الخميس , 19 ديسمبر 2024
أخبار عاجلة

زمن تمييز الخبيث من الأنظمة العربية…بقلم محمد الرصافي المقداد

ليس من العسير على أيّ متابع للشأن السياسي في منطقتنا العربية والاسلامية، أن يستجلي بعض الحقائق الهامّة والمتعلّقة بقضايا الأمّة المصيرية، كقضيّة تحرّرها الكامل التي لا تزال عالقة، وتحتاج إلى كفاح مرير بشأنها، وفي مقدّمتها قضية فلسطين، وهي أساسا جوهرها وحجر زاويتها، ببلوغها يُتاح لنا حل ما دونها من استحقاقات، وقضية فلسطين استهدفت من طرف حكّامنا، ولحقها منهم ضرر كبير بخذلان مقاوميها، والدّفع بهم إلى اليأس من حلّها، والرضا بما حكم به الأعداء بشأنها، حيث لا سبيل لتحريرها كاملة، ومن أجل التعايش السلمي بين شعوب المنطقة، يجب المضيّ في مسار التطبيع مع الكيان الغاصب، وكان ذلك الخيار سلطويّا بعيدا عن رأي الشعوب، مضى فيه من مضى خفية مُحتالا على شعبه، بإخفاء مساراته السياسية والثقافية والاقتصادية والعسكرية، وما خفي بالأمس ولم تتمكن الشعوب من كشفه، سيظهر على أيّة حال طال الزمان أم قصر، والأيّام الحبلى بأحداثها، قد تجهضها عوامل غير متوقّعة، خصوصا إذا كان هناك في أهل السياسية من لا اعتبار عنده للدين وقيمه، وهؤلاء المهووسين بثقافة الغرب، المتطبّعين بطباعه، يعتبرون الإسلام هويّة شخصية تقف عند المسجد والحج، قد ركبت عقولهم قناعة أن الدين قاصر عن أن يسوس الناس بنظامه.

السياسة التي خاضها هؤلاء المتسيّسون خلال فترة تكليفهم، ومنهم من مازال يحكم بنظام السلطة الموروثة العقيمة إلى أبعد حدّ، أضرّت بمصالح الشعوب المحكومة في معظمها، بما كانت تراه تعدّيا على أبسط حقوقها، بحيث لم يعد لها رأي تماما، حتى في بعض جوانب حياة أفرادها الخاصّة، مسلوبي الإرادة والولاية على أنفسهم وأُسرِهم، كأنّما هذا التمشّي مخطّط مُتَعمّد لصرف الشعوب عن قضاياها ذات الأولوية، وتحويل انشغالها فقط بحالة التضييق على حرياتها الشخصية، وسبيل إستعادة تلك الحرية.

هذا الخبث في التلاعب بمصالح الشعوب أعطى للحكومات العربية والإسلامية مجالا للمناورة، للقيام بخطوات أولى، في إطار التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب، في كنف من السّرّية وقد نجحت في التدرّج به على مراحل، حتى أصبح اليوم قائما كواقع مُعاشٍ لا مفرّ منه، ومن وقف على تلك الحقيقة من الشعوب .

أنّ ردّات الفعل الشعبية كانت ضعيفة بلا تأثير، لا على المستوى الشعبي ولا على المستوى الحكومي، وهذا ما شجّع من لم يلتحق بركب التطبيع من الدول، على أن يبادروا بدورهم للقيام به، جنيا لمكسب واحد، وهو نوال رضا أمريكا وكسب مودّتها وضمان حمايتها، خاصة بعد انقلاب الغرب على عملائه من الحكام العرب، لم يبق ضامن لمن بقي سوى الدخول في خيمة التطبيع مع اسرائيل، وبدأ أغلبهم في سباق محموم لكسب ما يرونه امتيازا يوطّد حكمهم، تحت عاصفة شعبية قادمة لا محالة لتزيل على بلدانها الأذى الذي لحقها من سياسيين وضعت فيهم الثقة وتبين لها أنه غير جديرين بها.

ما يثير قلق وخاوف ورهبة اسرائيل هذه السنوات هو النظام الإسلامي في إيران، وتنامي قدراته العسكرية، وهو نفس الشعور الذي اعترى دولا خليجية ومغربية عميلة لأمريكا والغرب، وقد بدأ التقارب يحدث بين هذه الدّول يحصل منذ سنوات وتوطّد أخيرا باعلان تطبيع واسع النطاق مع اسرائيل، واستمر في تبلورِه وتناميه إلى مستويات عالية في التعامل والتعاون، لينكشف عن تمهيد لإقامة حلف عسكري بإشراف أمريكي يتكوّن من قوات نخبة دول عربية مع القوات الصهيونية.

