الإثنين , 25 نوفمبر 2024
أخبار عاجلة
اللوحة للرسام المصري محمد حجي من ديوانه التشكيلي رسام يرسم القرآن

تدبّر طالب التيسير في فضاء القرآن الكريم: تدبر في سورة الحجر

نعمان المغربي |         

 

«العُمُر» «الكبير» لرسول الله (ص) في مواجَهة

«السّبيل المقيم» لـ«الحِجْرِيّة»

  

قلب السورة﴿لَعَمرُكَ (الحجر، 72).

 

 

المقولات المركزية: «العُمُر» المحمّدي(ص) (المقولة الرئيسية): هو الكيان المحمّدي الكبير ممتدا إلى يوم القيامة فما بعده.

v    الإبراهيمية: هي الأبوّة الرّحيمية/ الرحمانية للعالمين، الممتدة حتى ﴿يَقِينانتصار الحق.

v    اللُّوطيّة: هي الالتصاق الغُلاَمِي- العليمِيّ بالإبراهيمية الخاتمة من أجل «الإسراء» بـ«الأهل» المُوَحِّد.

v    «الإمام المبين»: هو القائد اللّوطي- الإبراهيمي لتحرير «الأهالي»/«العالمين» (الإسراء).

v    «التّوسُّم»: هو مضادّ «الحِجْرِيّة».

«الحِجْرِيّة»: هي التحريم الذاتي/ الإرادي لـ«التّوسّم» ولــ«البُشرى» الفردية والجَمْعية.

 

موضوع السورة الكريمة:

«صراط» «توسُّمِ» «العُمُر» المحمّدي(ص) من أجل «قَطْعِ أدْبَار» «الحِجْريّة» وضَرْب «اقتسام» الدين و« تعضية» القرآن الكريم.

  • 1«الحِجْريّة» «سبيلٌ مقيمٌ» منذ قرون:

«الحِجْريّة» هي «سبيلٌ» بشري «مقيم»، زمانًا و«إخْلادًا» إذ «ران » على « قلوب » أكثرية من «النّاس»: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ ﴾ (الزخرف، 23)، مكذّبٌ للعقل النبوي/ للعقل الخالص.

«الحِجْرية» هي «سبيل» مِلّي «يُسكِّرُ الأبْصار»: ﴿لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ﴾ (الآية، 15) ﴿(…) إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ (الآية، 72)؛ و«سكْرتُها» تجعل «العَقْل» وسَبيلَ ﴿المُرسَلِين﴾ (=الأحرار، المتحرّرون، بما هم طَيْرِيون[1]) لا يُرَاءَان: ﴿يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَّحْجُورًا ﴾ (الفرقان، 22). وبذلك تكون «الحِجْرية» حاجزًا أمام «البُشرى» (سورة الحجر، الآيات 53 و54و 55 )، أي «السلام» الفَرْدي والجمعي والعالمي (سورة الحجر، الآية 52). و«الحِجْريّة» تجعل الإنسان رافضا لـ«الرسْلية» (=دعوة الحرية): ﴿كَذَّبَ أَصْحَابُ الحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ﴾ (الحجر (80). وتجعل القدرة على الفهم والتواصل «التَّقْرَوي» (=الاجتماعي) ضعيفة، فتكون«القلوب» «الحِجْرية» ﴿كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً﴾ (البقرة، 74).

وتتجسد«الحِجْريّة» «حِجْريّة» «سَدُومِيَّةً» أو «حِجْريّة» «أيْكِيّةً».

إن «الحِجْريّة» «السَدُومِيَّةً» «حِجْريّة» ترفُضُ «الضيْف الإب ــ راهيمي»، أي «جَبْرَ الإيلِ»، بمعنى الدعم  الإلهي[2] (= المساعدة الرحيمية/ الرحمانية) لـ«العالمين». وهي تحاولٌ إفساد «الضيف» الإلهي/ «الإب ــ راهيمي»، لـ«اقتسامه»، أي داخل المِلّة «السدومية»، أو «تعضيته»، حتى تُناسب المصَالح «السدوميّة»[3] أي الفسقية غير المسبوقة .

وقد تكون «الحِجْريّة» «أيْكيَةً». و«الأيكة» هي «جُماعُ الأشجار»، «كثيرا، ملتفًّا»، «نَاعِمًا»[4] . فـ«الحِجْريّة» الحديثة، لم تَعُدْ ﴿كَالْحِجَارَةِ ﴾ ظاهرا، بل أصبحت متظاهرة بالنعومة، حتى لا نشعر أنها «حِجْريّةٌ»، وأنها «حِجْرٌ مَحجُورٌ»: ﴿ لَا بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَّحْجُورًا(سورة الفرقان، الآية 22).

إن «الأيكية» هي «قرية» «الأيْكة»ـ أي الاجتماع الحديث ملتفًّا، جامعًا، مشبِّكًا، لكل تجارب الإنسان الشّرِّيّة/ الحِجْريّة. فظُلمُهَا هو أعلى مراحل «الاستكبار» الإنساني: ﴿وَإِن كَانَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ﴾ (سورة الحجر، 78)؛ وفعل «كان» يُفيدُ الاستمرارية الطويلة، بينما يُفيدُ لام التأكيد: ﴿لَظَالِمِينَ﴾، أن ظلمهم أوضح ظلمٍ، وأضخم ظلم على الإطلاق. فهل هناك ما أظلم من الكولونيالية الغربية و «الاستكبار» الأمريكي وزرعهما الكيان الصهيوني الشيطاني؟!!

ولقد كانت نماذج ﴿ أَصْحَابُ الحِجْرِ ﴾ دائما- عبر التاريخ- متماثلة: تكذيبًا للإرسالية (= دعوة التحرّر): ﴿كَذَّبَ أَصْحَابُ الحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ(=الأحرار، المتحررون)﴾ (الحجر، 80)، الذين ينادون بـ«الرِّسْلِيَّة» أي الحريةبما هي طيرية : ﴿ أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ﴾ (سورة الشعراء، الآية 17) [5] .

و«الإعراض» عن الآيات الواضحة من الله تعالى: ﴿وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ﴾ (الحجر، 81)، يتجلى في أمرين: «نحت الجبال» إذ﴿وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ [يستغلون] مِنَ الْجِبَالِ [بواسطتها]  بُيُوتًا آمِنِينَ﴾ (الحجر، 82)، و«الكسب الغني»، أي مراكمَةُ الإغْرَاق البيئي «المُخْسِر»: ﴿فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ﴾  (سورة الحجر، الآية 84).

 و«الجبَلُ» هنا هو «عَالِمُ الطبيعة» و«المهندس» و«عالم الإنسانيات» خادمًا لـ«السُّدوميّة» و«الأيْكيّة»، ومن ثمّة «الحِجْرية» الإنسانية، من أجل «تأمين» حياة الاستكبالر التفرعُنيّ: ﴿وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ﴾. اما «الأيْكيّة» فقد اعتمدت «أوتادًا» أي على كيانات كُمْبْرَادُورِيَّة داعمة لها.

  1. «الذّكْر» نقيضا لـ«الحجرية»:

لقد أودع الله تعالى في الذاكرة الإنسانية واقع الوجود: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ ﴾ (سورة الأعراف، الآية 172). وما «الكتاب» إلا رحمة من الله تعالى إذ هو تذكير بذلك الميثاق الفطري﴿ لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ ۖ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾  فـ«الكتاب» إنما هو تذكير بإنسانيتكم و «ميثاقكم الفطري» ولذتكم الوجودية بجمال اللاهوت. فـ«الذكر القرآني» ليس سوى تذكير «تفصيلي» بأسباب سعادة الإنسانية وحياتها الدائمة.

و «أهل الذكر» هم العالمون تماما بالمضمون التفصيلي للميثاق الفطري و «الذكر القرآني»: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ  (سورة النحل، الآية 43) هم «الأئمة المُبِينُون» لـ«تفصيله» عليهم السلام.

و قد تعهد تعالى بحفظ «الذكر القراني» صحفا و مضمونا تفصيليا كاملا دون نقص و لا زيادة و لا «تعضية» و«اقتسام» لانه متطابق تماما مع «ذاكرة الميثاق الفطري» و أوليات «العقل» و لأن له «اب راهيما» ذا عمر «كبير» عمر البشرية حتى يوم القيامة  ذي «أئمة مُبِينِين» له مع «رواسيهم» العلماء[6] إلى يوم ظهور «الغلام العليم» و هم «أهل الذكر» عليهم السلام و ذلك قوله تعالى ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾. (سورة الحجر، الآية 9). فلا معنى لتوهم الجاحدين: ﴿ وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ﴾ (سورة الحجر، الآية 6)، إذ لا يتوقعون أن «الذكر القرآني» يستطيع أن يصمد أمام المخاطر التي تهدد دوامه في القرون القادمة، بل في المدة القليلة القادمة. و تلك لَعَمْرُ رسولِ الله (ص) المعجزة الحقيقية، ذلك «الذكر» الذي يَقْطَع بواسطة «أهل الذكر» دابر «الحجرية» المحجورة.

  1. «كِبَرُ» «العُمْر» المحمدي(ص):

 لم يُقْسم الله تعالى بـ«عمْر» رسول ولا نبيّ غير «عُمْر» محمد (ص): ﴿لَعَمرُكَ ﴾ (الحجر، 72)، ذلك لأنه أعظمُهُم شأنا. فكل واحد منهم كان مكلّفا بقوم مباشِرين، بينما رسول الله (ص) مكلّف بالمباشرين له وبالمعاصرين له، وبمن بَعْدهُم إلى يوم القيامة: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ (الأنبياء، 107)، ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ (الصف، 9). فعُمره الظاهري، مباركٌ بكل جزئياته وكليّاته، ولكنه مستمرّ في العُمر الحقيقي إلى يوم القيامة، بل في الخلود بَعْدَهُ. ولذلك نصلّي عليه ونسلّم دائما، حتى في آخر الصلاة، فهل نسلم على إنسان ميّت؟!!

بدأ محمد (ص) بما قبل آدم: «كنتُ نبيّا وآدم بين الماء والطين»[7]، ﴿وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾( سورة الأنعام، الآية 163). فالنبي محمد(ص) هو «الآدم» الوجودي الأول، وأبو الإنسانية روحانيا وعرفانيا:«هذه الخلافة هي روح الخلافة المحمدية(ص)، و ربها و أصلها و مبدؤها، منها بدأ أصل الخلافة في العوالم كلها؛ بل أصل الخلافة و الخليفة والمستخلف إليه. و هذه ظهرت، تمام الظهور، في حضرة اسم “الله” الأعظم، رب الحقيقة المطلقة المحمدية(ص) أصل الحقائق الكلية الإلهية. فهي أصل الخلافة، والخلافة ظهورها؛ بل هي الظاهرة في هذه الحضرة، لاتحاد الظاهر والمظهر»[8].

 ولذلك كان «الميثاق» الإلهي مع النبيّين، ماضيًا، موجودٌ فيه سيّدنا محمد (ص): ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ: وَمِنكَ [منك أوّلا، إذ ميثاقهم معي إنما هو ميثاقهم معك. ولذلك كان كلّ نبيّ من الأنبياء يستعين بالله ويستغفر متشفعا لله تعالى بمحمد (ص)وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا﴾ (الأحزاب، 7).

فنحن مطالبون بأن نستغفر الله مباشرة، وأن نوسِّط رسول الله(ص) للاستغفار لنا في الآن نفسه: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّـهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّـهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا﴾، (النساء، 64). فلما اقترف آدم الخطيئة « قال: يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي، فقال الله: يا آدم وكيف عرفت محمداً ولم أخلقه؟! قال: يا رب لأنك لما خلقتني بيدك، ونفخت في من روحك، رفعت رأسي، فرأيت على قوائم العرش مكتوباً لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك» (رواه الحاكم).

إن «العُمُر» الحقيقي لرسول الله (ص) متجسِّدٌ في «سماءٍ» ذات «اثني عشر بُرْجًا»: ﴿لَقَد جَعَلنا فِي السَّماءِ بُروجًا وَزَيَّنّاها لِلنّاظرين﴾ (الحجر، 16). قال رسول الله (ص): «أنا السماء، والأئمة هم البروج»[9]. وتلك «السماء» و«بروجها» معصومة: ﴿وَحَفِظناها مِن كُلِّ شَيطانٍ رَجيمٍ [بنعمة العصمة ]﴾ (الحجر، 17).

ومِنْ نعمة الله تعالى على الإنسانية، وعلى هؤلاء الأئمة أن «مدّ» لهم في ﴿الأَرضَ﴾ ومن ذلك مده في عمر الإمام المهدي(ع)، ﴿وَأَلقَينا فيها رَواسِيَ﴾، [أي يهفون إليهم، ويساعدونهم، وجعل في كل مرحلة من مراحل هؤلاء ﴿المرسلين﴾/ ﴿البروج﴾ الإثني عشر قدرات منهم ومِنْ «رواسِيهم» على الإنبات المناسب لكل مرحلة]  وَأَنبَتنا فيها مِن كُلِّ شَيءٍ مَوزونٍ  (الحجر، 19).

قال ابن عربي في تفسير الآيتين 16 و17 من سورة الحجر: «﴿لَقَد جَعَلنا﴾ في سماء العقل   ﴿بروجا﴾ مقاماتٍ ومراتب من العقل الهيولاني والعقل بالملكة والعقل بالفعل والعقل المستفاد. ﴿وزيناها﴾ بالعلوم والمعارف ﴿للناظرين﴾، المتفكرين فيه، ﴿وحفظناها من كل شيطان رجيم﴾، من الأوهام الباطلة». وقال في تفسير الآية 18 والآية 19 من سورة الحجر: «﴿إِلّا مَنِ استَرَقَ السَّمعَ﴾ فاختطف الحكم العقلي باستراق السمع لقربه من أفق العقل»، ﴿ فَأَتبَعَهُ شِهابٌ مُبينٌ ﴾: « أي إشراق نوريّ من طوالع أنوار الهداية»[10].

 إن « كِبَر» عُمْر رسول الله (ص)، وهو « الإب ــ راهيم» الأعظم في الآباء الرحيمين للبشرية، يسمح له برحمة من الله تعالى أن يُتَوج  ﴿  بِغُلَٰمٍ عَلِيمٍ﴾ هو الإمام المهدي عليه السلام: ﴿ قَالُواْ لَا تَوۡجَلۡ[لا تخف على مصير رسالتك]. إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَٰمٍ عَلِيمٖ (53) قَالَ أَبَشَّرۡتُمُونِي عَلَىٰٓ أَن مَّسَّنِيَ ٱلۡكِبَرُ[ على أن تطاول العهد على ظهور رساتي والمَخاطر التي تهددها[11]]. فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54) قَالُواْ بَشَّرۡنَٰكَ بِٱلۡحَقِّ. فَلَا تَكُن مِّنَ ٱلۡقَٰنِطِينَ (55) قَالَ وَمَن يَقۡنَطُ مِن رَّحۡمَةِ رَبِّهِۦٓ إِلَّا ٱلضَّآلُّونَ (56)  ﴾ (سورة الحجر).

