الإثنين , 23 ديسمبر 2024
أخبار عاجلة

عناقيد الغضب الامريكي حصرم وهزيمة…بقلم المحامي محمد احمد الروسان

ما زلت أحسب وأعتقد، انّ مستقبل العالم يتقرر ضمن عقيدتين اثنتين: امّا علاقات تسودها المواجهة والهيمنة، أو بالتعاون والتنمية في ظل فرض عالم متعدد الأقطاب، بسبب الفعل الروسي والصيني وجلّ دول البريكس وعلى رأسها الهند، وعبر الفالقة السورية ومسارات خطوط أنابيب النفط والغاز. ان كان الحزب الديمقراطي الأمريكي، هو انعكاس للسلوك الناعم للدولة العميقة في مفاصل الولايات المتحدة الامريكية وهو الأخطر يقيناً، فانّ الحزب الجمهوري هو انعكساس للنهج والسلوك الفوضوي الكابوي لذات الدولة، وجلّ ما سبق، يقع تحت عنوان هام: توزيع الأدوار كل أربع سنوات أو ثماني سنوات بين الديمقراطي والجمهوري، لتحقيق عميق المصالح الأمريكية(الديمقراطية الامريكية، هي ديمقراطية الأثرياء ديمقراطية 1% التي تسيطر على الاقتصاد الامريكي، وهي ديمقراطية عرجاء). فهل يدرك الرئيس الأمريكي العجوز جوزيف بايدن والد بوي وهنتر، كنه وحقيقة أنّ أوكرانيا وروسيّا توأمين سياميين ولدوا من بطن واحد، وهو يصعّد من خطابه وسلوكه على الميدان مع الفدرالية الروسية عبر أوكرانيا من خلال تسخين جيهة دونباس من جديد؟. روسيّا تدرك أنّ هناك محاولات أمريكية وغربية واسرائيلية وبعض عربية واهمة، كلّها تسعى لتفخيخ روسيّا من الداخل، وموسكو تعي أيضاً أنّ بايدن مضغوط عليه من القوى الأمريكية الخفية، التي دفعت به رئيساً وها هي تديره فهو بمثابة ناطق رسمي باسمها، أو أنّها رأت هذه القوى غير الظاهرة، أنّ الرياح جرت بما لا تشتهيه سفنها المعولمة. مع عدم انكارها لروسيا واغفالها للقوّة الميثولوجية للأمبراطورية الأمريكية، وهذا مؤشر قوي على حكمة وواقعية القيادة الروسية ونخبة نواتها الصلبة التي تعمل كفريق واحد، ان لجهة السياسي والدبلوماسي، وان لجهة الأقتصادي والمالي، وان لجهة العسكري والمخابراتي، وان لجهة الثقافي والفكري في تعزيز الشعور القومي الروسي. العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي قلقة على امدادات قواتها في أفغانستان حيث40% من هذه الأمدادات الضرورية تمر عبر الأراضي الروسية وبالتالي هي بحاجة الى موسكو، لذلك البنتاغون الأمريكي غير مرتاح لمسارات السياسة والدبلوماسية الأمريكية ومسارات التشريع في الكونغرس ازاء روسيّا بسبب الملف الأوكراني وعقابيلة وتداعياته المعقدة، والهوّة شاسعة بين الدولتين وهي أعمق من حرب باردة وشراسات استخباراتية بين البنى المجتمعية المخابراتية في كلا المجتمعين ذات تداعيات عرضية ورأسية، وعمليات تعبئة أيديولوجية تاريخية باحتقانات استراتيجية وسياسية على طول خطوط واشنطن موسكو، لا حلّ لها باعتقادي الاّ بانفجارات مبرمجة بشكل ثنائي، لأعادة انتاج صيغ أخرى لقواعد اللعبة الأممية واسقاطاتها، لوضع لبنات جديدة بجانب الموجود منها نحو عالم متعدد الأقطاب، ولن يكون آخرها اتهام وزارة العدل الأمريكية لأثني عشر ضابطاً مخابراتياً روسيّاً بقرصنة اميل هيلاري كلنتون لعام 2016 م، وهي هذه الأتهامات تجيء عشية تسخين جبهة دونباس. للولايات المتحدة الأمريكية متاهاتها الأستراتيجية العميقة، حيث كانت المتاهة الأولى لها في الأفغانستان وما زالت، ثم العراق وما زالت وعبر بناءات لقنصلية أمريكية في اقليم كردستان العراق لكي تكون أكبر قاعدة تجسس لها في المنطقة بعد سفارتها في بغداد تعود وحاضرة بقوّة من جديد، لغايات العبث بايران وتركيا وسورية والعراق نفسه عبر حلفائها، ومن خلال الأحتجاجات الأخيرة والمتصاعدة. فسورية الأصعب والأشد وما زالت، والآن المتاهه الأوكرانية وعقابيلها التي تتدحرج ككرة الثلج، الى المتاهة العرضية في شبه القارة الهنديّة حيث تتفاعل من جديد، ثم جاءت المتاهه اليمنية الحالية، فأم المتهاهات العامودية والعرضية الأستراتيجية الدولاتية الأمريكية، هي المتاهه السورية الأصعب والأعمق والأشد، والنتيجة فيها تحدد مصير المتاهات الأخرى وشكل العالم الجديد. انّ جنين الحكومة الأممية (البلدربيرغ الأمريكي)هو صاحب هذه المتاهات وصانعها، فيستغل حالة الأستعصاء الدولي والأحتقانات الشاملة كنتاج للحدث والمسألة السورية، وما خلّفته من سحب دخانيّة سوداء عميقة قد تستمر لسنيين عديدة، من شأنها أن حجبت وتحجب عيون العالم عن ساحات أخرى من المعمورة، لا تقل أهميتها الأستراتيجية عن أهمية سورية أو أهمية الحدث الأوكراني الحالي مثلاً، وكذلك الحدث اليمني الآني(تحاول واشنطن وصع استراتيجية خروج للسعودي منه قد تكون عبر الفرنسي)، من أجل تحقيق عمق مصالحه ومكتسباته كحكم أممي(حكم البلدربيرغ الأمريكي)، وربط اقتصاديات العالم من جديد بالأقتصاد الأمريكي، للخروج من الأزمة الأقتصادية الأمريكية الحالية، والتي في حالة استمرارها وتفاقمها، أن تقود الى افلاس الولايات المتحدة الأمريكية. أوكرانيا هي عتبة البيت الروسي نعم، وهذا صحيح الواقع وعلم الرياضيات السياسية، وليس من الحكمة بمكان أن يقاتل العدو الغربي والأمريكي على العتبة البيتيّة، لأنّه هنا صار داخل البيت فتمّ ويتم