مسرحية هزلية تحدث الرئيس دونالد ترامب، وإلى جانبه بنيامين نتنياهو وأمامه نخبة مارقة عن صفقة القرن أمس في الساعة السابعة بتوقيت القدس العاصمة الفلسطينية الأبدية، وأكد على المؤكد والمعروف. رغم انه حاول الإيحاء بأنه “غيور” و”حريص” على السلام وعلى الشعب العربي الفلسطيني، إلآ انه نطق كفرا، وحربا، وأعطى صكا على ورقة بيضاء لغلاة المستعمرين، وإئتلافهم اليميني المتطرف بزعامة رئيس الوزراء الإسرائيلي الفاسد لتنفيذ عملية تطهير عرقي ضد ابناء الشعب العربي الفلسطيني.
لم يأت الرئيس الماجن باي جديد، وغير معروف للشعب والقيادة الفلسطينية، فأكد على سيادة إسرائيل على القدس العاصمة الفلسطينية، وأعلن ان القدس لن تقسم، وإعتبرها “محررة”، وكأنها كانت واقعة تحت الإستعمار الفلسطيني!؟ هكذا دون ان ترف جفونه، قلب الأمور رأسا على عقب. ومنح السيطرة للإسرائيليين المستعمرين على الأغوار وشمال البحر الميت، والسيطرة على الحدود، وبقاء الإستيطان الإستعماري على أراضي دولة فلسطين المحتلة، ورفض عودة اللاجئين الفلسطينيين لمدنهم وقراهم، التي طردوا منها، وأعاد الـتاكيد على الحل الإقتصادي من خلال الرشوة التافهة والرخيصة، اي ال50 مليار دولار أميركي، والتي لا تساوي واحد في الألف من أملاك وحقوق وأراضي فلسطين المنكوبة في العام 1948. وإعتقد أن الرئيس الإفنجليكاني هدف إلى حرف بوصلة الصراع، من صراع سياسي إلى صراع ديني متعجلا بلوغ حرب ياجوج وماجوج، وهو ما اكده زعيم الإئتلاف الإسرائيلي الحاكم عندما أعطاه ترامب الفرصة للإدلاء برأيه وموقفه من الصفقة، فإعتبر الإعلان عنها أمس، بأنه “يوم تاريخي”، وأكد على ان الضفة الفلسطينية، هي أرض “الأباء والأجداد” وما نصت عليه التوراة، وعليه فهو عمق البعد الديني في صفقة ترامب، وأراد كلاهما إعادة إنتاج الأساطير الكاذبة، التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
ولا أعتقد أني اضيف جديدا، إذا ما أكدت على ان الهدف الان من المؤتمر كان سياسيا بإمتياز لإنقاذ رقبة صديقة نتنياهو من الدخول للسجن، ومنحه جائزة ترضية جديدة للفوز بالإنتخابات مطلع آذار/ مارس القادم، وايضا لكسب أصوات الأميركيين المضللين والواهمين بسياسات إدارته في حملة الإنتخابات الرئاسية في تشرين ثاني/ نوفمبر القادم، وايضا للخروج من أزمة المحاكمة في مجلس الشيوخ لعزله. دون ان يلغي هذا الشرط الآني، ان الصفقة خيار إستراتيجي لإدارة ترامب وللدولة العميقة في الولايات المتحدة، وهي جادة في مساعيها لتصفية القضية الفلسطينية بالشراكة مع دولة الإستعمار الإسرائيلية، وكل من يدور في فلكهم.
وتهدف بشكل واضح وصريح لإشعال فتيل الحرب والإرهاب والعنف في الساحتين الفلسطينية والإسرائيلية خصوصا والإقليم ككل، والقضاء على السلام كليا، وأيضا التمهيد الواضح لتقوم إسرائيل الخارجة على القانون بعملية الترانسفير ضد الفلسطينيين من كل فلسطين التاريخية، وليس فقط من الضفة الفلسطينية بذريعة، ان الفلسطينيين رفضوا الصفقة، وأخذوا قرارا بالدفاع عن مصيرهم ومستقبلهم، ومستقبل اطفالهم والأجيال القادمة، وعن السلام العادل والممكن والمقبول. وبالتالي الرد الإسرائيلي على ذلك سيكون بإستخدام أولا اسلحة الموت، ومضاعفة عمليات القتل والإغتيال للقيادات والنخب الفلسطينية، والطرد والإبعاد والإعتقال للنشطاء منهم، وتدمير البيوت والقرى والمخيمات، وفتح بوابة نكبة جديدة ضد ابناء الشعب الفلسطيني من خلال الطرد الجماعي من المدن والقرى.
لكن ذاك لن يمر، ولن يضعف من عزيمة وإرادة القيادة والشعب والنخب السياسية الفلسطينية، والتي، هي مطالبة الآن بالعمل الفوري لتكريس الوحدة الوطنية، وتشديد النضال الشعبي اليومي وفي كل الميادين والساحات والمنابر والمجالات، والإندفاع نحو الأشقاء العرب والأصدقاء في العالم عبر بوابتي النضال السياسي والديلوماسي لتعزيز مكانة الدولة والحقوق الوطنية الفلسطينية. وتفعيل وتطوير دور ونشاط مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، وتحمل مسؤولياتها كمرجعية اولى عن مصالح وحقوق الكل الفلسطيني في الوطن والشتات
النتيجة مما اعلنه الرئيس ترامب، ومعه رئيس الوزراء الإسرائيلي، نتنياهو، انهما أسدلا الستار على إتفاقية أوسلو، وكل الإتفاقيات المبرمة بين منظمة التحرير ودولة الإستعمار الإسرائيلية. ولم يعد لها وجود. لإن صفقته طوت صفحتها كليا، ولم يعد لها مكان من الإعراب، وهذا له تبعاته ومتطلباته الوطنية والقومية والأممية. وهذا هو قرارهم هم، وليس قرار القيادة الفلسطينية، وبالتالي لم يعد الحديث ممكنا عن إتفاقية أوسلو، أو برتوكول باريس أو واي ريفر أو اي إتفاقية. لكن ذلك لا يعني التنازل، أو التخلي عن السلطة الوطنية، بل العمل على نقلها إلى الدولة، وتطوير أدائها بما يستجيب لمصالح وحقوق الشعب الفلسطيني وصولا للدولة الفلسطينية المستقلة وذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية، وضمان حق العودة للأجئين على اساس القرار الدولي 194، والمساواة الكاملة لإبناء الشعب في مناطق ال48.
المعركة مصيرية، والتحديات خطيرة، ومطلوب من الجميع شد الأحزمة على البطون، ووضع البرامج والترتيبات المناسبة للمرحلة القادمة، بما لها، وما عليها من أثمان، ويفترض ان يدرك ويلمس المستعمر الإسرائيلي ان الإحتلال له ثمن، وثمن غال حتى يعود إلى رشده، وتنتهي صفعة العصر، وتزول عن طاولة القيادة الأميركية والإسرائيلية وكل من يدور في فلكهم. لإنها صفقة العار والجريمة المنظمة، وصفقة الحرب على السلام والحقوق والمصالح الوطنية.