للمرة الثالثة على التوالي تندد الخارجية التونسية، ومع سرب خارجيات العرب بجامعتهم العقيمة، استهداف منشآت اقتصادية سعودية، من طرف الجيش اليمني الوطني والشعبي -الحقيقي وليس الشكلي المرتزق- متجاهلة عدوانا عسكريا على اليمن وشعبه، امتد به الزمن إلى سبع سنوات كاملة(1)، ذهب بأروح عشرات آلاف المدنيين، لم تميز غارات طائراته الوحشية، وبقنابلها وصواريخها بين صغير وكبير، وسقيم وسليم وإمرأة وعجوز، قد سويت بالأرض فيه بيوت ومدارس ومراكز استشفائية، فهل من الإنسانية والدين أن تقف حكومتنا متعاطفة مع نظام دموي، معتد حتى على أفراد شعبه، متجاهلة ما يجري على أرض اليمن من انتهاكات، لقد كان من باب أولى أن تندد الخارجية التونسية – ومعها لفيف الخارجيات العربية – بإعدام 81 فتى في ريعان شبابهم(2)، طالبوا بالحرية والعدالة في المملكة.
لقد كان حريّا بالوزارة المذكورة وشقيقاتها أن تتحلى بمصداقية قول الحق وإن عزّ في عالم السياسة، والوقوف إلى جانب أهل اليمن المظلومين، فتندد بالجرائم المتواصلة بحقه، عوض الإصطفاف وراء نظام غارق في انتهاك حقوق شعبه والشعب اليمني، ولو كنّا أجواره للحقنا منه الأذى والعدوان، فإلى أين تذهب وزارة خارجيتك يا قيس سعيد؟ إن كانت فلتة فالفلتة لا تتكرّر، وإن كانت مداراة فليس على حساب حقوق شعب يمني مظلوم، اجتمعت عليه أغلب دول العالم انقيادا إلى أمريكا والغرب، حتى البقاء على الحياد والتزام الصمت إزاء ما يجري في اليمن، ليس من الحكمة ولا العدل في شيء، بل يُعَدُّ
جريمة لا تقل وزرا عن ذنب والوالغين في دماء اليمنيين، وكأني بوزارة الخارجية التونسية لم تخرج بعد من ظلمات 70 سنة، من المداهنات والمؤثرات والإملاءات الخارجية، قد انطبق عليها مثل ما بالطبع لا يتطبّع، فهل إلى هذا الحد استقلّت الخارجية بالمواقف والبيانات عن رئيس البلاد؟ أم أن الرئيس على علم بهذه البيانات التعيسة، ولكنه آثر إرضاء المعتدي على المعتدى عليه، وهذا ليس من العدل، ولا من مواثيق الأخوّة الإسلامية في شيء؟
وكأنّي بالحكومة التونسية على لسان وزارة خارجيتها، قد حدّدت موقفها العدائي للشعب اليمني المقاوم، على أساس أن تحالف العدوان العربي صاحب حقّ في عدوانه منذ أن بدأ، مرَوَّجا له بالعناوين الزائفة التي أشاعتها وسائل الإعلام الغربية والعربية- بأنّه استئثار حوثي بالسلطة في صنعاء – بينما تظهر الدلائل منذ فترة أن القوات اليمنية الحقيقية، سوف تنتصر على القوات المزيفة بتحالفها وحكومتها التي استنفدت شرعيّتها تماما، وهي التي ستحسم المعركة، وتنهي تماما أطماع الدول الكبرى وعملاءها من دول الجوار، عكس ما خطط له أعداء اليمن، من إجهاض حركة شعبه الثورية، وإحباط محاولة إعادة سياسة (جرّ القطيع) إلى تبعيّة مجلس التعاون الخليجي والخضوع لإرادته، وهذا ما يُراد إعادة اليمن إلى مربّع الذّلّ الذي ثار ضدّه، وأنهى حقبة حكم العميل علي عبد الله صالح.
حقيقة الأمر أن العالم بأسره أصبح يدرك تماما، أن العدوان على اليمن، ليس من أمر ولا تدبير دول التحالف، وإنّما هو بإيعاز أمريكي صهيوني، هدفه القضاء على حركة أنصار الله(3)، العائق العنيد الذي أخذ قادته بزمام الأمور في العاصمة صنعاء، وليس بخاف على أحد، أن أحد أهمّ شعارات هذه الحركة الإسلامية المباركة، هي رفض وجود الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، والعمل على القضاء عليه، وهذا طبعا يتعارض تماما مع مشروع التطبيع مع الكيان الغاصب، ومن شأنه أن يحدث شرخا خطيرا فيه، من شأنه أن يسقطه.