و«عليمية» الإمام المهدي(ع) يوضحها الإمام الصادق(ع): « العلم سبعة وعشرون حرفا فجميع ما جاءت به الرسل حرفان فلم يعرف الناس حتى اليوم غير الحرفين، فإذا قام قائمنا أخرج الخمسة والعشرين حرفا فبثها في الناس، وضم إليها الحرفين، حتى يبثها سبعة وعشرين حرفا»[12].

من الطبيعي أن يكون الإمام المهدي (ع) «لوطا محمديا خاتما» ، يتبع أثر رسول الله (ص) «اتباع الفصيل أثر أمه». وهو الذي «يسري» بنا من «السدومية» البشرية الأخيرة التي «لم يسبق فاحشتها أحد من العالمين». فـ«يسري» بكل أهله المؤمنين في آخر «الليل» البشري الطويل: ﴿ فَأَسۡرِ بِأَهۡلِكَ بِقِطۡعٖ مِّنَ ٱلَّيۡلِ وَٱتَّبِعۡ أَدۡبَٰرَهُمۡ وَلَا يَلۡتَفِتۡ مِنكُمۡ أَحَدٞ وَٱمۡضُواْ حَيۡثُ تُؤۡمَرُونَ (65) وَقَضَيۡنَآ إِلَيۡهِ ذَٰلِكَ ٱلۡأَمۡرَ أَنَّ دَابِرَ هَٰٓؤُلَآءِ مَقۡطُوعٞ مُّصۡبِحِينَ( (6﴾( سورة الحجر). إنها النهاية القاطعة، المبرمة، النهائية، لـ«الليل»، لن يقع بعدها التفات إلى الظلم  و الجور مطلقا: ﴿فَجَعَلۡنَا عَٰلِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمۡطَرۡنَا عَلَيۡهِمۡ حِجَارَةٗ مِّن سِجِّيلٍ﴾ (سورة الحجر، الآية 74). فمقاومة المهدويين المكتملة استعدادا وتضحيات استحقت الاستضافة الملائكية فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ ۚ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ ۚ وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ  (الأنفال، الآية 17).

لكن موعد ذلك «الصبح» مشروط باتباع «الصيحة» الثورية من «المشرق»، أي الالتحام العالمي بالثورة الإسلامية في إيران:  ﴿فَأَخَذَتۡهُمُ ٱلصَّيۡحَةُ مُشۡرِقِينَ ﴾( الحجر، الآية 73). فـ«التوسم» من أمراض البشرية يبدأ بتلك «الصيحة المشرقية»:﴿ فَأَخَذَتۡهُمُ ٱلصَّيۡحَةُ مُشۡرِقِينَ(…). إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّلۡمُتَوَسِّمِينَ﴾. ذلك مضمون الحديث الشريف في راية الخراساني الذي رواه الحاكم عن عبد الله بن مسعود: «أتينا رسول الله صلى الله عليه وآله فخرج إلينا مستبشرا يعرف السرور في وجهه ، فما سألناه عن شئ إلا أخبرنا به ، ولا سكتنا إلا ابتدأنا ، حتى مرت فتية من بني هاشم فيهم الحسن والحسين ، فلما رآهم التزمهم وانهملت عيناه. فقلنا يا رسول الله ، ما نزال نرى في وجهك شيئا تكرهه. فقال :
إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا ، وإنه سيلقى أهل بيتي من بعدي تطريداً وتشريداً في البلاد ، حتى ترتفع رايات سود في المشرق، فيسألون الحق فلا يعطونه ، ثم يسألونه فلا يعطونه ، فيقاتلون فينصرون. فمن أدركه منكم ومن أعقابكم فليأت إمام أهل بيتي ولو حبوا على الثلج ، فإنها رايات هدى يدفعونها إلى رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي، فيملك الأرض ، فيملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ». وذلك مضمون الحديث الذي رواه الحافظ ابو نعيم: « كأني بقوم قد خرجوا بالمشرق يطلبون الحق فلايعطونه ، ثم يطلبونه فلايعطونه. فإذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم. فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه حتى يقوموا. ولا يدفعونها إلا إلى صاحبكم ( أي المهدي عليه السلام ). قتلاهم شهداء. أما إني لو أدركت ذلك لأبقيت نفسي لصاحب هذا الأمر».

تبشر سورة الحجر بـ«قرية» عالمية عدلية ﴿وَٱلۡأَرۡضَ مَدَدۡنَٰهَا ﴾ (الحجر، الآية19) فهي تتسع لجميع «الشعوب» وفيها «معايش» متعددة ومتنوعة بالإمكان جعلها متكاملة ﴿وَجَعَلۡنَا لَكُمۡ فِيهَا مَعَٰيِشَ﴾ وفيها كل شيء مناسب للإنسان كيفا وكما ﴿وَأَنۢبَتۡنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيۡءٖ مَّوۡزُونٖ﴾ (الحجر، الآية19)  فالمنطقي أن حرمان الناس من الارتزاق بتعلة شح الطبيعة المزعوم كاذب و واهم﴿وَجَعَلۡنَا لَكُمۡ فِيهَا مَعَٰيِشَ وَمَن لَّسۡتُمۡ لَهُۥ بِرَٰزِقِينَ (الحجر، الآية20).