مقاتلته داخل عقره وحدائقه الخلفية، عبر تعزيز وبناءات جديدة للقواعد العسكرية الروسية في كوبا وفنزويلا ونيكاراغوا وفيتنام، فمحور واشنطن تل أبيب ومن ارتبط به من غرب وبعض عرب متصهين واهم ومخادع عرض المعادلة التالية بكل بساطة: سورية مقابل أوكرانيا فتمّ الرفض الروسي(بلا)، حيث الموقف الروسي قائم على رؤية بعيدة المدى واستراتيجية دقيقة متماسكة وحسابات علم الرياضيات السياسية، حيث أوكرانيا لا تشكل سوى جزء ومهم ولكنه محدد، حيث المشتركات بين الحدث السوري والحدث الأوكراني في الجغرافيا والأستراتيجيا. نعم الوجود العسكري الروسي على الشاطىء السوري يمثل حالة التوازن مع الوجود الأطلسي في تركيا، بل لكسر هذا الحاجز التركي الأطلسي الذي أريد له أن يشكل مانعاً من تدفقات الوجود الروسي في جنوب تركيا، وبالتالي واهمون وسذّج من يعتقدون أنّ الوجود الروسي في سورية وعلى الساحل في طرطوس، هو وجود ثانوي نسبة الى حضورها في شبه جزيرة القرم، فروسيّا الخارجة من سورية هي روسيّا الغارقة عندّ عتبتها الأوكرانية، وهي روسيّا المقفل في وجهها بحرها الأسود( رئتها)، باختصار روسيّا الخارجة من سورية كما يريد المحور الصهيوني الأمريكي الغربي البعض العربي الواهم والمخادع، يعني روسيّا الخاسرة لمصالحها الأستراتيجية والفوق الأستراتيجية، كون جوهر معركة موسكو ليس في أوكرانيا بل في سورية، والأخيرة هي جوهر الفكرة وبالتالي هي المعركة الكبرى والأولى( أي المعركة في أوكرانيا)هي ثغرة صغيرة ولكنها مهمة. ولم تكن وزارة الخارجية الروسية يوماً ما، قسماً ملحقاً بوزارة الخارجية الأميركية، بل على العكس تحولت موسكو في عهد الرئيس بوتين إلى طرف نشط يقدم مقترحات ويدافع عنها، فالدبلوماسية الروسية تسعى جاهدةً وبثبات لاستعادة مواقع النفوذ التقليدية لدبلوماسية الاتحاد السوفياتي السابق، من خلال التخلي عن العامل الأيديولوجي والتركيز على عامل المصالح الإستراتيجية بالدرجة الأولى، معطوفاً على ما يمكن أن توفره موسكو بفضل موقعها كقوّة عظمى لها دور رئيسي في مجلس الأمن الدولي وفي الرباعية الدولية للسلام في الشرق الأوسط، بالرغم من أنّ ملف السلام صار ملف إسرائيلي داخلي، تنهيه الأخيرة مع الجانب الفلسطيني لوحدهما، ولم يعد ملفاً أمريكيا رئيسي كما تروج بعض وزارات الخارجية العربية والتي تمارس دبلوماسيات الصعاليك(سوى في التسهيل الأمريكي لما يسمى بصفقة القرن)، والروسي والصيني يتقاطعان ويتعاونان مع الفلسطيني والأردني لأفشال هذه الصفقة، والتي ستكون على حساب الشعبين الأردني والفلسطيني ان نفذت، ولصالح نظام سياسي بديل برأس جديد وديمغرافية جديدة في الأردن. الآن تمثل جهود روسيا الفدرالية، بمواقفها المختلفة إزاء ما يجري على عتبة بيتها في أوكرانيا، وازاء الحدث السوري وإزاء إيران وبرنامجها النووي السلمي، وإزاء الدور التركي المتلون(الرئيس الاوكراني في تركيا في ظل التصعيد بين كييف وموسكو)حيث ما زال التركي ضمن الرؤية الامريكية ازاء موسكو وجلّ ملفات الخلافات الروسية الامريكية، لا بل تركيا مغفر متقدم للناتو ازاء موسكو والحدائق الخلفية في أسيا الوسطى وفي القوقاز الشمالي، والقوقاز الجنوبي وكافة الملفات الأخرى في المنطقة وعلى رأسها الملف الاوكراني والسوري. الكارتل الحاكم في مفاصل وتمفصلات الفدرالية الروسية، يدرك بفعله المتصاعد ورصده عبر قرون استشعاره، لجهاز المخابرات الاوكراني ومن له علاقات به من كوادر أجهزة المخابرات الاخرى من الدول الصديقة لكييف، أنّ منظومة الحكم في كييف، تسعى وتضغط بكافة الاتجاهات لاعادة اقتطاع اقليم جزيرة القرم من أراضي الفدرالية الروسية، والحاقه بجغرافيتها وسيادتها(القرم عادت الى الفدرالية الروسية باستفتاء شعبي عريض وهي أصلاً أرض روسية بامتياز)، وتعمل من الان كييف، على توظيف العلاقات مع جو بايدن الرئيس الامريكي ونائبته كالا هاريس لتخليق مسارات ذلك، مع العلم انّ جو بايدن له علاقات ممتازة كشخص مع الدولة العميقة في أوكرانيا. وتضغط كييف وبالتنسيق مع كارتل الدولة العميقة في واشنطن على كثير من الدول الغربية وخاصة العربية على دعم هذا المسعى لكييف من جديد، دون أدنى ادراك أنّ ذلك سيقود الى حالة من عدم الاستقرار في اقليم جزيرة القرم، وحرية الملاحة في البحر الاسود، كما سيقود الى تدمير علاقات الدول العربية مع موسكو، خاصة تلك الدول التي لها علاقات متميزة مع روسيّا وبنفس الوقت حليفة لواشنطن. كما تسعى كييف مع الدولة العميقة الامريكية لفرض مزيد من العقوبات على موسكو في حالة رفضها ومقاومتها لأي فعل في هذا الاتجاه، لغايات ابقاء أوروبا كخزّان عداء لموسكو. المخابرات الروسية تعي جيداً، أنّ واشنطن تعمل على تحويل النفط من سلعة الى سلاح لمحاربة روسيّا وايران وفنزويلا وجلّ دول البريكس في أبشع صور وتجليات الخبث السياسي، بالمقابل تتلمس موسكو وترصد بقرون استشعاراتها شعور واشنطن بضعف قوتها، من خلال سعي الأخيره لتوريط بعض حلفائها في المنطقة في شكل جديد قديم من الأستعمار، فبعد أن سحبت وأو اعادة انتشار، واشنطن لقيادة أسطولها الخامس من البحرين، ها هي