في الوقت الذي يستمر فيه الرئيس الأمريكي بالإستهزاء وبتوجيه الإهانات للنظام السعودي تحديدا ً, ولأنظمة الخليج عموما ً, يتابع صهره ومستشاره استخدام الإسلوب ذاته, ويتمادى في سخريته وخداعه, وبوعده بتأجيل الإعلان عن صفقة القرن لما بعد شهر رمضان المبارك … هل حقا ً يهتم طفل الصهيونية المدلل بعقائد وطقوس وعبادة الاّخرين, في الوقت الذي يرى بأم عينيه كيف يستبيح المئات من الصهاينة ساحات المسجد الأقصى لتدنيسه, وإرسال جيش الإحتلال الإسرائيلي مجموعاته المتطرفة لتدنيس حائط البراق … فيما يتهيأ بعض العرب للمشاركة في مؤتمر وورشة البحرين لتشريع “صفقة القرن” ولإقرار الموافقة على إغتصاب فلسطين….
ويتساءل البعض لماذا البحرين, في الوقت الذي سبق للرئيس المصري أن أعلن أن “السعودية ومصر هما جناحا الأمن القومي العربي”, حيث لا يختلف إثنان حول أهمية القضية الفلسطينية ومركزيتها كما يدعي جميع العرب, فلماذا لا تكون ورشة القاهرة, أو ورشة الرياض؟ هل يهربون من “المجد” أم من العار؟
من الثابت والمعروف أن أساس القضية الفلسطينية هو الإحتلال الإسرائيلي, وإذا كان لا بد لحل هذه القضية بعيدا ًعن لغة المقاومة والعسكرة والحروب, فلا بد من البحث الجدي عن حلٍ سياسي منصف وعادل أساسه القرارات الدولية والحقوق الفلسطينية, ومن ثم يمكن الحديث عن تعويض الشعب الفلسطيني والإهتمام “بإزدهاره” الإقتصادي, وبدولته التي يمكن للحل السياسي أن يقرّ ويعترف بها رسميا ًويرضى بها الفلسطينيون والعرب والمنصفون, ويبقى السؤال هل يمكن للحل الإقتصادي أن يسبق الحل السياسي ؟
وكيف للمؤتمرين, أن يقبلوا الحديث عن “الخطة – الصفقة” وبمناقشة الحل الإقتصادي بغياب الحل السياسي ,هذا الحل الذي يخفيه الأمريكيون حتى اللحظة, وسط إعلان الرئيس الأميركي تأجيل خطته إلى وقت غير مسمى, فيما وعد مسؤول أمريكي – بالأمس – عن طرح الحل السياسي في “الوقت المناسب” بحسب وكالة رويترز, في وقتٍ تشير كافة التسريبات أن الهدف الرئيسي للخطة هو تصفية القضية الفلسطينية وضياع الحقوق العربية.
الأمر الذي يعرّي مؤتمر المنامة الإقتصادي , ويؤكد نوايا وأهداف من سيحضره علنا ً, ومن يوافق عليه سرا ً, أنه مؤتمرٌ لتعزيز التطبيع وتعميق مختلف العلاقات مع العدو الصهيوني, بعيدا ًعن شعارات الإنعاش الإقتصادي للشعب الفلسطيني , وتمهيدا ً للقبول بالحل السياسي المجهول للعرب والفلسطنينين على حدٍ سواء.
إن سخرية كوشنر من أصدقائه “العرب”, وإدعائه بتأجيل إعلان الصفقة لما بعد شهر رمضان, يبدو أمرا ًسخيفا ً أحب العرب تصديقه, فمن المعروف أن خطة ترامب للسلام ليست سوى تبني جديد لفكرة رئيس وزراء العدو الصهيوني “نتنياهو” التي طرحها في العام 2008, والتي تقوم على إعتبار السلام الإقتصادي بديل حقيقي عن الحل السياسي.
