حرب إغلاق القنصليات التي بدأتها الولايات المتحدة عندما أغلقت قنصلية الصين في هيوستن تحت ذريعة حماية الملكية الفكرية والمعلومات الشخصية للامريكين والقيام بعمليات تجسس استخباراتية, لا يمكن رؤيتها الا من خلال الحرب الاقتصادية والاعلامية والدبلوماسية والسياسية التي تنتهجها الولايات المتحدة ضد الصين على جميع هذه الاصعدة بهدف منع أو إبطاء تصاعد المارد الصيني إقتصاديا الذي أصبح يهدد مصالح الولايات المتحدة عدا عن تنامي دورها على الساحة العالمية وخاصة من خلال مشروع الطريق الحريري الضخم الذي يسعى الى ربط دول القارات إقتصاديا بطرق برية وبحرية على وجه التحديد ولا يخفى على احد أن هذا الرابط الاقتصادي سيؤدي الى ربط سياسي ومصالح مشتركة بين الصين وهذه الدول مما تعتبره الولايات المتحدة يشكل تهديدا كبيرا على مصالحها الكونية ومصالح شركاتها العابرة للقارات.
نحن لا نريد الخوض كثيرا في هذا للدفاع عن الصين أو غيرها في مجالات الملكية الفكرية وعمليات استخباراتية وغيرها ولكن لنا بعض الاسئلة التي نوجهها الى الولايات المتحدة. في نوفمبر من عام 1979 وعند قيام الثورة الاسلامية في إيران إقتحم بعض الشبان الايرانيين السفارة الامريكية في طهران وتبين أن هذه السفارة كانت تقوم ومن خلال أجهزة متطورة جدا تم الاستيلاء عليها القيام بعمليات تجسس وتنصت ليس في إيران فقط بل وفي المنطقة بأكملها. ماذا يمكن تسمية ذلك الا خرق والتعدي على السيادة الايرانية وتغليف كل نشاطاتها الاستخبارية والمنافية للاعراف الدبلوماسية والقانون الدولي تحت غطاء الحصانة الدبلوماسية.
ولماذا عمدت الولايات المتحدة على القيام ببناء أكبر سفارة أمريكية في العالم قاطبة على الاراضي العراقية في بغداد بعد غزو وإحتلال العراق عام 2003 وبها مطار لطائرات الهيلوكبتر وقوات أمريكية وطائرات مسيرة وأجهزة لا يعلمها الا الله. فالحكومة العراقية لا تعلم ماذا يدور في هذه الثكنة الاستخباراتية والعسكرية التي تحاط مبانيها بدبابات أمريكية. كان المقصود من بناء هذا الصرح الاستخباراتي وما زال أن يدير كل العمليات العدوانية في المنطقة وبناء ما اسمته الناكرة لاصل جدودها كوندليزا رايس التي بشرتنا “بالشرق الاوسط الجديد”. وهذه السفارة تتدخل وتعطي الاوامر بأي شأن عراقي يمكن أن يمس مصالح الولايات المتحدة في العراق او المنطقة وما أكثرها. وهي تستخدم لتغطية ما يدور في إيران ومركز للحرب السيبرانية في المنطقة.
والسفارة الامريكية في لبنان ايضا وعلى سبيل المثال وليس الحصر تتجسس على القيادات اللبنانية وتتدخل في كل كبيرة وصغيرة بالشؤون السياسية في لبنان ويكفي ان نشير الى الوقاحة المتناهية للسفيرة الامريكية في لبنان وتصريحاتها الفجة فيما يخص حزب الله والحكومة اللبنانية. والسفارة هنا ايضا ما زالت بؤرة استخباراتية بكل المقاييس ولو ان سفارة بغداد قد تكون سبقتها في هذا الاطار.
أما حول قضية حماية الملكية الفكرية فالامر لا يقتصر على الصين فالكيان الصهيوني ضالع في سرقة الملكية الفكرية والتكنولوجيا الامريكية ولقد ضبط أكثر من اسرائيلي يقوم بهكذا أفعال فلماذا لم تقم الولايات المتحدة بإغلاق السفارة أو القنصليات الاسرائيلية هناك؟
وفي مجال سرقة التكنولوجيا من قبل اسرائيل فقد صرح ضابط المخابرات المركزية السابق فيليب جيرالدي ” إن الإسرائيليين لا يتحدثون بطبيعة الحال عن حجم التكنولوجيا التي سرقوها من هنا ( من أمريكا) ليحققوا بها ما يفخرون به وكأنها من إنتاج جهدهم الذاتي. إنها ليست من إنتاج جهدهم الذاتي بل من إنتاج شبكات التجسس الصناعي التي يعلم الجميع بوجودها داخل منشآتنا العسكرية والمدنية العاملة في القطاع التكنولوجي” . وكما ذكر أن الاكثر خطرا، إن إسرائيل تسرق تكنولوجيا عسكرية أمريكية وتبيعها أحيانا لخصوم يضعون قواتهم في مواجهة قواتنا مباشرة، مثل الصين والوضع في بحر الصين الجنوبي.
سرقة التكنولوجيا ضمن الصراع القائم في الساحة الدولية والاقليمية تقوم به كل الدول دون استثناء ففي هذا المجال والصراع الدموي لا يوجد هنالك ما يسمى بأخلاقيات تمنع سرقة أو الحصول على تكنولوجيا متطورة من اي مصدر كان. وفي ظل الانسحاب من معظم الاتفاقيات الدولية من قبل أمريكا للحد من التسلح الذي تصاعد في الاونة الاخيرة للوصول الى حرب النجوم والفضاء وتخفيض منسوب الصراعات العالمية والضرب بعرض الحائط بالقوانين والاعراف الدولية من قبل الولايات المتحدة فإن الملام بالدرجة الاولى هي الولايات المتحدة وسياساتها العدوانية والهمجية وخاصة تصاعدها في زمن إدارة ترامب الذي جعلت أمريكا تقف ضد كل العالم الصديق قبل العدو.