ولكي يستمر العدوان على اليمن، دون أن تحصل في الأمم المتحدة أغلبية، تعيق الوصول إلى هدف إخضاعه بالقوة، وإعادته مغرّدا كما كان ضمن سِرْبٍ عربي عميل، أسقط من أيدي حكّامه الإستقلال الحقيقي، قامت منظمة الأمم المتّحدة برفع اسم التحالف العربي من الللإحة السنوية السّوداء، للدول والكيانات التي ترتكب جرام بحق الأطفال، التي كانت أدرجته سنة 2016 (4) وقد أحصى التقرير الذي استند عليه ادراج التحالف في القائمة، ما لا يقل عن أربعة آلاف حالة من الانتهاكات المثبتة، (محللون قالوا إن “هذا القرار يؤكد اختلال النظام العالمي، وهو مؤشر انحدار هذه المنظومة إلى غير رجعة، الأمم المتحدة بقرارها هذا تقر تورطها بدماء اليمنيين، ولم تعد سوى منظمة ربحية ملطخة بالعار السيء السمعة بالمال الخليجي”. واعتبروا أن “هذا القرار لن يُلغي عن أذهان العالم، جرائم العدوان اليومية التي تشاهدها الشعوب بشكل يومي، ولن تسقط جرائم حربهم بالتقادم، ودماء أطفال لا تمحى برشاوى النفط”.)(5)
إن لم تستفزّ مشاعر حكوماتنا ووزراء خارجيتنا غارات التحالف التي تُعَدّ بالآلاف، على مدن وقرى اليمن، فلتستفزّهم وهم يشاهدون حصائل كل غارة، أطفالا وأسرا بأكملها تحت ركام المباني البسيطة بين شهداء وجرحى، أم أن الذي يعني ويهمُّ هذه الحكومات التنديد فقط كلّما قصف الجيش اليمني ولجانه الشعبية، منشآت حيوية ونفطية لدولتي العدوان ( السعودية والإمارات)، فأوجعت نتائجها مصالح الدّول الغربية، بزعامة أمريكا فأوعزت للمنظمات الأممية باتخاذ مواقف متطابقة منددة، وزيادة دعم قوى العدوان على اليمن.
إن من أداب اللياقة واحترام الحقوق، أن يوصف الظالم بظلمه، فلا يقف معه أحد، وأن يكون العالم بأسره – لو كان واعيا – إلى جانب المظلومين باليمن، وليس إلى جانب جلاديهم وقتلة أطفالهم، وها قد بلغ اليمنيون اليوم مستوى الرّدع والكيل بالمثل، ولكن عند حدود الأحكام الإسلامية التي يتقيّدون بها، وما تقتضيه من ردّ العدوان لِلَجْمِ المعتدين، وإجبارهم على وقف العدوان نهائيا، وهذا التّحوّل النّوعي في الرّدّ، كان مفاجئا لدول العدوان ومعها الغرب والصهاينة، الذين هم واقعا شركاء في العدوان، لأنه من مصلحتهم القضاء على حركة أنصار الله، باعتبارها عدوّة لدودة لهم، فلم يتمالك هؤلاء جميعا من التنديد بالقصف، الذي طال منشآت حيوية ونفطية إماراتية وسعودية، وتبعهم على ذلك الدّول المصنّفة تابعة للسياسة الغربية والمستقلّة صوريا عن مستعمريها.
من العار أن تتحمّل شعوبنا تبعات سياسات حكوماتنا الخاطئة بشأن اليمن، والسؤال الموجّه لهؤلاء: تُرى بماذا ستعتذرون غدا عندما ينهزم التحالف المعتدي ويقرّ بعدوانه، ويدفع صاغرا تعويضا عن كل جرائمه، هذا إذا لم تكن النتيجة سقوط نظامين، من أشدّ الأنظمة تبعية لأمريكا والصهاينة والغرب ولاءً، وخدمة لمشاريعهم التدميرية في المنطقة، الجواب يستبعده هؤلاء ونراه نحن قريبا.
المراجع
1 – عاصفة الحزم – ويكيبيديا https://ar.wikipedia.org/wiki/
2 – السعودية تعدم 81 شخصا بتهمة التورط في الإرهاب
https://www.almayadeen.net/news/politics
3 – تعرّف على أنصار الله https://alkhanadeq.com/post.php?id=46
أنصار الله – عين على القرآن وعين على الأحداث (ansarollah.com)
4 – الأمم المتحدة تدرج التحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن على لائحتها السوداء
https://www.france24.com/ar/20171006
5 – المواقف الدولية حول اليمن.. إدانة الضحية ونصرة الجزار
https://www.almayadeen.net/news/politics/