ليس الإرهاب الوهابي التكفيري بأقل خطرٍ من الإرهاب العنصري الصهيوني، ومن كان يعتقد أنّ في خوارج القرن الواحد والعشرين، مثقال ذرة من خير فهو واهم، أو أن لهم نفسا إسلاميا حقيقيا فهو خاطئ، وما اقترفته أياديهم من جرائم باسم الإسلام، دليل لا يتطرّق إليه شك، بأنهما وجهان لعملة واحدة، قناعة ثبّتتها الأحداث التي ألمّت بسوريا والعراق ولبنان، من خلال ممارسات ليس أقلّ في وصفها، بأنها جاهلية منهج إرهابي صنعته بريطانيا، وأطلقته على جزيرة العرب.
وكان من الطبيعي أن تتخذ إيران من التدابير والإجراءات، التي من شأنها أن توقف التمدد الإرهابي في تلك البلدان – وهي المستهدفة بالأساس في نظامها الاسلامي ومشاريعها التحررية – بالتصدّي لتلك الظاهرة الخبيثة، وتقديم يد المساعدة الى تلك الدول، من أجل انهاء وجوده ودفع خطره، فلم تتردد لحظة، في قرار الاشتراك في محاربته خارج حدودها، كما حاربته من قبل داخلها، وكان بالفعل قرارا استراتيجيا حاسما، تجلّت آثاره بعد انكسار شوكته في العراق وسوريا ولبنان، ولم يبق منه اليوم، غير فلول انتحارية، انسدّت آفاق آمالها أمامها، فلم يعد لها ما تأمله من أحلامها السابقة، التي انقشعت سحبها، كوهْم وسوس به الشيطان لأوليائه.
ولم يكن هذا الانجاز العظيم ليتحقق، ويصبح ماثلا أمام أعيننا، بغير نخبة من القادة الخبراء، الذين وضعوا أنفسهم في خدمة مشروع دحر الإرهاب، بعدما غزا مناطق واسعة، تعتبر بالنسبة اليهم، المعبر والمنفذ إلى تحرير فلسطين، وفَقْدِ تلك الدول بواسطة أداة الارهاب التكفيري، من شأنه أن يشكل عقبة أمام مشروع إيران الاسلامية لتحرير فلسطين، ويمدد في عمر بقاء الكيان الصهيوني مسيطرا على كامل فلسطين، مستبقيا آماله حيّة في التوسّع الى دول الجوار، وتحقيق حلمه بإسرائيل الكبرى.
خبراء الحرس الثوري الاسلامي، كانوا في الموعد، ولبّوا نداء الواجب، وقدموا الى جانب القوات المدافعة عن سوريا والعراق ولبنان، خبراتهم وجهودهم، في توجيه وإدارة المعارك على الجبهات، فكانوا نعم الروافد الصّادقة، التي أسهمت في دحر الإرهاب وفلوله، فأكرم الله بعضهم بالشهادة، وبعضهم بقي ينتظر منحه شرف تلك المرتبة، ونعم أجر العاملين.
من بين هؤلاء القادة الأبرار، اللواء قاسم سليماني، الذي يعتبر بحق العقل المدبّر، لمعارك تحرير مناطق واسعة من سوريا والعراق، من سيطرة داعش وأخواتها، دون أن يظهر بشخصه إعلاميا، وعادته أنه يفضل الإبتعاد عن الأضواء وصخب الاعلام، رغم أنه قائد فيلق القدس، والمزكّى من الوليّ الإمام الخامنئي دامت بركاته، لتحمّل مسؤوليتين جسيمتين، قيادة الفيلق الذي سيرفع رايات النصر في عمق فلسطين، وتقديم خبراته بالتوجيه والاشراف، على عمليات دحر الارهاب، من الاراضي العراقية والسورية، وقد نجح كبار قادته في ذلك، وفي مقدمتهم اللواء الشهيد قاسم سليماني رضوان الله عليه.
أهمّية الشهيد القائد قاسم سليماني رضوان الله عليه، عرفها الأمريكان والصهاينة، ومخابراتهم وجواسيسهم وعيونهم في المنطقة، بعدما تبين لهم دوره الهامّ، في انجاح عمليات استعادة ما سيطرت عليه الجماعات الارهابية في المنطقة، وهو المطلوب بإلحاح قبل ذلك، من المخابرات الامريكية والصهيونية، باعتباره عدوّا خطيرا محدقا، ليس على مخططاتهما في دمار سوريا والعراق فقط، بل وأساسا على وجود الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، ومصالح أمريكا الاستغلالية في المنطقة.