لندن شارفت على الأنتهاء من بناء قاعدة عسكرية مقابل القاعدة العسكرية الفرنسية في الأمارات بالأتفاق مع مملكة البحرين، وكلا الدورين البريطاني والفرنسي في سياق التعاون والتكميل للدور الأمريكي وتابع له، وان كان الدور البريطاني والذي هو أصلاً في جوهره وباطنه دور صراعي مع الأمريكي، ويسعى لأستعادة مناطق نفوذه التي خسرها بعد الحرب العالمية الثانية، بعكس الفرنسي الملتهم بالكامل أمريكيّاً ويحاول هذا الماكرون اللعب بالهوامش الممنوحه له من قبل الأمريكي بعد الخروج البريطاني من الأتحاد الأوروبي لتوريطه مع ألمانيا كأكبر قوّة اقتصادية في الأتحاد الأوروبي، وأعتقد أنّه من باب التكتيك وافقت لندن أن تشترك مع باريس في خدمة المجال الأمني القومي الأمريكي إلى حين أن تلوح اللحظة التاريخية الأنجليزية. المؤسسة السياسية والأستخبارية والعسكرية في العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي، وخاصة في السنوات الأربع القادمة من عهد جو بايدن ونائبته كالا هاريس، وبالتماهي والتساوق والتنسيق مع جنين الحكومة الأممية(البلدربيرغ) و وول ستريت وشركات النفط الكبرى، يسعى الجميع لتدمير الوجود الروسي في المنطقة، وهذا هو الهدف من الأزمة التي خلقها وأحسن خلقها بخبث مجتمع المخابرات الأمريكي والبريطاني والفرنسي بالتعاون، مع استخبارات البنتاغون والاستخبارات الدبلوماسية التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية في أوكرانيا، كنتيجة للاستعصاء في المسألة السورية وتماسك صلابة الموقفين الروسي والصيني والإيراني. بعد ضم القرم، فنحن أمام يالطا جديدة أنهت يالطا القديمة، وحالات الخلع الاستراتيجي ومحفزاته وتراكيبه في المنطقة ومن المنطقة، والإرباكات الأمريكية المقصودة للشرق الأوسط لغايات هيكلة وهندرة الوجود الولاياتي لهذا النفوذ، تهتم الدولة العبرية(الكيان الصهيوني)بدولة أذربيجان، والأخيرة كونها تعتبر النقطة الجيواستراتيجية الأكثر أهمية في منطقة أوراسيا قلب العالم القديم، وتمثل بوابة السيطرة على منطقة حوض بحر قزوين(بحر الخزر بالتسمية الإيرانية)الغني بالموارد النفطية والغاز الطبيعي، وعن طريق أذربيجان يمكن بسهولة تهديد منطقة قلب الدولة الحيوي في إيران، وذلك لقربها الشديد من العاصمة طهران، والمناطق الإيرانية الفائقة الأهمية والحساسية، إضافة إلى وجود حجم ليس بالقليل لما يعرف بـ(الأقلية الأذربيجانية)الموجودة في شمال إيران، وتتميز بمشاعر عداء قوية إزاء المجتمع الإيراني، وتنشط داخلها حالياً بعض الحركات الانفصالية التي تطالب بالانفصال عن إيران والانضمام لأذربيجان، وذلك بدعم المحور الأمريكي الغربي الإسرائيلي البعض العربي، ولأنّ أذربيجان تشكل نقطة تموضع كقاعدة يمكن تهديد المنشآت الروسية في مناطق منابع النفط الروسي منها، ومحطات الطاقة الكهرومائية الروسية، وأيضاً منطقة جنوب غرب روسيا التي تتمركز فيها الأنشطة الصناعية الروسية، ولأنّ أذربيجان تشكل بطريقة أو بأخرى محطة لدعم الحركات المسلحة في آسيا الوسطى ومنطقة القفقاس، وبالتالي فإن دعم هذه الحركات عن طريق باكو من الممكن أن يؤدي إلى المزيد من القلاقل في هاتين المنطقتين، لذلك أجرى الرئيس بوتين محادثات مطولة عبر الهاتف مع الرئيس الهام علييف وتم بحث الاستقرار في القوقاز الجنوبي واقليم كاراباخ. العلاقات الدولية غير مستقرة لأسباب عديدة ومتعددة، ولكن جلّ تلك الأسباب والمسببات جاءت بفعل وتفاعلات ومفاعيل الحدث السوري وعقابيله، إن لجهة الدولي والإقليمي، وان لجهة المحلي وبيئته في جغرافيا سورية الطبيعية، فمن خديعة ما يسمى بالمجتمع الدولي( أمريكا وحلفائها من الغرب وبعض عرب)لروسيّا في الحدث الليبي، إلى الخديعة الأوكرانية وعقابيلها، قاد ويقود ذلك إلى تصلبات في الموقف الروسي العميق والثابت من المسألة السورية، وما يحاك حالياً لفنزويلا على طريق ميكانيزميات الحدث الأوكراني. فشرق أوكرانيا(روسيّا القديمة)وجزيرة شبه القرم والتي تتمتع بالحكم الذاتي، يشكلان المنفذ الاستراتيجي إلى المتوسط عبر البحر الأسود وصولاً إلى القاعدة العسكرية في طرطوس السورية. وروسيّا تدرك نوايا الغرب في ضم أوكرانيا إلى الناتو، حيث يعني ذلك أنّ البحر الأسود صار بحيرة نيتويّة بامتياز، كما أنّ نواة حكم الدولة في روسيّا تدرك أنّ الطرف الثالث الغربي في الحدث الأوكراني، يسعى لنصب فخ التورط العسكري لموسكو في أوكرانيا ليصار إلى إضعاف واستنزاف القوّة الروسية وإشغالها لتنكفأ إلى الداخل الروسي الفدرالي، وجعلها في موقع الدفاع لا الهجوم ولمنعها من التمدد العسكري والاقتصادي وتوسعة المجال الجيوبولتيكي الاستراتيجي لمجتمع المخابرات الروسية في العالم، لتدعيم مفهوم العالم المتعدد الأقطاب عبر التعاون مع دول البريكس ومجتمعات استخباراتها ومخابراتها. الحدث الأوكراني يهدد الأمن في جلّ القارة الأوروبية، وقد تنزلق الأمور إلى ما لا يحمد عقباه، عبر التدرج بتدحرج إلى أحداث عسكرية مباشرة بين الغرب والروسي، حيث المعركة معركة السيطرة على ممرات الغاز والنفط في العالم، فكيف يصار إلى الارتهان لجزء من