الترجمة : الدكتور بهيج سكاكيني|
الكاتب: Yuriy Zinin
الذكرى السابعة لمقتل الرئيس الليبي العقيد معمر القذافي في 20 اكتوبر من عام 2011 توفر لنا فرصة لاعادة تقييم الاحداث الدراماتيكية التي تسببت في خطوة رئيسية للرجوع الى الوراء في مسار تنمية البلد. فمع سقوط الرئيس إنهار التسلسل الهرمي لسلطة البلد مؤدية الى إنحلال وتفسخ كل من سلطة الحكومة والقوات المسلحة الليبية.
” نصر ثورة 17 من فبراير وسقوط الديكتاتورية” استقبل في البداية بالنشوة ولكن هذا المزاج لم يكن كافيا لمنع البلد من الانهيار. فالمنتصرين الذين استولوا على السلطة بدعم من حلف الناتو وتحالف غير متوقع لمجموعات مسلحة مختلفة لم تكن قادرة على منع دخول البلد في حالة من الفوضى. وهذا التحالف إنقسم على نفسه عام 2014 ومنذ ذلك الحين انقسمت البلاد فعليا الى قسمين. الان تتواجد اثنتين من المناطق المتنازعة. إحداهما في طرابلس في غرب ليبيا والثانية برئاسة طبرق في الشرق. وكل منها لها حكومتها وبرلمانها وقواتها المسلحة.
بالاضافة الى ذلك فإن العاصمة طرابلس مسيطر عليها من قبل أربعة مجموعات مسلحة والتي معا تعمل على دعم حكومة الوفاق الوطني التي يترأسها فايز السراج. ويقتصر دورهم الرسمي في ضمان الامن والعمل كقوة بوليسية وحماية المطار والمؤسسات الحكومية والسجون …الخ. وبناء على العديد من الخبراء في المنطقة فغن هذه المجموعات المسلحة قد راكمت مستوى غير مسبوق من السلطة على كل من المؤسسات العامة والخاصة. وهم منخرطون في البيزنس ومجموعة واسعة من المخططات الغير قانونية: وهذه تتضمن أنواع مختلفة من التهريب وخاصة البترول.
وهذا الوضع أنتج تنافسا مع مجموعات مسلحة أخرى التي اتت الى طرابلس كمنتصرين بعد إنهيار النظام ولكن هؤلاء القادمون الجدد تم تهميشهم بمرور الزمن.
ولقد أغضبهم ما ظهر على الفيسبوك التي يظهر فيها ميليشيات مناصرة للحكومة وهم يستعرضون السيارات ومساكنهم الفاخرة. وهذا يفسر لماذا تبنى سبعة قياديين من الكتائب من ترهونة شعار ” نهاية الفساد” في نهاية اغسطس الماضي وقاموا بتحريك قواتهم ضد الاربعة مجموعات المسلحة المتحالفة.
وبالرغم من الدعوات التي اطلقتها حكومة الوفاق الوطني للتهدئة والسلام فقد حدثت مجابهات مسلحة خطيرة في عدة مناطق من طرابلس – اسواء إندلاع عنف في المدينة خلال الاربعة سنوات الماضية. فبين اغسطس ونهاية شهر سبتمبر قتل 115 شخص وجرح 383 في هذه الاشتباكات. ولقد فر الالاف من العائلات لتجنب الاقتتال بين مجموعات المليشيات.
ونتيجة لهذا فقد اعلنت الامم المتحدة حالة الطوارئ في العاصمة. وفي ظل هذه الاحداث من الصعب الاستغراب أن المبعوث الخاص للامم المتحدة لليبيا غسان سلامة قد صرح مؤخرا ان الانتخابات العامة التي جاءت نتيجة عدة سنوات من المفاوضات التي تمت تحت إشراف الامم المتحدة من غير المرجح إجراؤها في الموعد المحدد لها في 10 ديسمبر من هذا العام.
الذي يبدو ان المجهودات المشتركة للامم المتحدة وعدد من الدول الاوروبية والدول العربية المجاورة الى ليبيا للتوفيق بين الفصيلين بناء على الاتفاقية السياسية الليبية الموقعة عام 2015 في شيكرات مقدرلها الفشل ( لتفاقية شكرات دعت الى تكوين أجهزة دولة إنتقالية وطنية, انتخابات للبرلمان الجديد المراد تكوينه, اتخابات رئاسية ..الخ).
ومشكلة اخرى ان ليبيا ما زالت تفتقر الى رؤساء كريزماتيين يستطيعون توحيد المجتمع الليبي وإقناع الاطراف لتقبل التنازلات الضرورية. النخب السياسية المتواجدة كلها تسحب في إتجاهات مختلفة.
من الصعب رؤية بأن تكون الاشياء على نحو مغاير. الجهود المبذولة من قبل الامم المتحدة للتوسط للوصول الى إتفاقية وتنفيذها قد أعيقت بحقيقة ان سلطة السياسيين قيدت او حددت بإعتمادهم على المجموعات المسلحة ورعاتهم.
منذ سقوط القذافي شكلت ليبيا نموذجا مأساويا كيف لدولة كانت مستقرة وغنية بإحتياطات بترولية من الممكن تركيعها بصراعات داخلية. مستوى معيشة الليبيين هبط بشكل دراماتيكي وأثقل الناس بالمشاكل الحياتية اليومية: نقص في سيولة النقد في الاقتصاد, إنقطاع في التيار الكهربائي وإنقطاع إمدادات المياه, نقص الطحين في المحلات التجارية ، الطوابير التي لا نهاية لها في المخابز ، إلخ.
وعلى المستوى الدولي فإن ليبيا تجابه تهديدات جدية من جيرانها في شمال افريقيا والشرق الاوسط. والسلطات الليبية غير قادرة على مراقبة حدودها والتي تمتد الى اكثر من 6000 كيلومتر بفعالية. ففي عام 2017 فإن اكثرية 200000 مهاجر الذين إنطلقوا عبر البحر الابيض المتوسط بدأو رحلتهم من ليبيا.
قبل سبعة سنوات هتف السياسيون ووسائل الاعلام الغربيون للمليشيات وأحتفلوا بنصرهم على “الديكتاتور”. ولكن هذا الحماس إختفى منذ زمن بعيد. والواقع أربك كل هذه التوقعات المتفائلة والامال الساذجة. انهم فاقدين للارادة والقوة للتخلص من الفوضى.
ومع ذلك فإن نفس الدول التي تدخلت في الصراع الداخلي في ليبيا تحت ذريعة ” محاربة الديكتاتورية ونشر الديمقراطية” كانوا حريصين على إطلاق حالة مماثلة في سوريا. ولكن الحكومة والجيش والشعب في سوريا الى جانب حلفاءهم كانت لديهم القدرة على مقاومة هذه السياسة ومنع تفكك بلدهم وتحويلها الى ليبيا اخرى.