نشرت جريدة الصحافة، في عددها الصادر اليوم الجمعة 26 أفريل 2019، مقالا بتوقيع الإعلامي الهاشمي نويرة، تحدث فيه عن اقتحام قوات الأمن أمس الخميس لمقر قناة نسمة برادس، وحجز معداتها وقطع بثها، تنفيذا لقرار الهايكا.
وقال الهاشمي نويرة، إن ”موضوع «الهايكا» والهيئات الدستورية و«المستقلّة» ـ والتي أكسبوها صلاحيات إستثنائية في خِضَمّ «المدّ الثوري» وفِي غفلة من الجميع ـ يستوجب منّا وقفة أكبر وهو ما يفرض علينا العودة إلى هذا الموضوع في قادم الأيام”.
واضاف نويرة: ”لابدّ من التذكير بأنّ قرار «الهايكا» يعود إلى أشهر خلت ولكنّ قرار التنفيذ الذي هو من مهام السلطة التنفيذية أي الحكومة فإنّه بدأ يختمر منذ أسبوع ويبدو أنّه نضج للتنفيذ أمس نظرا لاقتراب موعد الشهر الفضيل رمضان المعظّم وهو ما قد يكون عجّل بقرار إيقاف البثّ ولا جدال في أنّ لهذه التطوّرات علاقة بالشهر المقدّس”.
كما اعتبر أنّ ”توقيت تنفيذ القرار ضدّ قناة «نسمة» بالقوّة العامة يثير أكثر من تساؤل وأكثر من شُبْهَةٍ وفِي المقابل فإنّ عدم تطبيق نفس القرار على قناة «الزيتونة» كان منتظرا بحُكْمِ الحصانة التي تؤمّنها لها حكومة «النهضة» والمكلّفة بتنفيذ قرار حكومة الظلّ”.
وفيما يلي المقال كاملا:
الحَمَاقَةُ بِئْرٌ بِلا قَاعٍ
مَنْ نَصَحَ «الأمير» هذه المرّة ؟!
بقلم: الهاشمي نويرة
«فوجئ» التونسيون أمس بإيقاف بثّ قناة «نسمة» بالقوّة العامّة وتمّت عملية التنفيذ بناء على قرار صادر عن «الهايكا» يقضي بأنّ القناة المذكورة «مارقة» و«خارجة عن القانون» و«تتصرّف على غير الصيغ القانونية» وحسبما أكّدته الهيئة فإنّ القرار يشمل كذلك قناة «الزيتونة» وإذاعة القرآن الكريم غير أنّه «إستحال» في ما يبدو تطبيقه على «الزيتونة» تحديدا بسبب «وجود سند سياسي» مثلما أكّد ذلك رئيس «الهايكا» النوري اللجمي في تصريح لإذاعة «موزاييك» أمس، هكذا صرّح اللجمي وهو بذلك يؤكّد بما لا يدع مجالا للشكّ بأنّ حكومة «النهضة» وبعدما أنهت عمليّا القدرة التنافسية لكلّ مكوّنات المشهدين الحزبي والسياسي حوّلت وجهة معركتها صوب الإعلام ،أداتها في ذلك هيئة بصلاحيات «ربّانية» تصول وتجول في المشهد السّمعي البصري وتحوّلت تدريجيّا من مجرّد هيئة تعديلية إلى أداة تسير في ركاب أجندات سياسية وحزبية وسيف مسلّط على حرية الصحافة والإعلام وإنْ إستند ذلك إلى «إخلالات» درجة قانونيتها متفاوتة ولكنّها لا تبرّر في كلّ الأحوال إيقاف بثّ مؤسّسة إعلامية وجودها الفعلي والقانوني يسبق وجود «الهايكا» ذاتها.
إنّ موضوع «الهايكا» والهيئات الدستورية و«المستقلّة» ـ والتي أكسبوها صلاحيات إستثنائية في خِضَمّ «المدّ الثوري» وفِي غفلة من الجميع ـ يستوجب منّا وقفة أكبر وهو ما يفرض علينا العودة إلى هذا الموضوع في قادم الأيام.
واسترسالا مع موضوعنا الرّاهن ، لابدّ من التذكير بأنّ قرار «الهايكا» يعود إلى أشهر خلت ولكنّ قرار التنفيذ الذي هو من مهام السلطة التنفيذية أي الحكومة فإنّه بدأ يختمر منذ أسبوع ويبدو أنّه نضج للتنفيذ أمس نظرا لاقتراب موعد الشهر الفضيل رمضان المعظّم وهو ما قد يكون عجّل بقرار إيقاف البثّ ولا جدال في أنّ لهذه التطوّرات علاقة بالشهر المقدّس.
