لا أعتقد أن المتابع للشأن اليمني قبل موجة التغيير المشبوهة، التي عصفت بأنظمة لم تنفعها عمالتها، فباركت أمريكا والغرب جهود شعوبها للخلاص منها، في توجّه استراتيجي غربي جديد، غير خاف لمن يعقل، قد يغفل عن الشعار الذي رفعه أنصار الله، انطلاقا من محافظة صعدة اليمنية، فيسقط فيما سقط فيه المخدوعون بالإعلام التّافه، من أنهم أعداء الشرعية المزيفة، التي تقف وراءها أمريكا والصهاينة والتحالف الأعرابي بقيادة السعودية.
شعار أنصار الله، منذ تأسس هذا التنظيم المقاوم للظلم والإستبداد سنة 1992، عبّر في عناوينه عن انتماء إسلامي واضح، ووضع أولوية أساسية في نهجه الثوري، تمثلت في إعلان البراءة من أمريكا وإسرائيل، باعتبارهما يمثلان خطرا على الإسلام المحمدي الأصيل وقيمه الانسانية، وهو شعار لم يجرؤ أحد من الدّول والتنظيمات على رفعه في وجههما، باستثناء إيران الاسلامية، التي عبرت من خلال فكر قائد ثورتها ونظامها، الامام الخميني عن موقف صريح وواضح، من أمريكا ولقيطها النظام الصهيوني، ونحا نحوها أحد أكبر روافد الثورة الاسلامية، حزب الله اللبناني 1985 فحمل بدوره مشروع مقاومة الصهيونية والإستكبار، مستلهما من أفكار مجدد العصر قيمه الروحية والمعنوية في مقاومة الأعداء.
حركة انصار الله التي تقاتل من اجل تحرير الشعب اليمني من تبعية عملاء أمريكا في الخليج، لم يفتها اعتبار القضية الفلسطينية مظلمة العصر، بشهودها السّلبيين الكثر، فمن ملامح شعارها، يستطيع أي شخص أن يفهم، مدى الارتباط والتلازم بين أهداف هؤلاء الأنصار، وبين ما تريد تحقيقه فصائل المقاومة الفلسطينية، وتلويح قادة الحركة الاسلامية اليمنية المقاومة بأن هدفها القادم بعد تحرير الأرض اليمنية من دنس العدوان هو قطعا تحرير فلسطين، لذلك فإنّ وقوف أمريكا واسرائيل الى جانب قوى التحالف الأعرابي في دعم العدوان على اليمن بدا واضحا منذ انطلاقه، وما يريدانه انهاء انصار الله، ودورهم المستقبلي في تحرير فلسطين، وحماية مضيق باب المندب الاستراتيجي، من أن يقع بأيدي أعداء الغرب والصهيونية، وما يريده عملاؤهما في البيت الخليجي العميل، إخضاع اليمن لبيت طاعته.
عندما يقترح قائد حركة أنصار الله، السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي على السعودية مبادلة 5 ضباط سعوديين أسرى من بينهم طيار، مقابل الإفراج عن محمد الخضري (81 عاماً)، المسؤول المكلف من طرف حماس، بالعلاقة مع السعودية، ونجله هاني المحاضر في جامعة أم القرى بمكة، و66 معتقلا آخرين، من نشطاء حركة حماس، كانت أجهزة أمنيّة سعودية قامت باعتقالهم في أبريل 2019 بسبب جهودهم لنقل الأموال إلى قطاع غزة، وتحديدا حركة حماس، وفيما رحّب القيادي محمود الزهّار بالمبادرة، واعتبرها مفرحة للشعب الفلسطيني، ومؤكدة على وحدة صف قوى وحركات المقاومة، يبدو النظام السعودي في وضع لا يحسد عليه، يزداد سوء وافتضاحا يوما بعد يوم.
موقف جادّ جدير بالتنويه والإشادة به، ولا يبتغي من ورائه أنصار الله شيئا، غير التعبير عن تضامن وتلاحم حقيقي، بينهم وبين اخوانهم الفلسطينيين، في مقاومة قوى الاستكبار والصهيونية وعملائهما في المنطقة، ولا يبعد أيضا عن لمسة صادقة، لمشاعر الأمة الاسلامية عامة، تتضمن في مبادرتها، وأد مؤامرة أعداء الاسلام، الذين خططوا لفتنة طائفية، تزيد من معاناة المسلمين، وافشال مشروع وحدتهم..
وبالمنظار الصهيوني، أصبح النظام السعودي يرى حركة حماس ارهابية، تطبيقا لأوامر أمريكية صهيونية، ففي جلسات الاستماع العلنية في المحكمة، تركزت التهمة الرئيسية التي وجّهتها دائرة الاتهام، على قيام هؤلاء الفلسطينيين بأنشطة تدعم الإرهاب، في إشارة واضحة الى الجناح العسكري للحركة، ورغم الغضب الشعبي الذي عمّ قطاع غزة، بسبب الاعتقالات والمحاكمة، واستنكار وتنديد قادة حماس بتلك الإجراءات التعسّفية، ومطالبتهم بإطلاق سراح جميع المعتقلين، فقد تجاهلت السلطات السعودية ذلك، وصمّت آذانها عن الاستجابة لها، وها هي اليوم تجد نفسها بين حلّين كلاهما مرّـ فإمّا أن تطلق سراحهم، دون مبادلة مع أسراها المقترحين من طرف حركة أنصار الله، وبالتالي ستضع نفسها في قفص اتهام، بعدم المبالاة بتحرير جنودها الأسرى، وتأثير ذلك على معنويات الذين لا يزالون قيد الأسر، وحتى أولئك الذين لا يزالون يقاتلون بمعنويات، تزداد انهيارا يوما بعد يوم، بعد أفول نجم عاصفة الحزم، وانقلاب صفحتها تماما، عكس ما كانت تنتظره أمريكا واسرائيل وأدواتهما في غزو اليمن .
موقف يمني شهم، يذكّرنا بعراقة أهل اليمن وسماحة آدابهم، وهم أهل مكارم الاخلاق، ويعود بنا الى تذكّر عمليتي التبادل الشهيرتين، اللتين قام بها حزب الله عبر الوسيط الألماني سنة 2004 و2008، واللتين شملتا إطلاق سراح أعداد كبيرة من المعتقلين، لبنانيين وفلسطينيين وعرب، مضافا الى رفات شهداء المقاومة من جنسيات مختلفة، من بينهم 7 رفات من تونس.
ومثلما التفت حزب الله لإخوانه، من حركات المقاومة الفلسطينية والعربية، جاءت مبادرة حركة أنصار الله، بفك اعتقال إخوانهم الفلسطينيين من سجون النظام السعودي – وهي سجون رهيبة – تنبيها لعملاء أمريكا والصهاينة، بأن ما يقومون به من صدّ ومعاداة لأحرار الأمّة، أفرادا وجماعات، لن ينجح في تثبيت كيان غريب صهيوني عنّا بأمر أمريكي، مهما بلغت جهودهم، وإنّ العار لا يلحق إلا بالعملاء والمتخاذلين، فمصيرهم دائما الى مزبلة التاريخ، والشرف كل الشّرف في المقاومة والشهادة دون الحقوق والمبادئ، هكذا علّمنا قرآننا وعليه يمضي رجال الله، ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله.