الثلاثاء , 26 نوفمبر 2024
أخبار عاجلة

حتى لا تكون مقاومة التطبيع واجب عزاء!!…بقلم د. ياسر عبيد الله

أقدمت دولة الإمارات العربية “العظمى” على إقامة علاقات رسمية علنية مع الاحتلال الصهيوني تحت مرأى ومسمع الأمتين العربية والإسلامية، بما فيها الشعب الفلسطيني بكل قواه الوطنية والإسلامية، وأمام ومسمع العالم بأسره، وتتبجح بذلك دون أي رادع يكبح جماح هذه الدويلة ويوقف السير نحو إقامة علاقات تحالف أمنى استراتيجي مع كيان الاحتلال. ويبدو أنه ينطبق على هذا الحال العربي المؤلم، المثل العربي القائل: “قله يا فرعون مين فرعنك؟ قله ما لقيت حد يردني”.

فعن الأمة العربية، حدث ولا حرج، فقد باتت أمما وأقطارا شتى، وكل واحدة تعاني الانقسام والتمزق، وصل في العديد منها حد الاحتراب والحرب الأهلية، وبات كل حاكم همه الاستحواذ على مقدرات بلده ويبحث عمن يحمي عرشه. أما الحركة الوطنية الفلسطينية، فأصابها ما أصاب بقية العرب من انقسام وتمزق، وابتعدت عن مهمة التحرر الوطني، وتخلت عن الكثير من أسلحتها وتكتيكاتها وأعمالها، التي كانت تخيف القاصي والداني وتجعل الجميع يحسب لها حسابا، وبديلا للتأثير بالإقليم والدول والحكومات عبر فعلها الثوري وعلاقاتها بالجماهير الشعبية العربية، تركت فراغا سمح بتسلل مرتزقة ومارقين إلى أحضان تلك الدول بمباركة وصناعة وتلميع من الموساد الإسرائيلي وجهات استخبارية إقليمية ودولية، وتم توجيههم عبر مصالحهم للتأثير على مواقف الحكومات العربية، وترويض وحرف وطبخ سياساتها، كما حدث مع الامارات، بما يخدم أهداف الكيان الصهيوني.

بعد هذا، هل يكفي أن نقول لا للتطبيع؟ طبعا لا يكفي، ولا يكفي أن نستنكر الضّمّ وصفقة القرن، ولا يكفي أن نرفض بقاء الانقسام ونؤكد على ضرورة انهائه، لا يكفي أن نتغنى بالمقاومة كشعار، بل يجب أن تنتقل هذه المواقف والشعارات إلى فعل وتحرك ديناميكي سريع عبر آليات عمل ثورية ونضالية كفؤة وفاعلة، سواء على صعيد الداخل الفلسطيني أو الخارج، وبأدوات نضالية كفاحية تستطيع أن تتحمل مسؤولية هذا الفعل وتقوده نحو إعادة الاعتبار لوهج الحركة الوطنية التحررية الثورية.

فللأسف تحولت الثورة الى عمل دبلوماسي ناعم والى أعمال روتينية بيروقراطية ووظيفة مدنية وولاءات مدفوعة الأجر، وتحول الشعب الى تجمعات ومجمعات مصالح واقطاعيات للاستزلام والانتفاع والاستخدام، وتحولت القضية الى مسألة، والصراع الى نزاع، والمقاومة الى حراك، وتحولت المواقف الثورية الى شعارات وكليشهات تردد في المناسبات، وتحول الفعل الثوري التحرري الى مجرد رفض واستنكار واحتجاجات، وتحولت القيادات الثورية الى شخصيات همها ان تلتقط لها الصور وتنشر مراسم دروع تكريمها و”أفعال خيرها” على شاشات التلفاز وصفحات الجرائد ومواقع التواصل الاجتماعي. فهل يكفي هذا ليحرر وطنا؟ وهل يكفي لردع من تسول له نفسه التطاول على الوطن والثوابت؟

