المهندس: ميشيل كلاغاصي |
بعدما أغواه المال وأوقعت به الشهوة فقد الإنسان قيمته وتخلى عن قيمه، وما بين الحق والباطل، والحرية والديمقراطية، قرر البعض السيطرة على العالم والتحكم بحياة ومصير الشعوب.
فقد قادت أوروبا عالم الشرّ لقرون إلى أن حبلت وأنجبت مولودا ًودعته أمريكا… ومع تمايز الملامح الأمريكية، تبلور الشرّ، وبدأت معه الحروب القذرة والبحث عن الهيمنة والسيطرة على العالم، وأرسلت جيوشها إلى ما وراء البحار، بحثا ًعن المال والهيمنة بعيدا ًعن أي قيم حضارية وأخلاقية وإنسانية.
فخاضوا الحروب وارتكبوا الجرائم وجسدوا الشرور وتفوقوا عبر صفاتٍ جماعية لقادة ومخططين ومنفذين هللت لها جماعة المستفيدين والفاسدين وقساة القلوب، وتحولوا ما بين الصقور والحمائم إلى وحوشٍ ضارية يفاخرون ويتباهون بأنهم أمريكيون …
مجرمون قتلة وغزاة محتلون سارقون، لم يترددون يوما ًبالقيام بأي شيء، تحت عناوين الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، فبنوا قلاعا ً في عالم الهيمنة والإرهاب والفساد والفضائح اللاأخلاقية والعلاقات المشبوهة!، واضعين نصب أعينهم الهيمنة على قارات العالم، وضمان أمن الكيان الإسرائيلي الغاصب! …
ففي أمريكا جهاتٌ كثيرة منها شركات كبرى، ولوبيات تضغط ليل نهار، وتُنفق الملايين سرا ًوعلانية، خليطٌ عجيب وغير متجانس، وكلٌ يغني على ليلاه، وكلٌ يطمع ويلهث وراء نصيبه في ظل الهيمنة والغطرسة الأمريكية … ويعتقد بعض الساذجين بأنهم لا يتقصدون أحدا ً، إنما يفعلون ما يحلو لهم، ولا يتقيدون بأخلاق الحرب أو السلم أو أية قواعد للسلوك والإنسانية.
وبفضل تلك الطغمة، وقعت الولايات المتحدة نفسها، تحت حكم وهيمنة طبقة الوحوش “الأنيقة”، وأصحاب الثروات والمليارات، اللذين ورغم التخمة، يتهربون من الضرائب، ويبحثون خلف القوانين عن الشهوات والمتعة وزيادة النفوذ والثروة في فضاءات الفساد، وتتكشف يوما ً بعد يوم فضائح كبرى تطال كبار الأغنياء، والمشاهير والساسة، ويتعرضون ليد القانون وفق قواعده وربما لفضاءات فساده أيضا ً.
يبدو أنهم يتقنون التنظير والتشدق والإدعاء بالفضائل والقيم والتميز على حساب شعوب العالم، فقد خاطبهم الرئيس باراك أوباما يوما ً بقوله:”أنتم استثنائيون” … فيما يقول برجنسكي:”المجتمع المنغمس في الشهوات لا يستطيع أن يسن قانونا ً أخلاقيا ً للعالم، وكل حضارة لا تستطيع تقديم قيادةٍ أخلاقية فسوف تتلاشى”… يبدو أنه ممن يحذرون أو يتوقعون مصير الولايات المتحدة الأمريكية.
أثرياء رهن الإعتقال، وفضائح رشاوي الجامعات العريقة ...
إذ ينشغل الرأي العام في الولايات المتحدة بفضيحةٍ جديدة، وبقضية فسادٍ من نوعٍ مختلف، تطال حتى اللحظة خمسون ثريا ًمن بينهم مشاهير وشخصيات عامة وسياسيين، ويقبعون رهن الإعتقال بفضل تورطهم في فضيحة ادخال اولادهم إلى بعض الجامعات العريقة عبر الرشاوى.