قليلون في سوريا والعراق، من عرف الشهيد سليماني عن قرب، حتى وهو يتنقل بين النقاط والمواقع المتقدّمة، على جبهات مواجهة داعش وأخواتها، كان يحاول أن لا يتعرف عليه أحد، وذلك من ضمن لزوميات أمنه شخصا وحركة، ولم يظهر في بعض المواقع في العراق مثلا، إلا بعد أن أعلن هو بنفسه في صبيحة يوم الثلاثاء 21/11/2017 سقوط داعش(1)، وانتهاء سيطرتها على العراق، في رسالة وجهها الى سماحة الامام القائد الخامنئي، قال فيها بالخصوص: “بصفتي جنديّاً مكلّفاً من جانب سماحتكم في هذا الميدان، ومع إنجاز عمليات تحرير البوكمال آخر قلاع داعش.. أعلن اجتثاث هذه الشجرة الخبيثة الملعونة، نيابة عن جميع القادة والمجاهدين، المجهولين في هذه الساحة، وآلاف الشهداء والجرحى الإيرانيين، والعراقيين، والسوريين، واللبنانيين، والأفغان والباكستانيين المدافعين عن المقدّسات.” (2)
تنظيم ما اصرّ صنّاعه الأمريكيون بإعلامهم الخبيث، على تسميته تنظيم الدولة الاسلامية، تهاوى على وقع ضربات حلف المقاومة، بقيادة اللواء الشهيد قاسم سليماني، وتحوّل نتيجة لذلك الى فلول تائهة في الصحراء، محميّة ومغطى عليها بغطاء أمريكي، تحيّنا لفرصة إعادة صولتها من جديد، طالما أن مخططهم في تثبيت الكيان الصهيوني في المنطقة، تثبيتا كاملا لم يتحقق، وعنصر الاسناد التكفيري الذي تأسس، لم يصمد سوى بضع سنوات، وسقط سقوطا مدوّيا، نتيجة حكمة وخبرة رجل الحرس الثوري الأول اللواء قاسم سليماني.
ففي سوريا
أشرف اللواء الشهيد سليماني على معارك بابا عمرو(حمص)، في بداية الأحداث في سوريا، وقد انهزم المسلّحون في تلك المنطقة الاستراتيجية، وسط الخارطة السورية قريبة من العاصمة دمشق وبقية المحافظات، وكانت بمثابة غرفة عمليات مُعدّة لسقوط دمشق، أشرف الشهيد سليماني على معارك في ريف حلب، وفي سهل الغاب في ريف حماه، وفي مدينة القصير في ريف حمص. (3)
يقول “جان مغاوير” الضابط السابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية عن معركة القصير: “إنّ الانتصار الذي حققه الجيش السوري في معركة القصير سنة 2013م، هو بمثابة منعطف استراتيجي خلال الحرب في سورية، وكل ذلك تحقق خلال اشراف وقيادة سليماني وعبّر عن هذه المعركة بالنصر الكبير الذي سجله سليماني لنفسه” (4)
ونشرت المواقع الإخبارية نقلا عن مصادر: أنّ قائد فيلق القدس هو الذي أشرف على عملية انقاذ الطيار الروسي الذي أسقطت طائرته من قبل القوات التركية في سوريا. (5)
أمّا في العراق
فقد كان للشهيد سليماني دور مفصلي، في إفشال مخطط سقوط بغداد، بعد ما سقطت مدينة الموصل بيد داعش، كما شارك اللواء سليماني بالعديد من جبهات القتال، ضد تنظيم )داعش)، منها المعارك التي دارت شمالي محافظة صلاح الدين، فقد نقلت إحدى الصحف الأمريكية عن مسؤولين قولهم: إنه لم تتم استعادة السيطرة على مدن المحافظة، من خلال القوات العراقية والتحالف الدولي فقط، بل إن الحملة التي قادها الشهيد سليماني، وكان حاضراً في مسرح العمليات، كان لها دور أساسي أيضاً.
