بقلم: د.نعمان المغربي (باحث في علوم الأديان المقارنة – جامعة الزيتونة)
§ المقولات المركزيّة: – «الشمس»: مَرْكز دائرة الوجود، مِن الأزل إلى الأبد، وهو سِراج الحقيقة المحمدية. – «العُقبى/العاقبة»: هي اكتمال انتشار الشمس المحمدية، سراجًا وهَّاجًا، بتعميم التقوى على جميع الإنسانية. – «الناقة»: هي الأبراج السماوية ذات الأناقة التي تنشر الشمس المحمّدية، بلِباس الولاية، أمَدًا بَعْد أمد، حتى اكتمال انتشارها. – «التقوى». § موضوع السورة: تدرّج إفاضة الشمس المحمّدية على الأرض الإنسانية حتى العُقبى التقوية: الفردية الاستلهامية، والجماعية التّعَمُّمية. |
- ﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا﴾: هل يمكن لله تعالى أن يُقسم بالهِلْيُوم والحجارة والأَخْوِبَةِ[1]؟!!
إن «الشمس» في القرآن الكريم ليس هي كوكب الهِلْيوم. والدليل هو سورة يوسف: ﴿إِنّي رَأَيتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوكَبًا وَالشَّمسَ وَالقَمَرَ رَأَيتُهُم لي ساجِدينَ﴾: (سورة يوسف، الآية 4). إن شمس عصر يوسف (ع) هو أبوه. وقمر عصره هو أمه. أما الكواكب الإثني عشر (وليس الأبراج المقدسة) فهم إخوته: ﴿وَرَفَعَ أَبَوَيهِ عَلَى العَرشِ وَخَرّوا لَهُ سُجَّدًا. وَقالَ: يا أَبَتِ هـذا تَأويلُ رُؤيايَ مِن قَبلُ﴾: (سورة يوسف، الآية 100).
فالشمس هي مركز السماء النبوية المحمدية، أي الدورة الرسالية الخاتمة، وهذا المركز هو محمد (ص)؛ و«ضُحَى» هذه «الشمس» (صلَّى الله عليها وعلى آلهَا) هو وُجوده التاريخي المقدس بين مكة المكرمة والمدينة المنوّرة: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّـهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا﴾: (سورة الأحزاب، 45 و46).
قال ابن عربي: «… روحه (ص) هو الشمس الذي يستمد منها كل الرسل والأنبياء والخلفاء»، وكذلك أهل النفوس المستصلحة.
- ﴿وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا﴾: «القَمَر» بمعنى البُرج الذي ينتمي إلى سماء الشمس المحمدية، والذي يتلوهُ مُبَاشرة: ﴿إِذَا تَلَاهَا﴾، وهو الإمام علي، عليه السلام: ﴿أَفَمَن كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّهِ [النبي]، وَيَتلوهُ شاهِدٌ مِنهُ﴾: (سورة هود، الآية 17).
- ﴿وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا﴾: أُقْسِمُ بظهور الأبراج الإثني عشر، فيكونون «أهل الرقيم».
- ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا﴾: أقسم بغيبة الأبراج الإثني عشر، فيكونون «أهل الكهف». (راجع: تدبر في سورة الكهف).
- ﴿وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا﴾: أُقْسِمُ بعظمة الدورة الرسالية المحمدية، وأقسم ببانيها: محمد (ص).
- ﴿وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا﴾: «الطَّحْو» هو البَسْط. أي: أُقْسِم بالأرض لمّا تُصبح مَبسُوطَةً بالعَدْل. يقول الإمام السجّاد في دعائه: «وأَلْبِسْنِي زينةَ المتقين في بَسْطِ العَدْلِ» (الصحيفة السجادية).
- ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا﴾: أقسم بكل نفس عارفة، مارسَتْ المجاهَدَات الضرورية حتى استوتْ في مقامات الكمال، كمالاً بعد كمال. ﴿مَا سَوَّاهَا﴾: هو مضمونها الاستوائي، أو هو مَنْ سَوَّاها، وهو الاقتداء والتماهي بالذات المحمدية، المربّي والمسوّي الأعظم، وشمس الكون.
- ﴿فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾: يستطيع الباني المربي محمد (ص) أن يلهم النفوس الصّالحة الفهم السريع للأحداث فتعزم على المَعْزَم المناسب، الأقرب للتقوى والأبعد عن الضجور.
- ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا،وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾: قد أفلح من استجاب لإلهام الشمس المحمدية، فزكّاها، متجنبا الخسران بتدسيسها، أي بإبعادها عن الشمس.
- ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا﴾: الثمودية هي النزعة الطَّغْوائية بالشعب السُّوري، وقد تركّزت أكثر في قبيلة «كَلْب»، وقد كانت من مشركي المسيحية السورية (وليس من مؤمنيها)، وكانت أم يزيد وأنصار معاوية رؤساءَها.
- ﴿إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا﴾: هو يزيد بن معاوية، وجنوده الأمويون بالعراق.
- ﴿فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّـهِ: (نَاقَةَ اللَّـهِ وَسُقْيَاهَا!)﴾: أيْ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّـهِ (ص): «الله! الله! في أهل بَيْتي. أوصيكم الله في أهل بيتي!». وبيّن لهم جَمال أهل بيته وضرورة ذلك الجمال حتى تستمر الأمة الإسلامية، بل تكامل البشرية عمومًا: ﴿نَاقَةَ اللَّـهِ!﴾، و«الناقة» جَمْع تكسير لِـ«أنيق»[2]، وهو «الجميل المُعْجِب». ﴿وَسُقْيَاهَا!﴾، إذ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّـهِ عن هؤلاء «الناقة»/«الأنيقين»: «نحن، أهل بيت لا يُقاسُ بنا أحدٌ» (ابن عساكر، الديلمي).
- ﴿فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا﴾: لم يكتفوا بتكذيب النبي في عظمة أهل البيت وضروريتهم، بل قتّلوه تقتيلا (هُمْ والعباسيون بَعْدَهُم)، فكانت مجزرة كربلاء الفظيعة.
- ﴿فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا﴾: جعل على الأمة، إذْ جزء منها كان في جنود يزيد الطاغية، وجزء آخر سلّم الحسين و«ناقته» إلى الطاغية ولم ينصروه (علماء الدين آنئذ)، فعاقبهم (وقعة الحرّة، وقعة المَرَّة، وقعة المدينة، وقعة العظيمة)، وتعرّض الأمة للاحتلالات العظيمة (الصّليبيون، الاحتلال الأوروبي…)، وعدم السَّبْق إلى الحداثة العلمية والتّقانية…
- ﴿وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا﴾: وَرَغْمَ ذلك لا يخاف الله تعالى مِن «عُقبى» الشمس المحمدية، وهي العُقْبَى المهدوية المنتصرة[3]. ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾: (سورة القصص، الآية 83). فلقد كانت العُقْبَى لهم لأنّ تسوية نفوسهم سلّمُوها للشمس المحمدية: ﴿فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾:.
******************************************************
[1] «خوِي» بإمالة الواو في العربية-السريانية (=«خَوَاء» في العربية المُضَرية)، جعلها الإغريق: «خَوُوس»، ولما اكتشف الكيمياوي الهولندي هِلْمُونْت هذه المادة سمّاها بلغته: Gas، وجعلها العرب الجاهلون بلغتهم: «غاز»، وهي غير موجودة بالعربية، بل غير خاضعة لأوزانها!! وهكذا تنقلب الكلمة العربية إلى مقابل هجين!!
[2] …راجع: تدبر في سورة الأنعام (هناك تناول لمقولة «الناقة»).
[3] راجع: تدبر في سورة البروج…