عادة الفلاسفة والمفكرين أن يتكلموا بعقل ومنطق سليمين، فيقدموا لشعوبهم وأوطانهم خلاصة أفكارهم ورفيع حكمهم، خدمة لمصالحها، وتقدمة منهم لأفضل ما عندهم، من معارف رفيعة في بناها ونتائجها، من شأنها أن تقدّم الإضافة، وتزيد من وضوح الرؤية وفرص النجاح.
وعادة الفلاسفة والمفكرين أنّهم ذوو طباع هادئة، ونظر متأنّ عميق، قد أعتقوا أنفسهم من مرض الحقد، ورفض الآخر ومعاداته – فتلك مساوئ لا تحتملها ذواتهم السّابحة في المعارف- لا يستفزهم شيء من آراء مخالفة، ولا يحرجهم أن يقابلهم أحد، بما يشكك في نتائجهم التي توصلوا إليها، وكلّ همّهم في أن يجانبوا التعصّب، ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، ورجال الإصلاح يعرفون عادة بصفاة التّواضع، وعدم احتقار الغير، أو وصفه بنعوت سوقيّة، لا تتفق مع مخزونهم الفكري، المفترض أن يكون منفتحا على بقية الأفكار، وإن اختلف معها.
أبو يعرب فلتسوف تونس، أو بالأحرى ابن تيمية النسخة التونسية في تطرّفه، مادح أفكاره الشاذة، والعدوانية تماما عن الإسلام الوسطي، اعتلى صهوة فرس هوى نفسه الجامحة، فشدّت به إلى حيث عالم أوهام المستنقع التّيمي الوهابي، التي لم تجتمع في عقل أحد، إلا أودت به إلى الخسران المبين.
وأوهام (فلفوس) تونس كثيرة، لكن الّتي لفتت نظري منها ثلاثة، حسب أولويات إقحامات تهجّماته، الأوّل وهْمُهُ بخصوص رئاسة البلاد، وإيحاءاته في تهجماته المتكررة أعطتني انطباعا بأنها فارسة أحلامه وطموحاته، كأنّه يجرّ قراءه إلى القول بأنه أحق بها، من الرئيس قيس سعيد، الذي انتخبه ثلاثة ملايين مواطن، أغلبهم بقناعة تامة، دون أن يكون في ذلك فضل لجزب عليه، وإنما الجميع راكبون موجة الفضل الواهمة، فقناعة من انتخبوه بأنه أفضل رئيس يدخل قصر قرطاج، والثاني تهافته المفضوح على إيران، عداء سافر بلا ذوق ولا منطق، سوى أنه تابع فيه، لمن نصب لها العداء أوّلا، فهو مستنسخ لآراء غيره، مع زيادة في غلوّه، فاق بها سابقيه، أما الثالث فاعتقاده بطرح اسلامي لم يظهر لنا معلم واحد من معالمه، ولست أدري قصده فيه إن كان الذي تنصّلت منه حركة النهضة وقالت بالحرف الواحد انها حزب سياسي مدني، أم هو حزب التحرير، الذي لا يزال يحلم بالخلافة، أم هو الإعتقاد بالمنحى الوهابي، في تكفير من لم يلتحق بهم من أهل القبلة في تطرّفهم.
أما بخصوص تكرار تهجمه على الرئيس قيس سعيد فمن سماحة الرئيس أنه لم يُعرْ سِبَابَكَ وكلامك السّوقيّ البذيء أي اهتمام، وهذا تعبير على علوّ همّة وكرم أخلاق، يفتقدها (الفلفوس) أبو يعرب، ولو فتحت النّيابة العمومية بابها لتهجماتك، فإنك ستكون رهين إدانتك، والحكم عليك طبق القانون الجزائي المتعلق بجرائم الثّلب، والحط من كرامة مواطن، هو موظف سام، في أعلى هرم السلطة، وأعتقد أن هذا الأمر لم يغب عن تفكير الرئيس قيس نفسه، بتفويت الفرصة عليك بتجاوز ذلك.
ما تتطلّع الوصول اليه، أن تضع نفسك موضع الضّحية، عندما تحاسب على ما جنته يداك، وتستحق عليه حكما قضائيا، يتراوح بين الغرامة والسّجن، مما سيراه تبّع غثيانك جرأة، ويعتبرونك به بطلا وطنيا، في هذا الزمن المليء بأبطال من ورق، ويبدو أنّ الرّدّ الشعبي عليك سيكون أفضل الرّدود، والتعبير الصادق على جملة مفترياتك وسبابك، وهذا واجب كل من انتخب الرئيس قيس سعيّد، على أساس أنّ التهجم عليه بمنحطّ وسوء الأدب، هو تهجّم على خيارات سبعين بالمائة من ناخبيه، إذا أسقطنا الفواصل التّافهة التي وقعت في فخ الحملة الدّعائية ضدّه.