  1. محمد(ص) السّاجد/ المسجود له:

إن الإنسان الأوّل، «الخليفة لله تعالى»، يجب أن يكون –عقلا وبداهةً- لائقًا بالخلافة، فلا يعصي الله الحكيم، القُدُّوس، فيكون مثلهُ حكيمًّا وقُدُّوسِيًّا: ﴿إِنِّى جَاعِلٌ فِى ٱلْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾.

﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ. روى الحاكم و البيهقي أن الله تعالى «خلق سبع أرضين»، أي سبعة أطوار رسالية عالمية، «في كل أرض نبي كنبيكم، و آدم كآدم، و نوح كنوح، و إبراهيم كإبراهيم، و عيسى كعيسى». يقول ابن عربي: «آدم الأرواح محمد(ص)». وهو ما يؤكده ترتيب آية «الميثاق» بسورة الأعراف.

وباعتبار أن آدم البيولوجي ﴿عَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى﴾ (طه، 121)، فلنْ يكون هو «آدم الأوّل»، آدم المقصود بالخلافة الحقَّة. ولذلك قال رسول الله (ص): «كنتُ نبيّا وآدمُ بين الماء والطين»، ونقل عن ربّه سبحانه: «لوْلاَكَ ما خلقتُ»[13]. ولذلك كان محمد (ص) أبَا آدمَ البيولوجيّ عِرفانيّا- وجوديًّا، وكان آدمُ البيولوجيُّ أبَا محمدٍ (ص) بيولوجيا: ﴿وأنَا أوَّلُ المُسْلِمِين﴾. وعليه، يكون محمد (ص) هو أوّل الخلق قَاطبةً بالمعنى الأنطولوجي. فهو ﴿مِنْ صَلْصَال﴾، أيْ مِنْ طينَة وجودية لم تُصبْها النار الوجودية ولن تُصيبها لا في الدنيا ولا في الآخرة لمعصوميتها: ﴿مِنْ صَلْصَال كَالْفَخَّار﴾، فهي تشبِه ﴿الْفَخَّار﴾ البشري بيولوجيّا، ولكنها متميّزة عليه إنسانيًّا ومتفوقة عِرْفانيًّا.

و«الحَمَأ» هو «الحرارة»ـ، ومنه ﴿عَيْنٍ حَمِئَة﴾ و﴿مَسْنُون﴾ بمعنى «الخاضع للسُّنة الإلهية». فالرسول (ص) هو «حرارة»، أو «عَيْنٌ حمئة» في حالة حركة لا تنتهي، لأنها بالله وفي الله ومِنه. فهو المعنِيُّ بقوله تعالى: ﴿فَإِذا سَوَّيتُهُ وَنَفَختُ فيهِ مِن روحي فَقَعوا لَهُ ساجِدينَ﴾ (الحجر، 29). وذلك طبيعي، لأنه أسْجَدُ الساجدين: ﴿وأنَا أوَّلُ المُسْلِمين﴾، ﴿سَبِّح بِحَمدِ رَبِّكَ، وَكُن مِنَ السّاجِدينَ[ الاربعة عشر] ﴾ (الحجر، 98). ومنهم الإمام السجاد(ع).

وأمّا الكيان الشيطاني المناوئ للمحمدية(ص) والإنسانية، فهو بتفسير ابن عربي: « وإبليس هو القوة الوهمية، لأنها ليست من الملائكة الأرضية الصرفة المحجوبة عن إدراك المعاني بإدراك الصور، فيذعن بالقهر مطاوعة لأمر الله، ولا من السماوية العقلية فتدرك شرف آدم وتوافق عقله فيذعن بالمحبة طالبا لرضا الله. وكان جنيا: أي من جملة الملكوت السفلية والقوى الأرضية، نشأ وتربى بين ظهور الملائكة السماوية لإدراكه المعاني الجزئية وترقيه إلى الأفق العقلي ولهذا كان في الحيوانات العجم بمنزلة العقل في الإنسان وإباؤه عدم انقياده للعقل، وامتناعه لقبول حكمه، واستكباره تفوقه على الخلقة الطينية والملائكة السماوية والأرضية بعدم وقوفه على حده، من إدراك المعاني الجزئية المتعلقة بالمحسوسات وتعديه عن طوره بخوضه في المعاني العقلية والأحكام الكلية».

5.«الإمام المبين»:

           هو إمامٌ يحملُ مِنْ «عُمُر» النبي (ص) «الكبير»، الطويل: ﴿وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبينٍ ﴾ (الحجر، 79).

لم يكن البشير/ النذير لـ﴿أَصحابُ الحِجرِ﴾ واحدًا، بل كانوا عِدَّة مرسلين: ﴿وَلَقَد كَذَّبَ أَصحابُ الحِجرِ المُرسَلينَ[14] (الحجر، 80). فقد بدأت مقاومة «السدوميّة» أخلاقًا و«الحِجْريةِ» تفكيرًا، بتأسيس «العُمر» الظاهري لرسول الله (ص)، و قد استمر «اللّوط»، علي بن أبي طالب (ع) في تلك المقاومة. وقد كان ذلك «اللُّوط»[15]، أي الملتصق بكيان رسول الله (ص)، يتّبعه «اتباع الفصيل أثر أمه»، إذ يقول: «يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علما ويأمرني بالاقتداء به. ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه ولا يراه غيري. ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الاسلام غير رسول الله صلى الله عليه وآله وخديجة وأنا ثالثهما»[16]. و اكتمل ذلك «العمْر» «الكبير» بـ«بروج إثني عشر»، آخرهم هو «الغلام العليم» (ع).