الأدوات الأوكرانية المتساوقة والمتماهية مع الأمريكي والأوروبي في القرم، والتي عادت إلى روسيّا ودون إطلاق رصاصة واحدة؟!. ضمن رؤية أمريكية بريطانية وغربية أوروبية استخباراتية وسياسية ودبلوماسية، تقوم السلطات الأوكرانية في كييف، إلى دعم ما يسمى بمجلس الشعب التتري في القرم، للعبث في استقرار القرم وشرق أوكرانيا، ودفعه الى استعطاف الدول العربية والاسلامية لتأييد عودة القرم الى أوكرانيا من جديد بعد اقتطاعها من الام روسيّا، وبالتالي لمزيد من الضغوط على الفدرالية الروسية والكرملين، والذي يتولاه كل من المدعو: السيد جميليف والسيد تشوباروف ومجموعاتهم، وجعلهما يرفعان ويستخدمان شعارات على شاكلة: حماية حقوق الشعب التتري المسلم، ودفعهما إلى الاستفادة الشخصية من وراء ذلك، وتوظيفه كمشروع اقتصادي شخصي، وحتّى وقبل أن تعود القرم الى الفدرالية الروسية، فتركزت جلّ التبرعات التي حصلا عليها، في أيديهما والجماعات التابعة لهما، وما زالا حتّى اللحظة مستمران في نفس النشاط لمزيد من الأرباح عبر توظيفات لعملياتهما الدعائية هذه وتحت عنوان: حماية الحقوق للشعب التتري المسلم في القرم، لتحقيق شيء واحد أوحد، وهو جذب اهتمام بعض الدول العربية وبعض الدول الإسلامية، والتي تموّل أي نشاطات معارضة ومعادية لروسيّا، ومن هنا تسعى العاصمة الأوكرانية كييف إلى الترويج لما يسمى بمجلس الشعب التتري برئاسة كل من الأدوات العملاء: جميليف وتشوباروف، ضمن مسار استراتيجية إعلامية بروبوغاندا، ورفع عمل هذا المجلس التتري المزعوم بل المجلس الوهم على المستوى الدولي، إن في الأمم المتحدة، وان في جلّ المنظمات الإقليمية والدولية العالمية كمنظمة مؤتمر التعاون الإسلامي، لمزيد من الضغط على الفدرالية الروسية، خاصةً وأن موسكو هي عضو مراقب في هذه المنظمة. الشعب التتري المسلم في القرم، هو ضد عمل هذا المجلس الذي يتزعمه أثنين من أدوات المخابرات الأمريكية والبريطانية والأوكرانية، وحتّى أنّ عرائض قدمت في السابق(وقبل عودة القرم إلى روسيّا)من قبل الشعب التتري، إلى الرئيس يوروشينكو يشكون فيه على أنّ هذا المجلس المزعوم سيطر بدعم سلطات كييف على كل خدمات النقل باتجاه جزيرة القرم، ومنع التتار هناك من المشاركة في هذا العمل كقطاع اقتصادي منتج، الأمر الذي تركهم نهشّاً للفقر والجوع وبدون لقمة عيش كريم، بجانب خطابات مسجّله على اليوتيوب وعلى جلّ وسائل التواصل الاجتماعي، تخاطب المسؤولين في كييف حول عمل هذا المجلس الوهم، والذي لا يريد أن يدافع عن مصالح التتار في النزاعات بينهم وبين شعوب أوكرانية أخرى، ونظرة سريعة على آلاف من المقالات والتحليلات في معظم الصحف الأوكرانية، لوجدنا شتائم عميقة بحق القائمين على هذا المجلس التتاري الوهم والمزعوم، وعلى رأسه كل من جميليف وتشوباروف، وعلى شاكلة: كلاب، حيوانات، أسود، خنازير، ومع كل ذلك، فهذا المجلس لا يأخذ بباله كل ذلك وما يهمه فقط هو الربح وملىء الجيوب والبطون. والمصيبة أنّ سلطات كييف لم تأخذ ببالها خطابات الشعب التتاري في القرم، ضد هذا المجلس المزعوم، المجلس الوهم، المجلس الأداة، في الفترة التي سبقت عودة جزيرة القرم إلى موسكو عبر استفتاء شعبوي نزيه لم تطلق رصاصة واحدة فيه، بل ما زالت وحتى الآن وبعد عودة القرم إلى روسيّا، تدعم هذا المجلس لمزيد من الضغط على موسكو وحسب توجيهات المخابرات الأمريكية والبريطانية، كما تساهم سلطات كييف في نشر معلومات كاذبة عن انتهاكات مزعومة لحقوق الشعب التتري في القرم وهي معلومات كاذبة بامتياز. ومنذ فترة ليست بالطويلة، قام أحد الصحفيين الأوكرانيين المشهورين(كوتسابا)ومعه فريق عمل من الإعلاميين وخبراء في إجراء استطلاعات الرأي، بزيارة جزيرة القرم وأجرى الكثير من اللقاءات مع زعماء وشخصيات من الشعب التتاري المسلم هناك، وناقش هذا الأمر وعمل المجلس التتاري، وقد أعرب أغلبية التتار في الاستطلاع إياه وبنسبة 93 % عن عدم قبولهم ورضاهم عن عمل السيد جميليف والسيد تشوبانوف ومجموعتهما وأدواتهما، حيث قاد عملهم جميعاً هؤلاء العاملون في خلية مخابراتية أمريكية أوكرانية بريطانية غربية، إلى خلق وتخليق طائفية بغيضة ونشر البغضاء والفتن بين الروس والتتار والأوكرانيين، لذلك طالب ويطالب الشعب التتاري من القائمين على المجلس الوهم المزعوم مجلس الشعب التتاري بعدم التصريح باسم الشعب التتاري. انّ المملكة الأردنية الهاشمية تربطها علاقات دبلوماسية مع كل من الفدرالية الروسية ومع أوكرانيا، ولديها مصالح مشتركة مع موسكو وكييف، وان كانت علاقاتها مع موسكو أعمق وأوسع أفقياً بكثير من علاقاتها مع كييف، حيث العلاقات مع كييف مضى عليها خمسة وعشرين عاما، في حين مع موسكو أكثر من ذلك بكثير وأضعاف تلك المدة مع كييف، حيث الأخيرة كانت جزءً من الاتحاد السوفياتي السابق، وهناك محاولات من جانب الأمريكان والسلطات الأوكرانية في إثارة ما تسمى بانتهاكات حقوق الشعب التتاري التي يروج لها المجلس التتاري لدى المنظمات الدولية والإقليمية، وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة ومنظمة المؤتمر الإسلامي. وأحسب