظهر، حسب ابن عربي، إلا بالسيطرة التمكينية المهدوية على «المغرب»: «ولما كان هذا الأمر هو الكنز الخفي بالبحر الغربي، أشار إلى أن القلب هو مقعد الصدق ومحل أسرار الحق»[141]. فذو القرنين، وهو المهدي خاتم الأولياء في نظر محيي الدين ابن عربي، سيحطم مع المؤمنين والمسيح عليه السلام «شَمْسُ المَغْرب» وذلك يقام الكنز وتحل دولة العز على الدين كله، على مجمع الدين والمادة والملك والملكوت ونقطة الصراع بين الفرس المسلمين والروم الغاربين بتميز الدولة المهدوية بالقوتين المادية والروحية: ﴿أَعينوني بِقُوَّةٍ، ﴿أَتبَعَ سَبَبًامقترنان بالاستمداد من الخالق صاحب الأسباب صاحب الأمر كله الديان المحيط: ﴿ما مَكَّنّي فيهِ رَبّي خَيرٌ﴾ ﴿هـذا رَحمَةٌ مِن رَبّي فَإِذا جاءَ وَعدُ رَبّي جَعَلَهُ دَكّاءَ( الكهف، الآيتان 95 و98) بينما تستمد شمس الطغيان الغاربة قوتها من نفخ الشيطان الفارغ. وهي تتميز بالإحاطة قبل الإقدام فالذهاب إلى مطلع شمس الطغيان كان بعد الإحاطة الخبرية بقدرات هذا المطلع ﴿وَقَد أَحَطنا بِما لَدَيهِ خُبرًا(الكهف، الآية 91). ولذلك استطاع التواصل مع القوم المتضررين من يأجوج ومأجوج رغم أنهم ﴿لا يَكادونَ يَفقَهونَ قَولً(الكهف، الآية 93).

         فالقوة العلمية هناك ليست في العلوم المادية والتقانية فحسب بل في التقدم الهائل غير المسبوق في العلوم الإنسانية واللغوية والتواصلية.

         وهي تتميز أيضا بعدم إقصاء القائد للأمة رغم أنه ذو القرنين فكمال المرء في إشراك الآخرين لا في إقصائهم فهذه الدولة تمكينية قُدَاريّة، رِبْعية، محققة آمال صحيفة دولة النبي صلى الله عليه وآله في الرِّبْعَة، أي الاستقلال الذاتي لكل فردٍ ولكل وحدة اجتماعية بالأرض. جاء في الفصل… والفصل… والفصل… (وغيرها) تأكيدٌ على هذا المَطلب المحمدي: «وأنّ بَنِي (…) على رِبْعتهم». فالربعة إنما هي تخقق المشيئة الإنسانية في التقائها بالمشيئة الإلهية الرحمانية.

         فالإمام الخاتم، يطلب من الأمة مشاركته ويعلمها كيفية المشاركة القوية الفاعلة ﴿فَأَعينوني بِقُوَّةٍ (….) آتوني زُبَرَ الحَديدِ (….) انفُخوا (….) آتوني أُفرِغ عَلَيهِ قِطرًا(الكهف، الآيتان 95 و96).

         لقد عانى المهدي عليه السلام، طويلا، بين قرن العباسين القساة وقرن روم المغرب العتاة، ولما وجد أن بحر الفرس المؤمنين يريد بحر الروم الغربي إغراقه وما من نصير بالعالم الإسلامي، تدخل بمجمع هذين البحرين اللذين لا بحور سواهما في آخر التاريخ الطغياني لكي لا ينقذ الخراسانيين المؤمنين فحسب بل لينقذ الأرض كلها والبشرية كلها، لأن خراسان أرادت ذا القرنين فكان لها ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا .إن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء شديدا وتطريدا حتى يأتي قوم من قبل المشرق[142]، ومعهم رايات سود فيسألون الحق فلا يعطونه فيقاتلون فينصرون فيعطون ما سألوا فلا يقبلونها حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي فيملؤها قسطا كما ملئت جورا فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم ولو حبوا على الثلج»[143]. وذلك مصداق قوله تعالى: ﴿ا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ، فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّـهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ، أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ. يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّـهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ (المائدة، الآية 54) وقد قال الزمخشري في تفسير هذه الآية: «سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عنهم فضرب يده على عاتق سَلْمَان[144]، وقال: (هذا وذووه). ثم قال: (لو كان الإيمان معلقا بالثريا لناله رجال من أبناء فارس)[145].