إذ أعلن مكتب التحقيقات الفدرالية توجيه التُهم إلى خمسين متورطا ً، قدموا رشاوى لجامعاتٍ عريقة في الولايات المتحدة لإدخال أولادهم إلى جامعات جورج تاون، هارفارد، ستانفورد …، جامعات من الصعب أن يدخلها شخص عادي، خاصة ًوأنها تضع شروطا ً قاسية وتتطلب تفوقا ًدراسيا ًوفي مجالات أخرى كالتفوق الرياضي، وهو المدخل الذي استطاع بعض الأغنياء أن يدخلوا منه إلى هذه الجامعات العريقة، فعلى سبيل المثال يتقدم سنويا ً إلى جامعة ستانفورد أربعون ألف طالب , في حين تُقبل طلبات ألفان وخمسمائة طالب فقط , ما يؤكد صعوبة المنافسة وضئالة الفرص.
وأتى دخولهم إلى تلك الجامعات ليس من بوابة التفوق في الرياضات الشهيرة المعروفة ككرة القدم أو كرة السلة , بل عن طريق رياضاتٍ فردية كالتنس والتجديف وسباق المراكب الشراعية, وهي رياضات تتطلب رسوما ًمالية عالية, ووحدهم الأثرياء من يستطيعون تسجيل أولادهم فيها, فيما تتقلص فرص الفقراء وساكني المدن والبلدات الفقيرة والأقليات بسبب عجزهم عن تأمين تلك المبالغ لأولادهم , وبالتالي لا يستطيعون ممارسة هذه الرياضات أصلا ً, وتنحصر فرصهم في التفوق الدراسي والتفوق في الرياضات الشهيرة , وتبقى الساحة مفتوحة أمام أولاد الأثرياء والمشاهير والمحامين والسياسيين وأصحاب الطبقة المخملية فقط لدخول الجامعات الكبرى.
وقد وجد هؤلاء الأغنياء فرصتهم عن طريق الرشوة, عبر شخصٍ يدعى “وليم سينغر” وهو صاحب أحد الشركات غير الربحية, إذ يتقاضى أموالا ً طائلة من الأهالي على شكل تبرعات لشركته, ويعملون على خصم ضرائبها بشكل رسمي, فيما يتولى صاحب الشركة بنفسه تقديم الرشاوى إلى المسؤولين عن امتحانات القبول السنوية, وقد استطاع رشوة عدد من والمدربين والمدربات اللذين يقومون بتمرير أسئلة الإمتحان أو بتعديل علامة الطالب بعد الإمتحان, أو بمنحهم علامات لا يستحقونها, بذلك تحولت المنافسة على دخول الجامعات لسلسلة من الأكاذيب والتلاعب غير القانوني واللاأخلاقي, فيما يغطي صاحب الشركة أعماله عبر تقديم بعض الدعم والمساعدات إلى بعض الأقليات والفقراء.
وقد يستغرب البعض هذه العملية برمتها وعن حجم الحاجة ومدى الإستفادة من دخول الأولاد إلى تلك الجامعات، فمن المعروف عن خريجي هذه الجامعات أنهم يحصلون على ميزة كبيرة تؤهلهم للحصول على أهم الوظائف وبمرتبات عالية جدا ً داخل الولايات المتحدة وخارجها، ويضمنون مستقبلا ًجيدا ً.
ومن اللافت للإنتباه، ومع إنكشاف حقيقة هذه العملية المشينة، إلاّ أن المتورطين من المشاهير والأغنياء والمحامين والساسة، لم يأبهون ولم يشعرون بالإهانة، على الرغم من تداول أسمائهم وصورهم في كافة وسائل الإعلام، وقام بعضهم بتسليم نفسه للسلطات، فيما خرج البعض الاّخر بكفالاتٍ مالية باهظة … لكن بإنتظار المحاكمات القضائية بتهم الفساد والتهرب الضريبي والرشوة، وسط أجواء فضائحية تطال المدربين والطلاب والأهالي والجامعات، والمجتمع الأمريكي على حدٍ سواء …
وكالعادة، وفي كل فضيحة، يحافظ رمز الفساد الأمريكي، صهر الرئيس الأمريكي المستشار “غاريد كوشنر”، على قوة حضوره، إذ ورد اسمه قائمة المتهمين، وسيخضع كغيره للتحقيق في اّلية دخوله كطالب عادي لم يعرف التفوق يوما ً إلى جامعة هارفارد، وسط الحديث عن تبرع والده لذات الشركة المتورطة بأكثر من مليوني دولار لبناء مبنى خاص بالشركة.
بالتأكيد هي فضيحة جديدة تضاف إلى عشرات الفضائح وعمليات الفساد والفضائح اللا أخلاقية، ولا يسعنا القول سوى …هذه هي أمريكا.