وفيما تزامن مع ما كان يقذف به رئيس البلاد بكل وقاحة، كان يجهد نفسه في الإدّعاء بتلقيه توجهاته من السفيرين الفرنسي والإيراني، وشتّان بين النّسبتين والبلدين، بين بلد غربيّ استعماري عنصري، عانى منه العرب والأفارقة الويلات، زمن استعماره لبلدانهم، ولا يزال عناؤهم مستمرا إلى اليوم، بطرق وأساليب أخرى، وبين بلد مشرقيّ أقام نظامه الإسلامي، على أثر ثورة شعبية عارمة، اعتمدت الإسلام منهج حياة، فهل عَمِيَ أبو يعرب عن تاريخ إيران المعاصر، وثورة شعبها الإسلامية، وإنجاز قائدها الإمام الخميني، في تقديم مشروع نظام حكم إسلامي لشعبه، فاختاره الشّعب الإيراني الثوري المقاوم، بنسبة عالية جدّا بلغت 98.2%؟
وهل عمي المرزوقي عن ثقافة الثورة الاسلامية الإيرانية وروادها من كبار الفلاسفة، وأثرها العميق في نفوس طلائع الأمة العربية والاسلامية، التوّاقة إلى استعادة فاعلية الاسلام، وريادته في أوساطه الشعبية؟ وهل عمي (فلفوس) تونس عن أهمّ مشاريعها التحررية من الاستكبار والصهيونية، وفي مقدمتها تحرير فلسطين؟ وهل عمي على ما قدّمته ايران الى فصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية، من دعم غير محدود، في مواجهة اعتداءات الصهيونية المتكررة على جنوب لبنان وقطاع غزة؟ وهل عمي على ما تعانيه ايران من حظر وعقوبات امريكية، بسبب مواقفها الثابتة تجاه فلسطين، والتي لم تتغير ولم تتزحزح قيد أنملة، عما ألزمت به نفسها، وثبتت على ذلك النّهج وتلك السياسة، وتصريحات قادة حركة حماس، ومنظمة الجهاد الاسلامي، وبقية الفصائل الفلسطينية، تغني عن إقامة دليل آخر على ذلك؟
ويبدو أن صاحبنا مصاب بعمائين، عمى بصر القلب وبصيرة العقل، جلبهما لنفسه بمحض إرادته، دون أن يجبره أحد على ذلك، ولا استبعد أنه منظّر لمخطط فوضى يريد اثارتها في تونس، يستدرج لها المغرورين بأفكاره، من ذوي الميولات الشّاذة، تبّع روّاد التطرف في الاسلام، كابن تيمية وابن عبد الوهاب، وهؤلاء على ما أعتقد، قلة بيننا لا وزن لها في تونس، وليس بمقدورها أن تحوّل بآرائها الشّاذة، عامة الشعب المسالم، المعادي للإرهاب والتطرف، الى بؤرتهم الفاسدة.
إن لم تطاوعه نفسه لقراءة كتابات فلاسفة الثورة الايرانية، لقصر يديه وعقله عنها، وإن كانت متاحة لمن ينشدها بالعربية، فليقرأ عنها بلسان فلاسفة كبار الغرب، أمثال الفرنسيين ميشال فوكو Michel Foucault (1926/1984)، وروجي غارودي Roger Garaudy (1913/2012)، ولا اعتقد أنك مقدم على شيء من هذا القبيل، فمن اصيب بعماءين معًا يستحيل عليه أن يستعيد واحدا منهما، خصوصا اذا كان الدّاء متأصّل في قلبه وعقله، “فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصّدور.”
اما عن دعوتك الى اقامة نظام اسلامي فعلى أي نمط؟ وبواسطة من، وقد تخلت حركة النهضة عنه علنا، بعدما أعلنت على لسان قيادتها، أنها اصبحت حزبا سياسيا مدنيا، لا يؤمن بمبدأ الدولة الدينية، وإن كان التِماسك ذلك من حزب التحرير، أو إن كنت ترى في داعش وأخواتها ذوات الفكر التيمي الوهابي- وأنت أقرب اليها من أيّ فكر آخر- أدوات لإقامة حكم الله في تونس، فإنك واهم، ولن تجد معك من عامة الشعب، سوى النزر الذي استهويته بوهمك، واعتقدك صادقا في ما تدّعيه، فليتك تقلع عن غزواتك البائسة، وتعود الى حجمك الذي تواريه بورقات فيها ما فيها من العهر السياسي، ووقاحة من فقد رشده.
على الشعب التونسي المسلم أن يحذر من ثقافة التطرّف التيمي والوهابي التي يروّج لها (فلفوس) المرازقة، فهي من أخطر أبواب التطرف، التي تتهدد سلمنا الاجتماعية، وتنذر بشرّ لا يعلم خطر وقعه علينا الا الله، فلا يغرنّكم يا أبناء بلدي، من رطّب لسانه للحديث وخرج منه بلا عمل.