         وبرؤية النبي محمد، صلى الله عليه وآله، هذا «النعيم» وهذا «الملك الكبير»، وبهذا المشهد الأخير من السَّوْق النفسي لسورة الكهف والرقيم كانت غاية المرابطة الإلهية على قلب الرسول الكريم وغاية الطمأنة له على مصير «الحديث» الإلهي وعلى مصير كوثره الزلال الذي سيعاني بعده «بلاء شديدا وتطريدا» فما بعده ليس إلا فرج أهل بيته، بل فرج بني آدم كلهم بهم فلا يرون معا طغيانا بعد ذلك: ﴿لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (الإنسان، الآية 13) تلك «الشمس» الشرّيرة التي حاولت اجتثاث «الكوثر» ثم اجتثاث الدولة الوحيدة في العالم التي تحمل اسمهم، دولة الخراسانيين، صاحبة الرايات السوداء. أما ما بعد ذلك فهو الخلود بجنات الرحمان الرحيم، مع المؤمنين.

         المدد الغيبي ودور عباد الله اللدنيين: لقد التقى موسى عليه السلام بعبد الله اللَّدُنِّيّ، الخَضِر، في لحظة أزمة تبدو خطيرة مهددة مشروع التجربة الموسوية فلقد أخفق نبي الله في هداية قومه الذين اختارهم الله وارتدوا ودخلوا التيه أربعين سنة في سيناء وحتى يطمئن نبي الله وفتاه يوشع بن نون ويرابط الله على قلبيهما ويجعلهما يصبران نفسيهما خاصة بوفاة الفتى الأول هارون طلبا منهما لقاء عبد له لدني ﴿آتَيناهُ رَحمَةً مِن عِندِنا وَعَلَّمناهُ مِن لَدُنّا عِلمًا (الكهف، الآية 65) فغاية اللقاء تبيان أن النبي ما عليه إلا التبليغ بالحكمة وتقديم «قوارير» الدين للناس بتقدير علمي وتهيئة رشيدة وأن تيه بني إسرائيل ما هو إلا ضرورة تاريخية لتمحيصهم ومخضهم ونسيان الحوت ضرورة تأجيلية لا خسارة تاريخية. ولذلك ستكون سنوات إمامة يوشع بن نون هادئة ناجحة استثمارًا لتقدير النبي موسى عليه السلام، رائد التجربة، وستكون ذروة نجاح التجربة مع مُلْك سليمان المتميز بالعدل والحكمة[146].

         فوفاة موسى لا تعني نهاية التجربة الموسوية، و«التيهُ» لا يعني إحباط مشروع «الحديث» الإلهي. وكذلك فإن وفاة النبي الظاهرية وتيه أمته قرونا بعده تَصْدِيَةٍ عن فتيان محمد صلى الله عليه وآله مصدر السعادة الحقيقية والنعيم الإلهي للبشر واضطهادهم لفتاه الأول – كما اضطهد بنو إسرائيل فتى موسى الأول، هارون – لا يعني النهاية بل بداية تقدير «الآيات العجيبة» (= «أهل الكهف والرقيم» = آل محمد) لمشروع التحويل الجذري للإنسان حتى يرجعه آل محمد كما أراد الله ويبنون له «الملك الكبير» و«النعيم» الإنساني على الأرض:  فسفر موسى وسفر محمد التاريخيان لن يذهبا سدى، فسيُثْمر حَصَادَ سَفر ذي القرنين المنصور مهدي آل محمد عليهم السلام.