من المعارك التي قدّم سليماني مهمة استشارية فيها:
تحرير مدينة (آمرلي) في محافظة صلاح الدين شمال شرق بغداد وجرف الصخر جنوب بغداد.
معركة استعادة تكريت والفلوجة في الانبار غرب بغداد.
صد هجوم داعش على أربيل شمالي العراق.
تحرير مدينة جلولاء والسعدية، في محافظة ديالى شمالي العراق.
تحرير جرف الصخر (جرف النصر)، ودفع التهديد عن هذه النجف وكربلاء.
بعض المعارك في سامراء. (6)
لم يكن تأسيس الجماعات الارهابية التكفيرية وفي مقدمتها القاعدة وداعش وأخواتهما الا من أجل تنفيذ سياسة الاستبار العالمي في خلق حالة من الفوضى والتخلف المستدامة في منطقة الشرق الاسلامية عموما والشرق الاوسط خصوصا تمهيدا لتثبيت الكيان الصهيوني الغاصب واستقراره فيها، كقوة متقدمة مكلفة بحماية مصالح اعداء الامة في مواردها النفطية والغازية وغيرها، فضلا عن منعها من امتلاك القدرات العلمية والتقنية التي يراها الغرب حكرا عليه، وقد تطرق سماحة الامام القائد السيد علي الخامنئي في عديد خطاباته الى دور امريكا واهدافها في المنطقة فقال:
(انما السياسة التي يتبعها الاستكبار وعلى راسهم الولايات المتحدة الظالمة القمعية هي سياسة شريرة، لقد ركزوا على خلق عدم الاستقرار في اجزاء كثيرة من العالم، وخاصة في منطقتنا غرب اسيا بغية تحقيق مصالحهم، هذه هي سياستهم.. خلق حرب اهلية، وخلق حالة من انعدام الامن، وخلق حالة من عدم الاستقرار، وخلق الارهاب، وهي للأسف في يومنا هذا السياسة الوحيدة للولايات المتحدة في هذه المنطقة.. كانت الخطة الامريكية تنص على انشاء الجماعات الظالمة والسفاحة والشريرة، مثل تنظيم داعش، بغية تشتيت اذهان الشعوب عن النظام الصهيوني المحتل، وابقائها منشغلة بشؤونها الداخلية وحربها الاهلية ومشكلها الداخلية، كي لا تبقى لديهم فرصة يفكرون فيها بالكيان الصهيوني.)(7)
نتيجة ذلك الانجاز العظيم الذي اغضب أمريكا والصهاينة، منحه الامام القائد السيد الخامنئي اعلى وسام في ايران، وهو وسام ذو الفقار – وهو الوسام الأعلى في الجمهورية الاسلامية -تقديرا لإنجازاته العسكرية، معبّرا عن تمام رضاه بجهوده التي بذلها، بقوله: السيد سليماني وضع روحه مرات عدة، في معرض خطر هجوم الأعداء، ولقد جاهد في سبيل الله..اسأل الله تعالى أن يمده بحياة سعيدة، ويختمها بالشهادة، لكن ليس الآن لأن الجمهورية الاسلامية لديها الكثير من العمل معه. (8)
المراجع
1 – سليماني واعلان نهاية داعش wikishia.net/view
2 – قاسم سليماني يعلن نهاية داعش برسالة لخامنئي ويشكر الحشد وحزب الله arabic.cnn.com/middle-east/2017/11/21/solimani-letter-iran-isis
3 – قاسم سليماني … الرجل الأقوى في الشرق الاوسطommahwahda.com/53598-2
4 – الجنرال الشهيد الحاج قاسم سليماني قائد” فيلق القدس” في الحرس الثوري الإيراني” الجزء الأول” alahadnews.net/1497/
5– سيرة المجاهد الكبير الشهيد الفريق قاسم سليماني alwelayah.net/post /40127
6 – الجنرال الشهيد الحاج قاسم سليماني قائد” فيلق القدس” في الحرس الثوري الإيراني” الجزء الثاني alahadnews.net/1499
7 – شهيد القدس الحاج قاسم سليماني السيد مهدي باقر ص46/47
8 – خامنئي يقلّد اللواء سليماني وسام ذو الفقار