وأعتقد أنّه من المنطق والصواب وجادّة الطريق الاستراتيجي، على حكومة المملكة الأردنية الهاشمية ومؤسساتها، أن تنأى بنفسها وتكون بعيدة عن تأييد كييف في الضغط الدولي بمحاولات اعادة اقتطاع القرم من الفدرالية الروسية بعد أن عادت القرم كفرع الى الاصل الروسي، ومبادرات المجلس التتاري الوهم والمزعوم في المنظمات الدولية وخاصة في منظمة المؤتمر الإسلامي، حيث يعد ذلك تدخلاً في شؤون الدول الأخرى، وكذلك الحال بأن ينسحب موقفها هذا لدى منظمة الأمم المتحدة إذا ما أثير هذا الأمر، إلاّ بالقدر الذي يوقف اللعب باستقرار القرم، وشرق أوكرانيا، وبالتالي الأضرار باستقرار الفدرالية الروسية. روسيّا كشفت عن قرار استراتيجي متخذ من مدة وبدء العمل به من مدة ليست بالقصيرة، في بناء المزيد من قواعد عسكرية روسية في كل من كوبا وفنزويلا وفيتنام ونيكاراغوا(الحدائق الخلفية لواشنطن في أمريكا اللاتينية)، كإستراتيجية تطبق على استراتيجية واشنطن العابثة في الحدائق الخلفية للفدرالية الروسية، والأخيرة بعاصمتها موسكو تشكل قلب أوراسيا، وقيل قديماً أنّ من يسيطر على أوراسيا يسيطر على العالم. في أوكرانيا هناك يمين متطرف، ويمين اليمين وهو أشد تطرفاً من اليمين المتطرف، وذو عناصر راديكالية مسلّحة ذات ميول نازيّة فاشيّة، فتمّ تعبئته أمريكيّاً وغربيّاً من جديد وشحنه، لتعم الفوضى في الداخل الأوكراني وبالتالي على الحدود مع روسيّا، مع العلم والمعرفة أنّ فكرة موالاة أوكرانيا للغرب وواشنطن هي فكرة ضد الجغرافيا والتاريخ، حيث أمام الأزمة في أوكرانيا خيارين فقط: الارتهان إلى التسوية السياسية وعلى قاعدة لا غالب ولا مغلوب، أو الحرب الأهلية والتي قد تقود إلى شراسات غير معهودة في رد الفعل الروسي المشترك مع الصين تحديداً، إزاء الغرب وأمريكا وفي أكثر من مكان في العالم وصولاً إلى حزب الله في لبنان، حيث تقول المعلومات أنّ صواريخ ياخنوت الروسية – كروز الروسية ذات المدى 300 كم وغيرها، قد وصلت حزب الله اللبناني وبكميات غير قليلة. تتحدث المعطيات والوقائع الجارية على طول خطوط العلاقات الروسية الأمريكية الغربية، على حالات من الكباش السياسي والعسكري والاقتصادي والدبلوماسي والأمني الاستراتيجي، وتضارب المصالح والصراعات على أوروبا والحدائق الخلفية للولايات المتحدة الأمريكية، ومثيلتها الحدائق الخلفية للفدرالية الروسية وعلى قلب الشرق سورية، وعقابيل وإرهاصات ما يجري في أوكرانيا الآن. إذاً تدهورت العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين، استناداً إلى تدفقات الأخبار والمعلومات التي تكشف كل يوم الدور المتعاظم والمتزايد الذي تقوم به موسكو في مواجهة تحديات النفوذ والهيمنة الأمريكية، فكلا العاصمتين الأمريكية والروسية وحلفائهما تتبنيان مواقفاً متعارضة إزاء كافة الملفات الدولية والإقليمية الساخنة وغير الساخنة، وبالذات تلك المتعلقة بالشرق الأوسط وشبه القارة الهنديّة، والتوجهات الأمريكية الهادفة إلى عسكرة العالم، إضافة إلى بعض بنود التجارة العالمية، وقضايا حماية البيئة وحقوق الإنسان. أعمق من الحرب الباردة والتي تبعث من جديد، بسبب ظهور الفدرالية الروسيّة وكومنولث الدول المستقلة، وظهور منظمة شنغهاي للتعاون التي جمعت بين الصين وروسيّا على طاولة موحدة الأجندة، حيث الإدراك الأمريكي لروسيّا الفدرالية باعتبارها مصدراً للتهديد والخطر، فخبرة العداء لأمريكا متجددة في الشارع الروسي، وتجد محفزاتها في الإرث السابق الذي خلفته الكتلة الاشتراكية والاتحاد السوفييتي، وتدرك العاصمة الأمريكية واشنطن أنّ التماسك القومي الروسي أكثر خطراً من التكوين الاجتماعي السابق الذي كان في الاتحاد السوفييتي، خاصة في الاعتبارات المتعلقة بالعداء القومي الاجتماعي التاريخي بين القومية الروسية والغرب، وتتميز الدولة الروسية بالاكتفاء الذاتي وبوجود الوفرة الفائضة في كافة أنواع الموارد الطبيعية، وبالتالي يصعب التأثير عليها عن طريق العقوبات أو الحصار أو الحرب الاقتصادية والتجارية الباردة، وهو موقف يجعل روسيّا أفضل من الولايات المتحدة الأمريكية التي تستورد كل احتياجاتها من الخارج الأمريكي، وانّ روسيّا قادرة على التغلغل في أوروبا الغربية عن طريق الوسائل الاقتصادية، وهو أمر سوف يترتب عليه احتمالات أن تخسر أمريكا حلفاءها الأوروبيين وغيرهم الذين ظلت تستند عليهم وما زالت، وان المسافة بين الفدرالية الروسيّة والولايات المتحدة الأمريكية، هي بضعة كيلومترات عبر المضيق البحري الفاصل بين ولاية ألاسكا وشرق روسيّا، أضف إلى ذلك إلى تملك روسيّا كمّاً هائلاً من أسلحة الدمار الشامل، والمعلومات الأمريكية الاستخبارية حول موسكو غير دقيقة بسبب قدرة الروس على التكتم والسريّة. فمقابل سلّة الإدراك الأمريكية هذه إزاء موسكو، هناك سلّة الإدراك الروسية لجهة العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي، حيث لم يتغير الإدراك الروسي لأمريكا عن ذلك الذي كان سائداً في أيام الاتحاد السوفييتي، وينظر الروس لأمريكا حالياً على أساس سعي حثيث لأمريكا إلى فرض الهيمنة