         لقد أخذ الخَضِر بيد موسى (عليهما السلام) ليطلعه على محطات تاريخية مستقبلية، يتدخل فيها عباد الله، بتوجيه منه قبل أن تقع فالمطلوب من الرسل و«أسباطهم» (الأئمة، الفِتْية) هو «الصبر» و«التقدير» و«التهيئة الرشيدة» ﴿قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (الإنسان، الآية 16) فالخضر يخرق «السفينة» ويعيبها بل يوهم بأن بها عيوبا – في الحقيقة – لا اعتداءًا، وإنما حمايةً لأهلها من عدوان الملوك الظالمين، وهو يقتل «الغلام» «السفيه» حتى لا يرهق «الأبوين الصالحين» إذ سيصبح طاغية كافرا إن استمر في التاريخ، وهو يقيم «الجدار» لحفظ «كنز» الغلامين اليتيمين حتى بلوغهما أشدهما. و«السفينة» هي «سفن» عديدة عبر التاريخ يعيبها عباد الله اللدنيون لحفظ أهلها المظلومين و«الغلمان» السفهاء الذين سيصبحون طغاة كافرين مرهقين لآبائهم الروحيين المرسلين والأئمة معطلين تقديرهم التاريخي الدينى – بقتلهم عباد الله اللدنيون في كل أمد تاريخي. و«الجدار» جُدُر عديدة يقيمها عباد الله اللدنيون لحماية «كَنْزِ فِتْيَة الحديث» الإلهي المستمرين مع مشروع أبيهم الرسالي الصالح.

         لقد كان النبي موسى رجلا معصوما، فهو بطبعه صبور، خاصة وهو من «أهل العزم» ومن خصائص العزم الصبر فعدم صبر موسى أمام الخضر ظاهري بل هو مسرحية تربوية لوصيه وخليفته، الفتى يوشع، ومسرحية تربوية أمام «المساكين» أي المؤمنين المصابرين. فموسى عليه السلام قد أكْمَلَ أمدَهُ ودوره التاريخي فالتربية الخضِرية هي للفتى يوشع ثاني الفِتْيَة الموسويين (إذا اعتبرنا هارون عليه السلام فتاه الأول). كان وموسى على طريق الموت. فمسرح موسى والخضر هو لتربية يوشع عليه السلام و﴿المَسَاكِين، حتى يُعَلِّمَهم الصَّبْر، كما يُعَلِّمُه محمدٌ صلى الله عليه وآله أصحاب الكساء الذين يَدْعُون ربهم بالغداة والعشي. فقد كانت مدة المسرحية كافية، ومَشاهدها بليغة، من أجل «تَقْدير» الأمد/المرحلة وتهيئته الرشيدة.

         يتدخل عبد الله اللدُنِّي حتى لا يتفاقم خطر تأسيس طاغوتىّ (أي «الغلام» الكُفْريُّ بلغة سورة الكهف (الآيتان 74 و80) فيقتله وينهيه في الوقت المناسب. فأبوا هذه الأمة، حسب الحديث النبوي، هما محمد صلى الله عليه وآله وعلي عليه السلام، والتأسيس الطاغوتي للغلامِ العَدَوي كان من الممكن أن يصبح دون إمكانية لتجاوزه وامتصاص شحنة انحرافيته، فكان من الضروري إفناؤه بعد عشر سنوات من «غَلْمَته» الشيطانية (=تأسيسه الطاغوتي) وكان المقتل مفاجئا على يَدِ المكالبة الرشيدة. فلم يكن متوقعا أن الغلام الطاغوتي يزيد بن معاوية أن يصبح مشروعه سافرا في الاعتداء على المصحف ومضمونه الحديثيِّ وقَتَلَ فتى الرسول الثالث وأحد ريحانتيه ومحاولة اجتثاث النسل الكوثري وتدنيس الأماكن المقدسة وتقتيل أهلها واستباحة نسائها ولكن بعد ثلاث سنوات من غلمته الطاغوتية يكون موته المفاجئ والغامض إذ كان مرافقوه يرون سقوطه من الجبل ولكن لم يجدوا جثته رغم أنهم وجدوا حصانه فلو استمر هذا الغلام الأموي لأرهق أتباعَ أبويْ الأمة طغيانا وكفرا. فالتدخل القتلي للخَضِر كان لاعتباره الضرورةَ التاريخيةَ: ﴿وَأَمَّا الغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤمِنَينِ، فَخَشينا أَن يُرهِقَهُما طُغيانًا وَكُفرًا (الكهف، الآية 80) وقد جاء في حديث النبي صلى الله عليه وآله: « هلاك أمتي على يد أغلبية من قريش»[147].

