منذ مطلع القرن الحالي , وتحديداً بعد أحداث أيلول 2001 , تضاعف عدد البقع والساحات الساخنة , واستعرت الحروب بشكلٍ كبير, ومع إختلاف الذرائع والمسببات , تصدرت الولايات المتحدة لائحة المهاجمين , وانقسم العالم بين مراقبٍ وصامت , ومؤيدٍ وداعم تحت العباءة الأمريكية , وما بين رافضٍ ومتخوف من تداعياتها ونتائجها وحدود إنتشار نيرانها ..
ومن اللافت أن تظهر تركيا كعامل مشترك في جميع الأحداث والصراعات التي حدثت ولا يزال يشهدها العالم حتى اللحظة , إما كطرف مباشر أو غير مباشر, وأقله كجهة مؤثرة عبر دعمها السياسي والإقتصادي والعسكري لأحد أطراف الصراع , والأهم أنها شكلت الخزان الرئيسي لتجميع وتدريب الإرهابيين , وإرسالهم إلى الساحات الساخنة , وشيئاً فشيئاً , تتحول تركيا نفسها إلى الحدث الأبرز في الحدث , ويلمع نجم أردوغانها وخارجيتها , وتضج وسائل الإعلام بتصريحاتهم , أو بتهديداتهم , أو بوساطتهم , الأمر الذي يؤكد أنها تلعب دوراً رئيسياً في الأحداث الدولية , بما يفوق قدراتها وإمكانياتها , تبعاً لمشاكلها الداخلية , وأزماتها الإقتصادية , ناهيك عن إنعدام ثقة المجتمع الدولي بالرئيس أردوغان وحكومته , التي إعتمدت سياسة الأرجحة على حبال الدول العظمى.
ولا يخفى على أحد , أنها عرضت وساطتها في الأزمة الأوكرانية قبل أن تتفاقم , وتحولت بعد خمسة عشر يوماً لبدء روسيا بعمليتها العسكرية الخاصة لنزع سلاح النازيين الأوكران , وبعدما بلغت كرة “الثلج” حجماً بدأ يهدد العالم بإندلاع الحرب العالمية الثالثة , نتيجة الدعم السياسي والعسكري والإعلامي , الأمريكي والبريطاني والأوروبي عموماً , وعديد الدول التي تدور في الفلك الأمريكي , بالإضافة إلى دعم حلف الناتو والإتحاد الأوروبي .
ففي الوقت الذي أدانت فيه تركيا العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا , لم تتوقف عن تقديم كافة أشكال الدعم للرئيس الأوكراني وحكومته ونازييه الراديكاليين , واستمرت بتزويدهم بالطائرات القتالية بدون طيار, وبتعميق كافة أشكال التعاون العسكري بينهما , ناهيك عن إرسالها اّلاف المقاتلين والإرهابيين , الذين يعملون تحت رعايتها وقيادتها , ممن تحتفظ بهم في مناطق إحتلالها في سوريا وليبيا , ومن تستجرهم وتجندهم عبر شركاتها الأمنية غير الشرعية في اّسيا الوسطى وأفريقيا وغير دول , لمواجهة القوات الروسية في أوكرانيا.
إن سعي تركيا لزج إرهابيي التنظيمات الإسلامية القاعدية , في ساحات أوكرانيا لمواجهة القوات الروسية , يكشف نواياها بدمج التنظيمات الإسلامية القاعدية مع الراديكاليين النازيين الأوكران , لإنتاج إيديولوجيةٍ جديدة مختلطة , أساسها العداء للأمة الروسية وإيديولوجيتها القومية – الأورثوذوكسية بشكلٍ رئيسي , وبما يسمح لهم بمواجهتها وقتالها على جبهتين قد تتخطى حدودهما الأراضي السورية والروسية.
فقد أكد الإرهابي سهيل حمود الملقب بـ “أبو تاو” الموجود في إدلب , عبر موقعه على تويتر, استعداده للذهاب ودعم الجيش الأوكراني , فيما نشرت بعض مواقع التواصل الإجتماعي عن الإرهابي المعروف بإسم “أبو ماريا القحطاني” قوله: “إذا قاتل مسلمٌ الروس في أوكرانيا وهزمهم ، فسيكافىء في السماء ، وإذا قتل فسيكون شهيداً في حربٍ مقدسة”.