إنّ توقيت تنفيذ القرار ضدّ قناة «نسمة» بالقوّة العامة يثير أكثر من تساؤل وأكثر من شُبْهَةٍ وفِي المقابل فإنّ عدم تطبيق نفس القرار على قناة «الزيتونة» كان منتظرا بحُكْمِ الحصانة التي تؤمّنها لها حكومة «النهضة» والمكلّفة بتنفيذ قرار حكومة الظلّ.
وقد لا تبرّئُ «النهضة» مسارعتها بالإعلان عن عَقْدِ اجتماع إستثنائي ولكنّه غير عاجل (الإعلان أمس والإجتماع اليوم وعلى الأرجح إثر صلاة الجمعة) وذلك لبحث تداعيات إغلاق قناة «نسمة» على حرية الصحافة والإعلام.
وقد لايُفيد حركة «النهضة» في شيء ما تسرّب على لسان زعيمها راشد الغنوشي والذي نُقِلَ عنه أنّه «إستهجن قرار الحكومة التنفيذ ضدّ نسمة دون التشاور مع أيّ طرف».
وتقديرنا أنّ أسباب التعجيل بالتنفيذ واضحة وجليّة ويمكن حصرها في ثلاثة:
-إنّ طموحات نبيل القروي أضحت مُقلقة لعديد الأطراف ومنها رئيس الحكومة يوسف الشاهد ومعلوم أنّ صاحب قناة «نسمة» أعلن نيّته الترشّح لرئاسة الجمهورية.
– ثانيا، إنّ القروي دخل في ما تعتبره «النهضة» إختصاصها ومجالها الحيوي وهو الجانب الإجتماعي خصوصا وأنّ نبيل القروي يعتزم تنظيم عمل تضامني واسع النطاق مع الفئات والجهات المحرومة والمهمّشة وذلك خلال شهر رمضان القادم وهو أمر لا تنظر إليه «النهضة» بعين الرضى.
ـ ثالثا، يبدو أنّ حملة التسجيل في السجلّات الإنتخابية التي تدعمها القناة بقوّة أضحت مقلقة بالنسبة لحركة «النهضة» التي تراهن على مشاركة ضعيفة في الإنتخابات تؤمن لها الفوز بعيدا عن كلّ مفاجآت غير سارّة فهي واعية جدّا بأنّ رصيدها الإنتخابي تآكل وأضحى لا يتجاوز 400 ناخب بعدما كان يفوق المليون و 200 ألف ناخب في أكتوبر 2011 وبالتالي فإنّ كلّ زيادة في عدد الناخبين سيؤثّر سلبا على النسبة التي ستحصل عليها في الإستحقاق الإنتخابي القادم.
إنّ حركة «النهضة» تعتبر الإنتخابات القادمة محطّة هامة وحاسمة من أجل التمكّن النهائي من الحُكْمِ وبالتالي فإنّها مستعدّة للدخول في حرب كَسْرِ عظامٍ ضدّ كلّ من يُعِيقُ خططها المستقبلية وهي التي نجحت إلى حدّ الآن في تدمير مقدرات الأطراف المكوّنة للمشهدين الحزبي والسياسي مستغلّة في ذلك انتهازية البعض وغباء أو حماقة البعض الآخر، وبالتالي فإنّها لن تتراجع البتّة في سياسة دَحْرِ كلّ ما تشتمّ منه معارضة مهما كانت درجتها لسياساتها الإستراتيجية وأمّا صاحب القصبة فلا همّ لديه إلّا تأمين الطريق إلى قرطاج ونظنّ أنّه وتحت تأثير بعض مساعديه أخطأ اختيار الحليف أوّلا وسَلَكَ طُرُقًا خاطئة أو هي غير صائبة ولا نعتقد أنّ توقيت قرار إغلاق قناة «نسمة» والذي هو خطأ إتّصالي قاتل، لا نعتقد أنّه كان بنصيحة دائرة الإتّصال التي ورغم اختلافاتنا معها لا يُمكن أنْ تنصح بمثل هذا الأمر لمعرفتها بتداعياته السياسية.
ولا نظنّ أنّ من نصح بالأمر قدّر ردّة الفعل السياسية والحزبية والجمعياتية ..الكلّ شجب وأدان مع وجود إستثناءين إثنين، النهضة أجّلت الإدانة وقد تتدارك الأمر قبل ذلك وجمعية مهنية أخطأت الترتيب في تحميل المسؤوليات