  1. دور حزب آل محمد في آمادهم:

 

         تؤكد هذه السورة أن الموالين للمؤتمنين على «الحديث» الديني إلى يوم القيامة ينبغي أن يكونوا مرابطين على الإيمان والعمل الصالح وحتى لا يكونوا من ﴿الَّذينَ ضَلَّ سَعيُهُم فِي الحَياةِ الدُّنيا وَهُم يَحسَبونَ أَنَّهُم يُحسِنونَ صُنعًا(الكهف، الآية 104) وهي حال الكثير من المسلمين، عليهم أن يتخذوا «الآيات العجيبة» ليستدلوا على الطريق التي لا عوج لها ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (الفاتحة). فالآية أي العلامة العجيبة التي يمكن أن تقود إلى «النعيم» و«الملك الكبير» ورضوان الله، إنما هي الفتى المحمدي أو الدال على الفتى المحمدي الذين يقدمون للناس القارورة أي  الكأس الملآنة، المناسبة لكل فرد ولكل أمد تاريخي أي الكم والكيف الملائمان من الحكمة الدينية ﴿وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا … قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (الإنسان، الآيتان 15 و16).

         ولن يقدم الفتى قارورته إلا لمن له قابلية. والقابلية تشترط «تضييف» المؤمن للفتى في القلب وفي السلوك وفي الخمس وفي المودة وفي الطاعة والتسليم بحكمتهم الإلهية. فآنئذ يمكن لمضمون «القارورة» أن ينسكب في القلب الفردي وفي «سفينة» المجتمع. قال الإمام ذو القرنين: ﴿فَأَعينوني بِقُوَّةٍ (الكهف، الآية 95). وقد كان الحزب الشيطاني العباسي يحصي هو أيضا، ولكن الإحصاء عنده هو العد فبحكم عمومة البيت العباسي لأهل البيت النبوي، وبحكم اندساس الحبر عبد الله بن عباس ضمن الحكومة  العلوية، عرفوا ذكرا من مخطط أهل البيت التاريخي وأن منهم نقباء اثني عشر فكانت محاصرتهم لهم وازورارهم عنهم، ومحاولة شمسهم حرق مشروعهم ولكن الله سلمهم من شمسهم وزمهريرهم واستطاع الإمام العسكري والسيدة نرجس والسيدة حكيمة جعل الإمام ذي القرنين، أمل البشرية، في حصانة.

         فحتى ممن يدعون أنهم من الحزب المحمدي مَنْ كانوا وقفيةً، فتوقفوا عند ثالث الفِتية الكهفيين (موسى الكاظم الذي جاء بعد الفتيَيْن الكهفيين محمد الباقر وزين العابدين عليهم السلام) وذلك لمصالح منفعية ومعاشية.

         ويلخص الفتى الظهوري الإمام الرقيمي جعفر الصادق عليه السلام المُحْصِين الحقيقيين للبث آماد فتية آل محمد المباركين بقوله: «إنّما شيعة علي صلوات الله عليه الشاحبون، الناحلون، الذابلون، ذابلة شفاههم من القيام، خميصة بطونهم، مصفرّة ألوانهم، متغيّرة وجوههم، إذا جنّهم الليل اتّخذوا الأرض فراشاً، واستقبلوها بجباههم، باكية عيونهم، كثيرة دموعهم، صلاتهم كثيرة، ودعاؤهم كثير، تلاوتهم كتاب الله، يفرحون الناس وهم يحزنون»[148].

         فعليهم إقامة «سفينة» يجعلون النبي وفتاه التاريخي فوقها، وهي الكيان والتنظم، إذ أوصى الإمام علي: «بِنَظْم أمركم»[149].