إن «اللوط» هو «تطيين الحوض وإِصْلاحَه وهو من اللُّصُوق؛ ومنه حيث أَشْراطِ الساعةِ:
(ولَتَقُومَن الساعة وهو يَلُوط حوضَه)»[17]. فسيدنا علي(ع) مهمته تطيين حوض شريعة رسول الله(ص)، بواسطة التصاقه بقيمه وتربيته. وهو نقيض «السَّدْم» و«السدومية»، وهما « تغير العقل من الغم »[18]، أي عدم الالتصاق بالعقل و«الصراط المستقيم». قال سيدنا روح الله: «هذه الخلافة التي سمعت مقامها و قدرها و منزلها هي حقيقة الولاية. فإن «الولاية» هي القرب، أو المحبوبية، أو التصرف، أو الربوبية، أو النيابة. وكلها حق هذه الحقيقة، وسائر المراتب ضلّ وفيء لها، وهي رب الولاية العلوية(ع) التي هي متحدة مع حقيقة الخلافة المحمدية(ص) في النشأة والأمر والخلق »[19].

ومن بين «مُرْسَلي» رسول الله (ص)[20]، كان في سورة الحجر «اللُّوط المحمدي» الاول (ع)، وكذلك «الإمام المبين»، وهو الإمام المهدي (ع) بقرينة أنه الوحيد في مُرْسَلي رسول الله (عليهم السلام جميعا) من سيقارع «الأيْكيّة»، وهي التَّوليفة الاستكبارية التي تجمعُ وتُكثّفُ «أيْكةً» أقوى: المرحلة الرأسمالية- الإمبريالية المتأخرة.

  1. 7أبواب لجهنم قُبَالة 7 أبواب/ مَثانٍ للحضْرة المحمدية(ص):

 أبواب جهنم 7: ﴿وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوعِدُهُم أَجمَعينَ * لَها سَبعَةُ أَبوابٍ﴾ (الحجر، الآيتان 43 و44). وهي:«الحوّاس الخمس، والشهوة والغضب»[21]،

ولكي نطفئها، فلا تَحْترقُنا، علينا ان نستوعب ﴿سَبعًا مِنَ المَثاني﴾ المحمدية، أي «التي كرَّر وثنّى ثبوتها لك أولاً في مقام وجود القلب عند تخلقك بأخلاقه، واتصافك بأوصافه، فكانت لك. وثانياً: في مقام البقاء بالوجود الحقاني بعد الفناء في التوحيد  ﴿والقرآن العظيم﴾ أي: الذات الجامعة لجميع الصفات وإنما كانت لمحمد عليه الصلاة و السلام سبعاً، ولموسى تسعاً لأنه ما أوتي القرآن العظيم بل كان مقامه التكليم، أي: مقام كشف الصفات دون كشف الذات، فله هذه السبع مع القلب والروح»[22].

 إنه «الرحمة الإلهية»، و﴿صراطه المستقيم﴾ هو سبيلنا للنجاة من النار: ﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّـهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّـهُ ﴾ (آل عمران، 31)، ﴿ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ (الزخرف، 43).

جاء في الدعاء السّجّادِيّ: « اللّهمَّ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد أَمِينِكَ عَلَى وَحْيِكَ، وَنَجِيبِكَ مِنْ خَلْقِكَ، وَصَفِيِّكَ مِنْ عِبَادِكَ، إمَامِ الرَّحْمَةِ وَقَائِدِ الْخَيْرِ وَ مِفْتَاحِ الْبَرَكَةِ، كَمَا نَصَبَ لاَِمْرِكَ نَفْسَهُ، وَ عَرَّضَ فِيْكَ لِلْمَكْرُوهِ بَدَنَهُ، وَكَاشَفَ فِي الدُّعَآءِ إلَيْكَ حَامَّتَهُ ».

  1. مقولة «التَّوسُّم» مضادّة لمقولة «الحِجْرية»:

  «التَّوسُمُ» هو معرفة السِّمات والعلامات. و«التَّوسُّم»، هو «التَّفرُّس» والبحث عن آثار الحُسْن والجَمال. و«التَّوسُّم» هو البحث عن «المَوْسِم»، أي عن مَجْمَع الكوثر و عن التطبب بطبه الشافي حتما، والبحثُ عن «الوَرَع».