على العالم ولإضعاف روسيّا عسكرياً واقتصادياً تمهيداً لإضعافها سياسياً ودولياً، كما يريد الأمريكيون تحويل الاقتصاد الروسي إلى اقتصاد تابع للغرب، ويسعى الأمريكيون إلى السيطرة على المناطق المجاورة لروسيّا تمهيداً لمحاصرة روسيّا بسلسلة من القواعد. وكما تحدث كاتب هذه السطور في تحليل سابق بعنوان: واشنطن ودعم الحركات الانفصالية عبر الجهاد الأممي ودموية وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، فانّ الولايات المتحدة الأمريكية تسعى إلى الإضرار باستقرار روسيّا عن طريق تشجيع الحركات والتيارات الانفصالية الناشطة في بعض مناطق الاتحاد الروسي، عن طريق تشجيع الأقليات على التمرد والعصيان مثل الشركس في جمهوريتي ابخازيا وشركسيا، وأيضاً لتشجيع قوميات الأنغوش في أنغوشيا، إضافة إلى تمردات داغستان، والشيشان، وأوسيتيا العليا والسفلى، كما أنّ التحركات العسكرية الأمريكية الدولية والإقليمية تهدف إلى الاقتراب بأكثر ما يمكن باتجاه حدود روسيّا، وكان آخرها ما يجري في أوكرانيا الآن، ومحاولات مستمرة لأمريكا نشر الشبكات والمنصات الصاروخية والرادارات العملاقة على مقربة من حدود روسيّا مع دول شرق أوروبا السابقة، وأيضاً إلى نشر القواعد الأمريكية في دول آسيا الوسطى. واشنطن تسعى إلى قطع الطريق أمام تعاون موسكو مع بقية دول العالم، وقد بذلت وتبذل جهوداً كبيرة في عرقلة مشروع تمديد أنابيب النفط والغاز من الحقول الروسيّة إلى مناطق الاستهلاك في غرب أوروبا، وعلى وجه الخصوص فرنسا وألمانيا، ومع عمل مستمر لاستقطاب دول الكتلة الشرقية السابقة مثل بولندا، بلغاريا، المجر، تشيكوسلوفاكيا، وتحويلها إلى قواعد عسكرية متقدمة للقوات الأمريكية في مواجهة الدولة الروسية. يشكل الملف النفطي أبرز النقاط التي تتضارب وتتنافر فيها المصالح الروسية مع المصالح الأمريكية، ويعتبر المخزون الروسي من النفط والغاز هو الأكبر في العالم حالياً، كذلك ما تزال روسيّا المصدّر الأول للنفط والغاز في العالم، ومن ثم فإنّ محاولات أمريكا الضغط على الدول المصدرة للنفط لكي تقوم بتخفيض الأسعار عن طريق رفع معدلات الإنتاج، هي محاولات تصطدم دائماً بالحاجز الحديدي الروسي. كذلك تفرعت عن الملف النفطي جملة من الملفات الأخرى، بعد انطلاق ما سمّي أمريكيّاً بالربيع العربي، فمن تونس إلى مصر مرسي فمصر السيسي، فليبيا وحالات الفوضى فيها واستهداف سورية حتّى اللحظة قلب الشرق فأوكرانيا، وقطعاً إيران بالرغم من توقيع الاتفاق النووي معها، حيث تمثل إيران إحدى مناطق تضارب المصالح الأمريكية الروسية الغربية الأكبر في العالم، وإيران خاصرة الفدرالية الروسية الضعيفة لجهة الجنوب الروسي الحيوي، ويريد الأمريكيون استراتيجيّاً ضرب إيران أو على الأقل إضعافها، من أجل إسقاط نظامها وإقامة نظام بديل يساعد في استقرار سيطرة أمريكا على العراق، وأيضاً من أجل الاستحواذ على مخزونات النفط الإيراني، إضافة إلى قطع الطريق على مشروع خط أنابيب نقل النفط الذي وقعت على اتفاقيته موسكو وإيران، بحيث يتم تمديد الخط من روسيّا إلى إيران ثم إلى باكستان فالهند. كما تدرك موسكو أنّ أمريكا تجاهد من أجل التأكيد على رهان تمديد أنابيب النفط من السعودية والخليج والعراق، عبر الأردن إلى الدولة العبرية( الكيان الصهيوني) على النحو الذي يمكّن الدول الغربية من الحصول على احتياجاتها النفطية مباشرة من ساحل “إسرائيل” الساحل الفلسطيني المحتل المطل على البحر الأبيض المتوسط. هذا وتمتاز الدبلوماسية الروسية ببراغماتية متنوعة فريدة من نوعها، ظاهرها ناعم ويوحي بالتراجع أمام أي تقدّم أمريكي مندفع، وباطنها شائك وقوي وصلب يعرف ما يريد في النهاية، وأحسب وأعتقد كمراقب وراصد بأن التراجع الروسي إزاء التقدم الأمريكي أحياناً في بعض الملفات الساخنة وغير الساخنة، هو مخطط روسي استراتيجي يهدف إلى عدم الوقوف في طريق الولايات المتحدة الأمريكية، طالما أنها تندفع بأقصى سرعة باتجاه التورط في النزاعات والمشاكل، التي لن تجلب لها سوى الخسارة وكراهية الشعوب، وهو أمر سوف يؤدي إلى الإضرار بقوة واشنطن على المدى القريب، وإضعافها تماماً على المدى البعيد، وفي الوقت نفسه تكسب الفدرالية الروسية الوقت الكافي وتقوم بالمضي قدماً في تطوير التكنولوجيا والاقتصاد، وبناءات قوتها العسكرية ومستلزمات تفعيل مجتمع مخابراتها ومجالاته الجيوبولتيكية، وتحالفاته مع نظيره الصيني خاصةً أنّ موسكو تخلّت ومنذ سنوات من مخاوفها من الصعود الصيني المتعاظم. مسارات الأتركة للمنطقة وجلّ الشرق الأوسط، والأدوار التركية في القوقاز الشمالي والقوقاز الجنوبي، ومنحنيات جغرافية أسيا الوسطى بما فيها جزيرة القرم، وعلى وقع الخلافات والتباينات التركية الأمريكية الحالية والمتوقع تفاقمها لاحقاً في عهد الناطق الرسمي الجديد للحكومة الخفيه في العالم، ونواتها في الداخل الامريكي – البلدربيرغ، ومسارات تفاقمها وتطورها لعقابيل وتداعيات قد تحدث شرخاً في جسر العلاقات بين واشنطن وأنقرة لا يصل الى درجة القطيعة، حيث علاقات تركيا مع الناتو والأمريكي كعلاقة جلدة الشاه