قد يعتقد البعض اني قد ابالغ في المقارنة بين الرئيس عز الدين سليم من العراق والرئيس قيس سعيد من تونس , وهي نفس الملاحظة التي طرحتها على شخص الرئيس قيس سعيد عندما التقيت به ذات مرة في مكان وزمان معين ,سالته انت تذكرني بمعلمي وملهمي الحاج عز الدين سليم , ابتسم الرجل رغم انه قليلا ما يبتسم , وعلق قائلا سبحان الله , فالرجل شدني بكلماته النابعة من اعماق قلبه وباسلوبه المهذب وثقافته المتعددة واستيعابه للنقد والتجريح , حتى انني رايت في شخصه وتهذيبه انعكاسا روحيا وانسانيا لشخص وروح الحاج عز الدين سليم , فكل مارايته في هذا الرجل كان في واقعه صورة مصغرة لشخص ومسيرة وروح الشهيد عز الدين سليم ,رحمه الله تعالى .
صحيح هناك شخصيات تتكرر واخرى تتشابه والاكثرية تتناقض ,ولكن تكرار هاتين الشخصيتن لهما دلالات ومعطيات واستحقاقات لايمكن المرور بها مرور الكرام او النظر اليها سطحيا دون اي تعمق او تفهم , فالرجلان يتحليان بالجانب السلوكي الانساني , وبالطهارة السياسية وبنظافة اليد واللسان والسيرة وبالبساطة في الحياة وبالانفتاح على الجميع دون استثناءات .
رجلان نذرا نفسيهما للفكر وتربية الاجيال والاستقامة في مسيرتهما السياسية والصرامة في قول الحق , وفي عكس الموروث الثقافي وفي تحقيق الارادة الاستقلالية .. صورة انسانية متجلية ومبدعة تجمع شخصين كلٌّ له اداؤه في زمنه وفي مرحلته وفي بلده .
المثير ان محبي الحاج عز الدين سليم كثيرا ما يطلقون عليه اسم الاستاذ لكونه يقوم بدور المربي والمثقف والمحب للاخرين والمخلص لانسانيته وافكاره الرفيعة , كما هو حال الدكتور قيس سعيد الذي يطلق عليه انصاره لقب الاستاذ .
قيس سعيد يراه طلابه شخصية تكرّس حياتها لمهنتها، ويظهر في صورة الإنسان المستقيم والصارم، ونادراً ما يبتسم, أُطلقت عليه تسمية “روبوكوب” من قبل نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، لأنه دائماً ما يتحدّث اللغة العربية بطلاقة ومن دون توقّف , يقول عنه طلابه أنه يمضي ساعات خارج حصص الدرس مع الطلبة لتوضيح بعض النقاط بخصوص امتحان. ووصفه نسيم بن غربية، أحد طلابه وصحافي تابع دروسه بين عامي 2011 و2012، بالـ”أستاذ الجديّ والمسرحي أحياناً، لكنه دائم الإصغاء لطلّابه.ويتذكّر صحافي من وكالة الصحافة الفرنسية أنه حين يدخل الكلية صباحاً، يبدأ سعيّد بإلقاء التحية على كل من يصادفه من زملائه الذين يدرّسون معه وعمّال النظافة والموظفين في الإدارة والطلاب، ويسأل عن أحوالهم وأحوال عائلتهم فرداً فرداً. هذه الصفات نفسها عايشناها وعاصرناها في شخص الاستاذ عز الدين سليم فهو رجل مهني ورسالي ومبدع , لايتوانى عن فعل الخير وفي متابعة قضايا الناس والاهتمام بامورهم وتفقدهم وايلاءهم الاهتمام وتوضيح الامور بصدق واخلاص , يقترب كثيرا من نبض المجتمع ومن اماله , يتفهم تفكير الناس ومنطلقاتهم وحتى ردود افعالهم , لايتورع عن قول الحق في وجه المسؤولين او ممن يملكون القرار والسلطة , لكنه يخفض من جناحه للاخرين وينبسط معهم بالحديث ويسلم على الجميع ويحترم اراء الاخرين حتى وان كانت على النقيض معه .
وكما هو الرئيس سعيّد في اخلاقياته السياسية كان الشهيد عز الدين سليم مخلصا لقضايا الوطن ولمطالب المجتمع , كان قريبا منهم ياكل الطعام مع حمايته ومع ضيوفه ولايملك مكانا لاقامته بشكل دائم حيث كان في فندق يفتقد لابسط المقومات الامنية والترفيهية والسكنية , زرته مرة في فندق اقامته واستغربت وضعه هذا حتى ان الشهيد ابو محمد العامري تندر قائلا الان وضعنا افضل من قبل حيث كنا ننام على ارضية الفندق , لكن محبته وشهرته في قلوب الناس كانت الاكثر القا وتفاعلا , وهذا هو السبب الذي تحقق للرئيس قيس سعيد الذي لم يات من رحم الاحزاب التقليدية او المحسوبيات السياسية او الانتماءات العرقية , بل جاء من رحم الاحداث واستحقاقات المرحلة ..
فالرئيس سعيد يُنظر إليه كرجل نظيف ويقطن منزلاً في منطقة اجتماعية متوسطة، ومقرّ حملته الانتخابية مكتب متواضع وسط العاصمة.
فكما كان الشهيد عز الدين سليم نموذج الانسان العراقي في تواضعه وكرمه ونبله وشموخه كان الرئيس قيس سعيد يحمل نفس الصفات ونفس المنطلقات , فقد رايناه كيف نفض غبار الزمن عن الوضع التونسي وكيف اعاد هذا البلد الى هويته ومنابعه الاصلية وذلك عبر الخطاب الذي ادلى به بعد اعلان نتائج الانتخابات الرئاسية .
اليوم نحن على مفترق طرق في ظل تكالب اعلامي شرير ينتظر العراق وينتظر تجربته الجديدة بعد سقوط الدولة العميقة فعسى ان تكون التجربة التونسية كفيلة للسياسيين في العراق وللشعب العراقي في انتخاب اشخاصه وفي تمثل هذا النموذج ليكون قريبا من رئيسه الحاج عز الدين سليم ذلك القائد الملهم والمربي الجدير بالثقة والاحترام .