فـ«التَّوسُّم» هو معرفة لـ﴿تِلكَ آياتُ الكِتابِ وَقُرآنٍ مُبينٍ﴾ (الحجر، 1)، وهي البحث في «القرية»[23] الراهنة وسنتها و«كتابها المعلوم» (الحجر، الآية4)، ﴿قَد خَلَت سُنَّةُ الأَوَّلينَ﴾ (الحجر، 13). وهو البحث في «المعايش» القائمة (الآية 30) لأنها «مجعولة لنا»، أي ميسَّرة لنا بسُننها، فلا بد من معرفة خزائنها: ﴿وَجَعَلنا لَكُم فيها مَعايِشَ وَمَن لَستُم لَهُ بِرازِقينَ ﴿٢٠ وَإِن مِن شَيءٍ إِلّا عِندَنا خَزائِنُهُ. وَما نُنَزِّلُهُ إِلّا بِقَدَرٍ مَعلومٍ﴾ (الحجر، الآيتان 20 و21). و وجود «الخزائن» هو الكفيل بأن يساعد المهدي(ع) و المهدويين على إعادة العناصر الطبيعية «المنصرمة» (=المنقرضة ).

إنّ «التَّوسُّم» لا يكون إلاّ بتتبّع «إنباء» الحقيقة المحمّدية: ﴿نَبِّئ عِبادي أَنّي أَنَا الغَفورُ الرَّحيمُ* وَأَنَّ عَذابي هُوَ العَذابُ الأَليمُ * وَنَبِّئهُم عَن ضَيفِ إِبراهيمَ ﴾ (الحجر، الآيات: 49، 50 و51). و﴿ضَيف إِبراهيم ﴾ هو استضافة البعد النبوي أي استدماج الأبوة الرحيمية المحمدية في الأفعال الإنسانية.

آياتُ «التوسُّمُ» (علاماته وسِماته) تُختزل في الآيات الإبْ-رَاهيمية، أي في آية الأبوّة الرحيمية بكل مرحلة رسالية؛ ومنها «الآية اللُّوطية»، و«الآية الغُلامية العَليمة»، وهي على «سبيل» قائم واحد، فهُم واحدٌ (هو محمد (ص)) وإن كانوا إثني عشر «بُرْجًا»: ﴿إنَّ في ذلِكَ لَآياتٍ [فالإبراج علاماتٌ للاهتداء] لِلمُتَوَسِّمينَ (75) وإنَّهَا لَبِسَبِيل مُقِيم (76)﴾. ﴿ إِنَّ في ذلِكَ لَآيَةً [واحدة، وحيدة] لِلمُؤمِنينَ (77). فهم ﴿آيات﴾ ظاهرًا، ولكنهم – كما يؤكد هذا المقطع الشريف ــ ﴿آيَةً﴾ واحدة، لأنهم كلهم محمد(ص).

«التوسُّم» هو البحث الأخلاقي الدائم: ﴿ وَنَزَعنا ما في صُدورِهِم مِن غِلٍّ إِخوانًا عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلينَ(47) لا يَمَسُّهُم فيها نَصَبٌ وَما هُم مِنها بِمُخرَجينَ (48). فهم في سعادة نفسية دائمة: ﴿إِنَّ المُتَّقينَ في جَنّاتٍ وَعُيونٍ (45) ادخُلوها بِسَلامٍ آمِنينَ  (46)﴾. فلا جنة فردية ولا جماعية إلا بـ«إقرار السلام» و«الأمن». ذلك النزع للأغلال، يتجلّى في أفعال جميلة: ﴿وَاخفِض جَناحَكَ لِلمُؤمِنينَ﴾ (الحجر، 88)، ورغم أنك أمام المخالفين المؤذين ﴿ يَضيقُ صَدرُكَ بِما يَقولونَ ﴾ (الحجر، 97)، ﴿ فَاصفَحِ الصَّفحَ الجَميلَ ﴾ (الحجر، 85).

  1. «التّوسّم» مضادًّا لسَوْق «تَعْضية» القرآن الكريم و«اقتسام الدِّين»:

«تعْضِية» القرآن الكريم هي جعلُهُ أعضاءًا ميّتة متناثرة، حتى لا يبقى كيانًا واحدًا، حيًّا، متناميًا، قادرًا على التأثير في الواقع، فكانوا هم ﴿المُقتَسِمينَ * الَّذينَ جَعَلُوا القُرآنَ عِضينَ ﴾ (الحجر، 90 و91). لقد «اقتسموا» القرآن الكريم، أجزاءًا لا علاقة بينها، وجعلوا السورة أجزاء لا رابط بينها، فلا يكون القرآن كلاًّ متماسكًا؛ ولا تكون السورة فيه جسدًا حيًّا، متداعية الآيات والمقولات. وهم من ﴿المقتسمين﴾ إذا اقتسموا القرآن الكريم بمناسَبات تزول حقّة وباطلة، وجعلوها «أسبابًا» للنزول لا مجرّد مناسبات، ولا مجرّد تطبيقاتٍ وقتية.

وقد «اقتسموا» الدين، فجعلوه بين إلههم (= «الهوى») وبين الإله الحق: ﴿ الَّذينَ يَجعَلونَ مَعَ اللَّـهِ إِلـهًا آخَرَ ﴾ (الحجر، 96). وبذلك جعلوا لأنفسهم 7 أبواب لجهنم: ﴿لَها سَبعَةُ أَبوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنهُم [= مِن كياناتِهم نفسها] جُزءٌ مَقسومٌ ﴾ (الحجر، 44)، فالنفس بذلك لا تكون كلاًّ واحدا متكاملا، بل تكون منقسمة على نفسها. جاء في «الذكر القراني» عن «السامري»: ﴿ قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ. فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ، فَنَبَذْتُهَا، وَكَذَٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي ﴾ (سورة طه، الآية 96) [24].

