يتميز الصيام بسورية بنكهة خاصة، فهو فضلا عن كونه عبادة هامة، ينتظرها المسلمون بفارغ صبر، فيؤدونها فريضة معلومة في شهر معلوم، كل حسب جهده ومعرفته، ويتطلّعون لأجرها المخفيّ الذي لا يعلمه إلا الله، ويتفانون في أدائه بكل رغبة، وتجتمع في الصيام بسوريا عوامل أخرى مؤثرة، وهي أوّلا: أن البلد والشعب يعيشان على خط المواجهة مع العدو الصهيوني، وهذا ليس جديدا، وهذه الوضعية قائمة، منذ قيام الصهاينة مغتصبين لأرض فلسطين، منتهكين لشعبها، محتلّين قطعة عزيزة من الأراضي السورية وهي الجولان، متحدين الأمة الإسلامية والمجتمع الدولي بجرائمهم المرتكبة بحق أهلنا هناك.
وثانيا: غزوة خوارج العصر من ارهابيي الوهابية على امتداد عشرة سنوات كاملة، ذهبت برونق الشّام، فلم يعد كما كان بشرا وتألّقا، قد خلّف قتامة وآثارا مادية ومعنوية ليس من السهل أن تزول بسرعة، مع الهمة والعجم الذي يعرف به السوري، ذلك أن ما اصاب سوريا وشعبها ليس من السهل ولا الهيّن أن ينسى أو تطوى عليه صفحة اللامبالاة، فلو وقع الذي وقع في بلد ثان لذهبت ريحه ولبقي أثرا بعد عين.
ولا اعتقد أن في الشعب السوري عائلة لم يمسّها ضرّ ما وقع، فمن القتل والخطف والسجن التهجير الذي مارسته الجماعات الارهابية، في بداية المؤامرة على سوريا، انتهاء بالدمار بالتفجير وتدمير البيوت والبنى التحتية، والأعمدة الكهربائية ذات الضغط العالي، والمعامل الكبرى والمتوسطة والصغرى، وجميع ما قاساه هذا الشعب الصابر المحتسب، ليس بمقدور شخص مثلي إحصاء كوارثه، خصوصا والمصيبة عامة.
عشر رمضانات مرت أيضا على بداية المؤامرة، وفي أوّله لم يجد المهجّرون إلى شرق مقام السيدة زينب ما يقتانونه، هربا بأرواحهم من العصابات الارهابية، التي وصلت إلى غرب المقام، وبدأت تستهدفه وما وراءه من المهجّرين، وكان شعارهم طائفيا حاقدا، موجّها الى بنت النبي (ص) (سترحلين كما سيرحل بشار) وإلى المسلمين الشيعة اللائذين بها واحتماء بالمباني، التي كانت قبل ذلك فنادق وإقامات الزوار من خارج سوريا.
أن تصوم في بيتك أيّها القارئ وانت آمن من أي أذى قد يلحقك، ليس كمن يصوم يومه، ثم لا يجد ما يفطر عليه بعد ذلك، سوى قليل من الخبز والبندورة (حبات الطماطم) في أحسن الحالات، وهذا ما أخبرتني به زوجتي السورية، بعدما نفدت هي وابنيها في حيّ غربة، من بين المهاجمين للمقام، ومع ذلك واصلت صيامها ومن معها من قراباتها، تحت وطأتين: اعتداءات الارهابيين المتكررة عليهم، وعضة الجوع الشرسة التي لا تجد ما يردّ ألمها.
الجديد خلال السنوات الأخيرة وبعد دحر الإرهاب الوهابي التكفيري، هو صيام العزّة وقلب معطيات معادلة ميزان القوى من جهتين، ليكون في صالح جبهة المقاومة، التي ردّت داعش وجماعاتها الارهابية على اعقابهم منهزمين في كافة أرجاء سوريا ولم يبق سوى ادلب ومحيطها، وفي نفس الوقت وقفت في وجه العدو الصهيوني في اعتداءاته المتكررة، والتي جاء في مضمون رسالة صاروخية باتجاه مفاعل ديمونة، ليتقرر من جانب الحكومة السورية ومحورها المقاوم أن زمن العدوان المتاح، لم يعد كذلك، وأن الكيان الصهيوني سيلقى مع كل عدوان ردّا يناسبه.
حدث هذا في شهر الصيام وشهر القرآن، الذي أبى الا أن يكون عهدا جديدا في التعامل مع العدو الصهيوني، ببركته وما نزل فيه، وصيام أهل الثغور، هو الذي يؤديه السوريون وحلف مقاومتهم، كل بحسب جهده ووظيفته، والصائمون هنا فوق أداء واجب صيامهم، متمركزون في مواجهة العدو الصهيوني، وعلى خط النار مع المجموعات الإرهابية في أقصى الشمال، والمجموعات الإرهابية المتآكلة في الجنوب.
ودور محور المقاومة في هذا الشهر، فضلا عن حمايتهم لمقام السيدة زينب وللأهالي القاطنين هناك، بعدما حرروا جميع الأحياء المحيطة بالمنطقة، وأنهوا بذلك خطر الجماعات الإرهابية، المتمثل في القصف العشوائي بالهاونات والصواريخ والقنص المتواصل، تمثل في تقديم يد المساعدة للسكان بقطع النظر عن انتمائهم المذهبي في شكل مواد غذائية وخبز وأكلات جاهزة، ولإيران الاسلامية هنا دور هام في تقديم هذا المساعدات، حتى خارج منطقة السيدة زينب كحيّ المين وحي زين العابدين بدمشق، لتشمل حمص وحلب وريفيهما.
فأيّ صيام أفضل من أن يكون الصّائم مبتلى بعوامل أخرى، ليست بالهيّنة عليه، كالّتي عاشها ويعيشها أحرار سوريا، ومحورهم المقاوم الذي انخرطوا فيه، بحيث اصبحوا جزءا لا يتجزأ أبدا منه، صيام وثبات على ثغرين كبيرين: ثغر العدوّ الصهيوني، وثغر الارهاب التكفيري، وفوق ذلك حصار قيصر آخر محاولات أمريكا لإخضاع الشعب السوري، وهيهات أن يتحقق حلم الاستكبار العالمي في سوريا، وفي سوريا شرفاء قدّموا قوافل شهداء، وما زالوا يبذلون من أجل سلامة بلادهم، ووحدة أراضيها وحفظها من المعتدين.. صياما مقبولا أيها الشرفاء وأحباء الأوطان.