بلحمها(بالرغم من محاولات اقصاء تركيا عبر الفرنسي والالماني من الناتو، ودعم فرنسي ألماني مشترك للمفهوم الاستراتيجي الجديد لحلف الاطلسي، وتصريحات رئيس المجلس الاوروبي بضرورة انتهاء لعبة القط والفأر مع تركيا). وألمانيا – ميركل ووزير خارجيتها هايكو ماس، يسيران كتابعين لواشنطن بعد انخراطات لبرلين في ترسيم مسارات نقض الاتفاق النووي مع ايران بطلب من السيّد الامريكي الوقح بعهد دونالد ترامب، وهذا الطلب سوف يستمر بعهد جو بايدن كناطق رسمي باسم البلدربيرغ، لغايات توسعة التفاوض من جديد أمريكياً مع ايران، لغايات أن يشمل التفاوض برنامج الصواريخ البالستية، وتستمر هذه الألمانيا والتي تصر بأن تكون تابعة لواشنطن رغم محاولات موسكو في اعادة تأهيلها على المستوى السيادي ولكن التابع يبقى تابع، تستمر برلين في بيع السلاح الألماني على مستوى العالم بالاتجاهات الأربع وخاصة في الشرق الاوسط. إنّ العنوان الرئيسي لهذه المرحلة هو الخلع الاستراتيجي من المنطقة وفي المنطقة، والمتمثل في اعادة هيكلة الوجود الأمريكي في أفغانستان وليس بالانسحاب الأمريكي من أفغانستان، بعد اعادة(هندرة)الوجود الأمريكي في العراق والذي عاد أولوية أمن قومي أمريكي في عهد الرئيس ترامب المنصرف من البيت الابيض، وسوف تتصاعد أهميته في عهد الناطق الرسمي باسم الحكومة الخفيه الديمقراطي جو بايدن، لغايات العبث بايران عبر استراتيجيات التطبيع الناعم، لتفجير ايران عبر الاتفاق النووي وضرورة الحفاظ عليه، وعلى العبث بالطبقة الوسطى الايرانية، والذي صار يعود من جديد عبر ما يحدث في الأنبار وتحت عنوان مكافحة الأرهاب لخلق اقليم سني قادم ليكون بمثابة مسمار جحا لليانكي الأمريكي، من هنا تأتي أهمية إرباك المنطقة الشرق الأوسطية كحاجة أميركية للخروج من متاهاتها العميقة(عبر الناتو وأدوار تركية كمخفر متقدم)، عبر اعادة تموضعها وحصر أولوياتها وتنازلات هنا وهناك، للوصول الى تفاهمات مع التكتل الدولي الاخر وعنوانه موسكو، والأخيرة مسنودةً من قبل الصيني وجلّ دول البريكس. الحكومة الخفيه لواشنطن، توظّف تركيا ضد روسيّا وايران وسورية والعراق، وللعبث في القوقاز الشمالي والقوقاز الجنوبي، كما أنّ نواة هذه الحكومة البلدربيرغ، تحدّث دوماً استراتيجيات دفاعية أمريكية جديدة، وتحديثات مستمرة لمفاصلها وتمفصلاتها الاممية وفعلها على الميدان الدولي، لثالوثها النووي البحري والجوي والصاروخي، وبالخلفية أيضاً تحديث، لمجتمعات استخباراتها وأفعالها القذرة في جلّ ساحات الخصوم والحلفاء على حد سواء، لوقف تآكل القوّة العسكرية الأحادية الشاملة، أمام الفدرالية الروسية والصين وكوريا الشمالية وايران، وهي استراتيجية تنافس من جهة، ومواجهة عسكرية ومخابراتية وسيبرانية من جهة أخرى، وحفاظاً على حيوية الأقتصاد الأمريكي وهو اقتصاد حروب. فأمريكا تتهم كل من روسيّا والصين بتقويض قوّة الناتو، والأخير من مخلفات الماضي التليد(نلحظ رغبة أمريكية في انهائه للناتو، لكن الأوروبي متمسك به، كونه يرى أنّ الأمريكي يسعى الى شطبه للأوروبي بالمعنى الأستراتيجي عبر تقوية أوكرانيا عسكرياً واقتصادياً، والناتو يحمي أوروبا من روسيّا هكذا تفكر كوادر القارة العجوز – سوف يزداد العمل في عهد جو بايدن لانهاء الناتو فالحاكم هناك قوى خفيه، تجيء بأي رئيس عبر لعبة ومسرحية الانتخابات)، وجاءت موضوعة مكافحة الأرهاب المعولم كأولوية ثانية في المسار العسكري التحديثي لواشنطن، وظهرت أمريكا في مفاصل رؤيتها العسكرية الجديدة، أنّها في غاية القلق من التمدد العسكري والأقتصادي لكل من الصين وروسيا وايران في أفريقيا والشمال الأفريقي، وترى أنّ القوّة العسكرية هي الوسيلة الوحيدة لفرض الهيمنة والقرارات على العالم. تركيا وأمريكا، وفي معرض مسارات دعمهما لسلطات كييف الأوكرانية، المحفوف بالمخاطر على جلّ استقرار القارة الأوروبية العجوز، فهما تشرعان كل أنواع مواجهات هذه السلطات مع المعارضين في شرق أوكرانيا وجنوب شرقها، وفي دعم سلطات كييف الجديدة في العمل على اقتطاع جزيرة القرم من روسيّا. الكابوي الأمريكي معروف عنه تاريخيّاً التشدّد والمرونة في السياسات وتنفيذها، حيث هناك في مفاصل الدولة الأمريكية فريق يسعى الى مزيد من التصعيد مع الروسي، في فرض مزيد من عقوبات مشدّدة وتقديم مساعدات عسكرية لسلطات كييف الجديدة، وهذا الفريق فريق العصا الأمريكية الغليظة، بسببهم صارت أمريكا الشرطي الأول في العالم، وفريق آخر يظهر شيء من الحكمة والواقعية السياسية والميدانية، وقد يكون الأقدر على فهم متغيرات الزمن، يسعى وبصعوبة نتيجة الصراع والخلاف مع الفريق الآخر، في جعل الباب مفتوحاً بقدر يسير للغاية للوصول الى تقاربات ثم تفاهمات، للوصول الى الحل الدبلوماسي لهذه الأزمة مع الروسي. هذا الفريق الأمريكي فريق الأطفاء الدبلوماسي للنار التي أشعلتها واشنطن عبر حلفائها وأدواتها في الداخل الأوكراني، ممكن وصفه بالتيّار المعتدل أو أنّه يظهر الأعتدال وينادي بالتريث وتبريد سخونة الأجواء، ويعلن أنّه ليس من الحكمة بمكان حشر روسيّا بالزاوية ورفع سقوف التشنج معها، وفي