إنّ «توسُّم» القرآن الكريم أي طلب طبه و علاماته و سننه  يقتضي عدم «اقتسامه»، بجعله كيانا حيًّا، واحدًا، لإله واحد، عَبْر «آية» واحد و«آيات» مِن تلك الآية (= الرسول (ص) و«بروجه» الإثنى عشر).

وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) حسب توصيف «الإمام المبين» علي(ع): «طَبِيبٌ دَوَّارٌ بِطِبِّهِ قَدْ أَحْكَمَ مَرَاهِمَهُ وَأَحْمَى مَوَاسِمَهُ يَضَعُ ذَلِكَ حَيْثُ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ مِنْ قُلُوبٍ عُمْيٍ وَآذَانٍ صُمٍّ وَأَلْسِنَةٍ بُكْمٍ مُتَتَبِّعٌ بِدَوَائِهِ مَوَاضِعَ الْغَفْلَةِ وَمَوَاطِنَ الْحَيْرَةِ»[25]. فهو لا يقبع في عيادته بل يَدُور بين الناس باخعا نفسه في الذهاب إليهم، معالجا لهم باللين والترغيب(« المراهم») والحزم والترهيب (« المواسم»)، و «المَوْسِم» هو آلة حديدية توضع في النار لتوسيم جلود الأنعام. فإذا أردنا أن نكون من «المتوسِّمين»  علينا أن نفتح «أنعامنا»[26] (=نفوسنا) لهذا «الطبيب الدّوّار» حتى يرفع الله تعالى عنا كل أمراض تلك «الأنعام ».

خاتمة:

     من عوامل حفظ الله تعالى للإنسان أن جعل له «ذكرا» هو القرآن الكريم. وقد حفظ الله تعالى ذلك «الذكر» بعدة عوامل أهمها «العُمُر» «الكبير» لرسول الله (ص)، مع وجود «إمام مبين» في كل مرحلة من ذلك «العمر» يبين «تفصيل» ذلك «الذكر». و«توسمنا» أفرادا وجماعة يمر عبر ذلك «الذكر» و«أهل الذكر».

 

[1]  انظر تدبرنا في الكيان السوري:الفيل وقريش.

[2]  ومنه كان «جبْر الإيل» (جَبْرَائيل) أي «قوة الله»

[3]  انظر تدبرنا في سورتي الشمس والإسراء.

[4]  راجع ابن منظور، لسان العرب، مادة: أ.ي.ك.

[5]  راجع تدبرنا في الكيان السوري الفيل و القريش.

[6]  انظر تدبرنا في سورة الطور.

[7]  رواه السيوطي، وقال الأرناؤوط والألباني: «صحيح».

[8]  الموسوي(روح الله)، مصباح الهداية إلى الخلافة والولاية، مؤسسة تنظيم آثار الإمام ونشرها، ص 26.

[9]  رواه مستدرك الوسائل.

[10]  ابن عربي، ص 375 و376.

[11]  انظر تدبرنا في سورة الكهف.

[12]  العلامة المجلسي ، بحار الأنوار، ج 52، ص 336 .

[13]

[14]  … وهذا دليل آخر على إسقاطية «المفسّرين» الذين قالوا إن أصحاب الحجر هم «ثمود». فلم يكن لثمود التاريخية سوى مرسل وحيد هو سيدنا صالح.

[15]  من العيب المبين أن ننسب الفاحشة التي لم يسبق إليها أحد من العالمين سَدُوما إلى من قاومها، وهو لوط سيدنا ابراهيم بن تارح(ع) الذي التصق بقيمه الأخلاقية ورسالته منذ طورها العراقي.

[16]  ابن أبي طالب، في البلاغة، دار المعارف، بيروت، 2003، ص157.

[17]  ابن منظور، مادة «لاط» .

[18]  ابن منظور، مادة «س د م» .

[19]  الموسوي(روح الله)، م.م، ص36.

[20]  تماما كسيدنا عيسى (ع) إذ أرسل 3 مرسلين إلى أنطاكية.

[21]  ابن عربي، تفسير القرآن العظيم، تفسير سورة الحجر.

[22]  ابن عربي، تفسير القرآن العظيم، ج2، ص 638.

[23]  انظر تدبرنا في سورة الإسراء.

[24]  راجع تدبرنا في سورتي طه و الأعراف .

[25]  جاء ذلك في نهج البلاغة، ج2، الخطبة 108.

[26]  انظر تدبرنا في سورة الأنعام.

شاهد أيضاً

تدبّر في سورة القمر: سورة «القمر» الذي إسمه الحسين وأختِه ذاتِ «الرّيح الصرصر»…بقلم د. نعمان المغربي

تمهيد: مُفترَض أن سورة القمر تغطي ﴿ ٱلنَّبَأ﴾ الكربلائي:   كلنا نعلم حديثيْ رسول الله(ص) …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024