ويبقى السؤال , ما هي طبيعة الدور والوساطة التي تلعبها أنقرة , هل تبدو وسيطاً محايداً , وهي التي تبدو أقرب إلى حليفٍ عسكري بالنسبة لأوكرانيا , ورأس حربةٍ لحلف الناتو , وقارعاً لا يمل على أبواب الإتحاد الأوروبي !.
وفي الوقت ذاته , تسعى تركيا – أردوغان دائماً للحفاظ على علاقاتها مع روسيا , على الرغم من لدغها ما بين الحين والحين , واسترضاء الرئيس الروسي كلما تأجج استياؤه وغضبه من غدرها , وسط إدراك موسكو أن تركيا لا تنفك عن محاولاتها لمنافستها , لا بل وإقصائها عن مناطق نفوذها تحت عباءة المشروع الطوراني , والعثمنة القديمة – الجديدة , التي لا تحيد في جوهرها عن المشروع الصهيو – أمريكي الغربي المعادي لروسيا , وهذا يزيد بطبيعة الحال درجة تعقيد العلاقات الروسية – التركية , ويجعلها غير قابلة للتفسير لدى البعض , خصوصاً وأنها تتعدى صفقة شراء نظام الدفاع الجوي S-400 الروسي , وسط الحديث عن قيام روسيا ببناء أول مفاعل نووي في تركيا ، وببناء خط أنابيب تحت البحر الأسود يصل إلى تركيا ، في الوقت الذي تُعتبر فيه روسيا أهم مورّدي الطاقة بالنسبة لتركيا , وتستورد منها سنوياً أكثر من 90٪ من احتياجاتها … ومع ذلك قامت مؤخراً بإدانة العملية العسكرية الروسية , وبإستغلال إتفاقية مونترو لعام 1936, بمنع وصول القطع الحربية البحرية الروسية إلى شواطئ أوديسا.
وفي سياق سعي الرئيس التركي للتمهيد لدور وساطته , أكد يوم أمس الأول , للرئيس بوتين في إتصال هاتفي , استعداد تركيا “لإستخدام الدولار واليورو والروبل والذهب واليوان في التجارة بين البلدين” , كذلك استقبل رئيس الكيان الإسرائيلي في أنقرة , وقام وخارجيته بسلسلة لقاءات واتصالات , لتجميع كافة الخيوط التي تتيح له لعب دور الوسيط.
وقد استطاعت تركيا بالفعل جمع وزيري خارجية روسيا وأوكرانيا اليوم في انطاليا , وسط توقعات منخفضة لنجاح الوساطة التركية حالياً , لعدم توفر أية أرضية سياسية للحل اليوم , ولا يزال الرهان الأمريكي والغربي يصب في إطالة أمد المواجهات العسكرية لإغراق موسكو في المستنقع الأوكراني , واستغلال ذلك في تطبيق أقسى العقوبات وإلحاق الضرر بالإقتصاد الروسي , كذلك لن يتخلى الروس عن شروطهم المتعلقة بحماية حدودهم وأمنهم القومي , وبمنع أوكرانيا من الإنضمام إلى حلف الناتو عبر نصٍ دستوري , ناهيك عن مدى إمكانية تخلي موسكو عن خلع الرئيس الأوكراني ونظامه السياسي المعادي لروسيا.
ليس من باب المصادفة أن تتواجد تركيا سياسياً وعسكرياً وإقتصادياً وإرهابياً , في كافة الصراعات الدولية , خصوصاً وأنها لا تملك إمكانيات تمويل قواتها وخوض المعارك بعيداً عن أراضيها , بالإضافة لعدم قدرتها على تلبية مطالب واحتياجات الأطراف التي تحاول التوسط بينها.
الوسوماوكرانيا ميشيل كلاغاصي
شاهد أيضاً
72 ساعة لولادة الشيطان الجديد.. أمريكا بلا مساحيق التجميل…بقلم م. ميشال كلاغاصي
ساعات قليلة تفصل العالم عن متابعة الحدث الكبير, ألا وهو الإنتخابات الرئاسية الأمريكية, و”العرس الديمقراطي” …