سخرية القَدَر. ال 400 مليار دولار . المبلغ الذي باع به ترامب الأمن الى السعودية هو نفسه الذي اشترت فيه الصين خمساً وعشرين سنة نمو مِن إيران. بلد يشتري بلاكووتر حتى ينام مواطنوه بأمان وآخَر يغيّر وجه المنطقة ويكتب التاريخ.
منعطف تاريخي كبير هو توقيع إتفاق التعاون الإستراتيجي بين الصين من جهة وبين الجمهورية الإسلامية الإيرانية من جهة أخرى. خلف المنعطف روحا مؤسسَين كبيرين. الإمام التاريخي الخميني وماو. نحن والحال هذه أمام ربع قرن صيني إيراني قابل للتجديد. ترسية للصين في المضيق بالتأكيد إنما الأهم بيع النفط الإيراني لكل من يريد.
المرتقب المنطقي يتمثل بتلاشي لكل مفاعيل الحصار على إيران. تعزيز لشروط مفاوضاتها حول الإتفاق النووي. تمايز تدريجي للإتحاد الأوروبي اقتصادياً وسياسياً عن الحليف الأميركي في ما يتعلق بالإنفتاح على طهران. معارك جانبية أميركية أوروبية وبالتالي إلهاء المارد الأميركي بمعركة إثبات أحاديته.
خطر صيني داهِم ومضاعف على الولايات المتحدة الأميركية من البوابة المشرقية للكرة الأرضية كما من بوابة أميركا اللاتينية وبالتالي استنزاف واشنطن طوال مدة ولاية بايدن. تحقق نبؤة ترمب أن الصين هو العدو الأوحد وتسخير القوة العاتية الأميركية لمواجهة القوة الناعمة الصينية.
نحن أمام سايكس بيكو جيوسياسي جديد. اتفاقية وقّعها الرئيسان الإيراني والصيني روحاني وبينغ. أن ترسو التكنولوجيا الصينية في بحر العرب فهذا يعني أن هرمز بات ليس فقط المنفذ البحري الوحيد للعراق والكويت والبحرين وقطر وإنما المنطقة الإقتصادية البحرية التي ستخرج عن القبضة الأميركية من دون طلقة رصاص واحدة. حصار أميركي حوّلته الإتفاقية إلى حصارٍ عليه.
في المرحلة المقبلة سيكون على الدبلوماسية الأميركية إنجاز ملفات عديدة في وقت واحد. الإنسحاب من أفغانستان والعراق وسوريا. العودة الى الحضن القانوني لإتفاقية المناخ والبيئة الأوروبية والى الأمم المتحدة التي كانت قد قررت أميركا تجويعها على أيام ترامب. ثم إعادة التموضع مع إيران من بوابة تليين شروط العودة للاتفاق النووي. الشريك الإسرائيلي للأميركي سيكون في مأزق وجودي.
تحالف أوسع للمقاومة والممانعة سيتشكّل وبسرعة بعد الإتفاق الصيني الإيراني. الحرب الإسرائيلية الإستباقية ستكون صعبة جداً. الوسائل التقنية التي ستكون متوفرة في الأشهر المقبلة على مستوى الأمن الإستراتيجي ستكون لصالح المقاومة في المنطقة. الداخل الفلسطيني سيكون أكثر قدرة على المناورة والمباغتة والمراقبة ما سيحتم تطوير مستمر للقدرات الإسرائيلية أي عسكرة إقتصادها. في ظل هذه الظروف الضاغطة لن يكون بمقدور الكيان الصهيوني قطف ثمار التطبيع داخل ما اصطُلِح على تسميته الشرق الأوسط الجديد على حد قول إليوت أبرامز وبرنار هنري ليڤي وكونداليزا رايس.
شرق أوسط جديد في مواجهة شرق أوسط أجَدّ. اللاعبان الصيني والإيراني سيلعبان في السياسة الإقليمية كشركاء أساسيين. انتخابات العراق وسوريا ولبنان وإعادة النظر ببنى دول الخليج وانظمتها وحدودها الجغرافية والجيوسياسية ستكون عناوين المرحلة المقبلة. شيء من النمو الإقتصادي سيتبلور على أنقاض الدولرة. سيأخذ الوقت الكافي إنما المسار فُتِح على مصراعيه.
الحرب قد تكون أقل الحلول كلفة بالنسبة للأميركيين لخربطة المسار المذكور. تكليف الإسرائيلي غير مضمون . تجربة 2006 ما زالت ماثلة امام جنرلات العدو وهم يحذرون منها سراً وعلناً في وسائل الإعلام. من هذه النافذة يمكن فهم النشاط الديبلوماسي المفاجئ لسفارَتَي الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودبة حول ضرورة تشكيل حكومة لبنان. محاولة للعب دور العرّاب للحدّ من الخسائر التي بدأت في الإستراتيجيا وانتهت في التكتيك.
أغلب الظن أن حكومة لبنان دخلت المرحلة الأخيرة من الطَّهو. نوع من تسونامي جيوسياسي على وشك أن يهب على المنطقة. مكابرة ألا يحتمي الخصوم من عتيّ أمواجه. لن يأتي بالنار والبارود ولا بحصار اقتصادي ولا بتجفيف منابع الدولار. آت بالتطوير والتحديث وستدوم مفاعيل أمواجه ربع قرن تقريباً.. مع إمكانية التجديد برضى الطرفين.