         وقد تكفل الله تعالى بالمدافعة عن «سفينة» الموالين لأهل «الحديث» الديني لحزب فتية آل محمد إذ «رَصَدَ» عباده اللدنيين حتى يَحْمُوا سفينتهم من كل ملك غاصب يعتدي على كيانات أهل البيت فيتوَهَّمُ أن سفينتهم معيبة ولا تستحق الاهتمام المستمر فتستمر في بحر التأريخ وتحقق الكثير من الانتصارات والإنجازات الاجتماعية والسياسية والمَعَاشية والانتحالية والعلمية والتكاثرية وغيرها. فكهْفِيَّة الفتى أو رَقيميّته تتطلبان دائما حضور المؤمنين وإحصاءهم للأمد. ومن مقتضيات إحصاء الأمد إعداد السفينة المناسبة «للعمل في البحر» التاريخي العميق الجبار، الذي يتطلب قلوب «بَحّارة» أقوياء كما جاء في الآية 79 من سورة الكهف: ﴿أَمَّا السَّفينَةُ فَكانَت لِمَساكينَ يَعمَلونَ فِي البَحرِ. و«المِسْكِينية» هي حالة القلوب المطمئنة الخاشعة الساكنة لرب العالمين المحصية لأمد آيته المعاصرة في الأرض، العاملة بحكمةٍ، ابتداء من توفير سفينة النَّظْم والكيان والاتقاء، إلى إحكام عَمل «البَحْر» التاريخي من أجل صيد ما يمكن أن يكون استثمارا على خط «المُلْك الكبير» للمتقين على كامل الأرض عبر القرون. ففعل «سفن» معناه «قَشَّر» فكأن السفينة تَقْشِر البحر وسفينة هذا الحزب تقشر كيان الطاغوت سنةً بعد أخرى حتى القضاء المبرم. لقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله يكني بالسفينة عن نظم الكيان فقد قال: « مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا »[150].

         فعلى الفِتية «التقدير» و«تهيئة الأمر» (كما في الآيتين 10 و16 من سورة الكهف) وعلى المؤمنين «الإحصاء» لِمَا لبثوا أمدا.

خاتمة:

 

         تدْعو سورة الكهف والرقيم رَسُولَ العالَمين (صلى الله عليه وآله) إلى أنْ يَكون مَسْعاه (=«مَشروعه») الإنساني الأعظم خاضعًا إلى «التهيئة الرشيدة». فهو «السائق»، و«الفتيَانُ» الذين يقودون مَسْعى «الحديث» الديني بعده هُمْ «شهداء» عليهم أنْ يحيّنوا «المَسْعَى» «أَمَدًا» أَمَد: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ، ثَمَّ رَأَيْتَ (الإنسان، الآية 20). وأمادُهُم إمّا تكهّفية أو رقيمية.

         بينما المطلوب من المؤمنين بهذا «الحديث» أن يتنافسوا في «إحْصَاء» «اللّيث» الإحصائي، حتى يساعدوا «ذا القَرْنيْن» عليه السلام على الوصول إلى مَجْمَع القَرْنَيْن/مجْمع البَحْريْن، القِسط الإنساني التامّ و«المُلْك الكبير» الممتلئ بالسعادة/الفلاح الذي أرادهُ الله تعالى للإنسانية.

[1] الموسوي (روح الله)، القرآن باب معرفة الله، دار المحجة البيضاء، دار الرسول الأكرم، بيروت 2005، ص 7.

[2] م. س، ص 8.

[3] م. س، ص 8.

[4] م. س، ص 11.

[5] فضل الله (محمد حسين)، من وحي القرآن، ج 1، دار الزهراء، بيروت، 1979، ص7.

[6] م. س، ص10.

[7] الموسوي (روح الله)، م. س، ص 7.

[8] الطالقاني (محمود)، إشراق من القرآن الكريم، ج 1، مؤسسة الهدى، 2000 م، ص 33.

[9] الطّريحي (فخر الدين)، مَجْمع البحرين، المجلد الثالث، ص 299.

[10] م. س، ص 299 أيضا.

[11] الطباطبائي (محمد حسين)، م. س، ص 10.

[12] معرفة (محمد هادي)، التأويل في مختلف المذاهب والآراء، ص 102.

[13] الحيدري (كمال)، أصول التفسير والتأويل، دار فراقد، قم، 2006، ص 121.

[14] م. س، ص199.

[15] م. س، ص 299 أيضا.

[16] ذلك هو «التفسير الموضوعي»، كما بيّنه مولانا، محمد باقر الصدر، رضي الله عنه وأرضاهُ. وهو ضروري، ولذلك اضطررْنا إليه في هذا التدبّر/البحث، كضرورة البحث التجزيئي أحيانا، الذي كان ضرورة توطيئية في كثير من مسارات هذا البحث.

[17] الطباطبائي (محمد حسين)، م. س، ص 10.

[18] م. س، ص 5.

[19] «سُئل علي بن الحسن عليه السلام عن التوحيد فقال: «إن الله عزّ وجل علم أنه سيكون في آخر الزمان أقوام متعمِّقون فأنزل الله: ﴿قُلْ هُوَ اللَّـهُ أَحَدٌوالآياتِ من سورة الحديد (…)»» (الموسوي (روح الله)، الأربعون حديثا، دار التعارف، بيروت، 2003، ص724.

[20] الموسوي (روح الله)، القرآن باب معرفة الله، ص 19.

[21] الموسوي (روح الله)، م. س، ص 19.

[22] م. س، ص 19.

[23] القُرآن سماء على الأرض، وهو وسيع إلى ما لا نهاية: ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ(الذاريات، 47).

[24] الموسوي (روح الله)، م. س، ص 63.

[25] م. س، ص 64.

[26] الموسوي (روح الله)، م. س، ص 64.

[27] م. س، ص 68.

[28] م. س، ص 68 و69.

[29] الصدر (محمد الباقر)، المدرسة القرآنية، المؤتمر العالمي للإمام الشهيد الصدر، قم، 1426 هـ. ق، ص 45.

[30] م. س، ص 51 و52.

[31] م. س، ص 52.

[32] م. س، ص 53.

[33] م. س، ص 53.

[34] أي «التفسير الكلامي»، في الاصطلاح الشائع.

[35] من العجيب أن يَنْطق أفلاطون وأرسطو وكنفشيوس وبوذا، بينما يطالب مَنْ يُسمّون «القرآنيون» بإسكات صوت محمد (ص)، فلاحق لنا في البحث عن حديثه الذي نطق به فعلاً!

[36] معرفة (محمد هادي)، التأويل في مختلف المذاهب والآراء، المَجْمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، طهران، 2006، ص102.

[37] سليمان (علي)، الإمام جعفر الصادق: أسرار في المثال الصامت، دار المحجة البيضاء، بيروت، 2008، ص208 و209 و211 و213.

[38] م. س، ص210 و211.

[39] م. س، ص209.

 [40] مسلم النيسابوري، الصحيح وشرح النووي، المجلد الثالث، دار الفكر، بيروت، 1987، ص92 (قال شعبة: «من آخر سورة الكهف»، ص93).

 [41] محمد هويدي، التفسير المعين، دار ذوي القربى، قم تـ1420 هـ.ق.

 [42] أبو عمر الداني، كتاب السنن الواردة في الفتن، دار ابن حزم، بيروت، 2005، ص 144.

[43]  م.س .ص .144.

[44]  الكوراني العاملي (علي )، عصر الظهور، دار المحجة البيضاء، بيروت، 2004، ص 216.

[45]  سورة الكهف،الآية 6.

[46]  سورة الكهف، الآية 109.

[47]  سورة الكهف، الآية الأخيرة 110.

[48]  سورة الكهف، الآية 23و24.

[49]  سورة الكهف، الآية 28.

[50]  سورة الكهف، الآية 28.

[51]  سورة الكهف، الآية 28.

[52]  سورة الكهف، الآية 29.

[53]  سورة الكهف، الآية 29.

[54]  سورة الكهف، الآية 30.

[55]  سورة النساء، الآية 69.

[56]  سورة الكهف، الآية 31.

[57]  سورة الإنسان، الآية 21 والآية 13.

[58]  انظر مثلا الزمخشري، تفسير الكشاف، دار المصحف، القاهرة، د ت، ج 5، ص191.

[59]  سورة الإنسان، الآية 19.

[60]  انظر سورة الإنسان، الآية 23.

[61]  انظر سورة الإنسان، الآية 6.

[62]  إنهم أبناؤهم المطهرون من أصلابهم ﴿يَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ﴾ (الطور، 24).

[63] الطريحي (فخرفلم تظهر الدين) دار مكتبة الهلال بيروت 1985 الجزء 1 ص 314.

[64]  الصَّدوق، علل الشرائع، دار الأعلمي، بيروت، 2007، ص57

[65] القندوزي، ينابيع المَودّة، دار الحافظ، القاهرة، 1963، ج4، ص369.

[66] الطريحي، م.س، ص 326 (هو ابن الفتى إبراهيم، وأخو الفتى علي).

[67] الطريحي، م.س، ص 326 .

[68] ابن طيفور(طاهر) يلاغات النساء، المكتبة العصرية، بيروت، 2001، ص 34.

[69] الطريحي ,م. س.

[70] انظر معاني «الرقيم» في لسان العرب، المجلد 6.

[71] إشارة إلى سورة الإنسان، الآية 16.

[72] انظر ابن جرير الطبري الإمامي، دلائل الإمامة، دار الأعلمي، بيروت  1988، ص 94 و 144 و 172 و 204 و 220 و219 .

[73]  انظر هذه المعاني في: الطريحي ( فخر الدين )، م.س، الجزء 1، ص 100-102.

[74]  ابن عربي، تفسير القرآن الكريم، ج 1، ص 417.

[75]  انظر هذه المعاني في لسان العرب، المجلد 6، ص 114.

[76] م. س، المجلد الرابع ص 493.

[77]  م. س، المجلد السابع، ص 217 و218.

[78]  انظر هذه المعاني في الطريحي ( فخر الدين )، مجمع البحرين، م. س.

[79]  خوفهم من الرجم كخوف علي بن أبي طالب عليه السلام لما اندفع فتياه الحسن والسين عليهما السلام إلى أتون المعركة بصفين إذ قال: «أمسكوا هذين الغلامين حتى لا ينقطع نسل رسول الله».

 [80] انظر في ذلك ابن منظور، لسان العرب، المجلد 12، ص 497.

[81]  ابن عربي (محيي الدين)، التفسير، دار الكتب العلمية، بيروت، 2001، ج1، ص 422.

[82]  م,س، ص422

[83]  م,س، ص422

[84]  ابن عربي (محيي الدين)، م,س، ج 1 ص192.

[85]  م، س، الصفحة نفسها.

[86]  م، س، الصفحة نفسها.

[87]  م. س، ص 191.

[88]  لنذكر ما دار بين الصادق عليه السلام و نخبة عصره، وحِوار الإمام العسكري عليه السلام مع الفيلسوف الكِنْدي.

[89]  سورة الصافات، الآية 62.

[90]  الطريحي (فخر الدين)، مجمع البحرين، ج2، ص 162.

 [91] انظر تدبّرنا في سورة المائدة.

[92]  ابن منظور الإفريقي، لسان العرب، المجلد 13، ص 116، ( ولقد نُصِرَ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم بالرُّعْب )…

[93]  ابن منظور، م. س.

[94]  ابن منظور، م. س، المجلد 8، ص94.

[95]  الطباطبائي (محمد حسين)، الميزان في تفسير القرآن،  الجزء ،13 ص 266.

[96]  م. س، ص 268.

[97]  علي بن أبي طالب، نهج البلاغة، الكتاب 49.

[98]  محمد بن أبي بكر الرازي، مختار الصحاح، دار الهلال، بيروت 1983، ص 61.

[99]  م.س , ص 61 أيضا

[100]  الكافي 1/101.

[101]  الصدوق، مَعَاني الأخبار، دار المعرفة، بيروت، 1979، ص 396.

[102]  عبد العزيز البهادلي، أمهات المعصومين عليهم السلام: سيرة وتاريخ، مركز الرسالة، قم، 1425 هـ، ص 16.

[103]  أبو الفضل بن أبي طيفور، بلاغات النساء، المكتبة العصرية، بيروت، 2001، ص 34.

[104]  الطَّبِن = الفطن.

[105]  م. س، ص 37.

[106]  اتظر خطبتها في م.س، ص 38- 39 – 41 -42.

[107]  عبد العزيز البهادلي، ص 114.

[108]  م. س، ص 117.

[109]  الإمام زين العابدين، الصحيفة السجادية، «دعاؤُه لأمّه».

[110]  م. س.

[111]  عبد العزيز البهادلي، أمهات المعصومين: سيرة وتاريخ، مركز الرسالة، قم، 1425هـ، ص 156.

. [112]…وهي ما زالت معزولة، غريبة في القصر بين أهل الكفر والظلم بواسطة حوار بينها وبين رسول الله في المنام. واضح التركيز على مقولة       «الحِفظ» القرآنية في الدعاء.

[113]  م.س، ص 148.

[114]  «ذو القرنين (…) لأنَّهُ بلغ قُطْرَيْ الأرض، مشرقَها ومغربَها» و«مَلَكَ المشرق والمغرب»، ابن منظور، لسان العرب، المجلد الثاني عشر، ص 85.

[115]  ابن منظور، لسان العرب، المجلد الرابع، ص 28.