أين هو ذلك العمل الكفاحي المتفاني الذي كان يعبر عن إرادة الجماهير ويوجه فعلها نحو الثورة والتغيير وإبراز ابداعاتها وقوتها وتأثيرها التي كانت تهز أركان الاحتلال وأعوانه وحلفائه الإقليميين والدوليين؟

وليس صحيح أن الجماهير قد فقدت ارادتها في التحرر والخلاص من الاحتلال وأنها منشغلة بلقمة العيش فقط! إرادة الجماهير لا زالت ماثلة، وقوتها كامنة، وكل المؤشرات تدل أن ثمة بركان يغلي داخل المجتمع، والمهم كيف تربط القضية الوطنية بلقمة العيش وهموم الحياة، وكيف تفجر طاقات الجماهير وكيف يوجه انفجار الجماهير نحو الاحتلال وأعداء الشعب، المسؤولين عن جذر المأساة التي يعاني منها.

إنّ العجز العربي والإسلامي عن وقف وردع عملية التطبيع الثلاثية الأخيرة، وعن افشال صفقة القرن والضم وكل المشاريع التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية وتجاوز الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية المشروعة، ليس قدرا أبديا، ويجب أن لا يدفع نحو الاستكانة والاستسلام، بل أن يشكل للغيارى والشرفاء عامل انتفاض على هذا الواقع المتردي، ومن يتصفح ويراجع التاريخ يدرك أن الشعب الفلسطيني والأمة العربية كانت تنهض دائما بعد الخراب والهزائم والنكبات، وينبري من صفوفها شرفاء وقادة طليعيين يحركون جماهير الشعب التواقة للحرية والخلاص من استبداد الأمراء والسلاطين والديكتاتوريين وأعوان الاستعمار والغزو الأجنبي. وقد رأينا كيف ان الموقف الفلسطيني الموحد الرافض لصفقة القرن والضم والتطبيع قد أثر على دول الإقليم والعالم، وأنه بثباته قادر على الضغط والتأثير. ولكن ذلك لا يكفي لردع المتآمرين، بل يجب أن يطور هذا الموقف ويتعدى المناشدة وشعار الرفض الى فعل حقيقي على الأرض عبر استراتيجية وطنية موحدة تضع نصب عين القائمين على تنفيذها التعبير الحقيقي عن إرادة الجماهير الشعبية والمصالح الوطنية العليا، وإعادة الاعتبار لحركة التحرر الوطني الفلسطينية كطليعة متقدمة لحركة التحرر العربية والعالمية، وكقوة يحسب حسابها من الجميع.

وأنها لفرصة اليوم، في ظل وحدة الموقف الفلسطيني، في ظل مواقف القوى والمنظمات العربية التي استفزها التطبيع السافر، والتي شجعها الموقف الفلسطيني أن ترفع من وتيره صوتها للضغط على الحكام العرب، هي فرصة لأن يعاد الاعتبار لعلاقة منظمة التحرير الفلسطينية وقوى الثورة الفلسطينية بالجماهير العربية وقواها الحية، وبحيث تؤطر هذه العلاقة وتعزز بفعل عربي شعبي موحد فاعل في الضغط على الحكام العرب وإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية باعتبارها القضية المركزية للعرب جميعا، وذلك حتى يتم ردع المطبعين ومن تسول له نفسه اللحاق بركب التطبيع، وكي لا تمر عملية الهرولة نحو التطبيع والتحالف العلني مع دولة الاحتلال، كما مر الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني وكما مر نقل السفارة وإعلان صفقة القرن. انها فرصة لأن تستعيد الحركة الوطنية الفلسطينية والعربية بريقها، وان تستعيد هيبتها. ودون ذلك سيكون رفض واستنكار ومقاومة التطبيع مجرد واجب عزاء…. وعظم الله أجركم.

 

شاهد أيضاً

المطبعون العرب.. شركاء في حرب ابادة غزة…بقلم ميلاد عمر المزوغي

على ايام حكم العسكر, والتفرد بالسلطة لم نشهد انحطاطا في شتى المجالات كما نشهده اليوم, …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024