فقد (انطلق في مدينة النقب جنوبي إسرائيل، مساء الأحد، اجتماع سداسي غير مسبوق يضم وزراء خارجية مصر والإمارات والبحرين والمغرب، بجانب وزيري الخارجية الإسرائيلي والأمريكي.. وقال مكتب وزير الخارجية الإسرائيلي (يائير لابيد)، في بيان اطلعت الأناضول عليه: ستة من وزراء الخارجية يشاركون في الاجتماع التاريخي، الذي سيستمر لمدة يومين في صحراء النقب، أقصى جنوب إسرائيل.)(1)

وقد علق الإعلام الفرنسي، على هذا الحدث المشين والمهين للدول العربية المشاركة فيه، بأنه اجتماع تاريخي(2)، وهو لعمْرِي إجتماع تاريخ الخزي والعار، الذي لم ينقطع منذ أن بدأه المقبور السادات، بخيانته لمبادئ الأمّة في لاآتها الثلاثة ( لا صُلح، ولا تفاوض، ولا اعتراف بإسرائيل)(3)، وتفريطه في حقوق الشعبين الفلسطيني والمصري، بتطبيعه المفاجئ وزيارته للكنيست الصهيوني(4) وإمضائه في كامب دافيد على اتفاقية السلام المهينة(5) ولتتواصل مهازل الخيانات من بلد إلى آخر، ومن نظام عميل كشف عن كل أوراق عمالته، إلى شقيقه في العمالة قد استهوته خطواته، بحيث أصبحنا في وضع سياسي ميؤوس منه، لا تكاد الشعوب العربية تميّز بكامل الثقة واليقين بين رؤسائها، من الخائن المتخفّي بلباس الإستقامة والحفاظ على المبادئ، وبين الوطنيّ الذي اختلطت عليه أمور السياسة، فلم يعد يدري أين يضع رجليه، وقد وجد نفسه في بداية مستنقع موحلٍ، كان يعتقده سهل المرور، دون أن تكون التبعات عليه خاصة.

لقد توضّح الهدف من التطبيع، لمن يعي من شعوبنا، فهو ليس أقلّ من تضييع حقوق الشعب الفلسطيني، في استعادة كامل أرضه المسلوبة، من كيان عنصري غاصب ومعتد، لا تزال إعتداءاته المتكرّرة تسفك دماء إخوتنا الفلسطينيين، وتنتهك مقدّساتنا، ويُرَاد منه إنهاء محور مقاومة الكيان الصهيوني، بضرب رأس حركة تأسيسها ودعمها والسهر عليها، وهي ايران الاسلامية، وأعتقد أن ملفّ المقاومة وايران مطروح سُبُلُ معالجته منذ زمن، وقد أخذ هذه الفترة منحى تصعيديا، يُراد له توريط دول عربية في تحالفها مع إسرائيل، في بلورة مخطط ضرب مناطق حساسة بإيران، من أجل إضعافها، وتعطيل مشروعها في تحرير فلسطين، فهل ستتورط هذه الدول في مشاركة الكيان الصهيوني عدوانه المتوقّع على إيران؟

إنّ ما وسوس به الشيطان الأمريكي لهذه الدّول – وهي المعروفة بالعمالة- سيدفعها إلى ارتكاب خطأ ليس بإمكانها الخروج منه سالمة، وسيلحقها ضرر وعار كبيرين من تورطها في تحالف خاسر مسبقا، مهما نفخت فيه إسرائيل وأمريكا من معنويات جوفاء كالطبل، وسيدفع المعتدون جميعا ثمنا باهظا نتيجة ذلك، وترى بأيّ منطق سيتكلّم حكام العرب تعبيرا عن موقفهم من العدوان، هل سيفعلونها كما ظهر من العدوان على اليمن حيث وقفوا مع المعتدين، وتركوا اليمنيين المظلومين وجلاديهم يفعلون بهم ما يحلو لهم، على أيّة حال سوف يتميّز الطّيّب من الخبيث عند كل حدث، كما قال الله سبحانه: (ليَمِيزَ الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيَرْكُمَهُ جميعا فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون)(6).

المراجع

1 – اسرائيل انطلاق اجتماع سداسي بمشاركة أربع وزراء خارجية عرب

https://www.aa.com.tr/ar /2547531

2 – اجتماع تاريخي يجمع بلينكن ووزراء عرب في صحراء النقب في إسرائيل

https://www.france24.com/ar/

3 – القمة العربية 1967 الخرطوم https://ar.wikipedia.org/wiki/

4 – شاهد في مثل هذا اليوم السادات يزور إسرائيل ويلقي خطابا بالكنيست

https://www.youm7.com/story/2019/11/19 /4509131

5 – اتفاقات كامب ديفيد https://ar.wikipedia.org/wiki/

6 – سورة الانفال الآية 37

شاهد أيضاً

الردّ على جرائم الكيان قادم لا محالة…بقلم محمد الرصافي المقداد

لم نعهد على ايران أن تخلف وعدا قطعته على نفسها أيّا كانت قيمته، السياسية أو …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024