تونس تعيش مرحلة فارقة ومفصلية في تاريخها الحديث بعد الخامس و العشرين من جويلية 2021 ، إذ تمخّضت عنه صيرورة جديدة لشعب عظيم يرفض أن تعود البلاد إلى سابق عهدها، وأن تعيش مجددًا مرارة عهد منظومة الفشل الذّريع..
إن الذين سارعوا إلى إبداء الضيق من قرارات الرئيس التونسي قيس سعيّد ، وأبدوا مخاوفهم على الديمقراطية، و اتهموه بالديكتاتورية و بالإنقلاب المزعوم و بكوا بحرقة على الديمقراطية في تونس.. كان يمكن أن نعذرهم ونصدق دموعهم لو كانوا ديمقراطيين، أباً عن جد، وممن يشهد لهم تاريخهم الطويل بأنهم لم يحتالوا على الدستور، ولم يزوّرا، ولم يمارسوا الغدر والقتل والاغتيال والسرقة والاختلاس وخيانة الأمانة..، فكل ما فعله الرئيس التونسي قيس سعيّد هو أنه خاف على الوطن من الكذّابين والمزوّرين والانتهازيين وتجار الدين و المتمعشين ، فلجأ إلى الفصل 80 من الدستور الذي يتيح له اتخاذ إجراءات استثنائية في حالة تعرض الوطن للخطر، فجاء الفصل 80 رحمة للعباد و إنقاذاً للبلاد..
بعض “الحقوقيين و” الثورجيين” و ” الشعبويين” و” الإنتهازيين” وتجار الدين المتمعشين من منظومة الخراب على حساب البلاد ومصالح الشعب أصبحوا دُعاة ” حريات” و”ديمقراطيّة” في حين أن الحقيقة خلاف ذلك تماما لأن الشعب تفطّن لمثل هذه الممارسات وفضح مصادرها.. ولأنّ الشّعب هو الوطن ، والوطن هو الشّعب؛ مارس الشعب التونسي حقه في وطنه وفي الديمقراطية و في الدستور و أسقط منظومة الفشل الذّريع وقد كان له ذلك يوم الخامس والعشرين من جويلية ، وبعدها ها نحن نرى المليارات تنفق على الإعلام ومواقع التواصل الإجتماعي ومراكز اللّوبيات المشبوهة في عدد من عواصم العالم ، من أجل تسليط الضوء على مظلومية الإخوان و أتباعهم وإعادتهم إلى السلطة، لكن كل ذلك لم يجد نفعاً.. ثمّ من الإستقواء إلى الإستنجاد و الإفتراء و التشويه و التحريض الخارجي و الداخلي، كل ذلك شماتة في الرئيس قيس سعيّد و من أجل العودة إلى دولة الغنيمة و إلى ديمقراطية فاسدة و مزيفة بأي شكل وبأي طريقة و بأي ثمن.. إنّ منظومة الفساد الفاشلة تُتقن إستقطاب و استعمال الانتهازيين من الاتجاهات السياسية الأخرى من ساسة الصُدفة و “قلاّبي الفيستة” و الفاشلين و الفاسدين و غيرهم و تُشركهم في معاركها ضدّ خصومها السياسيين و ضدّ إرادة الأغلبية من أبناء شعبنا و ضدّ سيادة تونس..، فقد أعمى الحقد أبصارهم وبصائرهم ان كان لهم بصر وبصائر وخلطوا بين معارضة نظام قائم وسياسات تُنفّذ وبين التآمر على تونس والتحريض عليها.. إنّ مثل هذه الخزعبلات لا يمكن أن تنطلي على الشعب التونسي العظيم و الأحرار الوطنيين الصادقين ، وهي خزعبلات لم تزد عن كونها عرّت الوجه القبيح لهؤلاء الإنتهازيين وعرّت عورات بعض المتسلّقين و المتقلّبين المتلونين ممّن يبحثون عن إقتسام الغنيمة..