بمعنى أنها ترتبط ارتباطا ًعضويا ً بالطرف الإسرائيلي, وبمن طرح الفكرة, لذلك تم تأجيل طرحها لحين الإنتهاء من الإنتخابات الإسرائيلية, مع كل الدعم والتعويم الأمريكي لنتنياهو, ومع ذلك يبدو أن الموضوع سيبقى ساكنا ً لحين تشكيل الحكومة والذي يفشل به “بنيامين نتنياهو” حتى اللحظة, فحل البرلمان الإسرائيلي لنفسه وإجراء إنتخاباتٍ جديدة, يعني إن إسرائيل لن تكون جاهزة لمناقشة الخطة إلا بعد عام على الأقل, وهذا بدوره سيدفع الإدارة الأمريكية إلى تأجيل إعلان “الخطة –الصفقة” إلى ما بعد التحضير والإنتهاء من الإنتخابات الأمريكية القادمة, مع إحتمالية عدم فوز الرئيس ترامب بولاية ثانية, نظرا ً لشراسة المعركة الداخلية التي يخوضها هناك, بالإضافة إلى مسألة العزل التي قد تطيح بحسابات الحزب الجمهوري بالكامل.
وعليه يبدو أن صفقة القرن الحالية, ستتحول إلى صفقة قرن العهدان الإسرائيلي والأمريكي المقبلان, لهذا كان لا بد لترامب وكوشنر من إخفاء أسباب التأجيل, ومن بوابة السخرية من العرب وبإعائهم إحترام فرائض عبادتهم… بالإضافة إلى إهانات كوشنر للعرب والفلسطينيين, وبإعتقاده أنهم سيوافقون على التخلي عن حقوقهم مقابل حفنة من الدولارات الأمريكية.
إن مواصلة كوشنر جولاته في المنطقة يأتي في إطار حشد الدعم الذي يحتاجه الحكام العرب والنظام البحريني خصوصا ً, لإرتكاب جريمة إستضافة “الورشة” والمؤتمر الذي ستُعلن فيه “صفقة القرن”… والإكتفاء بمناقشة “الخطة – الضفقة” على الجانب العربي, وإعفاء الطرف الإسرائيلي من أية إلتزامات سياسية وإقتصادية تجاه حل الصراع، ويبقى للمؤتمر أن يتحول إلى أداة ضغطٍ وإبتزاز للطرف الفلسطيني والعربي.
لقد أحسن الفلسطينيون وعلى كافة المستويات برفض “الصفقة”, وبالدعوة إلى مقاطعة المؤتمر, ولما سيُقدم فيه من شرعيةٍ مجانية لخطةٍ أمريكية – إسرائيلية أقل ما يقال فيها أنها مجحفة وظالمة وناسفة للحقوق الفلسطينية, ويبقى من المعيب أن يستمر النظام البحريني في استضافة المؤتمر بغياب الطرف الرئيسي والأساسي الأول.
حتى لو إعتبرنا أن نتائج الإنتخابات الإسرائيلية قد عرقلت بمفردها “الخطة – الصفقة”, وأن رئيس الوزراء الإسرائيلي لن يوافق على إعلان الجانب السياسي لها قبل الإنتخابات الإسرائيلية القادمة وتشكيل الحكومة بتركيبتها النهائية, فسيكون إصرار البحرين على عقد المؤتمر قبل معرفة نتائج الإنتخابات يمثل تآمرا وصفعة ً للدولة الأردنية ولكل من تطاله بنود الصفقة بشكلٍ مباشر, خصوصا ًمع إحتمالية أن تضم الحكومة الإسرائيلية أحزابا ً يمينية متطرفة تدعو لحل القضية الفلسطينية على حساب الأردن وغيرها, ناهيك عن الهدف الرئيسي للمؤتمر معني مباشرة ً بتصفية القضية الفلسطينية.
لا يملك النظام البحريني وقتا ً كبيرا ً للتفكير, وعليه أن يسارع لإلغاء استضافته للورشة القاتلة, والإستفادة من الرفض الفلسطيني, ورفض بعض الدول العربية, ورفض محور المقاومة والشعوب العربية, وكل شرفاء العالم…
وعليه الإستفادة من فشل التحريض الإسرائيلي – الخليجي للإدارة الأمريكية ودفعه لشن الحرب على إيران – الداعم الكبير للقضية الفلسطينية -, فموازين القوى في المنطقة لن تسمح لمحور التاّمر الخليجي بتصفية القضية الفلسطينية, ولن يكون مسموحا ً لأحد بالإنفراد بالفلسطينين وبالقضية الفلسطينية, طالما لا يزال أبناؤها يحملون السلاح, ولا زال هناك محورٌ للمقاومة يمتد من طهران إلى العراق وسورية ولبنان وفلسطين وغير شرفاء, ممن يؤمنون بعدالة وقدسية القضية الفلسطينية, وأنها لن تُوضع يوما ًعلى مشرحة الإستسلام الصهيوني.