[116]  انظر المجلسي، بحار الأنوار، ج 52، ص 336.

[117]  علي الكوراني، عصر الظهور، دار المحجة البيضاء، بيروت 2004، ص 290.

[118]  م,س، ص 257.

[119]  الداني (أبو عمر)، كتاب السنن الواردة في الفتن، دار بن حزم، بيروت، 2005، ص 153و157 (عن ابن ماجة و الترمذي و مسلم).

[120]  الطّريحي، مَجْمع البحرين، المجلد 2، ص 329.

[121]  م. س، المجلد 2، ص 173.

[122]  رواه الشيخان عن أبي سعيد الخدري رضى الله عنه.

[123]  الفيروز أبادي، القاموس المحيط عالم الكتب، بيروت، د ت الجزء 1 ص 53.

[124]  الفيروز أبادي م، س، ص 177.

[125]  الفيروز أبادي م، س، ص 177.

[126]  الفيروز أبادي م، س، ص 177.

[127]  الفيروز أبادي م، س، ص 206.

[128]  الفيروز أبادي م، س، ص 206.

[129]  جاء ذلك في شرح معنى “مجّ ” بالفيروز أبادي، م، س، الجزء 1 ص 206.

[130]  جاء ذلك في شرح معنى “مجّ ” بالفيروز أبادي، م، س، ص الجزء 1 ص 206 أيضا.

[131]  ابن عربي، تفسير القرآن الكريم، دار الكتب العلمية، المجلد 1، ص 433.

[132]  م. س، ص 433.

[133]  م. س، ص 433.

[134]  م. س، ص 433.

[135]  م. س، ص 433.

[136]  م. س، ص 433.

[137]  انظر في تفسير ﴿صَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ( سورة التحريم، الآية 4).

[138]  صيغة الماضي هنا هي صيغة عدم الزمين، صيغة الإطلاق، صيغة العصر كله، ولا غيره عصر.

[139]  ابن عربي، عنقاء مغرب في ختم الأولياء وشمس المغرب، دار الكتب العلمية، بيروت، 2009، ص 87.

[140]  م.س , ص 88.

[141]  م.س, ص 86.

[142]  في رواية أخرى بكتاب السنن الواردة في الفتن لأبي عمرو الداني، نجد «مِنْ قَبل خراسان».

[143]  مجمل حديثين بالمصدر السابق، ص 152 [و«الثلج» طبعا إشارة إلى خراسانَ فهو لا يسقط عادة بالجزيرة العربية].

[144]  إنه «سَلمانٌ» بالاكتمال المحمّدي، وقد كان حكيمًا و«مَلكًا» على إيران (لما كان وَاليًا في العهد العُمَري – العَلوي). وهو «سَلمان» لأنه أسقط الإمبراطورية الساسانية بسِلْمِيَّة، بسَوْق ناعِم. أما «السُّلَيْمَانُ» فقد كان أقل درجة منه لأن الاكتمال الموسوي (الذي ربّى السليمانية) دون الاكتمال المحمَّدي. وسيكونُ لذي القرنين، عليه السلام، سُلَيْمانُه أيضا، وربما أكثر مِن «سُليمان»، ﴿رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ﴾ (سورة الدخان، الآية 6).

[145]  الزمخشري، تفسير الكشاف، دار المصحف، الجزء 1، ص 33.

[146]  ..قبل أن يرتد بَنُو إسراءِ الإيلِ مرة أخرى ومرات ويستبدل الله تعالى قوما غيرهم وتقوم تجربة رسالية جديدة مناسبة للأمد التاريخي الجديد .

[147] البخاري، الجامع الصحيح، الحديث 6649.

 [148] https://www.almaaref.org/books/contentsimages/books/toratheyat_islameya/sefat_alshiia/page/lesson2.htm.

[149]  علي ين أبي طالب نهج البلاغة، م. م.

 [150] البخاري، الصحيح، الحديث(2493).

شاهد أيضاً

تدبّر في سورة القمر: سورة «القمر» الذي إسمه الحسين وأختِه ذاتِ «الرّيح الصرصر»…بقلم د. نعمان المغربي

تمهيد: مُفترَض أن سورة القمر تغطي ﴿ ٱلنَّبَأ﴾ الكربلائي:   كلنا نعلم حديثيْ رسول الله(ص) …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024