الدكتور بهيج سكاكيني |
إيفاد وزير الخارجية الامريكي من قبل الرئيس الامريكي ترامب الى السعودية بعد ما يقرب من اسبوعين على إختفاء الصحفي السعودي جمال الخاشقجي من شأنها ان تخدم عدة جوانب ربما اصبحت ملحة للتعامل معها ولم تعد تحتمل الـتأجيل مع كمية الاخبار والمعلومات التي تراكمت حول إختفاء/قتل الخاشقجي في القنصلية الامريكية في اسطنبول.
أولا: تاتي هذه الزيارة في جو تصاعدت فيه الدعوات والاحتجاجات في الصحافة الرسمية الامريكية وفي الكونغرس والرأي العام الامريكي الجريمة الشنيعة التي ارتكبت وبدم بارد وبتخطيط مسبق وعمليات إنكار غير مستندة على اي دليل وحقيقة رفض تقديم اية معلومات حية من قبل الطرف السعودي لنفي الاخبار التي كانت تتوارد تباعا عن إختفاء ومقتل الخاشقجي والتشنيع بجثته. ومطالبة الادراة الامريكية بفعل شيء بدلا من التملص من أخذ موقف وهي العالمة بما جرى من خلال وكالة استخباراتها إن لم تكن ضالعة في الموضوع أو التستر عليه لمصلحة ما وخاصة وأن الخاشقجي كان منخرطا في دوائر الاستخبارات السعودية والامريكية وبالتالي كان يمتلك الكثير من أسرار هذه الاجهزة الظلامية.
ثانيا: تاتي هذه الزيارة الان وليس قبل هذا الوقت بالتحديد ربما لوضع اللمسات الاخيرة على القصة التي يراد إخراجها في تقرير الى الصحافة والعلن بعد الاتفاق النهائي حول تفاصيل الفبركة التي اتفق عليها مبدئيا بين القيادة السعودية وتركيا وأمريكا والتي على ما يبدو تتضمن أعترافا سعوديا بحجز والقيام بقتل الخاشقجي في القنصلية السعودية وعزو مقتله الى طرق التحقيق التي إتبعت معه والتي لم تكن موجهة من قبل القيادة السعودية التي لم تكن تعلم بالموضوع. وبالتالي ترفع العقوبات التي كان من الممكن فرضها على السعودية والباس المحققين بالجريمة ومعاقبته وعفى الله عما مضى. ولكن يبقى الافصاح عن مكان الجثة وإذا ما كانت القصص التي نشرت حول تقطيع الجثة فماذا سيعلن على الملأ؟ أم اننا بحاجة الى ربما اسبوعين آخرين لتهدئة النفوس والتقليل من ردود الفعل الغاضبة وغض الطرف لاحقا للانشغال الامريكي بالانتخابات النصفية؟
ثالثا: كما وأن الزيارة تأتي بعد ردود الفعل السعودية العنيفة لتصريحات ترامب الاخيرة من انه إذا ما ثبت تورط اي من عناصر القيادة السعودية والمقصود بشكل مباشر هو الحاكم الفعلي للسعودية ولي العهد الامير محمد بن سلمان فسيكون هناك “عقوبات قاسية”. والزيارة من المفترض ان تطمن السعودية ان الادارة الامريكية لم تكن تقصد هذا بل فعلت هذا نتيجة الضغوطات التي تعرضت لها من قبل الصحافة والكونغرس والدليل على هذه ان ترامب حاول إقناع الامريكيين ان هنالك صفقات بمئات المليارت من الدولارات تذهب لتحسين الوضع الاقتصادي وخلق فرص عمل في أمريكا. وعلى انه إذا اتخذت الولايات المتحدة موقفا متصلبا تجاه السعودية فإنها ستتجه الى المنافسين روسيا والصين وتعقد الصفقات معهم. تفكير تاجر لا يهمه الا الحصول على الارباح والباقي يذهب الى جهنم. الزيارة ستخدم هذا الغرض وستبقي على حليب البقرة بالذهاب حصريا الى خزينة الولايات المتحدة. ولا شك ايضا ان الولايات المتحدة تبحث عن صيغة وتخريجة في قضية الخاشقجي التي لا تضر القيادة السعودية لانها بحاجة لها لاستخدام تأثيرها في المنطقة على وجه التحديد بالاضافة الى دورها في العالم الاسلامي بشكل عام.
رابعا: ومع كل ما ذكر هنا يبقى هنالك تساؤل جدي طرح من قبل العديد من الكتاب الغربيين بعضهم مقرب من مراكز القرار وهو فيما إذا أصبحت العلاقة مع ولي العهد محمد بن سلمان الذي تميز بإندفاعه وتهوره وسلوكه السياسي الصبياني الذي يدل على مراهقة سياسية والوصول الى التوحش والتمادي في تصرفاته والتي لا يمكن استبعادها فيما حصل للخاشقجي فلا أحد من الممكن ان يصدق انه لا علاقة له بها إن لم يكن هو من أعطى الاوامر بالتخلص منه وهذا على الاغلب ما حصل, مهما حاول البعض التستر على هذا. وهذا يتضح بالنظر الى الجرائم والمجازر التي ترتكب يوميا في اليمن بحق الاطفال والنساء وكذلك محاصرة قطر والتهديد بغزوها, وحجز العديد ممن يخالفون داخل السعودية التي طالت حتى أمراء من العائلة المالكة, والسؤال هل اصبح التعامل وإقامة علاقة مع هذا الامير علاقة لا يمكن القبول بها؟ وهل ستبدأ الدولة العميقة في امريكا التي حاولت تبيض وجه الامير بتصويره أنه رجل الاصلاحات والحداثة ورسم هذه الهالة حوله بالتوجه الى استبداله الان لانه اصبح يشكل عبئا عليها؟ ومن الواضح أن دخول المانيا وفرنسا وبريطانيا على الخط وإصدار بيان مشترك فيما بينهم للمطالبة بالكشف عن حقيقة ما جرى في السفارة السعودية في اسطنبول وكذلك كندا يدل على الغضب الشديد من تصرفات ولي العهد الهوجاء والوحشية وانه في توحشه قد قطع خطوط حمراء كثيرة لم يعد بالامكان السكوت عليها. وإذا ما راينا ايضا حجم المؤسسسات والشركات العالمية العملاقة والافراد ذوي الخبرات والسياسيين الذين أعلنوا إنسحابهم من حضور المؤتمر الاستثماري في السعودية التي كان يأمل ولي العهد ان يشكل مهرجانا دوليا لتأييده وتأييد “نظرته” المستقبلية للاقتصاد السعودي وجلب الاستثمارات العالمية في النهوض بإقتصاد الدولة وذلك نظرا للبشاعة التي قتل بها الصحفي السعودي المتداولة في الصحافة الغربية يدرك حجم الورطة التي وقع فيها ولي العهد الذي ظن ان لديه “كارد بلانش” ان يفعل كما يشاء مستخدما الخزينة السعودية لشراء الذمم وإسكات المعارضين كما ما هو حاصل في اليمن للتغطية على جرائمه. ولكن من الواضح انه أخطىء الحسابات هذه المرة فقضية الخاشقجي اصبحت قضية دولية بإمتياز لا يمكن السكوت عليها ومن هنا فإن مستقبله السياسي أصبح مهددا الى حد كبير على المستوى الداخلي والخارجي. وليس مستبعدا ان نرى إختفاءه عن المسرح السياسي السعودي آجلا ام عاجلا لان ثمن بقاءه على هرم السلطة أصبح باهظ جدا هكذا يبدو المشهد الان.