ظل وجود ملفات مشتركة مهمة على طول وعمق خطوط العلاقات الأمريكية الروسية. فتحتاج واشنطن لموسكو كثيراً وأكثر من حاجة روسيّا للعاصمة واشنطن دي سي في الملف السوري، والملف الأفغاني، والملف الباكستاني، والملف الإيراني، وملف كوريا الشمالية، وملف الصراع العربي “الأسرائيلي”، وملف تايوان، وفي ذلك رسالة مشفّرة لموسكو، نواة الأخيرة فكّت الشيفرة، وهي لتقديم تنازلات محدودة في ملفات أخرى حتّى في تايوان. وبحسب قراءات مجتمع المخابرات والأستخبارات الروسية، أنّه وفي ظل الأصطفافات الدولية بسبب الأزمة السورية ونتاجها الطبيعي الأزمة الأوكرانية، تسعى واشنطن وحلفائها ودولة الكيان الصهيوني الدولة المسخ “إسرائيل”، إلى تسخين النزاع بين روسيّا واليابان حول جزر كوريل المتنازع عليها بين طوكيو وموسكو، والأخيرة تنسق مع بكين حول ذلك. كما أنّ الفدرالية الروسية تعي أنّ فريق الأطفاء الدبلوماسي للنار الأمريكية في كييف، لا يعني ولا يشي أنّ أمريكا تقر بوجود شريك روسي لها، وأنّ هناك قوّة أخرى صاعدة أعادت انتاج نفسها من جديد، فصعدت بقوة وثبات وكان الصعود خطوة خطوة وليس صعوداً صاروخيّاً، كون المعادلة الكونية تقول: أنّ من يصعد بشكل صاروخي سريع يسقط بمثل وشكل ما صعد، وهذا ينطبق على الدول وعلى الجماعات وعلى الأفراد(النخب السياسية والأقتصادية)في المجتمعات والدول. انّ أي نزاع عسكري في أوكرانيا مع الروس من قبل الناتو ودعم تركي للأمريكي، سيغير هياكل أمن القارة الأوروبية ويقود الى حالة عدم الأستقرار في أوروبا كلّها، خاصة وأن المعلومات تقول عن تواجد عسكري للناتو هذا الأوان في مناطق أوروبا الشرقية، وهذا ما تم رصده وأكّده تصريح غير مسبوق لقائد قوّات الناتو في شرق أوروبا، والذي سبق أن زار دول الجوار السوري منذ بدء الحدث السوري وفي أكثر من زيارة معلنة وغير معلنة ومنها الأردن(نلحظ ارسال البنتاغون لأكثر من ألفي جندي أمريكي اضافيين، الى بولندا لغايات الدفاع عن أمن أوروبا ومصالح واشنطن). وروسيّا تعتمد تكتيك النفس الطويل، وهذا هو نفسه سيناريو القرم الذي انتهجته موسكو، حيث الجيش الروسي تمترس خلف الحدود وترك الساحة للحلفاء في الداخل القرمي(القرم)، مع دعم سياسي ومادي ومعنوي وعسكري واعلامي، وذات السيناريو سيكون مع مناطق شرق وجنوب أوكرانيا، وفي حال تفاقمت الأمور في الشرق الأوكراني وجنوبه، فانّنا سنكون أمام قرم آخر ينظم للفدرالية الروسية، وأثر ذلك على أوروبا والعالم سيكون وخيماً، حيث تتشجّع الحركات الأنفصالية وتطالب بالأنفصال، مما يقود الى حالة من عدم استقرار وثبات الدول وحدودها الجغرافية، وفي النهاية سيكون الشرق الأوكراني قرم آخر انّها لعنة اقليم كوسوفو، حيث تم سلخ الأخير من يوغسلافيا السابقة وجعله كدولة بمساعدة الأمريكي، وثمة تسخينات لجغرافيا وديمغرافيّة كوسوفو كمنتج للأرهاب من جديد لتوجيهه ازاء روسيّا وتركيا. هناك تحولات جيو – إستراتيجية وتسوناميات داعشية ارهابية في المنطقة بفعل أمريكي، من أجل تعزيز حالة التشظي التي يشهدها العراق وسورية والمنطقة، كي تمهّد لتنتج ميلاد أرخبيلات كيانية طائفية أو اثنية وذلك لشرعنة اسرائيل الصهيونية في المنطقة، مع ترسيمات لحدود نفوذ جديدة مع حلفاء مع فرض خرائط دم BLOOD MAPS كأمر واقع بمشارط العمليات القيصرية، وعبر استراتيجيات التطهير العرقي والطائفي ETHNIC CLEANSING كل ذلك مع التفكيك الممنهج والتفتيت الجغرافي والتلاعب بجينات الوحدة الوطنية، وافشال الدول الوطنية FAILIN STATES واستهدافات للجيوش الوطنية ذات العقيدة الوطنية واحلال ديمقراطيات التوماهوك وبديلها الداعشي، لتأمين مصالح الشركات الأمريكية والأوروبية النفطية في المنطقة. واشنطن فشلت في التحكم ومراقبة أزمة المنطقة، فزّجت بورقة داعش كون أن التطورات والنتائج في محصلتها لم تصب في صالحها، بل في صالح طرف آخر هو طرف خط المقاومة في المنطقة، فتدخلت بريطانيا من جديد ووجدت فرصتها سانحة ومواتية لأستعادة بعض مناطق النفوذ فكان الأنشقاق الأولي في داعش، وسنرى استثمارتها وتوظيفاتها وتوليفاتها لداعش لاحقاً. انّ الولاء للولايات المتحدة الأمريكية(الأمبراطورية الرومانية الجديدة عبر دولة كوردستان)أخطر من معاداتها، فالعداء لها له مخاطره، والتحالف معها يقترن دائماً وأبداً بالمصائب والدمار، و واشنطن الآن تناقش نفسها بنفسها حول العلاقة بين مصالحها وموقعها من نشر الديمقراطية وحقوق الأنسان والحاكمية الرشيدة، ومتى أصلاً كانت أمريكا تقيم وزناً للمثل والقيم الأنسانية اذا تعلق الأمر بمصالحها الحيوية؟ انّ كل مغامرة قام بها الغرب في الشرق الأوسط لعبت فيها السعودية دوراً ايجابياً تمويلاً وتغطيةً، امّا علناً أو من وراء ستار ومنذ الحرب العالمية الثانية تحالف السعودية العربية مع الغرب.

شاهد أيضاً

من يحكم من إسرائيل / أمريكا ؟…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني

السردية السائدة في الصحافة الرسمية الغربية بما يخص العلاقة بين نتنياهو وكيانه وإدارة الرئيس بايدن …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024