هل تصدّق أنّ دُعاة الديمقراطيّة المُزيّفة و المتباكون عليها و المتلّونون و “قلاّبي الفيستة” من أهل الديمقراطية والمنظّرين لها وحاملين لواءها وأعلامها وشعاراتها بل ومستعدّين للشهادة من أجلها ودفاعا عنها.. ؟ إنّ دُعاة الدفاع عن الديمقراطية المُزيفة لا يمكنهم الاستماتة في الدفاع، لأن الأوراق انكشفت و أنفضح “الملعوب” ، إنّ ما يسمى بـ “الديمقراطية” في الشكل، و “ ديمقراطية الغنيمة ” في الجوهر، لا يطيقها التونسيون ولا يريدونها، هذه الديمقراطية المزيفة الستار للسيطرة على البلاد ومقدراتها من قبل القلّة المؤدلجة و من لفّ لفّهم ، ولقد رأى الشعب التونسي ديمقراطية الإخوان وحلفائهم طيلة السنوات الماضية، وأكتووا بنارهم وقاسوا ظلمهم وتفريطهم، وكيف أنهم قدموا مصالحهم ومصالح حلفائهم وتنظيمهم على مصالح الشعب.. المصيبة أن هناك اليوم ممن يصنّفون أنفسهم بالديمقراطيين أحزابا وشخصيات ، من يدافعون عن شرعية برلمان مهزلة حوّله رئيسه الإخواني إلى ما يشبه المزرعة الشخصية له وللمؤلّفة قلوبهم حوله من رموز الفساد والإفساد والتطرف والإرهاب، حجّتهم في ذلك أن الرئيس قيس سعيّد قام بتحريض الشعب عليه تمهيداً لما أسموه بالانقلاب على الشرعية الدستورية ، إنّه التضليل واللعب على وتر قلب الحقائق وتزييف الواقع ، فإذا كان هناك انقلاب فإنه انقلاب الشعب على الإخوان بعد أن افتضحت حقيقتهم وحقيقة ما يرغبون في القيام به من خلال السلطة..
“فلا نملك إلاّ أن نقول ما بالطبع لا يتغيّر فقد تعوّدوا السير في نهج التآمر على تونس وعلى مصالح شعبها وكيف يُرجى الخير ممّن يَعمر قلبه الشرّ ويعميه الحقد”..
إنّه بالفعل من المفارقات المخجلة أن نرى وقاحة أولئك الذين تورّطوا مع منظومة الخراب واستفادوا منها على حساب شعب بأكمله، تاركين البلاد في دمار ، و ينادون اليوم بعودة الديمقراطية الزائفة و استئناف العمل السياسي مع أخطبوط الدولة العميقة و مع من أجرم في حق تونس و شعبها.. أعتقد أنّه لا شيء قادر اليوم على تفكيك الدولة العميقة و تحرير البلاد من القيود السّامة لهذا الاخطبوط و إعادة البلاد على سكة الديمقراطية الحقيقية سوى بناء دولة قانون القوية و المنيعة.. و أمام الشعب التونسي و الوطنيين الصادقين و القوى المؤمنة بتونس بعد “الخامس و العشرين”، خيارين لا ثالث لهما ؛ إمّا أن يتّحدوا معاً ويدعموا المسار التصحيحي التاريخي إلى أن تخرج تونس إلى بر الآمان و إمّـا أنّ يرتكبوا خطأ تاريخياً و يستسلموا للمؤامرات و ينجرّوا وراء هدف تقسيمهم، و تعود المنظومة الساقطة و من لفّ لفّها لتحكم قبضتها على الدولة مرة أخرى و آشدّ من سابقاتها.. لا يمكن أن نسمح بإنتكاسة أو إرتداد الـ 25 جويلية.. فبحيث دكتارتورية تضمن الأمن والأمان والاستقرار و العدل أفضل ألف مرة من ديمقراطية مزيّفة و الهمجيّة و التبوريب السياسي..
في هذه المرحلة الدقيقة و المفصلية لا نشك لحظة واحدة في أن شعب تونس العظيم بجميع اتجاهاته السياسية والشعبية يقف صفًا واحدًا خلف الدولة وجميع مؤسساتها لمواجهة الخطر الداهم، والتصدي لجميع التحديات والمخاطر والمؤامرات التي تواجه تونس داخليًا وخارجيًا، و آن الأوان لتحصين مسار الـ 25 جويلية و الدّفع به إلى الأمام من أجل تونس أفضل و القطع مع منظومة العشريّة السّوداء..
الولاء لله و المجد لتونس و العزة للشعب
عاشت تونس حرّة مستقلّة
عاش الشعب التونسي العظيم